مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 14/08/2010, 08:29 PM
وقت الغروب وقت الغروب غير متواجد حالياً
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 10/10/2008
المكان: فى قلب الهلال
مشاركات: 3,349
هل سيوقف الأمر الملكي الفتاوى الشاذة ؟!!


لا يخفى على جميع المتابعين أن ما ابتلي به مجتمعنا مؤخراً من فوضى في الفتوى واقتحام للفتاوى الشاذة قد وقف في وجهه علماء الشريعة ومن سار على نهجهم من طلبة العلم الشرعي ، فقد أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز – وفقه الله لكل خير أمراً حاسماً - ترقبه الكثيرون من العلماء وطلبة العلم وأهل الخير في المملكة ــ بل وخارجها ــ بمنع الفتاوى المضللة والشاذة التي أثارت لغطاً كثيرا لدى عامة الناس ودعمت حملات التشكيك الظالمة في الأحكام الشرعية ، حيث إن هذا البيان الصادر من خادم الحرمين الشريفين يأتي بعد ما عرف عنه وفقه الله من حرص على وحدة الأمة ، استجابة لدعوة هؤلاء العلماء وطلاب العلم لهذا الخطوة الموفقة وفقه الله .

وحيث إن كثير من أولئك الذين أصدروا تلك الفتاوى الشاذة لم يردعهم ما ورد في كتاب الله تعالى ، وفي سنة نبينا صلى الله عليه وسلم من نصوص صريحة في النهي عن الفتوى بغير علم ، ونهي علماء الأمة عن اتباع الفتاوى الشاذة الواردة في الكتب ، فإن قيام ولي الأمر بإصدار أمره الصارم كان هو العلاج الوحيد لإيقاف أصحاب تلك الفتاوى عند حدهم وتوجيهيم إلى جادة الصراط المستقيم .

وهو ما يصدّقه قول الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه : "إن الله يزع بالسلطان ما لايزع بالقرآن" ، ولقد جاء القرار بعد موجة جدل صاخبة وغير مسبوقة إثر تداول فتاوى شاذة سواء في الفضائيات أو الصحف أو على مواقع الشبكة العنكبوتية ، وأصبحت حديث الناس في المجالس الخاصة والمنتديات وعلى صفحات الجرائد ، وقد كان موقع لجينيات من أوائل وسائل الإعلام التي تابعت هذه الأطروحات الغريبة في مسألة الفتوى ، ونشرت العديد من الردود على أمثال هؤلاء المقتحمين لميدان الفتاوى الشاذة والمخالفة ..

وكان من نتيجة ذلك ، إثارت البلبلة بين جمهور الناس ، مما أوقعهم في حيرة من أمرهم بين ما عرفوا من الأحكام التي سمعوها من كبار علماء الأمة ، وبين مضمون هذا الفتاوى المحدثة ! ، وكان من الجوانب السلبية لهذه الفتاوى هو نيل أصحابها من العلماء الثقات الذين تناولوها بالتفنيد والرد ،، وهو ما جعل أيضاً أقلام الفتن تطل من بعض المنابر الإعلامية لتطعن في العلماء جهراً في محاولة مستميتة لإضعاف المكانة العلمية والاجتماعية لاؤلئك العلماء الأفاضل وإضعاف دورهم في القيام بواجبهم في الدعوة إلى الله وحراسة الأمن الفكري في المجتمع .
ولقد جاءت عبارات الأمر الملكي صريحة في بيان الوجه الحق من خلال وضع القواعد المناسبة التي تنظم شئون الفتوى في المملكة ، كما تضمن الأمر الكريم إجراءات رادعة لكل من يصدر فتاوى وهو من غير أهل الفتوى ، وهو ما تضمنه قصر الفتوى على هيئة كبار العلماء دون غيرهم

ومن جانب آخر تضمن الأمر الملكي حفظ مكانة العلماء حيث احتوى على تحذير شديد لمن إنتقص من شأنهم سواء بالكلمة أو بالتدخل فيما عهد إليهم وأنيط بهم ، مشدداً على أن كل من "يتجاوز هذا الترتيب فسيعرض نفسه للمحاسبة والجزاء الشرعي الرادع ، كائناً من كان ؛ فمصلحة الدين والوطن فوق كل اعتبار". حيث تضمن القرار ما يلي : فقد أقامت الدولة ـ بحمد الله ـ منذ تأسس كيانها على قاعدة الإسلام ، مؤسسات شرعية تعنى باختصاصات معلومة لدى الجميع ، وقامت بواجبها نحوها على الوجه الأكمل ، لكن نجد من البعض من يقلل من هذا الدور ، متعدياً على صلاحياتها ، ومتجاوزاً أنظمة الدولة ، ومنهم من نصب نفسه لمناقشتها ، وعرضها على ما يراه ، وهذا ما يتعين أخذه بالحزم ورده لجادة الصواب ، وإفهامه باحترام الدور الكبير الذي تقوم به مؤسساتنا الشرعية ، وعدم الإساءة إليها بتخطي صلاحياتها ، والتشكيك في اضطلاعها بمسؤولياتها ، وهي دعوة مبطنة لإضعاف هيبتها في النفوس ، ومحاولة الارتقاء على حساب سمعتها وسمعة كفاءاتنا الشرعية التي تدير شؤونها ، التي يتعين عليها التنبه لهذا الأمر ، وتفويت الفرصة على كل من تسول له نفسه اختراق سياجها الشرعي والنظامي ، والنيل من رجالها ، وهم حملة الشريعة وحراسها .

