مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 11/08/2010, 05:31 PM
الكاتب النحرير الكاتب النحرير غير متواجد حالياً
(( كاتب الزعيم ))
تاريخ التسجيل: 18/11/2000
المكان: جدة
مشاركات: 725
دواعي التوبة .. للنفس المذنبة

دواعي التوبة .. للنفس المذنبة



أصل الموضوع خطبة جمعة من موسوعة الخطب المنبرية
حاولت اختصارها قدر الإمكان مع التصرف اليسير



الحمد لله رب العالمين يتوفى الأنفس حين موتها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى

إلى أجل غير مسمى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بقدرته يتعاقب الجديدان وتتكرر

المواسم وتطوى الأيام وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أزكى البشرية وأبرها وأسبقها إلى

الخيرات اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر المرسلين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون

وعلى الآل والأصحاب الطيبين الطاهرين وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

أما بعد ..



فاتقوا الله معاشر المسلمين فشهر الصيام موسم للبر والتقوى قال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا

كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون }

إخوة الإيمان حل الضيف الكريم المنتظر ومتع الله من شاء من عباده حتى بلغ شهر الصيام

وطويت صحائف أقوام فغيبتهم اللحود فالمغبون حقا من يدخل عليه الشهر ويخرج ولم يستفد

شيئاً ؛ ألا وكلنا ذاك المخطئ الذي يرجو مغفرة ربه وتكفير سيئاته ورمضان فرصة لتكفير

السيئات ويجد المرء فيه من العون ما لا يجده في الأشهر الأخرى ففرص الطاعة تتوفر وأبواب

الجنة تفتح ودواعي الشر تضيق وأبواب النار تغلق ؛ به تنشرح صدور المؤمنين وبه تصفد

مردة الشياطين وهذه وتلك تعين المرء على تكفير سيئاته وتدفعه إلى عمل الصالحات التي بها

يكفر الله السيئات ومحروم من أدركه رمضان فلم يغفر له فأي خسارة أعظم من أن يدخل المرء

فيمن عناهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بحديثه على منبره في مساءلة بينه وبين جبريل

عليه السلام .




وإذا كان الله يدعو عباده إلى التوبة النصوح الصادقة في كل زمان ويقول جل ذكره:{يا أيها

الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا } ويقول تعالى: { وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون

لعلكم تفلحون } فإن التوبة في رمضان أحرى وأولى فهو شهر تسكب فيه العبرات وتقال فيه

العثرات ويحصل به العتق من النار ومن منا لا يتلبس بخطأ ومن منا لا يصر على معصيته كبرت

أو صغرت .. أوليس حريا بنا في رمضان أن نتخفف من الأوزار ونقلع عن المعاصي والموبقات

فنستشعر لذة رمضان ونحس بأثره في نفوسنا وسلوكياتنا ؛ ولا يكن رمضان وغيره سواء .




إن رمضان فرصة لمحاسبة النفس وينبغي أن يكون رمضان مذكراً لنا بما اقترفنا طيلة العام فما

وجدنا من خير حمدنا الله وازددنا وما وجدنا من سوء تبنا إلى الله واستغفرنا وتصدقنا وأكثرنا

من عمل الصالحات ووعدنا أنفسنا ألا تتكرر أخطاؤنا وألا نرخي العنان لشهواتنا فإذا حافظنا

على ذلك وحافظنا قبله على الصلوات الخمس والجمعة والجماعة كنا ممن فقه قول المصطفى

صلى الله عليه وسلم : ( الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات

لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر )





ومن دواعي التوبة في رمضان الصبر فالصوم كما جاء في الحديث (نصف الصبر ) والصوم

يربي النفس على الصبر وتحمل المشاق وإذا كان الصائم يصبر نفسه عن ما أحل الله له من

الطعام والشراب والمنكح فلا شك أن صبره عن ما حرم الله عليه من باب أولى وهكذا يخرج

المسلم من شهر الصيام وقد تدرب على الصبر وانتهى في حسبانه أي شيء كان يظنه مستحيلا

أو ليس المدمن على التدخين مثلا كان لا يطيق الصبر عنه بضع سويعات فإذا به في شهر

الصيام يصبر عنه الساعات الطوال أو ليس في ذلك فرصة للإقلاع عنه والخلاص من أسره بدءاً

من شهر الصيام .. وهكذا فكل من فتن بشيء محرم وصبر نفسه عنه في شهر الصيام فجدير به

أن يتركه ويتوب إلى مولاه وهذا من المستفيدين حقا من حكم الصيام ومثله يفقه حقيقة التقوى

في الصيام كما قال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم

لعلكم تتقون}




وليحرص المسلم على الدعاء عند الإفطار فللصائم عند فطره دعوة لا ترد كما قال عليه الصلاة

والسلام: ( ثلاثة لا ترد دعوتهم الإمام العادل والصائم حين يفطر ودعوة المظلوم )

وهل غاب عن ذهنك أيها المقصر أن الله تعالى يغفر الذنوب جميعا مع التوبة وصدق التوجه وأن

لله تعالى نفحات في رمضان حري بك أن تستفيد منها فقد روى الإمام أحمد رحمه الله في مسنده

بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن لله عتقاء في كل يوم وليلة لكل عبد منهم

دعوة مستجابة ) وفي الحديث الآخر عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه

وسلم قال : ( لله عند كل فطر عتقاء ) فتذكر ذلك جيدا يا أخا الإسلام وادع الله بالتوبة النصوح

واسأله من خيري الدنيا والآخرة وأرجه أن تكون من عتقائه من النار وإنه لفرق بين من

يتصور هذه المعاني وهو عند لحظات الإفطار وبين من هو غافل شارد لا يقطع حديثه المعتاد

إلا سماع الأذان وربما كان الكلام في محرم فكانت الخسارة أعظم فاستفيدوا من الصيام يا معاشر

الصوام وانتبهوا للحظات قبول الدعاء فهي حرية بالاهتمام .






