مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 14/01/2011, 07:05 PM
صقر فيصل صقر فيصل غير متواجد حالياً
كاتب مفكر بالمجلس العام
تاريخ التسجيل: 22/11/2005
المكان: في زمنٍ حياديّ
مشاركات: 1,847
عنوان الرسالة: نسيان

عنوان الرسالة: نسيان

ذكرتُ لكِ في رسالة سابقة أنني توقفت عن العدّ، لقد اخترتُ أن أعيش فوضى الأبدية، وأن أنقلها من الشاعرية إلى الواقع، في ظل هذه الحياة ولكن خارجَ خط الزمن، كل ذلك كي أنسى العدّ، كي أنسى التاريخ…

نبّهني أخي الصغير إلى موعد سفري، وقال إن عليّ أن أتدارك ما تبقى من الوقت لأتجهز، إن سفري كسفري، بعيدٌ، وزادي الأولُ كالزاد الأخير، ولذا أسرعتُ، ونظرتُ إلى الساعة، لا تفرحي بهذه! نظرت إلى التاريخ، ولا تفرحي بهذه أيضا! لقد حاولت أن أنسى كم مضى من الوقت إذ سرتُ بخفّة، وعملت على ضبط أعصابي، وكتمتُ وساوسي عن إخوتي، أنا لا أعلم ما تبدي لي الأيامُ…

تمر الأيامُ بقلبي، وتذخر فيه المعنى، غبارها مرةً ومرةً قيظها، لتمر بعدها الرياح فتصقله، ويا سبحان الله! لا ذهب أصفر فيه ولا أسود، إنما باطنه وظاهره ما أبدت له الأيام، ولكنه نسي! لقد قررت كما قلتُ لك أن أنسى، قررتُ ألا أكترثَ بالوقت، أن أسد أذني عن دقات الساعة…

ولكن أمي تنظرُ إلى الساعة يا عزيزتي، وتندب ما ضاع وتخشى ما سيضيع! أعلم أن عينيها لا تبكيان، وأعلم ما يخفي قلبها…

أما قلبي فلا يبكي، في خضم النسيان فقدَ القدرة على العدّ، نسيتُ الماضي ولا أفكر إلا في مقبلِ الأيام، ولا أخاف أن يسرقها مني أحد فأنا أباغت ما تفلت من الآمال بالكتمان… سأحب امرأة جديدة، امرأة لا يعرفها الرجال هذه المرة، لن يشعر أحدٌ بنبْضي الذي سأخفيه عن المارة لو نَبَضَ الجرانيت، سيجري الأدرينالين في حدود الجسد وحده إن جرى، وإن بكيتُ.. ففي ركن الحُجرة، في العتمة.. حيث لا أذن تسمع ولا عين ترى ولا يشق السكون صوت عقارب الساعة.. وإن لم أستطع كتمَ البكاء استعنتُ بالرمز.. إن كان قلبي نابضًا، فنبْضٌ لا يوافق الثواني ولا يدل عليها.. لأنني نسيتُ العدّ، نحنُ لا ننظرُ إلى ساعاتنا في الأبدية ولا نكترث بالثواني…

وأنا توقفت عن العدّ بعد شهرين من غيابكِ، نسيت القبلية والحب والغياب.. سامح اللهُ القبيلة، إذ سدّت السبُلَ دون تلك الجنة التي بنيناها في اللاوقت، سامحَ الله الحبّ إذ عصى أمرَ القبيلة في حضور الغياب وغياب الحضور، سامح الله الغياب إذ جعلَ الافتراضي وهمًا تامًّا، لا يناسبه الوقتُ، وليس جديرًا بالذاكرة المريضة…

لا بأس! تذكري أن قد أضحى قلبي صخرةً ناريّة، وقد قررت أن أحتفظ بالذكرى لا لتقتلني وتأخذ من جَهدي، ولكن لأكتب حكاية جديدةً عن الضباب، يقرؤها العشاق من بعدي، قبل الحبّ أو بعده، فتكون عظة ومواساةً، سأكتب حكاية تنتهي بانتصار النارِ على الافتراض.. ليصبح القلب كالجرانيت!

أنا بخير يا حبيبتي الغائبة، أنا بخير، لقد توقفت عن عدّ الرسائل والأيام بعد أن مضى شهران من غيابكِ، لقد نسيت العدّ.. نسيت القبيلة ونسيت الحب ونسيت الغياب.. نسيت الوساوس.. عسى الله أن يغفر لي…

وعسى الله أن يغفر لكِ...
أتمنى أن تصلكِ رسالتي هذه، عبرَ الأثير ربما، أو على ظهور الملائكة.

(الرسالة رقم 146
واليوم رقم 712 بعد الغياب)

ع. ف.
اضافة رد مع اقتباس