الموضوع: مزالّ الكتابة
مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 26/11/2010, 01:56 PM
أورنجزيب أورنجزيب غير متواجد حالياً
زعيــم فعــال
تاريخ التسجيل: 23/05/2010
مشاركات: 251
مزالّ الكتابة

مزالّ الكتابة


حيث أني ما زلتُ في طور التعلم ؛ كنت قد عقدتُ العزم على تأجيل هذه المقالة حتى يستقيم عودي في الكتابة ، ولكن طلب من لا يقبل طلبه التأجيل : عجّل بها بعد أن قرأ مقالة مزالّ القراءة ، فشكرًا لحسن ظنه الذي أرجو ألا يخيب ، وعذرًا لكل من يرى التقصير .


المزلة الأولى : الكتابة للكتابة !
كل كتابة لها غاية تتغياها ، وعندما تكون الكتابة هي الغاية ؛ ستجد الكثير من الكلام الذي لا معنى له ، والعاقل لا يتفوه بكلمة فضلًا عن كلام إلا وله هدف يصبو إليه ، والعقلاء يزنون الأمور بغاياتها ، ويقيسون الأشياء بأهدافها ، فلتكن هذه منك على بال حين تمسك بزمام لوحة المفاتيح !


المزلة الثانية : الكتابة في كل شأن !
بعض الناس يظنُ أنه من الواجبات أنّ يدون رأيه في كل أمر ، ولا أدري من أقنع الناس : بأن يكون لكل شخص رأيًا في كل شيء ، فثمة أمور يحتاج تكوين الرأي فيها إلى فريق عمل لا عقل رجل ، والتهوين من اتخاذ الرأي في الأمور الجسام : أنتج الكثير من الآراء الساذجة والساقطة ، التي تستهلك وقتًا للرد عليها من أصحاب الاختصاص ، وجهدًا لتبيين عوارها !


المزلة الثالثة : التكلف في الكتابة !
التكلف مصطلح يخضع لاعتباراتٍ عديدة ؛ جلها غير موضوعي ، والبلاغة في حدودٍ معينة : ضرب من أضرب التكلف ، وليس هذا ما أعنيه ، وإنّما المبالغة في الغموض وعدم الوضوح والتحوير والتغيير والتصوير والتعبير بشكل يجعل القارئ الحصيف يتكلف القراءة تكلفًا حتى ينتهي من النص ، وهذا التكلف غايته : اقتطاع جزءٍ من إعجاب القراء ، ولكن على حساب المضمون ، وكلما كانت الكتابة بسيطة وعميقة : كانت أقرب وأنفع .


المزلة الرابعة : المبالغة في المبالغة !
كي تحوز على احترام القراء بجميع أطيافهم ؛ لابد أن تكون موضوعيًا قدر الإمكان ، وحيث أنّ الموضوعية المطلقة : متعذرة ، فلا أقل من أن تحوم حول الحمى ، ولكن غلبة العاطفة ، وطغيان الهوى ، وضغط الواقع ، وردة الفعل ، وقلة العلم ، وضعف الحجة ، كلها عوامل تدفع القلم لأن يستطيل في الدعوى ، ويبالغ في الوصف = ظنًا منه أنه سيجني اقتناعًا من قارئ ، وتعاطفًا من سامع ، والأصوات التي تُكتسب من خلال هذه الطريقة : تزول عند سماع دعاوى أقوى وأوصافٍ أشد !


المزلة الخامسة : الإغراق في الجزئيات !
عندما تضع عدستك المكبرة على أمور صغيرة ، فحتمًا ستراها أكبر من حقيقتها ، مع أنّ بعض الجزئيات في حاجة لتسليط الضوء والصوت عليها ؛ إلا أن الحديث هنا عن الإغراق لا مجرد الحديث بإطلاق ، فتكبير الصغير وتصغير الكبير باستمرار : يُحدث خللًا في الموازين لدى العامة ، ويحيّد التركيز عن المواضيع الهامة .


المزلة السادسة : عقدة المنقذ !
بعض الكتّاب يكتب بنفسيّة المنقذ ، وروح الفارس الذي سيذعن القراء لسطوة بنانه ، وخلاصة بيانه ، وهذا متولد من نفس كبُرتْ في عين صاحبها ، وعقلية متقدة في ذهن مالكها ؛ لذا يأنف إن رفض قوله فضلًا عن الرمي به في عُرض الحائط ، وهذه مزعجة للقارئ المستقل برأيه ، ومربكة للقارئ التابع لغيره ، والعقلاء يعرضون ما عندهم دون إلزام أو استسلام ، فالقارئ في النهاية : خصيم نفسه !


المزلة السابعة : الموضة الكتابية !
الكتابة التي ولدت من رحم المجاراة للآخرين ، وخُلقتْ من وحي ملاحقة الكاتبين = هي كتابة تطل من نافذة : سمعتُ الناس يقولون قولًا فقلته ، فلا يهمه الدافع ولا الشكل ولا المضمون ؛ المهم أن يواكب الموضات الثقافية على أي شكل تكون ، والمواكبة الدائمة بإطلاق غير محمودة ، والمخالفة للسائد أحيانًا غير مذمومة ، ورحم الله قلمًا عرف قدره ؛ فاحترم عقله ، ووفر وقت غيره !


المزلة الثامنة : عدم الدقة !
العجلة في كل شيء مذمومة ؛ إلا ما كان في وجوه الخير ، وبعض الكتّاب يسارع في تسطير رأيه ورؤيته حول حدث أو معلومة ، دون استفراغ الوسع وبذل الجهد في التحقق منها ، وكم هو مؤسف أن يعانق وجه الكاتب كفيه خجلًا ؛ بعد أن يكتشف أنه لم يكن على بيّنة !


المزلة التاسعة : الكتابة الذاتية !
بعض الكتّاب يدور حول نفسه ، ففي أي حديث له لا يجد صعوبة في الحديث عن نفسه ، وكأن الكتابة وسيلة تعريفه الوحيدة ، ويظن أن الناس متشوقون لسماعها في كل حين ، ولو بلغ مقدار ما كتبه عنها عشرات بل مئين ، والحديث عن النفس باستمرار : مؤشر على تضخم أنا أو تهميش نفس !


المزلة العاشرة : الضعف اللغوي !
كم من كتابة جميلة الجوهر مشوهة المظهر ، تحمل من المضامين أعلاها ، وتلبس من الملابس أدناها ، يعوزها النحو في أسهل حالاته ، وينقصها الإملاء في أبسط أشكاله ، تستجدي الترقيم لتفهمها ، وتتطلب الترتيب لتقرأها ، ورغم ما كُتب فيه من كثير كلام ؛ إلا أنّ الأمر يحتاج إلى مزيد اهتمام ، عجّل الله لي ولك بالمزيد منه وله.


هذه عشر مزال ، وللمزيد يحتمل المقال ، وحسبي منها ما يحيط بجيدها ، ولاحقًا سيضم قديمها جديدها ، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .


أورنجزيب
اضافة رد مع اقتباس