الموضوع: فضائل شهر رجب .
مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #2  
قديم 21/08/2004, 01:17 PM
sport sport غير متواجد حالياً
عضو سابق باللجنه الإعلاميه
تاريخ التسجيل: 26/08/2001
المكان: السعودية "الــخــبـــر"
مشاركات: 13,852
حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج


أجمع السلف الصالح على أن اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية من البدع المحدثة التي نهى عنها صلى الله عليه وسلم بقوله: ((إياكم ومحدثات الأمور, فإن كل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة)), وبقوله صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)), وبقوله صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).
فالاحتفال بليلة الإسراء والمعراج بدعة محدثة لم يفعلها الصحابة والتابعون, ومن تبعهم من السلف الصالح, وهم أحرص الناس على الخير والعمل الصالح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ولا يعرف عن أحد من المسلمين أنه جعل لليلة الإسراء فضيلة على غيرها, لا سيما على ليلة القدر, ولا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بأمر من الأمور ولا يذكرونها, ولهذا لا يعرف أي ليلة كانت".
وإن كان الإسراء من أعظم فضائله صلى الله عليه وسلم ومع هذا فلم يشرع تخصيص ذلك الزمان ولا ذلك المكان بعبادة شرعية, بل غار حراء الذي ابتدئ فيه بنزول الوحي, وكان يتحراه قبل النبوة, لم يقصده هو ولا أحد من الصحابة بعد النبوة مدة مقامه بمكة, ولا خصَّ اليوم الذي أنزل فيه الوحي بعبادة ولا غيرها, ولا خص المكان الذي ابتدئ فيه بالوحي ولا الزمان بشيء.
ومن خص الأمكنة والأزمنة من عنده بعبادات لأجل هذا وأمثاله كان من جنس أهل الكتاب الذين جعلوا زمان أحوال المسيح مواسم وعبادات كيوم الميلاد, ويوم التعميد, وغير ذلك من أحواله.
وقد رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه جماعة يتبادرون مكانًا يصلون فيه فقال: ما هذا؟ قالوا: مكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟! إنما هلك من كان قبلكم بهذا, فمن أدركته فيه الصلاة فليصل, وإلا فليمض.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال: إنها ليلة المولد, أو بعض ليالي رجب, أو ثامن عشر ذي الحجة, أو أول جمعة من رجب, أو ثامن من شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار, فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها, والله سبحانه وتعالى أعلم".
وقال ابن الحاج: "ومن البدع التي أحدثوها فيه أعني في شهر رجب ليلة السابع والعشرين منه التي هي ليلة المعراج....".
ثم ذكر كثيرًا من البدع التي أحدثوها في تلك الليلة من الاجتماع في المساجد, والاختلاط بين النساء والرجال, وزيادة وقود القناديل فيه, والخلط بين قراءة القرآن وقراءة الأشعار بألحان مختلفة, وذكَر الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج ضمن المواسم التي نسبوها إلى الشرع وليست منه.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في رده على دعوة وجهت لرابطة العالم الإسلامي لحضور أحد الاحتفالات بذكرى الإسراء والمعراج, بعد أن سئل عن ذلك: "هذا ليس بمشروع, لدلالة الكتاب والسنة والاستصحاب والعقل:
أما الكتاب: فقد قال تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً } [المائدة:3]، وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } [النساء:59]، والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه, والرد إلى الرسول هو الرجوع إليه في حياته, وإلى سنته بعد موته, وقال تعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [آل عمران:31], وقال تعالى: { فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [النور:63].

وأما السنة:
فالأول: ما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))، وفي رواية لمسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).
الثاني: روى الترمذي وصححه, وابن ماجه, وابن حبان في صحيحه عن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم ومحدثات الأمور, فإن كل محدثة ضلالة...)).
وأما الاستصحاب: فهو هنا استصحاب العدم الأصلي.
وتقرير ذلك أن العبادات توقيفية, فلا يقال: هذه العبادة مشروعة إلا بدليل من الكتاب والسنة والإجماع, ولا يقال: إن هذا جائز من باب المصلحة المرسلة, أو الاستحسان, أو القياس, أو الاجتهاد؛ لأن باب العقائد والعبادات والمقدرات كالمواريث والحدود لا مجال لذلك فيها.

