
05/12/2009, 11:13 AM
|
 | مشرف منتدى المجلس العام | | تاريخ التسجيل: 02/08/2005 المكان: بين الحلم والأسوار !
مشاركات: 13,589
| |
-- ( 06 ) -- خطوة تتبعها أخرى وطريق يبدو أن لا نهاية له ! في تلك المدينة التي بدت كأنها قد أبتلعت الجميع ! وحينما أستقر بهم المقام في معدتها قامت بدورها الفطري في تصنيف الطعام وتوزيعه بين حجراتها المختلفة !
هذه حجرة للمباني وأخرى للشوارع وأخرى للمحال وتلك حجرة خصصت للسيارات ووسائل النقل وحجرة خامسة أو حتى عاشرة كان المقام فيها لبني البشر وهنالك حجرة قصية أحتوت بين جدرانها صنوف عشوائية من اشارات المرور وحاويات القمائم والأتربه ومشاريع البنى التحتيه وغيرها ! حقا أن المدينة معدة متخمة .. الداخل اليها مفقود والخارج منها مولود ! ولكن هنالك سؤال منطقي يفرض نفسه : طالما الخارج مولود ! والخروج يستوجب الموت ! فكيف يكون الموت .. ميلاد ؟!
كان خالد يجوب المدينة راجلا في ذلك المساء دون نسمة هواء تداعب أحلامه ! لطالما كانت تلك النسمة حاضرة تداعب ابطال رواياته التي كان يتصفحها مساء على ضوء فانوسه الصغير بعد أن يتمكن خلسة من أدخال مجموعته القصصية التي يحملها الى منزله ! ولكن ( لماذا لا توجد نسمة من الهواء تحررني من هذا الجو الذي أطبق بكلتا يديه على عنقي ؟! ) كان خالد يحدث نفسه متذمرا وهو يجوب بعينه المارة والباعة وهذه الاضاءات التي أحالت الليل الجميل إلى نهار تأبى فيه الشمس أن تعلن المغيب !
( هل ضاقت المدينة بي وحيدا متفردا عن كل هؤلاء حتى لا تجد لي موضع قدم بين زواياها ؟! واذا لم يكن لي في هذه البقعة من الأرض نصيب .. فأين عساه أن يكون ؟ هل أعود إلى القرية وأكف نفسي عناء هذه السنون الماضية والسنون القادمة التي يبدو أن لا مكان لي في ذاكرتها ؟ ) كان خالد يسأل نفسه باحثا عن تلك الإجابة النموذجية ! كطالب مجتهد يبحث من خلال إجابة السؤال عن العلامة الكاملة !
لم تعد قدماه فادرتان على حمله نحو أستكمال المسير فتوجه نحوها بالحديث قائلا : حتى أنت تطمحين بخذلاني عند حاجتي إليك ! توقف عن المضي قدما وقرر أن يمنح قدميه قسطا من الراحة فلا زال المشوار أمامه بعيدا للعودة ! كان كذلك عندما شاهد أمامه بين الجموع السائرة في ذلك الشارع .. شاب طريح مقعد متحرك يذهب به ميمنة وميسرة بواسطة يديه وقد فقد كلا قدميه ويضع على حجره بعض ألعاب وحلوى يبيعها للأطفال الزائرين مع أسرهم لذلك الشارع التجاري .. لم تكن تلك المرة الأولى التي يشاهد فيها خالد رجلا مقعدا أو رجل ذو عاهة ولكن شده حماس الرجل في عرضه لبضاعته على المارين وهو يداعب هذا ويضحك مع ذلك وتبدو تقاسيم وجهه تحمل شئ من الرضى وهو يردد بين فينة وأخرى الحمدالله !
