مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 17/12/2009, 11:19 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ أبو سواج
أبو سواج أبو سواج غير متواجد حالياً
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 25/11/2007
المكان: المجمعة
مشاركات: 697
الخفــاش ، قصم ظهــر الشيـخ العـالم !!

بسم الله الرحمن الرحيم


في جزء من هذه الأرض ، وفي إحدى الأزمنة السالفة ، وفي قرية ريفية جميلة ، تحيط بها الغابات ، كانت بداية القصة ..


**********


إمرأة حبلى ، تحمل مع جسدها جسد ، ومع روحها روح
زرعت مشقة الحمل ، علّها تجني من يحمل عنها الشقاء ، في ماتبقى من عمرها
لاجديد في أيامها ، سوى أن مرورها يعني زيادة في الحِمل ، واقتراب موعد الوضع

في ليلة باردة من ليالي الشتاء ، شاء الله أن يزيل عنها العناء ، ويرزقها بما تمنت

وبعد شد وقبض ، ورفس وعض ، وبعد صيحات الألم ... زال الألم ، وخرج بطل الحكاية التي سأحكيها لكم
..




نشأ هذا الطفل تماماً كما ينشأ الأطفال ، يبكي ليرتوي ، ويكسر ليضحك ، ويضرب ليطلب ..
كان يسير في خط النمو والتحصيل بشكل مائل ، فمع كل عام بل كل شهر ، يزداد الفرق بينه وبين أقرانه ، حتى صار التباعد بينهم واضح للجميع ..
أدرك من حوله بأنه طفل مميز عن البقية ، ولكن بما كان يتميز
..


كان حجم إستيعابه للدروس وللمعلومات الجديدة أضعاف أضعاف إستيعاب أقرانه ، كان ولداً ذكياً فطناً ، كان بارعاً في الإستنتاج ، لم تكن العلوم التي يتلقاها تشبع نهمه ، يسأل هذا ويسأل ذاك ، يعشق التصنيف والترتيب والتعرف على كل جديد ..

كبر طفلنا وأصبح مراهقاً ، وبانت تطلعاته أكثر وأكثر ، وبان ميله للطبيعة وأسرارها بحكم عيشه في الريف ، كان محباً للحياة والأحياء ، يعشق الحيوانات ، لأنه رأى فيها شيئاً من نفسه ، فهي كما الإنسان لاتعيش من دون الماء والهواء والطعام ..
قضى معظم فترة مراهقته متردداً على الغابة القريبة ، كان يفارق نومه في آخر الليل ، ليستقبل في الغابة أشعة الشمس ، ولا يخرج منها حتى تجّر الشمس أذيال الشعاع ، معلنةً سحقها ليوم لايعود ..

القلم والقرطاس ، والماء والطعام ، رفقائه في الرحلة إلى الغابة ، يدون مايراه ويسمعه ، ويفك ألغازاً أعجزت من قبله ، كتب عن رقّة الوحوش مع صغارها ، وقسوة الطيور لتعليم أفراخها ، ونوادر القرود ، وسرعة الفهود ، وعن النحل والنمل والدود ..

كل هذا والوقت يمضي ، والسنين تجري ، حتى وصل لعز الشباب ، ولأنه يفوق أقرانه ، فعقله في شبابه بلغ من النضج مبلغ الرجال ..

ذاع صيته في أرجاء القرية وماجاورها ، وعُرف بين الناس بأنه عالم الحيوان ، وتناقل الكل أخباره وقصصه ونوادره ، فعظم شأنه ، وزاد حمله ، وكبرت مسؤليته ، فقرر أن يرسم طريقه إلى المجد ، ويأتي بما لم تستطعه الأوائل من علماء الحيوان ، فكان أن عقد عزمه بحزمه ، وعشقه بعلمه ، وبدأ رحلة التدوين والحصر ، لكل حيوانات الأرض الثدية (( التي تلد ولا تبيض ))
..


هدفٌه ساميٍ بعيد المنال ، وعزمه قوي يهد الجبال ، لم يقضي كثيراً من الوقت للتخطيط والرسم ، فماهي إلا أيام قلائل ، جمع بها ماخف وزنه وزاد قدره ، من طعام البدن ، وطعام العقول من أقلام وأحبار وقرطاس ، ودّع أهله وأحبابه ، وركب دابته ، وهّم بالرحيل إلى عالم الحيوان ، وليس يرى في باله سوى الحيوانات الثديه ..

