مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 03/12/2004, 10:21 AM
أبو فــوزان أبو فــوزان غير متواجد حالياً
زعيــم متواصــل
تاريخ التسجيل: 06/06/2004
المكان: K.S.A
مشاركات: 129
Post [ الكلمة التي تدخلك الجنة ]





إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما بعد:

حديثنا في هذا اليوم عن كلمة لأجلها خُلقت الخليقة، وأرسلت أرسل، وأنزلت الكتب، فهي العروة الوثقى، وهي كلمة التقوى، وهي أعظم أركان الدين وأهم شعب الإيمان، وهي سبيل الفوز بالجنة والنجاة من النار، وهي كلمة لا إله إلا الله، هي كلمة الشهادة، ومفتاح دار السعادة، وأصل الدين وأساسه ورأس أمره.

إن لهذه الكلمة الجليلة فضائل عظيمة، وفواضل كريمة، ومزاياً جمةً، لا يمكن لأحد استقصاؤها، ومما ورد في فضل هذه الكلمة في القرآن الكريم أن الله تبارك وتعالى جعلها زبدة دعوة الرسل، وخلاصة رسالاتهم، قال الله تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ)) [الأنبياء:25].

ومن أعظم النعم التي أسبغها الله تعالى على عبادة، هي كلمة لا إله إلا الله، كما قال تعالى: ((...وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً...)) [لقمان: 20] قال مجاهد: (أي) لا إله إلا الله، وقال سفيان بن عيينة: ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرّفهم لا إله إلا الله.



ومن فضائلها في القرآن الكريم:

1- أن الله وصفها في القرآن بأنها الكلمة الطيبة، قال تعالى: ((أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)) [إبراهيم: 24-25].

2- أنها القول الثابت في قوله تعالى: ((يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ)) [إبراهيم: 27].

3- أنها العروة الوثقى التي من تسمك بها نجا، ومن لم يتمسك بها هلك، قال تعالى: ((فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ)) [البقرة: 256]، وقال سبحانه وتعالى: ((وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)) [لقمان:22].

4- أنها هي دعوة الحق المرادة بقوله تعالى: ((لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ)) [الرعد: 14].



ومن فضائلها في السنة النبوية:

1- قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير، في يومٍ مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتب له مائة حسنة، ومحي عنه مائة سيئة، ولم يأتي أحدٌ بأفضل مما جاء به، إلا أحدٌ عمل أكثر من ذلك" [الجامع الصحيح رقم 3293].

2- وقال النبي عليه الصلاة والسلام: " أفضل ما قلت أنا والنبيون عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" [السلسلة الصحيحة رقم 1503].

3- وقال عليه الصلاة والسلام: " يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر له تسعةٌ وتسعون سجلاً، كل سجل منها مد البصر، ثم يقول الله تبارك وتعالى له: أتنكر من هذا شيئاً؟ فيقول: لا يا رب.، فيقول عز وجل: ألك عُذر أو حسنة؟ فيهاب الرجل فيقول: لا يا رب. فيقول عز وجل: بلى إن لك عندنا حسنة، وإنه لا ظلم عليك، فتُخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول عز وجل: إنك لا تظلم، قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة" [صحيح الجامع رقم 8095 ].

4- وقال النبي عليه الصلاة والسلام: "ما قال عبد لا إله إلا الله قط مخلصاً إلا فتحت له أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش ما اجتنب الكبائر" [صحيح الجامع رقم 5648].

5- وقال عليه الصلاة والسلام: " إن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله " [صحيح الجامع رقم 1793].



وبعد أن ذكرنا شيئاً من فضائل كلمة التوحيد لا إله إلا الله، يجب على المسلم أن يعلم أن لا إله إلا الله لا تقبل من قائلها بمجرد نطقه لها باللسان فقط، بل لابد من أداء حقها وفرضها، واستيفاء شروطها الواردة في الكتاب والسنة، فكل عبادة كالصلاة أو الحج لا تقبل منه إلا إذا أتى بشروطها المعلومة في الكتاب والسنة، وهكذا الشأن في لا إله إلا الله لا تقبل إلا إذا قام العبد بشروطها المعلومة في الكتاب والسنة.

وقد أشار سلفنا الصالح رحمهم الله إلى أهمية العناية بشروط لا إله إلا الله ووجوب الالتزام بها، وأنها لا تقبل إلا بذلك، ومن ذلك ما جاء عن الحسن البصري رحمه الله: أنه قيل له: إن ناساً يقولون: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، قال: من قال لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة.

وقال وهب بن منبه لمن سأله: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى، ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان، فإن أتيت بمفتاح له أسنان فُتح لك، وإلا لم يفتح، يشير بالأسنان إلى شروط لا إله إلا الله.

ثم إنه باستقراء أهل العلم لنصوص الكتاب والسنة تبين أن لا إله إلا الله لا تقبل إلا بسبعة شروط وهي:

1- العلم بمعناها نفياً وإثباتاً المنافي للجهل.
2- اليقين المنافي للشك والريب.
3- الإخلاص المنافي للشرك والرياء.
4- الصدق المنافي للكذب.
5- المحبة المنافية للبغض والكره.
6- الانقياد المنافي للترك.
7- القبول المنافي للرد.

