|
الحرباء والحرية !!
الحرباء والحرية !!
في قريتي القابعة جنوب غرب المملكة أرعبني في طفولتي كائن زاحف كان يلفت نظري بشكل غريب جداً .. أصدقكم القول انني كنت أخافه واخشاه بشكل لا يمكن ان أصفه لكم هنا .. لكنني اتذكر شكلة المقزز وآلوانه المتغيره بتغيير المكان الذي يوجد فيه ..
لم احرص كثيراً على ان أفهم فسيولوجية هذا الامر كونه حيوان لا أكثر ولا أقل .. لكن مع مرور الزمن .. ونمو العقل بالنسبة لكاتب هذه الحروف بدأت أفكر في هذه القدرة الذاتية على تغيير ألوانه وفقاً للظروف المحيطة والمكان الموجود فيه .. وإستخدامها إما للدفاع عن نفسه أو للانقضاض على فريسته !!
لم أتذكر هذا الكائن المقزز إلا بعد ان رأيت موقفاً وحدثاً أعادني إلى تلك الفكرة مع فارق الإمكانيات العقلية هنا وهناك ..
في العقد الاخير لاح في الأفق مصطلح الحرية .. الكل ينادي بهذا المصطلح .. الإعلام يطالب بالحرية !! المرأة تطالب بالحرية .. الساسة والمثقفون ينادون بذلك .. الإقتصاديون لم يفتهم إقتطاع جزء من كعكة الحرية .. حتى الرياضيون كان لهم نصيب من الدعوة إلى الحرية !!
تختلف مطالبة وتعريف كل فئة لهذا المصطلح !!
هنالك من يسمي الإنحلال والتفسخ (( حرية )) !!
هنالك من يسمى النقد اللاذع والغير مبرر والهدام (( حرية )) !!
هنالك من يسمي التعبير عن الرأي مهما كان مخالفاً للدين والشرعً (( حرية )) !!
هنالك من يسمي التلاعب باموال وحقوق المساهمين (( حرية )) !!
هنالك من يسمي خروج المرأة من بيتها ومحاولة الدخول في معترك الحياة الشرسة (( حرية )) !!
أن تنادي بحرية الفكر وحرية القلم وحرية المذهب وحرية النقد وحرية الطرح التلفزيوني وغيرها فهذا أمر لا يمكن لأحد أن يجادلك فيه !! ولكنهم ينسفون كل هذه الحريات بإلغاء حرية الآخرين في الرد عليك أو ابدأ وجهة نظرهم !!
هذه مهازل لا يمكن السكوت عنها !!
كان بنو قومي ينعتون المستقيمين من أبناء هذا البلد بالمنغلقين (( مع وجود هذه الصفة في جزء يسير جداً منهم )) وكانوا يتهمونهم في كل محفل وحدث بأنهم جزء من العودة إلى الخلف وأنهم محاربوا الحرية وقاتلوها في مهدها وعندما يحاول الآخرون تطبيق شيء من الحرية المباحة يواجهون بالرفض والإقصاء .. فأين الحرية إذاً !!
أن يكتب الآخرون عن المستقيمين في صحف بلادي فهذا حقّ مشروع لهم وجزء من الحرية .. ولكن أن يرد عليهم المستقيمين لإيضاح جزء من الحقيقة المغيبة فهذا أمر لا يمكن السماح به .. ومع ذلك يناودن بالحرية !!
أن يقام معرضاً للكتاب ويتم إدخال كل الكتب المخالفة للدين والشرع وبعض القيم الأخلاقية فهذه حرية .. ولكن أن يأتي بعض القوم لينتقدوا مثل هذه الكتب فهذا امر لا يمكن السماح به .. ومع ذلك ينادون بالحرية !!
أن يعبر أي شخص منهم عن رأيه في جهة معينة أو سوق معين او مؤسسة معينة ويتهمها بكل التهم الزائفه فهذا جزء من الحرية .. وعندما يطرح الشيخ ناصر العمر رأيه في مقاطعة بندة فهذا تعدي على البلد وهدم لإقتصاده ومخالفة لمشروع توحيد الفتوى (( مع أنه رأي شخصي وليس فتوى شرعية )) .. ومع ذلك ينادون بالحرية !!
أن تشاهد في قنوات العرب كل ما يخزي من التعري وخدش الحياء وقتل المروءة في نفوس الشباب فهذه حرية ولا أحد يجبرك على ان تشاهد هذه القناة .. ولكن عندما تطرح قنوات إسلامية بعض البرامج الهادفة يتم إيقافها !! ومع ذلك ينادون بالحرية !!
عندما شاهدت كل ماسبق .. تذكرت حربائي التي أقلقتني في طفولتي فهم يأخذون منها خاصية التلون وفقاً للظروف المحيطة .. وكل ما كان في صفهم أو حاول الوصول إليه ووجدوا هنالك عائق نادوا بالحرية .. وفيما عدا ذلك فلا حيا ولا مرحباً بالحرية !!
ختاماً .. الحرباء تتلون لكنها لا تضر احداً وهذه حرية محمودة لها !! لكن حرباء بنوا قومي تتلون وتضّر كل من حولها وتسعى جاهدة إلى الفتك بهذا المجتمع تحت مظلة وستار الحرية التي أشبهها بجوارب العائلة !! يمكن للجميع ان يلبسوه ويتمطط وفقاً لصغر وكبر القدم أكرمكم الله وأجلكم !! وبالإمكان ان لا يلبسها سوى الخادمة فقط !!
شخصياً لم اعد اطرب لسماع هذا المصطح كونه مصطلح فضفاض .. مع انني من أشد المطالبين بوجوده وفقاً للتعريف الصحيح والصريح له .. وهو ان يكون هنالك حرية منضبطة تخدم الدين والوطن والتنمية والرفعة والعلم دون مساس بمعتقد او إخلال بخُلق وسلوكيات !!
تحياتي للشرفاء ممن لم يسيروا خلف الحرية المزيفة ..
محبكم
محمد
 | 