هام عالِمٌنا الصغير على وجهه ، بحماس ليس كمثله ، يقطع المسافات ، ويسابق الزمان ، يقظي نهاره في الغابات والجبال ، والوديان والسهول ، يكتب ويدون ، فهذه أرنب ترضع صغارها بين الأحراش ، وتلك زرافة تضع مولودها الطويل المرقط ، وهذا النمر وذاك الذئب ، هكذا كان عالِمُنا لايمل ولايكل ، يعيش لأجلها ، ويشقى ليحفر إسمه في الحجر ، كأول من دون الحيوانات الثديه في التاريخ ..

مرت السنين سريعاً ، فأنطوى العقد الأول من بداية رحلة التدوين ، وتبعه الثاني والثالث ، وأوشك الرابع أن ينقظي
..


لاتسألوا عن حال عالِمنا ، فقد تمكن البياض من شعر لحيته الكثيف ، وبانت التجاعيد على قسمات وجهه ، واصبحت عصاه تعينه على القيام والسير ..

كان كلما نظر إلى وجهه في بقعة من الماء ، ورأى آثر المشيب ، تسلل الندم إلى قلبه على مافات من شبابه ، وكيف أفناه مابين حيوان لايعقل ، و جماد لايحيى ، فيمينه القلم ، وشماله الورق ، والأرض أمامه مليئة بحيوانات تستحق التدوين ..

لكن حاله ينقلب ، ونفسه ترضى وتستكين ، كلما نظر إلى دابته ، ورآها مثقلة بالمدونات والكتب التي لم يسبقه عليها أحد ، فقد جاب أصقاع الأرض شمالها وجنوبها ، شرقها وغربها ، وحصر كل أنواع الحيوانات الثدية ..

لم يأبه لحاله ولم يكترث لمآله ، فقد كان يطمح إلى تخليد ذكره ، مادام جسده في كل الأحوال مفارقاً للدنيا من غير رجعه ..
ها قد حانت ساعة الصفر ، وحانت لحظة النهاية ، فما قام به عالِمنا كفيل بتخليد إسمه كما أراد وأكثر
..


أمر دابته المثقله بالحمول أن تنطلق وهو من خلفها ، تسوقه ويسوقها إلى حيث أمه وأهله وأبناء قريته ، ليعكف على إصدار كتابه بعد تنقيحه وتهذيبه ، ليضمن بذلك مارمى إليه ، ويتوج مجهود إمتد على مدى خمس عقود ، من السير ومكابدة المشاق والمخاطر ، وبينما هو سائر ودابته من خلفه على نفس الطريق ، إذا به يرى من بعيد قطيعاً مهولاً من الأغنام يأكل العشب في السهول الخضراء ، ومن خلفه بدوي يرعاها بعينه وقلبه ، من على ظهر الحمار ..

استبشر البدوي بمقدم الشيخ الكبير ، علّه يشاركه فنجاناً من القهوة أو كأساً من حليب ، بادره بالسلام وأجزل الترحيب ، فبادله شيخنا العالم الترحيب ، وشكر له دعوته ، فقام الراعي البسيط مستبشراً مسروراً بقبول الدعوة ، جمع بعض الحطب ، وأوقد النار ، ووضع ابريق القهوة ليأنسوا بها في حديثهم ، جلب معه إناء الحليب الطازج ، وقدمه لضيفه الشيخ الوقور ، فشرب وارتوى ، وشكر وأطرى ..

بادر الشيخ مضيفه بالحديث ، وأثنى على مارآه من جهوده للعناية بأفراد قطيعه صغارها وكبارها ، فقاطع الراعي حديث الشيخ ، ليخبره بأنه مجرد راعي لأغنام قبيلته ، وأن ليس له من القطيع سواء القليل أو أقل منه ، وأن عمله في الرعي هو عمل والده وأجداده من قبله ، حيث أنهم من أشهر الرعاة في تلك البلاد ..

