الموضوع: الإستقامة
مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 14/11/2011, 05:06 PM
حبيلي توفيق حبيلي توفيق غير متواجد حالياً
زعيــم متواصــل
تاريخ التسجيل: 17/10/2011
المكان: الجزائر
مشاركات: 54
الإستقامة

إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ( 30 ) نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون ( 31 ) نزلا من غفور رحيم ( 32 ) )

يقول تعالى : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) أي : أخلصوا العمل لله ، وعملوا بطاعة الله تعالى على ما شرع الله لهم .

قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا الجراح ، حدثنا سلم بن قتيبة أبو قتيبة الشعيري ، حدثنا سهيل بن أبي حزم ، حدثنا ثابت عن أنس بن مالك قال : قرأ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) قد قالها ناس ثم كفر أكثرهم ، فمن قالها حتى يموت فقد استقام عليها .

وكذا رواه النسائي في تفسيره ، والبزار وابن جرير ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن سلم بن قتيبة ، به . وكذا رواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن الفلاس ، به . ثم قال ابن جرير :

حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عامر بن سعد [ ص: 176 ] ، عن سعيد بن نمران قال : قرأت عند أبي بكر الصديق هذه الآية : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) قال : هم الذين لم يشركوا بالله شيئا .

ثم روي من حديث الأسود بن هلال قال : قال أبو بكر ، رضي الله عنه : ما تقولون في هذه الآية : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) ؟ قال : فقالوا : ( ربنا الله ثم استقاموا ) من ذنب . فقال : لقد حملتموها على غير المحمل ، ( قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) فلم يلتفتوا إلى إله غيره .

وكذا قال مجاهد ، وعكرمة ، والسدي ، وغير واحد .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبد الله الظهراني ، أخبرنا حفص بن عمر العدني ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة قال : سئل ابن عباس ، رضي الله عنهما : أي آية في كتاب الله أرخص ؟ قال قوله : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) على شهادة أن لا إله إلا الله .

وقال الزهري : تلا عمر هذه الآية على المنبر ، ثم قال : استقاموا - والله - لله بطاعته ، ولم يروغوا روغان الثعالب .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) على أداء فرائضه . وكذا قال قتادة ، قال : وكان الحسن يقول : اللهم أنت ربنا ، فارزقنا الاستقامة .

وقال أبو العالية : ( ثم استقاموا ) أخلصوا له العمل والدين .

وقال الإمام أحمد : حدثنا هشيم ، حدثنا يعلى بن عطاء ، عن عبد الله بن سفيان الثقفي ، عن أبيه ; أن رجلا قال : يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحدا بعدك . قال : " قل آمنت بالله ، ثم استقم " قلت : فما أتقي ؟ فأومأ إلى لسانه .

ورواه النسائي من حديث شعبة ، عن يعلى بن عطاء ، به .

ثم قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا إبراهيم بن سعد ، حدثني ابن شهاب ، عن محمد بن عبد الرحمن بن ماعز الغامدي ، عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال : قلت : يا رسول الله ، حدثني بأمر أعتصم به . قال : " قل ربي الله ، ثم استقم " قلت : يا رسول الله ما أكثر ما تخاف علي ؟ فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطرف لسان نفسه ، ثم قال : " هذا " .

وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه ، من حديث الزهري ، به . وقال الترمذي : حسن صحيح .

[ ص: 177 ]

وقد أخرجه مسلم في صحيحه والنسائي ، من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال : قلت : يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك . قال : " قل آمنت بالله ، ثم استقم " وذكر تمام الحديث .

وقوله : ( تتنزل عليهم الملائكة ) قال مجاهد ، والسدي ، وزيد بن أسلم ، وابنه : يعني عند الموت قائلين : ( ألا تخافوا ) قال مجاهد ، وعكرمة ، وزيد بن أسلم : أي مما تقدمون عليه من أمر الآخرة ، ( ولا تحزنوا ) [ أي ] على ما خلفتموه من أمر الدنيا ، من ولد وأهل ، ومال أو دين ، فإنا نخلفكم فيه ، ( وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ) فيبشرونهم بذهاب الشر وحصول الخير .

وهذا كما في حديث البراء ، رضي الله عنه : " إن الملائكة تقول لروح المؤمن : اخرجي أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه ، اخرجي إلى روح وريحان ، ورب غير غضبان " .

وقيل : إن الملائكة تتنزل عليهم يوم خروجهم من قبورهم . حكاه ابن جرير عن ابن عباس ، والسدي .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا عبد السلام بن مطهر ، حدثنا جعفر بن سليمان : سمعت ثابتا قرأ سورة " حم السجدة " حتى بلغ : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ) فوقف فقال : بلغنا أن العبد المؤمن حين يبعثه الله من قبره ، يتلقاه الملكان اللذان كانا معه في الدنيا ، فيقولان له : لا تخف ولا تحزن ، ( وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ) قال : فيؤمن الله خوفه ، ويقر عينه فما عظيمة يخشى الناس يوم القيامة إلا هي للمؤمن قرة عين ؛ لما هداه الله ، ولما كان يعمل له في الدنيا .