وأما المعقول: فتقريره أن يقال: لو كان هذا مشروعًا لكان أولى الناس بفعله محمد صلى الله عليه وسلم.
هذا إذا كان التعظيم من أجل الإسراء والمعراج, وإن كان من أجل الرسول صلى الله عليه وسلم وإحياء ذكره كما يفعل في مولده صلى الله عليه وسلم فأولى الناس به أبو بكر رضي الله عنه ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم، ثم من بعدهم الصحابة على قدر منازلهم عند الله, ثم التابعون ومن بعدهم من أئمة الدين, ولم يعرف عن أحد منهم شيء من ذلك فيسعنا ما وسعهم".
ثم ساق رحمه الله كلام ابن النحاس في كتابه تنبيه الغافلين حول بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج, جاء فيه: "إن الاحتفال بهذه الليلة بدعة عظيمة في الدين, ومحدثات أحدثها إخوان الشياطين".

وذكر الشيخ محمد بن إبراهيم في فتوى أخرى: "إن الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج أمر باطل, وشيء مبتدع, وهو تشبه باليهود والنصارى في تعظيم أيام لم يعظمها الشرع, وصاحب المقام الأسمى رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي شرع الشرائع, وهو الذي وضح ما يحل وما يحرم، ثم إن خلفاءه الراشدين وأئمة الهدى من الصحابة والتابعين لم يعرف عن أحد منهم أنه احتفل بهذه الذكرى", ثم قال: "المقصود أن الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج بدعة, فلا يجوز ولا تجوز المشاركة فيه".

وأفتى رحمه الله: "بأن من نذر أن يذبح ذبيحة في اليوم السابع والعشرين من رجب من كل سنة فنذره لا ينعقد, لاشتماله على معصية, وهي أن شهر رجب معظم عند أهل الجاهلية, وليلة السابع والعشرين منه يعتقد بعض الناس أنها ليلة الإسراء والمعراج, فجعلوها عيدًا يجتمعون فيه, ويعملون أمورًا بدعية, وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوفاء بالنذر في المكان الذي يفعل فيه أهل الجاهلية أعيادهم, أو يذبح فيه لغير الله فقال صلى الله عليه وسلم للذي نذر أن ينحر إبلاً ببوانة: ((هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟)) قالوا: لا, قال: ((فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟)) قالوا: لا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أوّف بنذرك؛ فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله, ولا فيما لا يملك ابن آدم)).

وقال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله: "وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها, وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث, ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها, ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات، ولم يجز لهم أن يحتفلوا بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا بها, ولم يخصوها بشيء, ولو كان الاحتفال بها أمرًا مشروعًا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة إما بالقول أو الفعل, ولو وقع شيء من ذلك لعرف واشتهر, ولنقله الصحابة رضي الله عنهم إلينا فقد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم كل شيء تحتاجه الأمة, ولم يفرطوا في شيء من الدين, بل هم السابقون إلى كل خير, فلو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعًا لكانوا أسبق الناس إليه, والنبي صلى الله عليه وسلم هو أنصح الناس للناس, وقد بلَّغ الرسالة غاية البلاغ, وأدى الأمانة, فلو كان تعظيم هذه الليلة والاحتفال بها من دين الإسلام لم يغفله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكتمه, فلما لم يقع شيء من ذلك علم أن الاحتفال بها وتعظيمها ليسا من الإسلام في شيء, وقد أكمل الله لهذه الأمة دينها, وأتم عليها النعمة, وأنكر على من شرع في الدين ما لم يأذن به الله, قال سبحانه وتعالى في كتابه المبين من سورة المائدة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3], وقال عز وجل في سورة الشورى: { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [الشورى:21]، وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة التحذير من البدع, والتصريح بأنها ضلالة تنبيها للأمة على عظم خطرها, وتنفيرًا لهم من اقترافها".
ثم أورد رحمه الله تعالى بعض الأحاديث الواردة في ذم البدع مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)), وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)), وقوله صلى الله عليه وسلم: ((أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة)), وقوله صلى الله عليه وسلم: ((فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها, وعضوا عليها بالنواجذ, وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة)).