سكب الراعي لشيخنا العالم فنجان القهوة ، بعد أن أجاد صنعها ، وناوله الفنجان والبخار يتصاعد من فوهته ، وبادره بالسؤال :
أنت أيها الشيخ ، لما أنت هنا مع هذا الحمار ، ومن أي البلاد أنت ؟؟
تبسم الشيخ إبتسامةً خالطها الكبر ، والإعتداد بالنفس ، ورشف من فنجانه رشفةً لها صوت مقزز ، وبعد أن عدّل من جلسته ، أخذ يسرد له الحكاية .. فقال :

أنا ياراعي الأغنام ، كنت قد قطعت على نفسي عهداً في شبابي ، أن أخدم عامة الناس ، وأنجز للبشرية جمعاء خدمةً جليلة ، يذكروني بها ما أشرقت شمس ، وحل ظلام ..

أنا أيها البدوي عالم من أشهر علماء الحيوان في زماني ، وقريباً سأكتب أسمي بماء الذهب في تاريخ الإنسانية ..

أنا ياراعي الأغنام وحيد الزمان ، فلا قبلي ولابعدي في علم الحيوان ..
خرجت من داري وموطني مذ كنت في ريعان الشباب ، فلم أترك أرضاً من دون تشريفها بمواطئ أقدامي ، ولاحيواناً من دون تعريف ، فأنا وحيد الزمان في علم الثديات من الحيوان ..

ذهل الراعي البسيط من أسلوب شيخنا العالم في الكلام ، فنبرة الكبر بدت واضحة ، وجنون العظمة بدى متّقداً وهّاجاً ، فما كان من الراعي إلا أن طلب من الشيخ العالم الحديث عن الثديات من الحيوان ، أصنافها أنواعها ، أشكالها ألوانها ، وأخذ يستدني من أوراقه أقربها ليقرأ عليه ما أفنى عمره لأجله ، فأخذ يتلو عليه :

الأسد من الثديات ، وكذلك الفهد ، ومثله النمر ، والزرافة أيضاً ، وفي القارة المتجمدة هناك الدب الأبيض ، كلها من الثديات ، وأخذ يتلو ويتلو ، ومازال في الجعبة المزيد ، إلى أن قاطعه الراعي بصوت ساخر :

وما الفائدة ياشيخي الوقور ، من كتاب تجمع به كل حيوانات الأرض الثدية ؟؟
تعجب العالم من هذا السؤال التافه ، لكنه كتم غيظه وأجاب ، قائلاً :
لو أراد أي إنسان في هذه الدنيا ، سواءً كان عالماً أو باحثاً أو راعيٍ بدويٍ مثلك ، أن يعرف أنواع الحيوانات الثدية منها والغير ثدية ، من دون أن يتكبد مشقة المتابعة وعناء الرصد ، فإن جوابه لن يكون في غير تلك الأوراق التي أفنيت فيها عمري ، وأثقلت بها كاهل حماري ..

هنا إنبرى الراعي على شيخنا العالم ، وقال :
لكني أعرف الحيوانات الثدية من غيرها ، حتى ولو لم أرى منها سوى الرأس ..

هنا تعجب العالم من حديث صاحبه الغارق في ظلمات الجهل ، وغضب أيما غضب ، لكنه سرعان ما استعاد رباطة جأشه ، وقرر أن يحرج مضيفه البدوي ، فأخذ يطرح عليه أسماءً لحيوانات لم يراها في حياته ، فكان سؤاله الأول :

حيوان في القطب المتجمد إسمه الرنه ، من أي الصنفين هو ؟؟
طلب الراعي من العالم أن يصف له الأعضاء الموجودة في رأس هذ الحيوان ، فقال العالم :
له قرنين طويلين ، وعينين كعيني الغزال ، وفم واسع ، وأذن ظاهرة منتصبة ..
فقال الراعي : حيوان ثدي .. فكان كما قال ..

طرح العالم سؤاله الثاني :
حيوان في أرض العرب يلقبونه سفينة الصحراء ، واسمه الجمل ، عينه كحيلة واسعة ، ورأسه مستدق كرأس الزرافة ، شفاهه متهدلة ، وأذنه بارزة مائلة للوراء ، فمن أي الصنفين هو ؟؟
قال الراعي : حيوان ثدي .. فكان كما قال ..

