مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #3  
قديم 14/10/2012, 03:29 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ @@almoreb@@
@@almoreb@@ @@almoreb@@ غير متواجد حالياً
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 27/08/2007
المكان: بوابة برلين - منطقة البوتسدامر
مشاركات: 3,144
أحوال النبي
صلى الله عليه وسلم
في الحج

بتصرف من كتاب :
أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في الحج
لمؤلفه : فيصل البعداني





1- تحقيق التوحيد والعناية به : عمل النبي صلى الله عليه وسلم في الحج على تحقيق قضية التوحيد والعناية بها ، امتثالاً لقوله تعالى : [وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ للهِ ]الذي تضمن الأمر بإخلاص النّسك وإتقانه وهذا واضح لمن تأمل أعماله في الحج من تلبية - وهي شعار الحج المتضمن على إفراد الله وحده لا شريك له بالعمل- ، ومنها العناية بإخلاص العمل وسؤال الله تعالى أن يجنبه الرياء والسمعة ( اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة ).
وتجلى التوحيد في قراءته صلى الله عليه وسلم بسورتي الكافرون والإخلاص في ركعتي الطواف ، وفي دعاؤه صلى الله عليه وسلم على الصفا (لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير،لا إله إلا الله وحده ...) ، ودعاؤه في عرفة كان أيضاً بالتوحيد، كما في الحديث (خير الدعاء دعاء يوم عرفة،وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي:لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).
والناظر في أحوال الحجاج اليوم يرى ألواناً من البدع والخرافات ، فحري بك أخي الحاج أن تحقق التوحيد في نفسك وتكون داعية إليه في آن واحد .



2- تعظيم شعائر الله : حث الله تعالى عباده على تعظيم شعائره وإجلالها،فقال سبحانه : [ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ] ، فمن صور تعظيمه صلى الله عليه وسلم لها :
اغتساله للإحرام وتلبيـده لرأسه وتطيبه بعد الغسل بأطيب طيب إن
وُجد، وسوقه البُدن معه هدياً من ذي الحليفة وهي من شعائر الله كما قال سبحانه : [وَالبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ ].
وكان صلى الله عليه وسلم يلهج بالتلبية منذ دخوله للنسك إلى حين رميه جمرة العقبة يوم النحر، ويرفع صوته بها، ويغتسل قبل دخول مكة؛ ليزيل شعث السفر عنه،ويحتفي بالحجر الأسود إذا التزمه ويقبله ويسجد عليه ويبكي عند ذلك، ويستلم الركن اليماني، ويصلي خلف المقام ،ويقف طويلاً عند المشعر الحرام ذاكراً لربه وملتجئاً إليه ومنطرحاً بين يديه ،ويتطيب يوم النحر لزيارة البيت بعد تحلله الأول.
ويعظم زمان النسك ومكانه، فكل ذلك من تعظيم شعائر الله تعالى .



3 - إظهار البراءة من المشركين وتعمّد مخالفتهم : حرص النبي صلى الله عليه وسلم في حجته على تقصد مخالفة المشركين ، وتبرأ من أعمالهم في خطبته بعرفة . وقد بان تعمده مخالفتهم في التلبية ، فالمشركون يقولون : إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك، فوحد النبيصلى الله عليه وسلم فيها ربه ونبذ الشرك وتبرأ منه . وفي وقوفه صلى الله عليه وسلم بعرفة مخالفة لكفار قريش الذين كانوا يقفون في مزدلفة ، وفي إفاضته من عرفة بعد مغيب الشمس ، ومن مزدلفة بعد الشروق، وأيضاً إعماره صلى الله عليه وسلم لعائشة بعد الحج فيه مخالفة للمشركين الذين لا يرون حل العمرة إلا إذا دخل صفر . ومنها تعمده صلى الله عليه وسلم مراغمة المشركين بإظهار شعائر الإسلام في الأماكن التي أظهروا بها الكفر والعداوة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأمره لأصحابه ممن لم يسق الهدي بالتمتع مخالفاً للمشركين الذين يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور.