كما جاء في الأمر الملكي : ( إن تباين أقوال أهل العلم يتعين أن يكون في نطاق هيئاتهم ومجامعهم العلمية والفقهية ، ولا يخرج للناس ما يفتنهم في دينهم ، ويشككهم في علمائهم ، فالنفوس ضعيفة والشبه خطافه ، والمغرض يترقب ، وفي هذا من الخطورة ما ندرك أبعاده ، وأثره السيئ على المدى القريب والبعيد على ديننا ومجتمعنا وأمننا .)

ومن الجدير بالذكر أن الأمر الملكي قد صدر بعد أن انتشرت مؤخراً فتاوى كثيرة تضمنت كثيرا من الشذوذ والخروج عن الأحكام الشرعية المعتبرة ، وتتعارض في كثيرا من جوانبها مع مضمون الفتاوى الصادرة عن هيئة كبار العلماء ومن المجامع والهيئات الشرعية .

ومن الواضح أن القرار تجاوز مرحلة الوعيد إلى مرحلة إيقاع العقوبة الشرعية ، فالمسألة كانت تحتاج إلى مثل هذا الردع ، لا سيما وأن المجال الآن بات مرتعاً عفناً للأقلام التغريبية المأجورة التي استغلت الفرصة في الهجوم على العلماء على صفحات الجرائد ، كما بات الفضاء مجالاً مفتوحاً لكل ناعق للتشكيك في مصداقية أولئك العلماء الثقات والحط من مكانتهم ، بل بلغ الحد إلى قيام بعض الرعاع من الأقلام المأجورة أن نصبو أنفسهم للفتيا في مسائل علمية فيها نصوص شرعية ، وبالغوا في ذلك أن طرحوا مسائل فقهية للتصويت بين العامة وجعلوا الراجح من الأصوات ما وافق أهوائهم ، كما ضربوا عرض الحائط بما ينادون به دائماً من الالتزام بالتخصص العلمي قال تعالى:{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } . .

ومن الغرابة أن يحدث هذا في مجتمع يقوم في كل شئونه على العقيدة والالتزام بشريعة الله ولا يمت إلى التغريب بصلة ، والجدير بالذكر أن كثيرا من وسائل الإعلام والمواقع التي يسيطر عليها الليبراليون قد ولغت في استضافة بعض الأشخاص من الرجال والنساء وتم إصدار كثير من الفتاوى التي تتعارض صراحة مع نصوص الكتاب والسنة وتتضمن خروجاً عن إجماع علماء المسلمين .

وفي خطورة التصدي للإفتاء بغير علم يقول الإمام الشاطبي : يرى أن المفتي قائم مقام النبي صلي الله عليه وسلم في بيان الشرع للأمة ، والإمام ابن القيِّم خطا خطوة أكثر فقال إنه يوقِع عن الله تعالى ، بمثابة من يوكله ومن يقول له الأمير أو كذا وقِع عني ، فيعتبر كأنما هو يوقع عن الله عز وجل ، لأن من أخطر الأشياء أن يجترئ الناس على الفتوى وأنهم ليسوا أهلا لها ، بل أن الصحابة كان بعضهم يسأل عن الفتوى يقول له اذهب اسأل فلاناً أو اسأل فلاناً ويحيل بعضهم على بعض ، وكان ابن عمر يقول : يريدون أن يتخذوا ظهورنا مطايا إلي جهنم ..!

ولما كان شرع الله تعالى الأولى برعاية ولي الأمر وحراسته من تطاول الجهلاء وأصحاب المقاصد السوداء ، كانت الحاجة إلى العقوبات الدنيوية ليكون فيها زجر عن اقتراف معصية الإفتاء بغير علم والتطاول على العلماء ، وقد ورد أنه - صلى الله عليه وسلم – قال : "لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فواكلوهم وشاربوهم فضرب الله بقلوب بعضهم على بعض ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ثم جلس رسول - صلى الله عليه وسلم - فقال: والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم ".

وهناك من الأخوة الفضلاء من لهم تساؤلات حول بعض ما ورد في هذا البيان من كونه ربما نتج عنه منع بعض من عرف عنه العلم والتقوى من الإفتاء ، وفي تقديرنا أن مثل هذا التساؤل لا يقلل من قيمة البيان لأنه ليس من الضروري أن كل مؤهل للإفتاء تلزمه الفتوى فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يعدون بالآلاف وأكثرهم مؤهل لهذا المهمة ولم يكن يفتي منهم إلا النزر اليسير فالإفتاء فرض كفاية وليس فرض عين كما أن البيان جعل لأمثال هؤلاء العلماء المؤهلين ممن يخشى عدم الترخيص لهم بالفتوى العامة مجالاً عريضا في الفتاوى الخاصة والشخصية .

نسأل الله تعالى أن يحفظ بلادنا وأمننا وولاة أمرنا ويوفقهم لهداه ويجعل عملهم في رضاه ، ونسأله تعالى أن ينصر دينه الذي هو عصمة أمرنا والذي ارتضاه المولى لنا ، ونسأله أن تظل الفتن نائمة في مرقدها وأن يقطع كل يد عابثة توقظها ، هؤلاء الذين يريدون تحول أمننا خوفا ورغد عيشنا فاقة وفقرا ، وأن يحفظنا من كل مكروه وسوء ، وأن يدرأ عنا الشهوات والشبهات وكيد الليبراليين والعلمانيين الحاقدين .
اضافة رد مع اقتباس