تعجب شيخنا العالم من صحة الأجوبة ودقتها ، فما زال الشيخ يسأل ، ومازال الراعي يجيب ، حتى انتهى مافي جعبة عالمنا ، وماتوقف الراعي يطلب المزيد ؟؟

ضاق شيخنا ضرعاً ، فماعاد عنده من الحيوانات البريه سوى حيوان وحيد ، وهو طائر الخفاش ، فقرر أن يكون هو الفيصل فيما بينهم ، فطرح سؤاله على الراعي قائلاً :

طائر يسكن المغارات والكهوف ، ينشط ليلاً ، وينام بالمقلوب ، إسمه الخفاش ، فمن أي الصنفين هو ؟؟

لم يكن يعرف الراعي هذا الطائر من قبل ، ولم يطلب من العالم أن يصف له رأسه ، ظناً منه بأن كل طائر كما الطيور لاينتمي للثديات ، فهو بياض كما جرت العادة ، فقال الراعي سريعاً ومن دون تردد :
الخفاش من غير الثديات ..

فرح العالم العجوز ، وهاجمه قائلاً :
أخطأت ياراعي الأغنام ، فهل أدركت الآن لما أفنيت حياتي في تصنيف الحيوانات الثدية وتدوينها ؟؟

فقال الراعي :

أنا لم أرى طائر الخفاش ولو لمرةٍ واحدة ، لكني ظننت أنه من غير الثديات قياساً ببقية الحيوانات الطائرة ، وبما أنك أخبرتني أيه الشيخ بأنه من الثديات ، فسأثبت لك بأني أنا الراعي البدوي الجاهل أخبر منك وأعلم في الحيوانات البرية ، فإن كانت كل الطيور تبيض ولا تلد ، فتأكد تماماً أن ذلك يعني أنها لاتملك أذاناً بارزةً عن رؤوسها ، وإن كانت ثديةً تلد ولاتبيض ، فإن لها آذاناً بارزةً عن رؤوسها ، ولذا سأخبرك جازماً بصحة معلومتي بأن الخفاش له أذن بارزة ، على عكس بقية الطيور ..


فهل فهمت السر ، لمعرفة الحيوانات الثدية ، أيها العجوز ؟؟

إشتعلت النيران بجوف شيخنا العالم ، وزاد همه ، وأسود وجهه ، فاتخذ له مضجعاً بجانب الراعي ، وراح يطلب النوم بعد أن حل الظلام ، ولكن هيهات ، فقد فات من عمره مافات ، على سدى ، فلا عاش عمره متهنياً في قريته ، ولا جمع علماً يكفل تخليده في التاريخ ..

وبعد إطلالة شمس اليوم الجديد ، وعلى نهيق حمار الشيخ ، إستيقظ الراعي من نومه مفزوعاً من صوت الحمار ، فرأى الشيخ العالم وقد فارق الحياة ، من شدة حزنه وندمه همه ، فما كان منه إلا أن وارى جثمانه الثرى ، وأطلق حماره بما حمل ،
فراح الحمار يحمل أسفارا ..


**********


هذه القصة سمعتها في أحد المجالس ، وكانت كالتالي :
عالم في الحيوانات ، صنف العديد منها إلى حيوانات ثديه وغير ثديه ، فلما انتهى من رحلة التدوين ، وجد رجلاً من رعاة الغنم ، فأخبره هذا الراعي بعلمه بالحيوانات ، الثدية وغير الثدية ، وذلك من خلال شكل الأذن ، فإن كانت أذنه بارزة فإنه من الحيوانات الثدية ، أما إن كانت أذنه عبارة عن حفرة صغيرة في جانبي الرأس من دون بروز ، فإنه من غير الثديات ، مع ملاحظة أن هذه الخاصية تنطبق فقط على حيوانات البر من دون البحر ..


**********


أحببت أن أصيغها لكم على شكل قصة مطولة ، لاتخلو من الحشو ، وإضافة التفاصيل ، وأعذروني على الإطالة ..


**********




كتبه لشبكة الزعيم الموقع الرسمي لنادي الهلال
أخوكم / أبو سواج
كونوا بخير ،،

.
.
.
.
.
.
.
.
اضافة رد مع اقتباس