وهناك أمر هام في كل حال وفي رمضان يزداد أهمية ألا وهو الصدقة فهي برهان على الرغبة

في الخير ولا سيما صدقة السر التي قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأنها :

( صدقة السر تطفىء غضب الرب ) والصدقة ـ بشكل عام - تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء

النار وإذا كانت الصدقة -الأخرى- مستحبة في كل زمان فلها في شهر الصيام مزية على سائر

العام وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان وقال

الإمام الشافعي رحمه الله : أحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداء بالرسول صلى

الله عليه وسلم ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم ولتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة على

مكاسبهم .



ومن دواعي التوبة في شهر رمضان كثرة تلاوة القرآن ؛ لا شك أن تلاوة القرآن مستحبة في كل

زمان ولا شك أن للقرآن أثره على قارئه في كل حال؛ وتبقى القلوب التي لا تلين أو تتأثر

بالقرآن كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق

فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وللقرآن في رمضان مزية خاصة ففيه أنزل

وبه كان جبريل عليه السلام يلقى النبي صلى الله عليه وسلم كل ليلة من رمضان فيدارسه

القرآن وبه تزدان المساجد في رمضان تلاوة وصلاة وخشوعا وبه يتهيأ لكثير من الناس

القراءة أكثر من غيره وإن كان حريا بالمسلم أن يداوم على قراءة القرآن في رمضان أو غير

رمضان لكن فضل الزمان يدعو إلى كثرة التلاوة والتدبر للقرآن وفي رمضان يجتمع الصيام مع

تلاوة القرآن فيكون أسمى للروح وأخف للجوارح لعدم امتلاء البطن في الطعام وقارئ القرآن

بتدبر وتمعن لا بد أن ينتهي إلى التوبة ولا بد أن يعود إلى ربه ويستغفره من ذنوبه وقارئ

القرآن يستشعر التوبة لأنه يقرأ أخبار وقصص التائبين وفي مقدمتهم آدم عليه السلام فلم تقعد

به الخطيئة عن التوبة والاستغفار ولم يتجبر أو يتكبر كحال إبليس الذي كان مصيره إلى النار

وبئس القرار ويستشعر من هذا أن كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون فيتأمل في نفسه

ويعقد العزم على التوبة ويكون هذا الشهر الكريم بداية عتقه من النار ويكون القرآن دليله إلى

النجاة وقاربه إلى بر الأمان بل إن قارئ القرآن يجول بطرفه ويسرح بفكره في أحوال الأمم

الغابرة بين الطاعة والعصيان وبين الرجوع إلى الله والجبروت والطغيان ؛ ويهديه القرآن إلى

نهاية هؤلاء وأولئك ويبصره كيف كانت العاقبة ولمن كانت النهاية في كل حال فيدعوه ذلك إلى

أن يكون من حزب الله المفلحين وينأى بنفسه أن يكون ممن أخذهم الله بالعذاب فما استكانوا

لربهم ومايتضرعون .





ومن أكرمه الله بحلول هذا الشهر لا يخدعه عن التوبة طول الأمل أو نضرة الشباب أو توفر

النعم فيسوف في التوبة حتى تقترب النهاية وتكون المفاجأة { وليست التوبة للذين يعملون

السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن } ويهدي القرآن أصحابه كيف يتوبون

وكيف يستغفرون { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن

يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم

وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين}






أيها المسلمون توبوا إلى ربكم واستغفروه واستفيدوا من تلاوة القرآن وشهر الصيام ولا

تتعاظموا على الله ذنبا وفي الحديث جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله

أحدنا يذنب قال : (يكتب عليه ) قال ثم يستغفر منه قال : ( يغفر له ويتاب عليه ) قال فيعود

فيذنب قال : ( يكتب عليه ) قال ثم يستغفر منه ويتوب قال : ( يغفر له ويتاب عليه ولا يمل الله

حتى تملوا ) وقيل للحسن يرحمه الله ألا يستحي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود ثم

يستغفر ثم يعود فقال ود الشيطان لو ظفر منكم بهذا فلا تملوا من الاستغفار .

ومع التوبة والاستغفار تجنبوا الموبقات وأكثروا من الطاعات عسى ربكم أن يرحمكم ويغفر لكم

إن في ذلك لذكرى لمن عقل شهر الصيام وأدرك ما في القرآن من أسرار ودعوة إلى الخير

والإيمان ومن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين






أخوكم : الكاتب النحرير

جدة ـ بوابة الحرمين الشريفين
الأربعاء 1 / 9 / 1431هـ
اضافة رد مع اقتباس