المغتربون !! والوطن .. من الخطأ القول أو الاعتقاد إن الوطن يموت في المغترب مهما طال اغترابه, أو أنه يموت في أبنائه وأحفاده .. بقلم الاستاذ / سليم عبود صحيح أن هناك جغرافيا واسعة تفصل بين المغترب والوطن والجذور, والصحيح أيضاً أن الوطن يظل كالبؤبؤ في عينيه والنبض في قلبه, وهواء الوطن لا يغادر رئتيه والحنين إليه يظل في نخاع عظامه وشرايينه... هذه حقائق في العلاقة بين المغترب والوطن... وعندما يتأجج الحنين فيه, يمارس نوعاً من الصلاة, كلماتها دموع, وخشوعها لهفة وحنين. »الوطن أكبر من كل المفردات, وأكبر من الخطب« يقول لي مغترب, وأقول له: »وأكبر من كل ما نكتبه«. بعض المغتربين مازال يتكلم لغة الوطن الأم, ويعلمها لأبنائه, وبعضهم مع مرور الوقت يجهلها لسانه, لكنها لم تغادر قلبه عاطفة ونبضاً وانتماء, علاقة فريدة من الانتماء. تستوقفني حكاية رواها وزير المغتربين, جوزف سويد أمام مجلس الشعب وهو يقدم خطة وزارته لعام 2009 تقول الحكاية: نائب فنزويلي من أصل سوري, توقف نجاح تشافيز على موته, كانت مصلحة حزب هذا النائب تقضي أن يصوت ضد تشافيز, تحول هذا النائب في مشاعره إلى أرجوحة مشدودة إلى طرفين »الوطن الجذور من جهة, وحزبه الذي يقف في الطرف الآخر من شافيز من جهة أخرى« قرأ أين مصلحة سورية يعرف أنها مع تشافيز, وانطلاقاً من مصلحة الوطن »سورية« أعطى صوته لتشافيز, وخرج على رأي حزبه. يقول مغترب سوري: »نحن نقرأ الوطن بقلوبنا وأدمغتنا, وأنتم تقرؤون الوطن في الخطب, عندما يولد أبناؤنا يولدون عرباً وسوريين, وعندما يموتون, يموتون عرباً وسوريين«. حقيقة... علاقة السوريين بوطنهم لها خصوصيتها الفريدة, ثمة تشابه كبير في خصوصية هذه العلاقة, وخصوصية أسماك السلمون مع موطن الولادة, خلال ترحال أسماك السلمون الطويل في البحار والمحيطات يظل وطن الولادة داخل أدمغتها كالبوصلة, وعندما يأتي الوقت لتضع بيوضها تعود إلى وطن الولادة في رحلة شاقة يموت خلالها كثير منها, البقية الباقية تتابع رحلتها, دليلها تلك البوصلة التي تسكن أدمغتها. السيد وزير المغتربين يقول أمام مجلس الشعب: إن عدد السوريين في بلاد الاغتراب يتجاوز الخمسة عشر مليوناً, أكثرهم في بلدان أمريكا اللاتينية, في الولايات المتحدة وحدها يصل عددهم إلى حوالي 750 ألف سوري, وفي الأرجنتين قرابة خمسة ملايين ونصف, والباقون موزعون على كندا وأوروبا وأفريقيا وآسيا, في الأرجنتين وصل كارلوس منعم وهو من أصل سوري إلى رئاسة الجمهورية, وفي بلدان كثيرة ثمة نواب وحكام ولايات ورؤساء مجالس مدن وقرى ومستشارون, ورجال اقتصاد وأعمال, والسوريون معروفون بنشاطهم وحيويتهم وقدرتهم الكبيرة على الانخراط في المجتمعات التي يعيشون فيها وعلى التفوق العلمي والتقني والسياسي وعلى استقطاب وكسب محبة أبناء مجتمعاتهم الجديدة.., وهذا يعني أن هؤلاء ثروة كبيرة كما قال عنهم السيد الرئيس بشار الأسد. سؤال إلى السيد وزير المغتربين الذي نحترمه, وكلنا ثقة أنه سيعمل بكل جهده على إقامة جسور قوية ومتينة بين المغتربين والوطن : هل هذه الثروة مستثمرة, أليست ثروة مهملة ومهدورة, وان سنوات طويلة مرت دون ان يتم الانتباه والتعامل معها كما ينبغي أن يكون التعامل, وأن أغلب السفارات السورية لاتعمل على ربط المغترب بوطنه?! العواطف وحدها لاتقيم جسوراً على الأرض.. جسور المشاعر تحتاج إلى تدعيم وتفعيل وتحويل إلى شيء مادي محسوس.. استمعت إلى محاضرة لمغترب يعيش في الأرجنتين, كدت أقول إن الأرجنتين كلها في أيدي السوريين, ومثلها فنزويلا والتشيلي.. خمسة عشر مليون مغترب سوري, طاقات سورية كبيرة في كل مكان من العالم, عدد السوريين في المغترب يوازي عدد السوريين في الوطن الأم.. يمكن أن يكون هؤلاء المغتربون أكثر فاعلية من الباقين هنا إذا استثمرت طاقاتهم السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية, وحتى كطاقة إعلانية لتسوق الوطن في بلدان الاغتراب لاجتذاب طاقات المغتربين السوريين وطاقات الأجانب من مواطنيهم في سورية, كلنا نعرف كيف تلعب اللوبيات اليهودية أدواراً في كثير من البلدان المتواجدة فيها لصالح »إسرائيل«... لدي اعتقاد أن السوريين أكثر حماسة للوطن من حماسة اليهود »لإسرائيل«, لأن السوريين ولدوا من تراب الوطن, واليهود ولدوا من تراب الأكذوبة التوراتية, للأسف لم نوظف هذا الانتماء في مصلحة الوطن, اللقاءات الرسمية وحدها بين أفراد من المغتربين والمسؤولين في الوطن غير كافية, يجب النزول إلى القاعدة الواسعة من المغتربين, للوصول إلى الجميع, ولإعادة إشعال الوهج الوطني في الأجيال الجديدة التي تنحدر من أجيال غادرت الوطن منذ عقود طويلة, يجب إحياء هذه الذاكرة, وإذا كانت اللغة العنصر الأكثر أهمية في تكوين الانتماء إلى الأمة والوطن, وفي حفظ الجذور وتقوية الروابط يجب إحياء اللغة العربية فيهم كما أشار وزير المغتربين. نحن بحاجة إلى مشروع متكامل يمكن البناء عليه, بحاجة إلى أن تتحول سفارتنا في الخارج إلى نوافذ مفتوحة للمغتربين على الوطن, وللوطن على المغتربين, دعونا نعترف أن أكثر سفاراتنا مغلقة, أو معتمة, وتتجاهل المغتربين, تتجاهل حتى المواطن السوري عندما يمر بها, هذا انطباع عام يحمله السوريون في الخارج وفي الداخل, لماذا?! سؤال بحاجة إلى إجابة عملية .. دموع قلبي |