مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 09/08/2004, 08:42 AM
محامي المرأة محامي المرأة غير متواجد حالياً
زعيــم فعــال
تاريخ التسجيل: 15/05/2004
المكان: الــــريــــــــــاض
مشاركات: 383
مــن يــوصــلُ رســالــتــي إلــى فــاطــمــه ؟

( أحـــــبــــتـــــــي )




في العام الماضي ،، وفي مثل هذه الأيام تقريباً ايام الصيف ،، المشبعة

بالحرارة ،،

حرارة الكون والتي أستقرت بشكل أو بآخر في الجزيرة العربية ،،

وبينما أنا خارج من إحدى الإدارات التعليمية في مدينة الرياض ،،،

توقفت أمام إحدى الإشارات المزعجة ،، والتي تضج بزحمتها المعتادة ،،،،

فاجأتني فتاة صغيرة لم يتجاوز عمرها التسع سنوات ،،

تنقر بأصابعها الرقيقة على نافذة سيارتي ،،،،

مما جعلني أسكت صوت ( فيروز ) الجميل المغرّد وأغنيتها :

( حبيتك تنسيت النوم ،، ياخوفي تنساني ،، حابسني برات النوم ،، وتاركني

سهراني ) ،،

المهم ،،،

فتحت النافذة ،،، فقالت : أتريد ماءً ؟؟

لا أدري ولكن حين سمعت ( ماء ) أحسست كأنني صحراء قاحلة ،، تنتظر المطر

على أحرّ من الجمر ،،

فبادرتها : نعم أريد ماءً إذا سمحتي ،، فقالت : حسناً ،، أخرجت من ( الكيس )

الذي تحمله في يدها ،،

قنينة ماء صغيرة ،، وقالت ( خُذ ) ،، فأخذتها ومددتُ يدي على المحفظة ،،

وبحثت فيها فلم أجد سوى ورقة من فئة ( العشرة ) ريالات ،، وأعطيتها ،،

فقالت : لا يوجد معي صرف ،، فقلت : إذن خذيها كلها فأنتِ تستحقين ،،

فقالت : لا ،، قلت : إذن فخذي القنينة ،، قالت : لا ،،،

وهمت بالمغادرة إلا أنني أمسكت بيدها ،، وقلت : حبيبتي خذي القنينة أو

خذي العشرة ،،

قالت : لا هذهِ ولا تلك ،،،، أصبت بدهشة غريبة ،، فبادرتني لتقول : ( أنت

محتاج للماء واضح عليك ،، والحرارة قوية ) ،،

فهمت مرةً آخرى للمغادرة مسرعة ،، فقلت : تعالي خذي العشرة ،، هيا ،،

قالت : لا ،،،، وركضت بعيداً ،،

فتحت الباب لأنزل ولكن الإشارة أعطت الضوء الأخضر ،، لتبدأ حملة شعواء من

الأصوات المرعبة للسيارات ،،

حاولت أن آخذ المسار الذي إتجهت له الفتاه ولكن أجبرتني السيارات للجهة

الآخرى ،،،

وهكذا أضعتها ،،، وبعد عدة دقائق رجعت للمكان بعد محاولات ومداخل

وطرقات ،، ولكن لم أجد للفتاه آثر ،،،

عدت عدة مرات للمكان بعد ذلك في الأيام التي تلتها ولكن كأن الأرض إبتعلت

الفتاه ،، وأختفت للأبد ،،،

وهذا اليوم وهو الموافق لذلك الموقف الذي حدث لي ،،،،

لا زالت الفتاه وما عملته معي راسخاً في ذاكرتي ووجداني ،،،،

وفي هذا اليوم أحببت أن أكتب لها رسالة صغيرة تحمل لها صورة من وجداني

الذي تآثر من ذلك الموقف ،،

الفتاه أسمها : فاطمه ،،،،،،،

الرسالة :

فاطمة ،،،، يا أبنة التسعة أعوام ،،،،، نعم صغيرةٌ في عمركِ ،،، كبيرة بما

يحمله قلبكِ من حنان ومشاعر راقية ،،

فاطمة ،، يا طفلةً حكم عليها القدر بالفقر والعوز ،، وحكم عليها بإن تقف تحت

نيران الشمس الحارقة ،،

من أجل أن تطعم نفسها وأهلها ،،،، يا إلهي ،،، كم هي الدنيا صغيرة ،،

أمام أرواح هؤلاء ،،،، أرواحهم الملائيكية ،،،،،

كيف يتعذبون وهم صغار من أجل أن يحصلوا على عدة أوراق مالية ؟؟

كيف لهذه النفوس أن تعلن للجميع أنها باقيةٌ رُغم حُكم القدر عليها بالهم والفقر؟

أين لعبكِ يا فاطمه ،، كيف حملوكِ المسؤولية ،، وأبعدوكِ عن طفولتكِ ؟؟

فاطمة ،، ماذا فعلتِ بكياني ؟؟ لقد أوقضتِ عذابات نائمة ،، مدفونة ،،،،،

آه يا فاطمة ،، ليتكِ تعُلّمي ذلك الذي فقد نفسه في مجاهيل المادة الحقيرة ،،،

ليتهم يروكِ ويرون شموخ نفسكِ وعزتها ،، وهي تواجه موقفاً جديداً عليها ،،

يا إلهي ،،،،

هل نحن موتى ،،،،، لنراكِ تحترقين في هذه الشمس ،،،، من أجل لقمة عيش ،،

بينما نحن ننعم بالهدوء والسكينة بلا شعور بكِ وبغيركِ من الأطفال ،،،،

اؤلئك الأطفال الذين يتجمعون تحت لوحات الشوارع ،، وأمام الإشارات ،،،،

كيف ننظر لهم ونتحمل هذه المناظر ،، أو لنقل أننا لا نحس بهم أصلاً ،،،

بل البعض وجد منهم مادة للسخرية ،، ليقضي بها وقت ما بين الإشارة الحمراء

والخضراء ،،

بل بعضهم سّولت لهُ نفسه الحقيرة أن يسرق منهم قوت يومهم !!!!!!

