مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #2  
قديم 04/11/2012, 02:27 AM
ابو المثنى ابو المثنى غير متواجد حالياً
زعيــم فعــال
تاريخ التسجيل: 29/08/2007
مشاركات: 325
المعلوم أن الدخان والدجال علامتان من علامات الساعة الكبرى ، و هذا المبحث سيتضمن اجتهاداً في فهم المقصود بعلامة الدخان ، وذلك من خلال مدلولات الآيات القرآنية الدالة على هذه العلامة ، إضافة إلى بعض آثار السلف التي ترشد إلى علاقة بين هذه الآية ونزول كسف من السماء ؛ حيث سيتم من خلال مجموع القرائن في هذا المبحث إضافة للمقدمة الرابعة في المبحث السابق تصور المراد بهذه العلامة ووجه علاقتها بعلامة الدجال ، وطبعاً هذا الاجتهاد يفيد الاحتمال لا الجزم . وتفصيل الثاني:طلبين على النحو التالي :
المطلب الأول : أهم المعاني التي تتضمنها آية الدخان
ومدى علاقتها بكسف من السماء
/ - يقول الله سبحانه وتعالى : } فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ، يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ، رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ، أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ، ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ، إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ{
شرح :
هذه الآيات سبق بيان المراد بها في مبحث إشكالات وردود ؛ حيث وصلت هناك
إلى نتيجة إلى أن هذه الآية لم تقع بالصورة الحقيقية التي يدل عليها السياق ، والأغلب أنها علامة الدخان التي تعتبر إحدى العلامات العشر الكبار .
والذي يعنينا هنا هو بيان المحاور الهامة التي تضمنتها الآية وهي على النحو التالي : المحور الأول : قول الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم فارتقب إشارة إلى أن هذه الآية حاصلة لا محالة .
المحور الثاني : وصف الدخان بأنه مبين ؛ أي واضح فيه إشارة إلى أن هذا الدخان حقيقي ، وليس أمراً يتخيله الرائي أنه دخان ، وإلا لو لم يكن حقيقياً لما صرحت بأنه مبين .
المحور الثالث : الآية تشير إلى أن مصدر هذا الدخان هو السماء ، أي يأتي من أعلى ، وليس بالضرورة أن يكون مصدر هذا الدخان من خارج الغلاف الجوي ، والمتتبع للأسلوب القرآني يجد أنه عندما يتحدث عن المطر ينسب نزوله إلى السماء ، مع أن المطر حقيقة تولد في الأرض ؛ إلا أنه لما كانت جهة إنزاله المعهودة من أعلى نسب للسماء .
المحور الثالث : يتضح من الآية أنها أشارت إلى أن هذا الدخان يغشى الناس ؛ والغشيان يتضمن عدة معاني منها الإتيان والتغطية والإفزاع ([2]) ؛ أي أن هذا الدخان يأتي الناس فيباشرونه بأعينهم ويغطيهم أو يغطي عليهم ، وهذه المعاني كلها تشير إلى أن هذا الدخان ظاهرة حقيقة ملابسة للناس بينهم أو فوقهم ، وتحجب عنهم الرؤية .
المحور الرابع : وصف هذا الدخان بأنه عذاب أليم إشارة واضحة إلى أنه عقوبة فظيعة تصيب الناس ، خاصة أن الواصف لهذا العذاب بأنه أليم هو الله سبحانه وتعالى .
المحور الخامس : دعوة الناس لله بكشف العذاب بدعوى أنهم مؤمنون فيه إشارة إلى أن هذا الحدث يكون جللاً ، ولا يجد الناس لهم مفراً منه إلا باللجوء إلى الله سبحانه وتعالى ، فحالهم كحال أصحاب سفينة شارفت على الغرق ووجدوا أنهم لا منجى لهم من الله إلا الله ، وسياق الآية يشير إلى أن إيمانهم يعتبر من باب الإيمان الاضطراري الذي يواكب الشدائد ، ويتلاشى بعدها .