4- كثرة التضرع والمناجاة والدعاء : للدعاء منزلة عظيمة إذ هو غاية التذلل والافتقار إلى الله والاستكانة له ، لذا كان للنبي صلى الله عليه وسلم في الحج منه أوفر الحظ والنصيب ، فدعا ربه في الطواف وعند الوقوف على الصفا والمروة ، وأطال الدعاء والابتهال يوم عرفة من لدن الزوال بعد الصلاة إلى غروب الشمس، وفي مزدلفة منذ أن صلى الفجر إلى أن طلعت الشمس ، وفي أيام التشريق بعد رمي الجمرتين الأولين كان صلى الله عليه وسلم يستقبل القبلة ، ويقوم قياماً طويلاً يدعو ويرفع يديه ، قال
ابن القيم : ( بقدر سورة البقرة ).
وللتنبيه فإن المنقول من دعائه صلى الله عليه وسلم وتضرعه وثناؤه على ربه قليل جداً بالنسبة لما يُنقل ؛ إذ الأصل أن ذلك سر بين العبد وربه ، وكل أحد يناجي ربه بما هو محتاج إليه ، وإنما جهر النبي صلى الله عليه وسلم بما جهر به حين كان يريد تأسي أمته به .



5 - الغضب لله والتوقف عند حدوده : غضب العبد لله غاية التقوى ودليل صدق الإيمان وكمال العبودية ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أتقى الناس لربه ، وأغضبهم له وأعلمهم بحدوده ، فمن ذلك ما حصل عندما لم يحل صلى الله عليه وسلم من إحرامه ؛ مراعاة لأصحابه ؛ لأنه ساق الهدي وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أمر من لم يسق الهدي بأن يحلوا إحرامهم ويجعلوا حجهم عمرة ، فتأخر القوم في ذلك ظناً منهم أنه لم يعزم عليهم وإنما أبان لهم الجواز ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم من بينهم مغضباً لله أن لا يستجاب له وهو رسول الله،ودخل على عائشة –رضي الله عنها- وهو كذلك ، فقالت له : ( من أغضبك يا رسول الله ، أدخله الله النار؟ ) قال : ( أو ما شعرت أني أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون ، ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي معي حتى أشتريه ، ثم أحل كما حلوا ) ، ثم خرج عليهم فقام فيهم ، فقال: ( قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم ، ولولا هديي لحللت كما تحلون ؛ فحِلوا ) فاستجاب له الناس صلى الله عليه وسلم .
فاقتد يا عبد الله بخير الورى صلى الله عليه وسلم ، وكن ممن يغضب لربه إذا انتهكت محارمه ، ويقف عند حدود مولاه ، ولا يتجاوز شيئاً من أوامره ونواهيه ، واحذر من مخالفة ذلك فإنه من أسباب الهلكة والإصابة بالفتنة كما قال تعالى : [ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] .



6 - الخشوع والسكينة : يُدرك حضور القلب وخشوعه بسكون الجوارح ووقارها ، وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم في حجه بين الأمرين ، فكان حاضر القلب غير متشاغل بشيء عن نسكه ، خاضعاً لربه فيه ، ذليلاً منكسراً بين يدي مولاه ، باكياً ساكب العبرات ، مكثراً التضرع والناجاة مع إطالة القيام ورفع اليدين أثناء ذلك . كما كان خاشع الجوارح ، يسير سيراً ليناً بسكينة ووقار، ويؤدي مناسكه بتؤده واطمئنان ، يدل على ذلك حديث ابن عباس –رضي الله عنهما- : أنه دفع مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وراءه زجراً شديداً وضرباً وصوتاً للإبل، فأشار بسوطه إليهم وقال : ( أيها الناس عليكم بالسكينة ؛ فإن البر ليس بالإيضاع ) .
فخذ الهدي المنجي عن النبي صلى الله عليه وسلم والبس رداء السكينة وثوب الوقار ، وأدِّ نسكك بهدوء بال ، واستحضار لمعنى ما تقول وتفعل ، فإن ذلك مورث للحكمة ويحول بينك وبين الباطل ، وإياك وفعل الجاهلين الذين لا همّ لأحدهم إلا إنهاء النسك ومفارقته ، وكأنهم بلسان الحال يقولون : ربنا أرحنا منه ، لا ، أرحنا به .



