مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #16  
قديم 20/03/2011, 11:38 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ الزعيم%الهلالي
الزعيم%الهلالي الزعيم%الهلالي غير متواجد حالياً
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 08/03/2010
المكان: الشرقيهـ
مشاركات: 3,693
(تتمة) انقسم الناس في معية الله تعالى لخلقه ثلاثة أقسام:
القسم الأول: يقولون: إن معية الله تعالى لخلقه مقتضاها العلم والإحاطة في المعية العامة، ومع النصر والتأييد في المعية الخاصة، مع ثبوت علوه بذاته واستوائه على عرشه.
وهؤلاء هم السلف ومذهبهم هو الحق كما سبق تقريره.
القسم الثاني: يقولون: إن معية الله لخلقه مقتضاها أن يكون معهم في الأرض مع نفي علوه واستوائه على عرشه.
وهؤلاء هم الحلولية من قدماء الجهمية وغيرهم، ومذهبهم باطل منكر، أجمع السلف على بطلانه وإنكاره كما سبق.
القسم الثالث: يقولون: إن معية الله لخلقه مقتضاها أن يكون معهم في الأرض مع ثبوت علوه فوق عرشه. ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيميه ص229 جـ5 من مجموع الفتاوى.
وقد زعم هؤلاء أنهم أخذوا بظاهر النصوص في المعية والعلو. وكذبوا في ذلك فضلوا، فإن نصوص المعية لا تقتضي ما أدعوه من الحلول؛ لأنه باطل ولا يمكن أن يكون ظاهر كلام الله ورسوله باطلاً.
(تنبيه) اعلم أن تفسير السلف لمعية الله تعالى لخلقه بأنه معهم بعلمه لا يقتضي الاقتصار على العلم بل المعية تقتضي أيضاً إحاطته بهم سمعاً وبصراً وقدرة وتدبيراً ونحو ذلك من معاني ربوبيته.
(تنبيه آخر) أشرت فيما سبق إلى أن علو الله تعالى ثابت بالكتاب، والسنة، والعقل، والفطرة، والإجماع. أما الكتاب فقد تنوعت دلالته على ذلك:
فتارة بلفظ العلو، والفوقية، والاستواء على العرش، وكونه في السماء كقوله تعالى: (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)(158)، (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ)(159)، (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)(160)، (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْض)(161).
وتارة بلفظ صعود الأشياء وعروجها ورفعها إليه،كقولهإِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّب)(162)، (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ)(163)، (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ)(164).
وتارة بلفظ نزول الأشياء منه ونحوه ذلك، كقوله تعالى: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّك)(165)، (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْض)(166).
وأما السنة فقد دلت عليه بأنواعها القولية، والفعلية، والإقرارية، في أحاديث كثيرة، تبلغ حد التواتر، وعلى جوه متنوعة، كقوله صلى الله عليه وسلم في سجوده: "سبحان ربي الأعلى"(167). وقوله: "إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي"(168). وقوله: "ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء"(169). وثبت عنه أنه رفع يديه وهو على المنبر يوم الجمعة يقول: "اللهم أغثنا"(170). وأنه رفع يده على السماء وهو يخطب الناس يوم عرفة حين قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال: "اللهم اشهد"(171). وأنه قال للجارية: "أين الله؟" قالت: في السماء. فأقرها وقال لسيدها: "أعتقها فإنها مؤمنة"(172).
وأما العقل: فقد دل على وجوب صفة الكمال لله تعالى وتنزيهه عن النقص. والعلو صفة كمال والسفل نقص، فوجب لله تعالى صفة العلو وتنزيهه عن ضده.
وأما الفطرة: فقد دلت على علو الله تعالى دلالة ضرورية فطرية فما من داع أو خائف فزع إلى ربه تعالى إلا وجد في قلبه ضرورة الاتجاه نحو العلو لا يلتفت عن ذلك يمنه ولا يسرة.
واسأل المصلين، يقول الواحد منهم في سجوده: "سبحان ربي الأعلى" أين تتجه قلوبهم حينذاك؟
وأما الإجماع: فقد أجمع الصحابة والتابعون والأئمة على أن الله تعالى فوق سمواته مستوٍ على عرشه؛ وكلامهم مشهور في ذلك نصاً وظاهراً، قال الأوزاعي: "كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله - تعالى ذكره - فوق عرشه، ونؤمن بما جاءت به السنة من الصفات". وقد نقل الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم، ومحال أن يقع في مثل ذلك خلاف وقد تطابقت عليه هذه الأدلة العظيمة التي لا يخالفها إلا مكابر طمس على قلبه واجتالته الشياطين عن فطرته. نسأل الله تعالى السلامة والعافية.
فعلو الله تعالى بذاته وصفاته من أبين الأشياء وأظهرها دليلاً وأحق الأشياء وأثبتها واقعاً.