المحور السادس : قول الله سبحانه وتعالى بأنه سيكشف العذاب قليلاً إشارة إلى أن هذا الحدث قريب من الساعة ، وهي البطشة الكبرى .
هذه أبرز المعاني التي أرشدت لها الآيات ، وهي تشير إلى دخان حقيقي واضح لا يشك اثنان في كونه دخاناً سيصيب الأرض ويغطي الرؤية على الناس ، وتتضح فيه معالم العقوبة العظمى ؛ لذا يلجأ الناس إلى الله ليكشف عنهم العذاب ، فتبين الآيات أن العذاب سينكشف قليلاً عنهم ، مما يشير إلى قرب هذا الحدث من يوم القيامة ، وهذه المعاني بهذا الوصف لم تقع بعد ، وإشارة الآيات تدل على أنها لا بد ستقع .
/ - قال الله I : } فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ {

/ - عن عبد الله بن مليكه قال : غدوت على ابن عباس رضي الله عنهما ذات يوم ، فقال :» ما نمت الليلة حتى أصبحت ، قلت : لم ؟ قال : قالوا : طلع النجم ذو الذنب ، فخشيت أن يكون الدخان قد طرق ، فما نمت حتى أصبحت .«
/ - قال الله سبحانه وتعالى : } وَإِن يَرَوْا كِسْفاً مِّنَ السَّمَاءِ سَاقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ {
أقول :
هذا أثر صحيح عن حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما وفيه إشارات عظيمة أهمها أنه قرن بين طلوع النجم ذي الذنب وبين آية الدخان التي تعتبر من علامات الساعة، وقد تكون هذه الملازمة بين الأمرين دالة على طبيعة العلاقة بينهما ، أي أن طلوع الكوكب سبب في نشوء آية الدخان . وكذلك فيه إشارة إلى أن آية الدخان تدل على حدث مستقبلي ، وإلا لما فزع ابن عباس من مقولة خروج الكوكب ، وكذلك في الحديث إشارة ضمنية بأن آية الدخان تكون قبل خروج الدجال ، وإلا لما فزع فقيه الأمة وحبرها من خروج النجم ذي الذنب لعلمه أن هناك أحداثاً لم تقع قبل هذه الآية كالدجال مثلاً ، ففزعه فيه دلالة على أنه يتصور وقوع آية الدخان قبل خروج الدجال ، وهذا يتفق مع حديث العلامات العشر الذي ذكر الدخان قبل الدجال ، ويتفق مع اختبار النبي صلى الله عليه وسلم لابن صـياد بآية الدخـان على اعتبار أنه الدجال .
وكذلك يتفق قول ابن عباس مع تصورات علماء الفلك ، وتوقعاتهم حصول هالة ضخمة من الدخان تلف الكرة الأرضية حال نزول نيزك على الأرض .
/ -عن علي بن عبد الله بن عباس قال: » لا يخرج المهدي حتى تطلع مع الشمس آية. «
هذا الأثر الصحيح عن أحد السلف الصالح من التابعين ، وابن حبر الأمة يشير إلى أن من علامات خروج المهدي في آخر الزمان طلوع آية مع الشمس ، ومثل هذا القول ، و إن كان موقوفاً إلا أن له حكم المرفوع ، لأن مثل هذا القول المبني على قضية غيبية لا يتصور صدوره عن اجتهاد أو رأي ، فلا بد أن يكون مرجعه الوحي .