فما ذُكر من كلام العلماء وما استدلوا به من الآيات والأحاديث فيه الكفاية ومقنع لمن يطلب الحق في إنكار هذه البدعة, بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج, وأنها ليست من دين الإسلام في شيء, وإنما هي زيادة في الدين, وشرع لم يأذن به رب العالمين, وتشبه بأعداء الله من اليهود والنصارى والمشركين في زيادتهم في دينهم, وابتداعهم فيه ما لم يأذن به الله, وأن لازمها التنقص للدين الإسلامي, واتهامه بعدم الكمال, ولا يخفى ما في ذلك من الفساد العظيم, والمنكر الشنيع, والمصادمة لقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}, والمخالفة الصريحة لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم المحذرة من البدع. ومما يؤسف له أن هذه البدعة قد فشت في كثير من الأمصار في العالم الإسلامي, حتى ظنها بعض الناس من الدين, فنسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين جميعًا, ويمنحهم الفقه في الدين, ويوفقنا وإياهم للتمسك بالحق, والثبات عليه, وترك ما خالفه, إنه ولي ذلك والقادر عليه, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المصدر : موقع المنبر

[HR]

بدع في شهر رجب



الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله


س : يخص بعض الناس شهر رجب ببعض العبادات كصلاة الرغائب وإحياء ليلة ( 27 ) منه فهل ذلك أصل في الشرع؟ جزاكم الله خيرا

أجاب الشيخ عبد العزيز بن باز
ج : تخصيص رجب بصلاة الرغائب أو الاحتفال بليلة ( 27 ) منه يزعمون أنها ليلة الإسراء والمعراج كل ذلك بدعة لا يجوز ، وليس له أصل في الشرع ، وقد نبه على ذلك المحققون من أهل العلم ، وقد كتبنا في ذلك غير مرة وأوضحنا للناس أن صلاة الرغائب بدعة ، وهي ما يفعله بعض الناس في أول ليلة جمعة من رجب ، وهكذا الاحتفال بليلة ( 27 ) اعتقادا أنها ليلة الإسراء والمعراج ، كل ذلك بدعة لا أصل له في الشرع ، وليلة الإسراء والمعراج لم تعلم عينها ، ولو علمت لم يجز الاحتفال بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بها ، وهكذا خلفاؤه الراشدون وبقية أصحابه رضي الله عنهم ، ولو كان ذلك سنة لسبقونا إليها .

والخير كله في اتباعهم والسير على منهاجهم كما قال الله عز وجل : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد متفق على صحته ، وقال عليه الصلاة والسلام : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد أخرجه مسلم في صحيحه ومعنى فهو رد أي مردود على صاحبه ، وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبه : أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة أخرجه مسلم أيضا .

فالواجب على جميع المسلمين اتباع السنة والاستقامة عليها والتواصي بها والحذر من البدع كلها عملا بقول الله عز وجل : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } وقوله سبحانه : { وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خَسِرَ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } وقول النبي صلى الله عليه وسلم : الدين النصيحة قيل لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم أخرجه مسلم في صحيحه .

أما العمرة فلا بأس بها في رجب لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب وكان السلف يعتمرون في رجب ، كما ذكر ذلك الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه : ( اللطائف ) عن عمر وابنه وعائشة رضي الله عنهم ونقل عن ابن سيرين أن السلف كانوا يفعلون ذلك . والله ولي التوفيق .

نشرت في ( مجلة الدعوة ) العدد رقم ( 1566 ) في جمادى الآخرة 1417 هـ .

[HR]

إفراد شهر رجب بعبادة أو خصوصية



الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان


س : هل صحيح أن شهر رجب يفرد بعبادة معينة أو بخصوصية؟ أرجو إفادتنا؛ حيث إن هذا الأمر مُلتبسٌ علينا، وهل يُفردُ أيضاً بزيارة المسجد النبوي فيه؟

