مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #18  
قديم 20/03/2011, 11:40 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ الزعيم%الهلالي
الزعيم%الهلالي الزعيم%الهلالي غير متواجد حالياً
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 08/03/2010
المكان: الشرقيهـ
مشاركات: 3,693
والجواب: أن يقال: ما هو ظاهر هذه الآية وحقيقتها حتى يقال إنها صرفت عنه؟
هل يقال: إن ظاهرها أن الله تعالى خلق الأنعام بيده كما خلق آدم بيده؟

أو يقال: إن ظاهرها أن الله تعالى خلق الأنعام كما خلق غيرها لم يخلقها بيده لكن إضافة العمل إلى اليد والمراد صاحبها معروف في اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم.
أما القول الأول فليس هو ظاهر اللفظ لوجهين:
أحدهما: أن اللفظ لا يقتضيه بمقتضى اللسان العربي الذي نزل به القرآن، ألا ترى إلى قوله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)(198)، وقوله: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(199)، وقوله: (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُم)(200). فإن المراد ما كسبه الإنسان نفسه وما قدمه وإن عمله بغير يده بخلاف ما إذا قال: عملته بيدي كما في قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْعِنْدِ اللَّهِ)(201). فإنه يدل على مباشرة الشيء باليد.
الثاني: أنه لو كان المراد أن الله تعالى خلق هذه الأنعام بيده لكان لفظ الآية: خلقنا لهم بأيدينا أنعاماً كما قال الله تعالى في آدم: (مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ)(202)؛ لأن القرآن نزل بالبيان لا بالتعمية؛ لقوله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء)(203).
وإذا ظهر بطلان القول الأول تعين أن يكون الصواب هو القول الثاني وهو: أن ظاهر اللفظ أن الله تعالى خلق الأنعام كما خلق غيرها ولم يخلقها بيده لكن إضافة العمل إلى اليد كإضافته إلى النفس بمقتضى اللغة العربية، بخلاف ما إذا أضيف إلى النفس وعدي بالباء إلى اليد، فتنبه للفرق فإن التنبه للفروق بين المتشابهات من أجود أنواع العلم، وبه يزول كثير من الإشكالات.
المثال الرابع عشر: قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)(204).
والجواب: أن يقال: هذه الآية تضمنت جملتين:
الجملة الأولى: قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ). وقد أخذ السلف "أهل السنة" بظاهرها وحقيقتها، وهي صريحة في أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يبايعون النبي صلى الله عليه وسلم نفسه كما في قوله تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)(205).
ولا يمكن لأحد أن يفهم من قوله تعالى: (إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ) أنهم يبايعون الله نفسه، ولا أن يدعي أن ذلك ظاهر اللفظ لمنافاته لأول الآية والواقع استحالته في حق الله تعالى.
وإنما جعل الله تعالى مبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم مبايعة له؛ لأنه رسوله قد بايع الصحابة على الجهاد في سبيل الله تعالى، ومبايعة الرسول على الجهاد في سبيل من أرسله مبايعة لمن أرسله؛ لأنه رسوله المبلغ عنه، كما أن طاعة الرسول طاعة لمن أرسله لقوله تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)(206).
وفي إضافة مبايعتهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى من تشريف النبي صلى الله عليه وسلم وتأييده وتوكيد هذه المبايعة وعظمها ورفع شأن المبايعين ما هو ظاهر لا يخفى على أحد.
الجملة الثانية: قوله تعالى: (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِم)(207). وهذه أيضاً على ظاهرها وحقيقتها، فإن يد الله تعالى فوق أيدي المبايعين؛ لأن يده من صفاته وهو سبحانه فوقهم على عرشه، فكانت يده فوق أيديهم. وهذا ظاهر اللفظ وحقيقته وهو لتوكيد كون مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم مبايعة لله عز وجل، ولا يلزم منها أن تكون يد الله جل وعلا مباشرة لأيديهم، ألا ترى أنه يقال: السماء فوقنا مع أنها مباينة لنا بعيدة عنا. فيد الله عز وجل فوق أيدي المبايعين لرسوله صلى الله عليه وسلم مع مباينته تعالى لخلقه وعلوه عليهم.
ولا يمكن لأحد أن يفهم أن المراد بقوله: (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِم) يد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أن يدعي أن ذلك ظاهر اللفظ؛ لأن الله تعالى أضاف اليد إلى نفسه، ووصفها بأنها فوق أيديهم. ويد النبي صلى الله عليه وسلم عند مبايعة الصحابة لم تكن فوق أيديهم، بل كان يبسطها إليهم، فيمسك بأيديهم كالمصافح لهم، فيده مع أيديهم لا فوق أيديهم.
المثال الخامس عشر:قوله تعالى في الحديث القدسي:"يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني". الحديث.
وهذا الحديث رواه مسلم في باب فضل عيادة المريض من كتاب البر والصلة والآداب رقم 43 ص1990 ترتيب محمد فؤاد عبد الباقي، رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال: يا رب! كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟!، يا ابن آدم، استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا رب! وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا ابن آدم، استسقيتك فلم تسقني، قال: يا رب! كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي"(208).
والجواب: أن السلف أخذوا بهذا الحديث ولم يصرفوه عن ظاهره بتحريف يتخبطون فيه بأهوائهم، وإنما فسروه بما فسره به المتكلم به، فقوله تعالى في الحديث القدسي: "مرضت واستطعمتك واستسقيتك" بينه الله تعالى بنفسه حيث قال: "أما علمت أن عبدي فلان مرض، وأنه استطعمك عبدي فلان. واستسقاك عبدي فلان". وهو صريح في أن المراد به مرض عبد من عباد الله، واستطعام عبد من عباد الله، واستسقاء عبد من عباد الله، والذي فسره بذلك هو الله المتكلم به وهو أعلم بمراده، فإذا فسرنا المرض المضاف إلى الله والاستطعام المضاف إليه والاستسقاء المضاف إليه، بمرض العبد واستطعامه واستسقائه لم يكن في ذلك صرف الكلام عن ظاهره؛ لأن ذلك تفسير المتكلم به فهو كما لو تكلم بهذا المعنى ابتداءً. وإنما أضاف الله ذلك إلى نفسه أولاً للترغيب والحث كقوله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ)(209).
وهذا الحديث من أكبر الحجج الدامغة لأهل التأويل الذين يحرفون نصوص الصفات عن ظاهرها بلا دليل من كتاب الله تعالى ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما يحرفونها بشبه باطلة هم فيها متناقضون مضطربون. إذ لو كان المراد خلاف ظاهرها كما يقولون لبينه الله تعالى ورسوله، ولو كان ظاهرها ممتنعاً على الله - كما زعموا - لبينه الله ورسوله كما في هذا الحديث. ولو كان ظاهرها اللائق بالله ممتنعاً على الله لكان في الكتاب والسنة من وصف الله تعالى بما يمتنع عليه ما لا يحصى إلا بكلفة، وهذا من أكبر المحال.
ولنكتف بهذا القدر من الأمثلة لتكون نبراساً لغيرها، وإلا فالقاعدة عند أهل السنة والجماعة معروفة، وهي إجراء آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.