وقد جمع بعض أهل العلم هذه الشروط السبعة في بيتٍ واحدٍ فقال:

علمٌ يقينٌ وإخلاصٌ وصدقك مع ** محبةٍ وانقياد والقبول لها

ولنقف وقفةً مختصرةً مع هذه الشروط لبيان المراد بكل واحدٍ منها، مع ذكر بعض أدلتها من الكتاب والسنة:

الشرط الأول: العلم بمعناها نفياً وإثباتاً المنافي للجهل

ويعني أن يعلم من قالها أنها تنفي جميع أنواع العبادة عن كل من سوى الله، وتثبت ذلك لله وحده، كما في قوله تعالى: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) [الفاتحة: 5] أي نعبدك ولا نعبد غيرك، ونستعين بك ولا نستعين بسواك.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة " [المسند الصحيح رقم 26]، فاشترط عليه الصلاة والسلام العلم.

الشرط الثاني: اليقين المنافي للشك والريب

أي أن يكون قائلها موقناً بها يقيناً جازماً لا شك فيه ولا ريب، واليقين هو تمام العلم وكمالها، قال تعالى في وصف المؤمنين: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)) [الحجرات: 15] ومعنى قوله: ((لَمْ يَرْتَابُوا)) أي أيقنوا ولم يشكوا.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة " [صحيح الجامع رقم 1009].

الشرط الثالث: الإخلاص المنافي للشرك والرياء

ويكون بتصفية العمل وتنقيته من جميع الشوائب والظاهرة والخفية، وذلك بإخلاص النية في جميع العبادات لله وحده، قال تعالى: ((أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ..)) [ص:3]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه" [صحيح الجامع رقم 967]، فاشترط الإخلاص.

الشرط الرابع: الصدق المنافي للكذب

ويكون ذلك بقول العبد هذه الكلمة صدقاً من قلبه، والصدق هو أن يواطئ القلب اللسان، ولذا قال الله تعالى في ذم المنافقين: ((إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ)) [المنافقون: 1] فوصفهم سبحانه بالكذب؛ لأن ما قالوه بألسنتهم لم يكن موجوداً في قلوبهم.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار" [صحيح الترغيب والترهيب رقم 1522]، فاشترط الصدق.

الشرط الخامس: المحبة المنافية للبغض والكره

وذلك بأن يحب قائلها الله ورسوله ودين الإسلام والمسلمين القائمين بأوامر الله الواقفين عند حدوده، وأن يبغض من خالف لا إله إلا الله وأتى بما يناقضها من شرك وكفر، ومما يدل على اشتراط المحبة في الإيمان قوله تعالى: ((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ)) [البقرة: 165] وفي الحديث: " أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله " [السلسلة الصحيحة رقم 998].

الشرط السادس: القبول المنافي للرد

لابد من قبول هذه الكلمة قبولاً حقاً بالقلب واللسان، وقد قص الله علينا في القرآن الكريم أنباء من سبق ممن أنجاهم لقبولهم لا إله إلا الله ، وانتقامه وإهلاكه لمن ردها ولم يقبلها، قال تعالى: ((ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ)) [يونس: 103] وقال سبحانه في شأن المشركين: ((إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ)) [الصافات: 35-36].

الشرط السابع: الانقياد المنافي للترك

ويكون بانقياد قائلها لشرع الله، ويذعن لحكمه ويسلم وجهه إلى الله إذ بذلك يكون متمسكاً بـ لا إله إلا الله، ولذلك يقول تعالى: ((وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)) [لقمان:22]. أي فقد استمسك بـ لا إله إلا الله، فاشترط سبحانه وتعالى الانقياد لشرع الله، وذلك بإسلام الوجه له سبحانه.

فهذه هي شروط لا إله إلا الله، وليس المراد منها عد ألفاظها وحفظها فقط، فكم من عامي اجتمعت فيها والتزمها ولو قيل له: أعددها لم يحسن ذلك، وكم من حافظ لألفاظها يجري فيها كالسهم، وتراه يقع كثيراً فيما يناقضها.

فالمطلوب إذاً العلم والعمل معاً ليكون المرء بذلك من أهل لا إله إلا الله صدقاً، ومن أهل كلمة التوحيد حقاً، والموفق لذلك والمعين هو الله وحده.

فنسأله سبحانه أن يوفقنا وإياكم لتحقيق ذلك، والحمد لله وحده، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



المراجع:

1- فقه الأدعية والأذكار للشيخ عبد الرزاق العباد حفظه الله – المجلد الأول، ويعتبر هذا الكتاب هو المرجع الرئيسي للمقال، وما قمت به هو نقل عدة مباحث من الكتاب واختصرها، ودمجها مع بعضها البعض.

2- استعنت بموقع الدرر السنية في تخريج الأحاديث.

[ هذا الموضوع منقول من محاضرة القاها الشيخ أبو حميد الفلاسي وقد كتبها في الشبكة العنكبوتية ]
اضافة رد مع اقتباس