أجاب الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان
ج : شهر رجب كغيره من الشهور، لا يخصص بعبادة دون غيره من الشهور؛ لأنه لم يثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – تخصيصه لا بصلاة ولا صيام ولا بعمرة ولا بذبيحة ولا غير ذلك، وإنما كانت هذه الأمور تفعل في الجاهليَّة فأبطلها الإسلام؛ فشهر رجب كغيره من الشهور، لم يثبت فيه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – تخصيصه بشيء من العبادات؛ فمن أحدث فيه عبادة من العبادات وخصه بها؛ فإنه يكون مبتدعاً؛ لأنه أحدث في الدين ما ليس منه، والعبادات توقيفية؛ لا يقدم على شيء منها؛ إلا إذا كان له دليل من الكتاب والسنة، ولم يرد في شهر رجب بخصوصيته دليل يُعتمد عليه، وكل ما ورد فيه لم يثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم -، بل كان الصحابة – رضوان الله عليهم – ينهون عن ذلك ويُحذَّرون من صيام شيء من رجب خاصة.
أما الإنسان الذي له صلاة مستمر عليها، وله صيام مستمر عليه؛ فهذا لا مانع من استمراره في رجب كغيره، ويدخل تبعاً.

[المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان الجزء الأول 222 - 223]

المصدر : الإسلام اليوم

[HR]
حكم تخصيص رجب بالصيام والاعتكاف والصمت فيه



شيخ الإسلام أحمد بن تيمية


س : سئل الشيخ أحمد بن تيمية رحمه الله عما ورد في ثواب صيام الثلاثة أشهر، وما تقول في الاعتكاف فيها والصمت، هل هو من الأعمال الصالحات أم لا؟

أجاب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية
ج : أما تخصيص رجب وشعبان جميعا بالصوم أو الاعتكاف فلم يرد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء ولا عن أصحابه ولا أئمة المسلمين، بل قد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم إلى شعبان ولم يكن يصوم من السنة أكثر مما يصوم من شعبان من أجل شهر رمضان وأما صوم رجب بخصوصه فأحاديثه كلها ضعيفة بل موضوعة لا يعتمد أهل العلم على شيء منها وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل، بل عامتها من الموضوعات المكذوبات، وأكثر ما روي في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل رجب يقول: ((اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان)) وقد روى ابن ماجه في سننه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صوم رجب، وفي إسناده نظر لكن صح أن عمر بن الخطاب كان يضرب أيدي الناس ليضعوا أيديهم في الطعام في رجب، ويقول: (لا تشبهوه برمضان) ودخل أبو بكر فرأى أهله قد اشتروا كيزانا للماء واستعدوا للصوم فقال: ما هذا؟ فقالوا: رجب، فقال: (أتريدون أن تشبهوه برمضان؟) وكسر تلك الكيزان. فمتى أفطر بعضا لم يكره صوم البعض وفي المسند وغيره حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بصوم الأشهر الحرم وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم فهذا في صوم الأربعة جميعا لا من يخصص رجبا.

وأما تخصيصها بالاعتكاف فلا أعلم فيه أمرا بل كل من صام صوما مشروعا وأراد أن يعتكف من صيامه كان ذلك جائزا بلا ريب، وإن اعتكف بدون الصيام ففيه قولان مشهوران وهما روايتان عن أحمد أحدهما: أنه لا اعتكاف إلا بصوم كمذهب أبي حنيفة ومالك والثاني: يصح الاعتكاف بدون الصوم كمذهب الشافعي.

وأما الصمت عن الكلام مطلقا في الصوم أو الاعتكاف أو غيرهما فبدعة مكروهة باتفاق أهل العلم، لكن هل ذلك محرم أو مكروه؟ فيه قولان في مذهبه وغيره، وفي صحيح البخاري أن أبا بكر الصديق دخل على امرأة من أحمس فوجدها مصمتة لا تتكلم فقال لها أبو بكر: (إن هذا لا يحل، إن هذا من عمل الجاهلية) وفي صحيح البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قائما في الشمس فقال: ((من هذا؟)) فقالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم، فقال: ((مروه فليجلس وليستظل وليتكلم وليتم صومه)) فأمره صلى الله عليه وسلم مع نذره للصمت أن يتكلم كما أمره مع نذره للقيام أن يجلس ومع نذره ألا يستظل أن يستظل، وإنما أمره بأن يوفي بالصوم فقط وهذا صريح في أن هذه الأعمال ليست من القرب التي يؤمر بها الناذر وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)) كذلك لا يؤمر الناذر أن يفعلها، فمن فعلها على وجه التعبد بها والتقرب واتخاذ ذلك دينا وطريقا إلى الله تعالى فهو ضال جاهل مخالف لأمر الله ورسوله ومعلوم أن من يفعل ذلك؛ من نذر اعتكافا ونحو ذلك إنما يفعله تدينا ولا ريب أن فعله على وجه التدين حرام؛ فإنه يعتقد ما ليس بقربة قربة ويتقرب إلى الله تعالى بما لا يحبه الله، وهذا حرام لكن من فعل ذلك قبل بلوغ العلم إليه فقد يكون معذورا بجهله إذا لم تقم عليه الحجة فإذا بلغه العلم فعليه التوبة.