وقد تقدم الكلام على هذا مستوفى في قواعد نصوص الصفات. والحمد لله رب العالمين.


(103) سورة إبراهيم، الآية: 27.
(104) علق فضيلة الشيخ المؤلف هنا بقوله: أدلة هذه مذكورة في مواضعها من كتب العقائد.
(105) سورة الأنعام، الآية: 155.
(106) سورة الأعراف، الآية: 158.
(107) سورة الحشر، الآية: 7.
(108) سورة النساء، الآية: 80.
(109) سورة النساء، الآية: 59.
(110) سورة المائدة، الآية: 49.
(111) سورة النحل، الآية: 89.
(112) سورة الشعراء، الآيات: 193 - 195.
(113) سورة يوسف، الآية: 2.
(114) سورة الزخرف، الآية: 3.
(115) سورة البقرة، الآية: 75.
(116) سورة النساء، الآية: 46.
(117) سورة ص، الآية: 29.
(118) سورة الزخرف، الآية: 3.
(119) سورة النحل، الآية: 44.
(120) سورة هود، الآية: 1.
(121) سورة الإسراء، الآية: 58.
(122) سورة العنكبوت، الآية: 31.
(123) سورة ص، الآية: 75.
(124) سورة الشورى، الآية: 11.
(125) سورة النحل، الآية: 74.
(126) سورة البقرة، الآية: 22.
(127) سورة الأعراف، الآية: 33.
(128) سورة الإسراء، الآية: 36.
(129) سورة ص، الآية: 75.
(130) سورة القصص، الآية: 65.
(131) سورة الشورى، الآية: 11.
(132) سورة الفجر، الآية: 22.
(133) سبق تخريجه.
(134) سورة البقرة، الآية: 253.
(135) سورة الفاتحة، الآية: 3.
(136) سورة الكهف، الآية: 58.
(137) سورة العنكبوت، الآية: 21.
(138) علق فضيلة الشيخ المؤلف هنا بقوله: إصبع مثلث الهمزة والباء ففيه تسع لغات والعاشرة أصبوع كما قيل:
وهمز أنملة ثلث وثالثه التسع في إصبع وأختم بأصبوع
أصبوع بضم الهمزة.
(139) رواه مسلم، كتاب القدر (2654).
(140) "مسند أحمد" (2/541).
(141) سورة البقرة، الآية: 29.
(142) سورة الإنسان، الآية: 6.
(143) سورة الحديد، الآية: 4.
(144) سورة المجادلة، الآية: 7.
(145) سورة الحديد، الآية: 4.
(146) علق فضيلة الشيخ المؤلف هنا بقوله: كان هذا معنى قول السلف: إنه معهم بعلمه؛ لأنه إذا كان معلوماً أن الله تعالى معنا مع علوه لم يبق إلا أن يكون مقتضى هذه المعية أنه تعالى عالم بنا مطلع شهيد مهيمن لا أنه معنا بذاته في الأرض.
(147) سورة المجادلة، الآية: 7.
(148) سورة التوبة، الآية: 40.
(149) سورة المجادلة، الآية: 7.
اضافة رد مع اقتباس