أزمة سُـكّر
استيقظ باكراً على غير العادة التقط سترته ونهض لينعم بحمامٍ دافئ يخرجه من نومه ، صرخ بوجه زوجته : أين الخادمة ؟ على عجل نادتها ماهي إلا ثوان وحضرت . المسكينة لم تكد تنعم بنومٍ هانئ بعد أن أجهدها العمل مساء البارحة حتى أيقظها المنبه قبل أذان الفجر ، لتقوم بدور الأم في تجهيز الأبناء وما يحتاجونه قبل الذهاب إلى مدارسهم .
أطرقت رأسها منتظرةً الأوامر ، قال لها وهو يتثائب : أحضري القهوة ، أريدها اليوم مُحلّاة ، ولكن ضعي السٌكّر خارجاً , ذهبت مسرعةً إلى المطبخ وما هي إلا دقائق حتى بدأ عبق القهوة يفوح في أرجاء المنزل ، مرّ كثير من الوقت ولم تعد بصينية القهوة بعد !
بدأ صوته يجلجل في الأرجاء : لماذا تأخرت القهوة يا ....! حضرت المسكينة والإرتباك يكسوها وحمرةً تعلو خدّيها الصغيرين لتخبره بأنها لم تجد السُكّر ! كانت مفاصله تئن من الكسل والإرهاق لم يستطع الذهاب إلى السوق ليحضره ، أخذ الهاتف ليطلب من السائق أن يحضره معه ولكنه تذكر أن السائق سيذهب إلى مدرسة تعليم القيادة بعد أن ينتهي من إنزال آخر طفلٍ في مدرسته !
بصوت خافت قال لها : أحضريها لذة القهوة تزداد بمرارتها ! ما هي إلا لحظات وفنجان القهوة بقترب من فمه ، ارتشفه على عجل وبدأ بتقليب القنوات مرت ساعة وأخرى وهو على هذا الحال بدأ الملل يتسرب إلى داخله ، قذف الريموت على المنضدة ونادى الخادمة ما إن حضرت حتى أمرها بإحضار الجريدة فموعد وصولها قد حان ، الجريدة في يده وهو يتنقل بين صفحاتها بدأً من الصفحة الأخيرة! نادى الخادمة مرة أخرى ليأمرها بإحضار كوبٍ من العصير وقبل أن تصل استدرك الموقف وتذكر أن السُكّر قد نفذ ! فأمرها بالرجوع .
على غير العادة انتقل سريعاً إلى الصفحة الأولى كانت المفاجأة عنوان قد اعتلى الجريدة بخطٍ عريض : أزمةٌ سُكّر ! لم يستوعب فرك عينيه ولكن مارآه لم يكن إلا حقيقة انتقل إلى التفاصيل مسرعاً ، كانت الصدمات تتوالى تباعاً السكر نفذ من جميع الأسواق والمحال والمستودعات ولم ينتبه أحد إلى المسألة تلك إلا بعد غروب شمس البارحة !
مسرعاً فتح شاشة التلفاز لينتقل مباشرة إلى القناة الحكومية الخبر صحيح! الناس يزدحمون في الأسواق والمحال التجارية الشوارع مكتظةً بهم ! على عجل ذهب إلى النافذة ليستطلع الأمر كانت المفاجأة هذه المرة أشد ! الأمر أشبه بالاقتتال بدأ يفقد صوابه كل مايهمه الآن أبنائه مسك هاتفه وهو يرتجف من شدة الخوف ، هاتفه الخلوي معطّل ، لا يدري ماذا يعمل الأم سقطت من هول الصدمة ، رفع سماعة هاتف المنزل الخطوط معطّلة الأمر بدا أشبه بكابوس ! لم يتمالك نفسه نزل إلى الشارع حافي القدمين يدور كالمجنون يسأل كل من يمر به أو يقابله في وسط الزحام ، لا أحد يأبه به الكل له قصته المأساوية التي تسب فيها السُكّر!
كالمجنون ينتقل من شارع إلى آخر على غير هدى لا يعلم أين يذهب ، في خضم هذه الأهوال نسي عنوان المدرسة كل الطرقات أصبحت تتشابه في ناظريه لا يدري أين السبيل أو إلى أين يذهب .
بدأت شمس ذلك اليوم بالغروب وهو لم يعدّ بعد ، وأظنه لن يعود!
ودمتم في رعاية الله وحفظه