وجماع الأمر في الكلام قوله صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)) فقول الخير وهو الواجب أو المستحب خير من السكوت عنه، وما ليس بواجب ولا مستحب فالسكوت عنه خير من قوله ولهذا قال بعض السلف لصاحبه: السكوت عن الشر خير من التكلم به، فقال له الآخر: التكلم بالخير خير من السكوت عنه وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى } [المجادلة: 9] وقال تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ً} [النساء: 114] وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو ذكرا لله تعالى))، والأحاديث في فضائل الصمت كثيرة وكذلك في فضائل التكلم بالخير، والصمت عما يجب من الكلام حرام سواء اتخذه دينا أو لم يتخذه كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيجب أن تحب ما أحبه الله ورسوله، وتبغض ما يبغضه الله ورسوله، وتبيح ما أباحه الله ورسوله، وتحرم ما حرمه الله ورسوله

المصدر : Fatwa_net الفتوى

[HR]

أحاديث صوم رجب ضعيفة ولا أصل لها



الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد


س : هل صحيح أن في الجنة نهرًا اسمه رجب لا يشرب منه أحد إلا من صام شهر رجب؟

أجاب الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد
ج : لم يصح في هذا شيء بل قال العلماء: يكره إفراد رجب بالصوم, وذكر الحافظ ابن حجر أن ما ورد في شهر رجب من أحاديث بالنسبة للصوم فيه كلها ضعيفة ولا أصل لهاو وإنما المعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان))(1) فإفراد رجب بالصوم لم يرد فيه شيء ولم يدل عليه دليل صحيح, وإن كانت هناك أخبار لا أصل لها كما يقال: إن الإسراء والمعراج كان في ليلة السابع والعشرين من رجب فهذا لا أصل له. وكذلك أول جمعة من شهر رجب يقال: إن فيها صلاة مخصوصة وما أشبه ذلك, وكل هذا لم يصح فيه شيء والله أعلم.

----------------------------------------
(1) قال الشيخ محمد الحوت البيروتي في (أسنى المطالب) ص (111): (ولم يصح في رجب حديث كما قال ابن رجب, لكن العجلوني قال في (كشف الخفاء) (2/580): وأقول: لكن منها أحاديث ضعيفة, وليس بموضوعة كما نبه على ذلك ابن حجر في (تبيين العجب فيما يتعلق برجب).

المصدر : Fatwa_net الفتوى

[HR]



عتيرة رجب مـا لـهـا ومـا عـلـيـهـا



د/ خالد سعد النجار


لشهر رجب مكانة عظيمة عند الله تبارك وتعالى ، فهو أحد الأشهر الحرم التي كرمها الله جل ذكره في كتابه ونهى الناس عن الظلم فيها ، ومع حلول هذا الشهر المبارك يثار الجدل دوما حول عتيرة رجب هل نسخت شرعيتها ؟ أم مازال الأمر على استحبابها ؟ على قولين للعلماء ، حتى أن البعض صار متحيرا في هذا الشأن ، هل نتقرب بها إلى المولى عز وجل ؟ أم أن الأمر على خلاف ذلك ؟ أسئلة تفرض نفسها وتبحث لها عن إجابة شافية !

