مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #326  
قديم 06/07/2011, 02:17 AM
وقت الغروب وقت الغروب غير متواجد حالياً
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 10/10/2008
المكان: فى قلب الهلال
مشاركات: 3,349
حسنُ الظنِّ وصدقُ العزيمة مِفتاحُ كل خير


يُعْتَبَرُ قَالُ المرء بحالِه، فكم من الناس ممن يحسنُ القولَ ويسيء العمل، وكثيرُ القول يغني عنه القليلُ من العمل، ولا يجدي العملُ على غير رَأْيٍ صائبٍ، وخِطةٍ حكيمة، ويدٍ بانية، ورجلٍ ساعية، وعينٍ باصرة، مع اجتماع ِكلمة، ووحدةِ صف، وسلاسةِ قياد، ومهارةِ دليل، في رجاحةِ عقل، وصدقِ عزم، وقوةِ إرادة، وحُسنِ ظنّ، فالصراطُ واضح، والشاهدُ لائح، وأمامنا الفلاح، والثباتُ والصبرُ لكل خيرٍ مفتاح، ويدُ الله على الجماعة، وإنما يأكلُ الذئبُ من الغنمِ القاصية.

فيا عباد الله: لنقطع الشك باليقين، والتردد بالعزم، والإحجام بالإقدام، لقد سقط داعي التواني والكسل، وقام داعي الجد والاجتهاد، ولم يعد لقيلَ مكانٌ ولا لقال، فَلْنَهُبَّ هَبَّةَ رجلٍ واحد، وليكن حادينا الإخلاص، ورائدَنا التطاوع، وباعِثَنَا التعاون، وقُوْتَنَا التسامح، فما عندنا وقتٌ نُضِيعُه، ولا هزلٌ نُسِيغُه، فالأممُ بالعلياء بينما أشقانا اللهاثُ وراءها ولكن في غير الطريق الموصل، أما وقد عرفنا السبيل فلنَلْزَمْ، والدليلَ فلْنَتْبَعْ، قال الله سبحانه وتعالى في سورة المائدة: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ "2"". وقال في سورة الأعراف: "كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ "2" اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ "3"".

أيها الإخوة المسلمون: إن ما أُنزل إلينا من ربنا يدعونا، وقد ارتفعت الفُرقةُ والبغضاء، وحَلَّتِ الأُلفةُ والإخاء، فلنعتصم بحبل الله جميعاً ولا نتفرق، مع الدعوة إلى الخير أولا، والأمر بالمعروف ثانيا، وبذلك يتم النهيُ عن المنكر ثالثا، وحينئذٍ يتحقق الفلاح في الدنيا والآخرة. قال سبحانه في سورة آل عمران: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ "102" وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ "103" وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "104"".

وروى الدارمي في سننه قال: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا بَقِيَّةُ حَدَّثَنِى صَفْوَانُ بْنُ رُسْتُمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ قَالَ: تَطَاوَلَ النَّاسُ فِى الْبِنَاءِ فِى زَمَنِ عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا مَعْشَرَ الْعُرَيْبِ الأَرْضَ الأَرْضَ، إِنَّهُ لاَ إِسْلاَمَ إِلاَّ بِجَمَاعَةٍ، وَلاَ جَمَاعَةَ إِلاَّ بِإِمَارَةٍ، وَلاَ إِمَارَةَ إِلاَّ بِطَاعَةٍ، فَمَنْ سَوَّدَهُ قَوْمُهُ عَلَى الْفَقْهِ كَانَ حَيَاةً لَهُ وَلَهُمْ، وَمَنْ سَوَّدَهُ قَوْمُهُ عَلَى غَيْرِ فِقْهٍ كَانَ هَلاَكاً لَهُ وَلَهُمْ" اهـ.

وفي مسند الإمام أحمد وهو حسنٌ لغيره، قال أحمد: حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
"إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ كَذِئْبِ الْغَنَمِ يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ فَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَالْعَامَّةِ وَالْمَسْجِدِ".

وقال أيضاً: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ النَّاسَ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَقَامِي فِيكُمْ فَقَالَ: "اسْتَوْصُوا بِأَصْحَابِي خَيْرًا، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَبْتَدِئُ بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا، فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ بَحْبَحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، لَا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا، وَمَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ" اهـ .