(تنبيه ثالث) اعلم أيها القارئ الكريم، أنه صدر مني كتابة لبعض الطلبة تتضمن ما قلته في بعض المجالس في معية الله تعالى لخلقه ذكرت فيها: أن عقيدتنا أن لله تعالى معية حقيقة ذاتية تليق به، وتقتضي إحاطته بكل شيء علماً وقدرة، وسمعاً وبصراً، وسلطاناً وتدبيراً، وأنه سبحانه منزه أن يكون مختلطاً بالخلق أو حالاً في أمكنتهم، بل هو العلي بذاته وصفاته، وعلوه من صفاته الذاتية التي لا ينفك عنها، وأنه مستو على عرشه كما يليق بجلاله وأن ذلك لا ينافي معيته؛ لأنه تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(173).
وأردت بقولي: "ذاتية" توكيد حقيقة معيته تبارك وتعالى.
وما أردت أنه مع خلقه سبحانه في الأرض، كيف وقد قلت في نفس هذه الكتابة كما ترى: إنه سبحانه منزه أن يكون مختلطاً بالخلق أو حالاً في أمكنتهم، وأنه العلي بذاته وصفاته، وأن علوه من صفاته الذاتية التي لا ينفك عنها، وقلت فيها أيضاً ما نصه بالحرف الواحد:
"ونرى أن من زعم أن الله بذاته في كل مكان فهو كافر أو ضال إن اعتقده، وكاذب إن نسبه إلى غيره من سلف الأمة أو أئمتها". أهـ.
ولا يمكن لعاقل عرف الله وقدره حق قدره أن يقول: إن الله مع خلقه في الأرض، وما زلت ولا أزال أنكر هذا القول في كل مجلس من مجالسي جرى فيه ذكره. وأسأل الله تعالى أن يثبتني وإخواني المسلمين بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
هذا وقد كتبت بعد ذلك مقالاً نشر في مجلة (الدعوة)(174) التي تصدر في الرياض نشر يوم الاثنين الرابع من شهر محرم سنة 1404هـ أربع وأربعمائة وألف برقم 911 قررت فيه ما قرره شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله تعالى - من أن معية الله تعالى لخلقه حق على حقيقتها، وأن ذلك لا يقتضي الحلول والاختلاط بالخلق فضلاً عن أن يستلزمه، ورأيت من الواجب استبعاد كلمة "ذاتية". وبينت أوجه الجمع بين علو الله تعالى وحقيقة المعية.
واعلم أن كل كلمة تستلزم كون الله تعالى في الأرض أو اختلاطه بمخلوقاته، أو نفي علوه، أو نفي استوائه على عرشه، أو غير ذلك مما لا يليق به تعالى فإنها كلمة باطلة، يجب إنكارها على قائلها كائناً من كان وبأي لفظ كانت.
وكل كلام يوهم - ولو عند بعض الناس - ما لا يليق بالله تعالى فإن الواجب تجنبه لئلا يظن بالله تعالى ظن السوء، لكن ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فالواجب إثباته وبيان بطلان وهم من توهم فيه ما لا يليق بالله - عز وجل.
المثال السابع والثامن: قوله تعالى: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)(175)، وقوله: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ)(176). حيث فسر القرب فيهما بقرب الملائكة.
والجواب: أن تفسير القرب فيهما بقرب الملائكة ليس صرفاً للكلام عن ظاهره لمن تدبره.
أما الآية الأولى فإن القرب مقيد فيها بما يدل على ذلك، حيث قال: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ* إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ* مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)(177). ففي قوله: (إِذْ يَتَلَقَّى) دليل على أن المراد به قرب الملكين المتلقيين.
وأما الآية الثانية: فإن القرب فيها مقيد بحال الاحتضار، والذي يحضر الميت عند موته هم الملائكة، لقوله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ)(178). ثم إن في قوله: (وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ)(179). دليلاً بيناً على أنهم الملائكة، إذ يدل على أن هذا القريب في نفس المكان ولكن لا نبصره، وهذا يعين أن يكون المراد قرب الملائكة لاستحالة ذلك في حق الله - تعالى.
بقى أن يقال: فلماذا أضاف الله القرب إليه، وهل جاء نحو هذا التعبير مراداً به الملائكة؟
فالجواب: أضاف الله تعالى قرب الملائكة إليه؛ لأن قربهم بأمره، وهم جنوده ورسله.
وقد جاء نحو هذا التعبير مراداً به الملائكة، كقوله تعالى: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ)(180). فإن المراد به قراءة جبريل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أن الله تعالى أضاف القراءة إليه، لكن لما كان جبريل يقرؤه على النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الله تعالى صحت إضافة القراءة إليه تعالى. وكذلك جاء في قوله تعالى: (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ)(181). وإبراهيم إنما كان يجادل الملائكة الذين هم رسل الله تعالى.
المثال التاسع والعاشر: قوله تعالى عن سفينة نوح: (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا)(`182). وقوله لموسى: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)(183).
اضافة رد مع اقتباس