قال الحافظ في الفتح : العتيرة بوزن عظيمة ، قال القزاز : سميت عتيرة بما يفعل من الذبح وهو [ العتر ] فهي فعيلة بمعنى مفعولة . والعتيرة شاة تذبح عن أهل بيت في رجب ، وقال أبو عبيدة : العتيرة هي الرجبية ، ذبيحة كانوا يذبحونها في الجاهلية في رجب يتقربون بها لأصنامهم ، وقال غيره : العتيرة نذر كانوا ينذرونه من بلغ ماله كذا أن يذبح من كل عشرة منها رأسا في رجب . وذكر ابن سيدة أن العتيرة أن الرجل كان يقول في الجاهلية : إن بلغ إبلي مائة عترت منها عتيرة ، زاد في الصحاح في رجب ونقل أبو داود تقييدها بالعشر الأول من رجب (1)

فلما جاء الإسلام بنوره وأمر الناس بالذبح لله تعالى بطل فعل أهل الجاهلية واختلف الفقهاء في حكم ذبيحة رجب في الإسلام على قولين للعلماء :
• فذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن فعل العتيرة منسوخ واستدلوا بحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( لا فرع ولا عتيرة ) (2)
• وذهب الشافعية إلى عدم نسخ حكم العتيرة وقالوا تستحب العتيرة وهو قول ابن سيرن
قال ابن رجب : وحكاه الإمام أحمد عن أهل البصرة ورجحه طائفة من أهل الحديث المتأخرين (3)