ولم يصرح الأثر عن طبيعة هذه الآية التي تطلع مع الشمس ، وجاء في بعض الآثار ما يستأنس به في توضيح المراد بهذه العلامة ، منها ما ورد عن الحسين بن علي قال : » إذا رأيتم علامة في السماء نار عظيمة من قبل المشرق تطلع ليالي فعندها فرج الناس ، وهي قدام المهدي «([8]) وعن محمد بن علي بن أبي طالب قال: » إذا رأيتم ناراً من قبل المشرق ثلاثة أيام أو سبعة فتوقعوا فرج آل محمد . «([9]) وعن كعب قال : » يطلع نجم من المشرق ، قبل خروج المهدي له ذنب يضيء . « ([10]) وعن كثير بن مرة الحضرمي قال : » آية الحدثان في رمضان علامة في السماء ، بدءها اختلاف في الناس ، فإن أدركتها فأكثر من الطعام ما استطعت . «([11]) وعن خالد بن معدان قال : » إنه ستبدو آية عمود من نار ، يطلع من قبل المشرق يراه أهل الأرض كلهم ، فمن أدرك ذلك فليعد لأهله طعام سنة . «([12]) وقال كعب عن الآية التي تظهر في السماء : » هو نجم يطلع من المشرق ، ويضيء لأهل الأرض كإضاءة القمر ليلة البدر . «([13]) وعن كعب أيضاً : » ونجم يرى به يضيء كما يضيء القمر ، ثم يلتوي كما تلتوي الحية ، حتى يكاد رأساها يلتقيان .. والنجم الذي يرمي به شهاب ينقض من السماء، معها صوت شديد حتى يقع في المشرق، ويصيب الناس منه بلاء شديد. «([14])
وجه الدلالة من مجموع الآثار :
هذه الآثار الواردة عن السلف الصالح سواء كانوا صحابة أو تابعين أو غيرهم إضافة إلى الأثرين الثابتين عن ابن عباس وابنه علي كلها تعزز ما ذكرنا من أن هناك رابطاً بين نجم (_ ) يطرق الأرض وبين آية الدخان ، وبعضها يصرح بوقوعه ، وبعضها يصف حال هذا النجم قبل سقوطه بأنه يدور في فلك الأرض أو قريباً منها عدة أيام ، ويضيء لقربه إضاءة شبيهة بإضاءة القمر ، وبعض هذه الآثار يشير إلى النتائج المدمرة التي تترتب على وقوعه على الأرض ؛ لدرجة أن بعضهم أشار إلى ضرورة تخزين الطعام لسنة كاملة ، وهذه الآثار بهذا التوصيف تتفق في مدلولاتها مع ما يتصوره علماء الفلك في حالة سقوط نيزك على الأرض .
/ - قال الله سبحانه وتعالى : } وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ {
شرح :

هذه الآية وإن جاءت في معرض الرد على كفار قريش – كما يرى بعض علماء التفسير ([16]) - ، وتتضمن تهديداً لهم ، إلا أن فيها إشارة عجيبة ، وهي الربط بين رؤية قطعة كبيرة من الحجارة ساقطة وبين السحاب الأسود الكثيف المتراكم ، وهذا المعنى أشار إليه علماء الفلك بقولهم : إن نزول نيزك على الأرض كفيل بخلق سحابة شديدة من الدخان المتراكم تحجب رؤية الشمس جزئياً أو كلياً ، وبذا نلحظ مدى الدقة العجيبة ومدى التوافق والمطابقة بين قول علماء الفلك ، وبين ما تذكره الآية على ما يترتب على سقوط كسف من السماء ، و كذلك ما تذكره الآية في سورة الدخان من أن الدخان يغشى الناس ؛ أي يغطي على أعينهم ، ويكون فيه عذاب أليم .
والآية بهذا التوصيف كأنها تشير إلى حدث ستقع فيه البشرية على وجه التحقيق، ويقع منهم هذا القول، وهذا ما لم يحصل مع كفار قريش.
والعجيب أن هذه الآية قد جاءت بعد خمسة عشر استفهاماً دالاً على تعنت الكفار وغطرستهم وغرورهم ، وتفننهم في الجحود والكفر ، وتحمل في طياتها غضب رباني على حالهم ، والأعجب من ذلك أن بعد هذه الآية بخمس آيات أقسـم الله سبحانه وتعالى بنجم يسقط ، أو بالنجم إذا هوى .(_)
يتبع بمقالة عنوان آية الدخان والدجال
اضافة رد مع اقتباس