أيها الناس، يا عباد الله: إننا ونحن نقوم في هذه الأيام بإصلاح ذات بيننا في حاجةٍ ضرورية إلى سلوك الطريق الأقرب لتحقيق المراد، وتحصيل المقصود، وهذا يكون بالرأي الصائب والعمل السديد، من أَمارات الصوابِ والسدادِ في الرأي والعمل حسن َ التدبيرِ بالشورى في الأمور قبل القطع بالحكم فيها، وقد جاء قوله تعالى مادحاً المؤمنين في سورة الشورى: "وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ "38"".

قال الفقيه الواعظ محمد السلمان في كتابه موارد الظمآن: "وفي كتاب الإمام علي رضي الله عنه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر: ولا تدخل فِي مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل، ويعدك الفقر، ولا جبانًا يضعفك عن الأمور، ولا حريصًا يزين لك الشر بالجور، فإن البخل والحرص والجبن غرائز شتى يجمعن سوء الظن بالله. وعنه من استبد برأيه هلك ومن شاور الرجال شاركها فِي عقولها.

إِذَا كُنْتَ ذَا رَأْيٍ فَكُنْ ذَا عَزِيمَةٍ
فَإِنَ فَسَادَ الرَّأْيِ أَنْ تَتَرَدَدًّا
وَإِنْ كُنْتَ ذَا عَزْمٍ فَأَنْفَذْهُ عَاجِلاً
فَإِنْ فَسَادَ الْعَزْمِ أَنْ تَتَقَيَّدَا" اهـ.

قال الله تعالى في سورة الشورى وفي وصف الشورى وأهلها جعلنا الله وإياكم منهم: "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ "36" وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ "37" وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ "38" وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ "39" وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ "40" وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ "41" إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ "42" وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ "43"".

أيها الناس، يا عباد الله: هذا الله تعالى يدعونا نحن المسلمين، ونعم الداعي ونعم الدعاء، فلتكن منا نعم الاستجابة، بعيداً عن حرج العصبية والغلو، ولكن بسماحة الإسلام، قال تعالى في سورة الحج: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ "77" وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ "78"". فأين نحن من هذا الوصف للمؤمنين فلنتمسك ولنسع لنكون منهم ومعهم.

يا أهل فلسطين من العامة والخاصة والولاة والرعية: فلنعط الجزل ولنقم العدل، ولنصدق الفعل والقول، ولنكن مع الصادقين لا مع الكاذبين، روى الطبراني في الكبير قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بن الْعَبَّاسِ الرَّازِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بن حُمَيْدٍ، ثنا حَكَّامُ بن سَلْمٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ عَاصِمِ بن عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بن عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي سُلالَةَ السُّلَمِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:" سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أَئِمَّةٌ يَمْلِكُونَ أَرْزَاقَكُمْ يُحَدِّثُونَكُمْ فَيَكْذِبُونَكُمْ وَيَعْمَلُونَ وَيُسِيئُونَ الْعَمَلَ، لا يَرْضَوْنَ مِنْكُمْ حَتَّى تُحَسِّنُوا قَبِيحَهُمْ وَتُصَدِّقُوا كَذِبَهُمْ، فَأَعْطَوْهُمُ الْحَقَّ مَا رَضُوا بِهِ، فَإِذَا تَجَاوَزُوا فَمَنْ قُتِلَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ شَهِيدٌ".

ونحن من هنا نقول لولاة أمرنا، يا ولاة أمرنا، احذروا أن تكونوا من هؤلاء، من الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم، نعيذكم بالله، ونعيذ أنفسنا، أن تكونوا من هؤلاء، وما علمنا عنكم الآن إلا الخير، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يعفو عما سلف، وأن يتم هذا الصلح بيننا، بين الولاة والرعية، وبين الرعايا أنفسهم، بين من شذ ومن أقبل، فإن من أقبل فهذا إحسان يمحو عنه ما أساء، من أقبل فقد أحسن ولتمحى عنه الإساءة، ومن أسر فنسأل الله له الهداية... ما لم يقم سيف العدل، فإذا قام سيف العدل فلا ينفع حينئذٍ الندم لمن ندم، ولكن قبل ذلك -فأسأل الله تعالى أن يوفقنا الناس في فلسطين أن يوفقنا نحن أهل فلسطين، ليتم لنا صلحنا ومصالحتنا، وليتم لنا أمرنا، ويتم لنا مبتغانا بعودة لاجئينا، وبإقامة دولتنا، ومن تطهير مقدسنا، ومن استعادة حقوقنا.. اللهم آمين يا رب العالمين، ومن إصلاح ذات بيننا، فما لم نكن أصلحنا ذات بيننا فلا يمكن أن ننال حقنا من عدونا.

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اضافة رد مع اقتباس