سيدتي فاطمة ،،،، أقول سيدتي وأعلم أنكِ حقاً كبيرة برقتكِ وبمشاعركِ

وعاطفتكِ ،،،،

سيدتي ،،،، تعلمت منكِ الكثير ،،، وحزنت عليكِ كثيراً ،،،

حزنتُ ليس لأنكِ فقيرة ومسكينة ،،،، أبداً ،،،،

فأنتِ لستِ بفقيرة ولا مسكينة ،،،، نحن الفقراء والمساكين ،،،،

نحن فقراء لأننا نفتقد قلباً رحيماً مثل قلبكِ ،،،،،

مساكين لأننا لا نحمل بين جوانحنا روحاً مثل روحكِ تنعم بالرقة واللطف ،،،،،

آه يا فاطمة ،،،،،

من ذلك الموقف الذي حدث بيني وبينكِ ،، وأنا أنتظر طلتكِ ورؤيتكِ مرةً آخرى ،

علني أتعلم منكِ شيئاً جديداً ،،،،، علني أسدد ديناً متعلق بروحي وكياني ،،،،

وسيبقى متعلق حتى آخر نفس من أنفاس حياتي ،،،،

فاطمة ،،،، لم ولن أنساكِ ما حييت ،،،،، فاطمة ،،،، أريدكِ أن تعلمي أنه من

ذلك اليوم وضميري يعذبني ،،

ويكيل لي العذاب ،،،، رُغم أنني بذلت ما في وسعي من أجل أن تحصلي على

حقكِ ،،

وجهدتُ نفسي ،، وبحثتُ عنكِ في كل مكان ،، سيدتي ،،،،

لا أعلم ولكن أكتب لكِ هذه الرسالة وأشعر أنها لن تتناهى لمسامعكِ ،،

لتعذريني ،،،،

فاطمة ،،، أكتب لكِ هذه الكلمات وأتمنى أن تنقلها الرياح لتحّلنها الأشجار ،،،،

وتغنيها الطيور،،،،،، وتغرّد بها في كل صباح من صباحات الدنيا المشرقة ،،،

عل وعسى أن يضج صداها لكل الأرجاء ،،،،،

وتتناهى لمسامعكِ الرقيقة ،،،،،

فاطمة ،، كأني بكِ أخترتيني من بين الناس ،، لتجعليني أكتب عنكِ وعن

أمثالكِ ،،،،

اؤلئك الذين يقضّ الجوع والفقر مراقدهم ،،

سيدتي ،، لن أتوانى عن نقل هذه الرسالة لكل مكان ،، ليس لأوصل معاناتكِ

وحسب ،،،،

بل أيضاً من أجل أن تصلكِ رسالة رجل تعذّب بعدكِ لكونه يدين لكِ ،،، ولم يسدد

دينه الذي تعلّق برقبته ،،

أو على الأقل لتسامحيني ،،،،، وتعذريني ،،،،

فاطمة ،،،،، سامحيني واعذريني ،،



رسالة من :

( شابّ في التاسعة والعشرين من عمره ،، ينتظر أن تصفح عنه صاحبة النفس

الشامخة ،، أبنة التسعة أعوام )




أحبتي ،،،

أنتهت قصتي ورسالتي لهذا الملاك الصغير ،،،،

احبتي ،،،،

ظاهرة البيع في الشوارع سواءً الأطفال أو الكبار ،،،، ظاهرة أنتشرت في كل مكان ،،،،

ظاهرة تستحق من الإهتمام بها ،،،،، ودراستها دراسة متأنية واضحة صادقة ،،،،

لا أحد يقول : يجب عليها أن تتوقف ،،،، أو طردهم من الشوارع ،، فهذا ليس حلاً ،،

لأننا بهذا نحل مشكلة ،، ونخلق مشكلة آخرى ،،،

ولأن توقفها منوط بإنهاء مشكلة هؤلاء الأطفال والكبار وعوائلهم ،،،،،،

لذى أحب أن أسمع اراءكم في هذه الظاهرة الخطيرة ،،،،،

وكيف السبيل لعلاجها ،، وإيقافها نهائياً ،،،، ؟؟

بحيث نحل المشكلة من غير أن نخلق مشكلةً آخرى ،،،،







( نــفــق إلــــى الـــــذاكـــــــره )



يقول مـــــونـــتــــســــكـــــيــــو :


( يجب أن تحب الإنسانية أكثر من وطنك ،، ووطنك أكثر من عشيرتك ،،

وعشيرتك أكثر من والديك ،، ووالديك أكثر من نفسك ) ،،






تقبلوا تحيات أخوكم المحب :


محامي الحب والمرأة ................. سعود العتيبي
اضافة رد مع اقتباس