ومما استدل به القائلون باستحباب العتيرة ، ما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة بسند حسن عن مخنف بن سليم الغامدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعرفة ( إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة وهي التي يسمونها الرجبية ) (4) ، وفي سنن النسائي بسند صحيح عن نبيشة بن عمرو الصحابي رضي الله عنه أنهم قالوا : يا رسول الله إنا كنا نعتر فيه في الجاهلية ، يعني في رجب . قال صلى الله عليه وسلم ( اذبحوا لله في أي شهر كان وبروا الله وأطعموا ) (5) قال ابن حجر في الفتح : فلم يبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم العتيرة من أصلها وإنما أبطل خصوص الذبح في شهر رجب . وروى الحارث بن عمرو رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الفرع والعتائر فقال ( من شاء فرع ومن شاء لم يفرع ، ومن شاء عتر ومن شاء لم يعتر ) (6) وفي حديث آخر بسند حسن قال صلى الله عليه وسلم ( العتيرة حق ) (7)
قال ابن رجب رحمة الله تعالى عليه : وهؤلاء جمعوا بين هذه الأحاديث وبين حديث أبي هريرة ( لا فرع ولا عتيرة ) بأن المنهي عنه هو ما كان يفعله أهل الجاهلية من الذبح لغير الله وحمله سفيان بن عيينة على أن المراد به نفي الوجوب (8)
قال الحافظ ابن حجر في تعليقه على حديث البخاري [ ( لا فرع ولا عتيرة ) والفرع أول النتاج كانوا يذبحونه لطواغيتهم والعتيرة في رجب ] : قوله ( كانوا يذبحونه لطواغيتهم ) زاد أبو داود عن بعضهم ( ثم يأكلونه ويلقى جلده على الشجر ) فيه إشارة إلى علة النهى، واستنبط الشافعي منه الجواز إذا كان الذبح لله جمعا بينه وبين حديث ( الفرع حق ) وهو حديث أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم من رواية داود بن قيس عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، كذا في رواية الحاكم ( سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفرع قال: الفرع حق، وأن تتركه حتى يكون بنت مخاض أو ابن لبون فتحمل عليه في سبيل الله أو تعطيه أرملة خير من أن تذبحه يلصق لحمه بوبره وتوله ناقتك ) وللحاكم من طريق عمار بن أبى عمار عن أبى هريرة رضي الله عنه من قوله ( الفرعة حق، ولا تذبحها وهى تلصق في يدك ، ولكن أمكنها من اللبن حتى إذا كانت من خيار المال فاذبحها )، قال الشافعي فيما نقله البيهقي من طريق المزني عنه: الفرع شيء كان أهل الجاهلية ويذبحونه يطلبون به البركة في أموالهم ، فكان أحدهم يذبح بكر ناقته أو شاته رجاء البركة فيما يأتي بعده ، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن حكمها فأعلمهم أنه لا كراهة عليهم فيه ، وأمرهم استحبابا أن يتركوه حتى يحمل عليه في سبيل الله . وقوله [حق ] أي ليس بباطل، وهو كلام خرج على جواب السائل، ولا مخالفة بينه وبين حديث الآخر [ لا فرع ولا عتيرة ] فإن معناه لا فرع واجب ولا عتيرة واجبة. وقال غيره معنى قوله [ لا فرع ولا عتيرة ] أي ليسا في تأكد الاستحباب كالأضحية، والأول أولى. وقال النووي: نص الشافعي في حرملة على أن الفرع والعتيرة مستحبان، ويؤيده ما أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه الحاكم وابن المنذر عن نبيشة رضي الله عنه قال ( نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب، فما تأمرنا ؟ قال: اذبحوا لله في أي شهر كان. قال: إنا كنا نفرع في الجاهلية. قال: في كل سائمة فرع تغذوه ماشيتك حتى إذا استحمل ذبحته فتصدقت بلحمه، فإن ذلك خير ) وفى رواية أبى داود عن أبى قلابة ( السائمة مائة ) ففي هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يبطل الفرع والعتيرة من أصلهما، وإنما أبطل صفة من كل منهما، فمن الفرع كونه يذبح أول ما يولد، ومن العتيرة خصوص الذبح في شهر رجب. وأما الحديث الذي أخرج أصحاب السنن من طريق أبى رملة عن محنف بن محمد بن سليم قال ( كنا وقوفا مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة، فسمعته يقول: يا أيها الناس على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة، هل تدرون ما العتيرة؟ هي التي يسمونها الرجبية ) فقد ضعفه الخطابي، لكن حسنه الترمذي . ويمكن رده إلى ما حمل عليه حديث نبيشة. وروى النسائي وصححه الحاكم من حديث الحارث بن عمرو أنه ( لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فقال رجل: يا رسول الله العتائر والفرائع؟ قال: من شاء عتر ومن شاء لم يعتر ، ومن شاء فرع ومن شاء لم يفرع ) وهذا صريح في عدم الوجوب لكن لا ينفى الاستحباب ولا يثبته، فيؤخذ الاستحباب من حديث آخر. وقد أخرج أبو داود من حديث أبى العشراء عن أبيه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العتيرة فحسنها ) وأخرج أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان من طريق وكيع بن عديس عن عمه أبى رزين العقيلى قال ( قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا كنا نذبح ذبائح في رجب فنأكل ونطعم من جاءنا، فقال: لا بأس به قال وكيع بن عديس: فلا أدعه ) وجزم أبو عبيد بأن العتيرة تستحب، وفى هذا تعقب على من قال: إن ابن سيرين تفرد بذلك. ونقل الطحاوى عن ابن عون أنه كان يفعله، ومال ابن المنذر إلى هذا وقال: كانت العرب تفعلهما وفعلهما بعض أهل الإسلام بالإذن، ثم نهى عنهما ، والنهى لا يكون إلا عن شيء كان يفعل ، وما قال أحد إنه نهى عنهما ثم أذن في فعلهما ثم نقل عن العلماء تركهما إلا ابن سيرين، وكذا ذكر عياض أن الجمهور على النسخ، وبه جزم الحازمى، وما تقدم نقله عن الشافعي يرد عليهم، وقد أخرج أبو داود والحاكم والبيهقي - واللفظ له - بسند صحيح عن عائشة رضي الله عنه ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفرعة في كل خمسين واحدة) (9)