وقال زيد بن أسلم : يبشرونه عند موته ، وفي قبره ، وحين يبعث . رواه ابن أبي حاتم .

وهذا القول يجمع الأقوال كلها ، وهو حسن جدا ، وهو الواقع .

وقوله : ( نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) أي : تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار : نحن كنا أولياءكم ، أي : قرناءكم في الحياة الدنيا ، نسددكم ونوفقكم ، ونحفظكم بأمر الله ، وكذلك نكون معكم في الآخرة نؤنس منكم الوحشة في القبور ، وعند النفخة في الصور ، ونؤمنكم يوم البعث والنشور ، ونجاوز بكم الصراط المستقيم ، ونوصلكم إلى جنات النعيم . ( ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ) أي : في الجنة من جميع ما تختارون مما تشتهيه النفوس ، وتقر به العيون ، ( ولكم فيها ما تدعون ) أي : مهما طلبتم وجدتم ، وحضر بين أيديكم ، [ أي ] كما اخترتم ،

( نزلا من غفور رحيم ) أي : ضيافة وعطاء وإنعاما من غفور لذنوبكم ، رحيم بكم رءوف ، حيث غفر ، وستر ، ورحم ، ولطف .

[ ص: 178 ]

وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديث سوق الجنة عند قوله تعالى : ( ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم ) ، فقال :

حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين أبي سعيد ، حدثنا الأوزاعي ، حدثني حسان بن عطية ، عن سعيد بن المسيب : أنه لقي أبا هريرة [ رضي الله عنه ] فقال أبو هريرة : نسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة . فقال سعيد : أوفيها سوق ؟ قال : نعم ، أخبرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أهل الجنة إذا دخلوا فيها ، نزلوا بفضل أعمالهم ، فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة في أيام الدنيا فيزورون الله ، عز وجل ، ويبرز لهم عرشه ، ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة ، وتوضع لهم منابر من نور ، ومنابر من لؤلؤ ، ومنابر من ياقوت ، ومنابر من زبرجد ، ومنابر من ذهب ، ومنابر من فضة ، ويجلس [ فيه ] أدناهم وما فيهم دنيء على كثبان المسك والكافور ، ما يرون بأن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلسا .

قال أبو هريرة : قلت : يا رسول الله ، وهل نرى ربنا [ يوم القيامة ] ؟ قال : " نعم هل تتمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر ؟ " قلنا : لا . قال - صلى الله عليه وسلم - : " فكذلك لا تتمارون في رؤية ربكم تعالى ، ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الله محاضرة ، حتى إنه ليقول للرجل منهم : يا فلان بن فلان ، أتذكر يوم عملت كذا وكذا ؟ - يذكره ببعض غدراته في الدنيا - فيقول : أي رب ، أفلم تغفر لي ؟ فيقول : بلى فبسعة مغفرتي بلغت منزلتك هذه . قال : فبينما هم على ذلك غشيتهم سحابة من فوقهم ، فأمطرت عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه شيئا قط " . قال : ثم يقول ربنا - عز وجل - : قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة ، وخذوا ما اشتهيتم " . قال : " فنأتي سوقا قد حفت به الملائكة ، فيها ما لم تنظر العيون إلى مثله ، ولم تسمع الآذان ، ولم يخطر على القلوب . قال : فيحمل لنا ما اشتهينا ، ليس يباع فيه شيء ولا يشترى ، وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا " . قال : " فيقبل الرجل ذو المنزلة الرفيعة ، فيلقى من هو دونه - وما فيهم دنيء فيروعه ما يرى عليه من اللباس ، فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه أحسن منه ; وذلك لأنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها .

ثم ننصرف إلى منازلنا ، فيتلقانا أزواجنا فيقلن : مرحبا وأهلا بحبنا ، لقد جئت وإن بك من الجمال والطيب أفضل مما فارقتنا عليه . فيقول : إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار - عز وجل - وبحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا به " .

وقد رواه الترمذي في " صفة الجنة " من جامعه ، عن محمد بن إسماعيل ، عن هشام بن عمار ، ورواه ابن ماجه عن هشام بن عمار ، به نحوه . ثم قال الترمذي : هذا حديث غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه .

[ ص: 179 ]

وقال الإمام أحمد : حدثنا ابن أبي عدي ، عن حميد ، عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " . قلنا يا رسول الله كلنا نكره الموت ؟ قال : " ليس ذلك كراهية الموت ، ولكن المؤمن إذا حضر جاءه البشير من الله بما هو صائر إليه ، فليس شيء أحب إليه من أن يكون قد لقي الله فأحب الله لقاءه " قال : " وإن الفاجر - أو الكافر - إذا حضر جاءه بما هو صائر إليه من الشر - أو : ما يلقى من الشر - فكره لقاء الله فكره الله لقاءه " .

وهذا حديث صحيح ، وقد ورد في الصحيح من غير هذا الوجه
اضافة رد مع اقتباس