مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #22  
قديم 31/03/2010, 11:03 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ عطـــارد
عطـــارد عطـــارد غير متواجد حالياً
زعيــم فعــال
تاريخ التسجيل: 07/02/2009
المكان: في الـ ماضي ..
مشاركات: 441


الـ جزء الـ خامس ..



كان شعوراً جميلاً انتاب عامر وهو يدلف مع سمية بين الفتحات الصخرية في الطريق الهابطة إلى المدينة ظلت سمية صامتة وهي تشده بأصابعها، حتى وصلا إلى البيت، كانت إحدى الخادمات بانتظارهما..
قالت لهما بلهفة:
- إنها بانتظاركما الآن...
- أمي تنتظرنا؟ هيا يا عامر.. هل هي وحدها؟
- سيدي حمدان هناك أيضاً.
- والدي هناك؟ لابد وأن الأمر شديد الأهمية..
فتحت لهما الباب فدلفا إلى الداخل، كان الشيخ حمدان يجلس قرب رأس العجوز الممددة في فراشها:
- كيف حالك يا أمي؟
- اجلسي إلى جانبي يا ابنتي.. وأنت يا عامر اجلس هنا.
- خير يا أماه أراك ترغبين بالحديث إلينا، هل هو مهم إلى هذا الحد أن تشغلي نفسك بنا؟
- ماذا تقولين يا سمية.. أنتم همّيَ الوحيدُ في هذه اللحظات.. اسمعي يا ابنتي.. واسمعني يا عامر.
- نعم يا خالة.. أنا أصغي إليك ومتشوق لمعرفة ما تريدين.
- قدرُك أن تَفِدَ إلينا من زمن غريب عنّا.. وقدرك أن تعشق ابنتي، وهي بالتأكيد تبادلك الوُدَّ، رغم خوفها من المستقبل.. ولكن استمع إلي جيداً.. طلبت من حمدان أن يحكي لك قصة مدينتنا.. إنها قصة هامة جداً لمستقبلكما معاً أنت وسمية..
- لم أفهم يا خالة ما تقصدين؟
- ستفهمُ كل شيء حين يحكي لك حمدان القصة كما كتبها أجدادنا.. كنت نائمة في نوبات أحلامي العجيبة.. رأيتكُما معاً، كنتما تتحادثان بهدوء.. والقمرُ يختفي خلفَ التلال.. كان قلبُك يضربُ بعنف، وأنت تشعر بأنفاسِ سميّة قربك.. ومنذ أن رأيتُك للمرّةِ الأولى وأنا أعلم أن شيئاً هاماً ينتظرك هنا.. لم أعرف عنه أيةَ تفاصيلَ بعد..
قال حمدان: - هل نتابع البحث في تلك الكثبان الرملية عن ذلك الشيء الحديدي الذي يريده عامر؟
- ليس بعدُ يا حمدان.. احكِ له القصة أولاً.
- كما تشائين..
- وأنت يا سمية، يجب أن تظلي هنا إلى جانبي، بعضُ الناس سيأتون إليّ يرغبون أن أحِل لهم مشاكلهم، أرجو أن تساعديني في ذلك، أحتاجُك لبعض الوقت.
- كما ترغبين يا أماه.. سأبقى إلى جانبك.
سأل حمدان: - أتريدين شيئاً آخر يا أم سمية؟
- آه يا حمدان، أبنائي الشبانُ رحلوا واختفوا ولا نعلمُ عنهم شيئاً كم تذكرني بهم عندما تنادينني بـ(أم سمية).
بكت سمية: - أنا إلى جانبك يا أمي أنت كُل شيء في حياتي.
- بارك الله فيك يا ابنتي.. يمكنُكَ الانصرافُ الآن يا عامر مع الشيخِ حمدان.. أتمنى لك التوفيق.
همهم عامر.
- في حفظ الله يا خالة..

:

خرج عامر وفي ذهنه اختلطت المشاعر، وهو مستغرب تلك الأهمية التي أبدتها العجوز لـ حكاية المدينة.. وعلاقة مستقبله و سمية بتلك الحكاية.. أشار له حمدان أن يتبعه.. تغلغلا في أزقّة المدينة الضيقة التي أضاءتها مصابيح قديمة الطراز، تشتعل بوقود خاص..
انحرف الشيخ حمدان نحو فتحة في جدار صخري ولج داخلها وخلفه عامر.. ثم توقف أمام صخرة، ضغط على بزّال في الجدار فتحركت الصخرة ليظهر خلفها كهفاً كبيراً.. أشعل حمدان مشعلاً معلقاً من أحد المصابيح.. وضغط على(بزّال) آخر لتعود الصخرة وتتغلق عليهما.. كان كهفاً واسعاً انتشرت فيه كتل ضخمة ملونة.. وصناديق مكعبة الشكل.. اقترب الشيخ حمدان من أحدها وجرّه إليه.. وأشار إلى عامر أن يجلس فوقه ثم جلس على صندوق آخر مكعب الشكل بعد أن وضع طنافس مريحة تحتهما..قال لـ عامر :
- اسمع يا بني، لو لم تعطني أم سمية الإذن لما أطلعتك على هذه الأسرار التي أحتفظ فيها عن دمار مدينة(مودس).
- ولماذا يا عمّاه انتظرتَ إذنها؟ ما العلاقة بينها وبين الحكاية؟
- هذا السرّ لا يُعطى إلا لمن يستفيد منه، إنه سرّ له دلالات كبيرة يجب على من يعرفه أن يسعى لإفادة الناس منه..
- أتعتقدني مؤهلاً لذلك؟
- بالطبع وهذا ما قررته أم سميّة.
- أرجو من الله أن أكون على قدر هذه المسؤولية.
سحب صندوقاً خشبياً طويلاً مزخرفاً من بين ركام الأثاث:
- هذا الصندوق يحوي أوراق جدي الأكبر الذي عاصر مرحلة دمار المدينة، وقد فصّلها تماماً..
فتح الشيخ الصندوق بمفتاح معلق في صدره فرأى عامر أوراقاً مخطوطة بلغة لم يستطع قراءتها.. شعر حمدان باستغرابه فقال:
- إنها لغتنا القديمة، لغتنا الحالية اشتقت منها.. على كل حال أنا سأقرأ لك المخطوط وأرجو أن تنتبه جيداً.
- حسناً يا عماه.. ابدأ أرجوك.
- توكلنا على الله.. بسم الله الرحمن الرحيم
((أنا فاضل بن علي المودسي، أكتب هذا للناس الذين سيأتون من بعدي وأتمنى أن لا يقرأ هذا المخطوط سوى الذين يؤمنون بالإنسان ونزعة الخير فيه.. ويحاربون الفساد والرشوة والأنانية والجشع ويقفون ضد من يعتدي على حرية الإنسان وإبداعه..
فكر عامر: ((لقد رأت العجوز أنني من بين هؤلاء الذين يحاربون الفساد والجشع ويقفون ضد من يعتدي على حرية الإنسان.. الحمد لله)).
عاد يستمع لصوت الشيخ حمدان.
- كنت طفلاً مدللاً لكبير مستشاري الأمير كعب أمير(مودس) وكان أبي شيخاً كبيراً حكيماً وقد سلّم كعب ابنه الأمير سلطان ولاية العهد، وأوكل إليه الاهتمام بالقضايا الكبيرة في المدينة.. وكنت أحد أتباعه ومستشاريه.. رغم صغر سني وفي أحد الأيام كنّا نجلس حول الأمير سلطان في إحدى أماكن لهوه، كنت أحدثه عن جارية جميلة أمتلكها:
- وماذا حدثَ لكَ بعدَها يا فاضل؟
- لاحقتها يا مولاي ولم أتركها تفلت من يدي، وهي الآن جارية في قصري، دون علم أهلها.
- أريدُ أن أراها.. قد تُعجبني.
- هي جميلة يا مولاي، وهي هدية مني إليك.. سأذهب لأحضرها.
- لا تتأخر يا فاضل.. سأنتظرك على أحر من الجمر..
- لن أطيل الغيبة يا مولاي.
خرجت مسرعاً من ذلك المكان وبينما أنا في طريقي لقصرنا، رأيت رجلاً مسناً يبكي بحرقة.. اعترض طريقي بهدوء قبل أن أدخل القصر..
- أرجوك يا سيدي.. أعد لي ابنتي.
- أية ابنة أيها الخرف.. ماذا تقول؟
- ابنتي(ميدا) التي خطفتها من حيّها وقرب باب بيتها.
- ابتعد أيها المخبول، قبل أن آمُر الخدم بإلقائك في السجن.
- هي وحيدتي و أنيستي كيف لي أن أعيشَ دونها؟ أرجوك يا سيدي أستحلفك باللّه..
- ابتعد عني،
دفعته فسقط أرضاً ثم دخلت من الباب.. قال لي أحد الخدم:
- هل أزعجك ذلك المسن يا مولاي؟
- نعم، إنه وقح وملحاح.
- ما رأيك لو أرحناك منه.. طعنة صغيرة في الصدر.
- لا.. لا داعي لذلك، أين الجارية الجديدة؟
- إنها في غرفتها.. هل تريدها؟ سنرسل من يحضرها لك؟
- حسناً.. بسرعة.
- أمرك يا مولاي.
كان اسمها(ميدا) وهو اسم جميل.. وكنت واثقاً أنها ستعجب الأميرَ، وسأطلب الكثير من الأمير بعد أن يضمها إلى جواريه.. أحضروها إلي كانت ترتجف من الخوف:
- ماذا تريد مني يا سيدي؟ هل ستطلقني لأذهب إلى أهلي؟
- لا أهل لكِ.. وليس سوى والدك الهرِم.. وقد مات.
انفجرت تصرخ بحزن: -لا.. لا.. أبي مات؟
- لماذا أنت حزينة عليه؟ إنه على حافة القبر.
- آه.. يا أبي أمعقول أن تموت وأنا بعيدة عنك، لابد وأن القهر أصابك بعد اختفائي.
- هيا امسحي دموعك.. سنلبي دعوة الأمير سلطان.
- اتركني أرجوك ليتني أموت وألحق بك يا أبي.
- امسحي دموعك.. وهيا.. بسرعة تعالي إلى هنا.. ستذهبين معي رغماً عن أنفك،
- لا.. لا.. آه.

:

يـتـبع ..

:

اضافة رد مع اقتباس