أما الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة والذين ذهبوا إلى أن فعل العتيرة منسوخ أجابوا عن أقوال الفريق القائل بالاستحباب بعدة أدلة وتنوعت أساليبهم في عرضها
ــ فمن العلماء من قال : حديث أبي هريرة أصح وأثبت من هذه الأحاديث فيكون العمل عليه دونها وهذه طريقة الإمام أحمد (10)
ــ وقال ابن المنذر : ثبت أن عائشة رضي الله عنها قالت [ أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الفرعة من كل خمسين بواحدة ] قال : وروينا عن نبيشة الهذلي قال [ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب ، فما تأمرنا ؟ فقال : في كل سائمة فرع ] وخبر عائشة وخبر نبيشة ثابتان وقد كانت العرب تفعل ذلك في الجاهلية وفعله بعض أهل الإسلام فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهما ثم نهى عنهما صلى الله عليه وسلم فقال ( لا فرع ولا عتيرة ) فانتهى الناس عنهما لنهيه إياهم عنهما ، ومعلوم أن النهي لا يكون إلا عن شيء قد كان يفعل ولا نعلم أحدا من أهل العلم يقول:إن النبي صلى الله عليه وسلم كان نهاهم عنهما ثم أذن فيهما والدليل على أن الفعل كان قبل النهي قوله صلى الله عليه وسلم في حديث نبيشة ( إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية وإنا كنا نفرع فرعا في الجاهلية ) وفي إجماع عوام علماء الأمصار على عدم استعمالهم ذلك وقوف عن الأمر بهما مع ثبوت النهي عن ذلك بيان لما قلنا (11)
ــ وقال أصحاب الإمام أحمد : لا يسن شيء من ذلك وهذه الأحاديث منسوخة ، قال الشيخ أبو محمد : ودليل النسخ أمران
أحدهما : أن أبا هريرة رضي الله عنه هو الذي روى حديث ( لا فرع ولا عتيرة ) وهو حديث متفق عليه وأبو هريرة متأخر الإسلام أسلم في السنة السابعة من الهجرة
والثاني: أن الفرع والعتيرة كان فعلهما أمرا متقدما على الإسلام فالظاهر بقاؤهم عليه إلى حين نسخه واستمرار النسخ من غير رافع له ولو قدرنا تقدم النهي على الأمر بهما لكانت قد نسخت ثم نسخ ناسخها وهذا خلاف الظاهر .

قال ابن القيم : فإذا ثبت هذا فإن المراد بالخبر نفي كونها سنة لا تحريم فعلها ولا كراهته فلو ذبح إنسان ذبيحة في رجب ، أو ذبح ولد الناقة لحاجته إلى ذلك أو للصدقة به أو إطعامه لم يكن ذلك مكروها (12) وهذا الكلام من ابن القيم رحمة الله عليه كلاما جامعا حاسما للأمر ، به شفى وكفى

[email protected]

-------------------------
الهوامش والمصادر
(1) فتح الباري ـ كتاب العقيقة ـ باب العتيرة ج9 ص 510 ط دار الريان ـ مصر
(2) رواه البخاري 5473 في كتاب العقيقة باب الفرع ، ومسلم 1976 في كتاب الأضاحي باب الفرع والعتيرة عن أبي هريرة
(3) لطائف المعارف ـ ابن رجب الحنبلي ص 205
(4) حديث حسن أخرجه أبو داود 2788 في كتاب الأضاحي ، باب ما جاء في إيجاب الأضاحي ، والترمذي 1523 في كتاب الأضاحي باب رقم 19 ، والنسائي 7/ 167 في كتاب الفرع والعتيرة باب رقم 1 ، وابن ماجة 3125 في كتاب الأضاحي باب الأضاحي واجبة أم لا ؟ وقال الحافظ ابن حجر في الفتح 10/6 سنده قوي وقال الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 2533 حديث حسن
(5) حديث صحيح أخرجه أبو داود 2830 في كتاب الأضاحي باب في العتيرة والنسائي 7/169-171 في كتاب الفرع والعتيرة باب تفسير العتيرة وابن ماجة 3167 في كتاب الذبائح باب الفرعة والعتيرة وقال الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 2565حديث صحيح
(6) حديث ضعيف أخرجه النسائي ( 7/168،169) في كتاب الفرع والعتيرة باب رقم 1 وقال الألباني في ضعيف سنن النسائي 282 ضعيف
(7) حديث حسن خرجه النسائي (7/168) في كتاب الفرع والعتيرة باب رقم 1 وقال الألباني في صحيح الجامع 4122 حسن
(8) لطائف المعارف ـ ابن رجب الحنبلي ص 206
(9) فتح الباري ج كتاب العقيقة 9 ص 512 / دار الريان ـ مصر
(10) لطائف المعارف ـ ابن رجب الحنبلي ص 206
(11) نقلا عن تعليق ابن القيم على سنن أبي داود من عون المعبود شرح سنن أبي داود للعظيم آبادي / دار الفكر ج 7 ـ ص380
(12) تعليق ابن القيم على سنن أبي داود من عون المعبود شرح سنن أبي داود للعظيم آبادي / دار الفكر ج 7 ـ ص382
[HR]
اضافة رد مع اقتباس