7 - الاستكثار من الخير ومباشرته : حث الله عزوجل عباده على التزود من التقوى ،والتسابق في الخيرات، فقال تعالى : [ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ] .وقد كان هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم وديدنه في الحج ، ومن مظاهر ذلك :
حرصه على المجيء بمستحبات النسك ، كالاغتسال للإحرام والتطيب عند الإهلال به ، وعند خروجه منه ، وإشعار الهدي وتقليده ، والإكثار من التلبية والجهر بها حتى رمي جمرة العقبة ، وأيضاً بدء البيت بالطواف ،والرمل فيه والاستلام للركنين ، وصلاة ركعتي الطواف خلف المقام ، والدعاء على الصفا والمروة والسرعة الشديدة في بطن الوادي ، والذكر عند استلام الركنين ورمي الجمار وغيرها من السنن .
ومن مظاهر استكثاره صلى الله عليه وسلم للخير ، إهداؤه مائة بدنة مع أنه كان يكفيه عن كل ذلك سُبع بدنة أو بقرة ، أو واحدة من الغنم .
ومن الملاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد باشر جميع المناسك بنفسه ، ولم يُنِب أحداً عنه فيما تدخله النيابة إلا عند الحاجة إلى ذلك- وفي أمر الهدي خاصة - حين أناب علياً-رضي الله عنه- بأن ينحر عنه باقي هديه.
ولا يُشكِل على هذا التعميم اتخاذه صلى الله عليه وسلم للخدم ،
واستعانته ببعض أصحابه -رضي الله عنهم- في بعض الأمور : كإشعار بعض الهدي والتقاط الحصى له من مزدلفة ، والعناية بدابته واستصلاح ركابه ونحو ذلك .
فمن تأمل حج النبي صلى الله عليه وسلم يجد سعيه الشديد ورغبته الأكيدة في أداء النسك على أكمل وجه ، وإتيان الفضائل من الأعمال ، وعدم فعل الفضول إلا عند وجود مصلحة راجحة في ذلك. فاعقد العزم على المسابقة في فعل الخيرات والاستكثار منها ، واحذر الفتور والتقاعس ؛ فإن العمر يمضي والأيام لا تعود.



8 - التوازن والاعتدال : خير الأمور الوسط ، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم ، فكان التوازن والاعتدال من أبرز ما تجلى في حجه صلى الله عليه وسلم ، فمن ذلك موازنته بين حقوق روحه وجسده ، إذ صعد يوم التروية إلى منى ليقرب من عرفة ، ونام ليلة عرفة ومزدلفة ، وأفطر يوم عرفة ، واستظل فيه بقبة من شعر ضُربت له قبل ، وحين جمع الصلاة ترك النافلة قبل الصلاتين وبعدهما ، ونام تلك الليلة حتى أصبح دون أن يحييها ، وركب في تنقلاته بين المشاعر ، ونحو ذلك من الأمور التي ترفق بالجسد وتمكنه من التقوي لفعل المقصود الأعظم وهو الدعاء والمناجاة ، وأداء النسك بحضور قلب وخشوع .



9- الزهد في الدنيا : كان النبي صلى الله عليه وسلم متعلق القلب بربه عزوجل ، معرضاً عما لا ينفع في الآخرة ، فقد حج على رحل رثّ وقطيفة تساوي أربعة دراهم أو لا تساوي ، وأردف على راحلته أسامة بن زيد من عرفة إلى مزدلفة ، وكان صلى الله عليه وسلم يكثر التصدق وإطعام الناس إذ نحر يوم التروية سبع بدنات قياماً وأمر علياً يوم النحر أن يُقسم بُدنه كلها على المساكين.
هذه بعض المظاهر المضيئة والصور المشرقة من جوانب صلة النبي صلى الله عليه وسلم في الحج بربه وخضوعه لخالقه ، فهلا اقتديت به يا من قصّرت في جنب الله وتهاونت في أمره فوقعت في الخطأ والذنب ، قال صلى الله عليه وسلم : (كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون) . فكن من هذا الصنف الخيِّر.

يتبع
اضافة رد مع اقتباس