مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 28/02/2002, 01:59 PM
طالب العلم طالب العلم غير متواجد حالياً
زعيــم فعــال
تاريخ التسجيل: 11/10/2001
المكان: الامارات - دبي - ديره
مشاركات: 277
تنبيه: قول: اللهم اغفر لي إن شئت

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده، ونستعنه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعةٌ، وكل بدعةٍ ضلالةٌ، وكل ضلالةٍ في النار.

فقد لوحظ خطاء يقع فيه كثيرٌ من الناس، وهو أنه عندما يدعو يقول إن شاء الله، وهذا مخالف لقول الرسول عليه الصلاة والسلام.

في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة، فإن الله لا مكره له ".

ولمسلم: " وليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيءٌ أعطاه ".

ويعني: ذلك أنه لا يجوز لورود النهي عنه في الحديث.

وقوله: " لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة، فإن الله لا مكره له ". بخلاف العبد، فإنه قد يعطي السائل مسألته، لحاجته إليه، أو لخوفه أو رجائه، فيعطيه مسألته وهو كاره، فاللائق بالسائل للمخلوق أن يعلق حصول حاجته على مشيئة المسؤول، مخافة أن يعطيه وهو كاره، بخلاف رب العالمين، فإنه تعالى لا يليق به ذلك لكمال غناه عن جميع خلقه، وكمال جوده وكرمه، وكلهم فقير إليه، محتاج لا يستغني عن ربه طرفة عين، وعطاؤه كلام.

وفي الحديث: " يمينُ الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار. أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض؟ فإنه لم يغض ما في يمينه، وفي يده الأخرى القسط يخفضه ويرفعه " (1) يعطي تعالى لحكمة ويمنه لحكمة وهو الحكيم الخبير.

فاللائق بمن سأل الله أن يعزم المسألة، فإنه لا يعطي عبده شيئاً عن كراهة ولا عن عظم مسألة. وقد قال بعض الشعراء فيمن يمدحه:

ويعظم في عين الصغير صغارها *** ويصغر في عين العظيم العظائم

وهذا بالنسبة إلى ما في نفوس أرباب الدينا، وإلا فإن العبد يعطي تارة ويمنع أكثر، ويعطي كرهاً، والبخل عليه أغلب. وبالنسبة إلى حاله هذه فليس عطاؤه بعظيم، وأما ما يعطيه الله تعالى عباده فهو دائم ومستمر، يجود بالمنوال قبل السؤال من حين وضعت النطفة في الرحم. فنعمه على الجنين في بطن أمه دارة، يريبه أحسن تريبة، فإذا وضعته أمه عطف عليه والديه ورباه بنعمه حتى يبلغ أشده، يتقلب في نعم الله مدة حياته، فإن كانت حياته على الإيمان والتقوى ازدادت نعم الله تعالى عليه إذا توفاه أضعاف أضعاف ما كان عليه في الدنيا من النعم لا يقدره قدرها إلا الله، مما أعده الله تعالى لعباده المؤمنين المتقين. وكل ما يناله العبد في الدنيا من النعم وإن كان بعضها على مخلوق فهو بإذن الله وإرادته وإحسانه إلى عبده، فالله تعالى هو المحمود على النعم كلها، فهو الذي شاءها وقدرها وأجراها عن كرمه وجوده وفضله. فله النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن.

قال تعالى: " وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ " [ سورة النحل: 53] وقد يمنع سبحانه عبده إذا سأله لحكمة وعلم بما يصلح عبده من العطاء والمنع، وقد يؤخر ما سأله عبده لوقته المقدر، أو ليعطيه أكثر. فتبارك الله رب العالمين.

وقوله: " وليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيءٌ أعطاه ". أي في سؤاله ربه حاجته، فإنه يعطي العظائم كرماً وجوداً وإحساناً. فالله تعالى لا يتعاظمه شيء أعطاه. أي ليس شيء عند بعظيم، وإن عظم في نفس المخلوق. لأن سائل المخلوق لا يسأله إلا ما يهون عليه بذله بخلاف رب العالمين، فإن عطاءه كلام لقوله تعالى: " إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " [ سورة يس: 82 ] فسبحان من لا يقدر الخلق قدره، ولا إله غيره، ولا رب سواه.

وفيه مسائل:

الأولى: النهي عن الاستثناء في الدعاء.
الثانية: بيان العلة في ذلك.
الثالثة: قوله: " ليعزم المسألة ".
الرابعة: إعظام الرغبة.
الخامسة: التعليل لهذا الأمر.

نقلا من كتاب فتح الميجد شرح كتاب التوحيد تأليف الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب أليك.

_______________

(1) رواه البخاري في عدة مواضع من الجامع، ومسلم عن أبي هريرة وفيه زيادة: " وكان عرشه على الماء " بعد " خلق السماوات والأرض " وفي تفسير سورة هود من البخاري أول الحديث: " أنفق أنفق عليك، وقال يد الله ملأى - الحديث " قال الحافظ في الفتح: وترد رواية " رواية يمين الله " على من فسر اليد هنا بالنعمة، وأبعد من فسرها بالخزائن. ا.هـ.
ومعنى " يغيضها " ينقصها، يقال: غاض الماء إذا نقص، ومعنى " سحاء " أي دائمة الصب والعطاء الكبير.
اضافة رد مع اقتباس