شعر خالد بالكدر في نفسه فقد شعر أن الرجل يؤدي تمثيليه بطريقة أو بأخرى ! ( فقد كلتا قدميه .. ولا يجد من يرعاه في ضعفه .. ويستجدي اللقمة بالطنافس التي يحملها .. ومن ثم يمنحني أبتسامته كأنه يريد أن يقول لي كم هو سعيد ! معذرة أنت أحمق كبير ،،، ) كان خالد لا زال في حديثه مع نفسه حينما تنبه الى أمر ما وتوجه يسأل نفسه : ( أن كنت أصفه بالأحمق الكبير ! فماذا عساني أن أصف نفسي ؟ )
عاد أدراجه متجها الى منزله وهو يردد مع نفسه ( نعم .. ماذا أصف نفسي ؟ الآخرين أراهم حمقى وهم يعملون .. بينما أنا بقيت مثل جلمود صخر في بركة لم أحرك مياهها فركدت وتعفنت حولي ! الآخرين حمقى يقهرون عجزهم .. وأنا بكامل قوايي عجزت أن أقهر ضعف عزيمتي ! الآخرين يمنحون الآخرين إبتساماتهم .. وأنا أمنحها بين فينة وأخرى حتى تصلبت عضلات وجهي ! الآخرين يشكرون الله بالرغم من بلائهم .. وأنا .. وأنا ) عجزت الكلمات لديه أن تعبر عن ذاتها !
دلف الى حجرته حين عودته إلى منزله وألقى بنفسه على فراشه ( يبدو أنه راق لي أن أشارك غرفتي جمودها ! ) ثم أنه تسائل : ( في غرفتي لكل قطعه وظيفة تؤديها وفق قدراتها ولكن ماهي وظيفتي ؟! حتما لو كان لهذا الدولاب القابع أمامي قدمين لغادر الغرفة سراعا باحثا عن وظيفة اخرى تتوافق مع مميزاته .. فقد اصبح لديه قدمين ! ماذا يا خالد ؟ ما بك ؟ الأعوام تمضي سراعا أمامك وأنت لا تحرك ساكنا ! راق لك أن تلقي بقصورك على شماعات الآخرين ! وجعلت من سنوات دراستك حجة لك بينما هي حجة عليك ! )
خالد لا زال يتسائل مع نفسه : ولكن .. ماذا عن أختصاصي ؟!
يجيب نفسه : لقد قبلت التنازل عن ذلك .. فلا تكابر !
خالد : كنت في حالة ضعف !
يجيب نفسه : ولماذا لا تكون لحظة القوة الوحيدة التي فعلتها ؟!
خالد : حتى وأن كان .. لم يعاملني إبراهيم كما يليق ؟
يجيب نفسه : وما هو اللائق ! لقد بادر من تلقاء نفسه وعرض عليك العمل معه .. وهو لم يكن مرغما على ذلك ؟
خالد : ولكنها ليست وظيفة !
يجيب نفسه : اذا لم تكن تلك وظيفة .. فماهي وظيفتك الآن ؟
خالد : لا شئ !
يسأل نفسه : أذن ؟
خالد : لا أدري ! لقد كرهت حالي وكرهت من حولي وكرهت ذاتي .. سنوات علم وجهد وأختصاص وخاتمة الأمر لا أجد وظيفة ! والآن يطلب مني أن أدع كل ذلك جانبا وأبحث عن إي عمل ! لماذا تعلمت أذن ؟
يجيب نفسه : هل ستقضي عمرك تتحدث عن شهادتك التي لم تجد لها عمل ! الشهادة لن تخسر شئ فهي مجرد ورقة ! والعالم من حولك لن يخسر شئ لأن الحياة تسير وليست في إنتظارك .. أنت وحدك ستقف خاسرا من كل التراهات في عقلك وعمرك يمضي دونما ثمن ! ثم ماذا يعني أن قضيت عمرك في العلم .. كانت فائدة عظيمه يكفيك منها أن تكون رجل متعلم .. هل كانت السعادة سوف تتملكك أذا ما كنت متمتعا بالجهل ؟!
صمت يسود جنبات فؤاد خالد بعد لحظات من صراع النفس والبحث عن طريق ! ثم انه قال متسائلا : هل أعود إلى إبراهيم ؟
يجيب نفسه : وهل لديك خيار آخر .. هو الوحيد من عرض عليك العمل معه ؟
خالد : أذن سأتصل به غدا صباحا ،،،
تجيب نفسه : لا .. بل تذهب إليه مباشرة ،،
خالد : هو كذلك ،،
يحدث نفسه : هل نهضت من فراشك وتوجهت بركعتين الى الله ،،،
خالد : لم يحن وقت الصلاة بعد !
يحدث نفسه : وهل لقاء الله لا يكون الا وقت الصلاة ! تقرب الى الله فأنت في أمس الحاجة اليه وأدعوه وتلمس منه الهداية والتوفيق والرشاد ،،
خالد : والنعم بالله .. والحمدالله ،،،
في اليوم التالي صباحا أستيقظ خالد وأعد نفسه وتوجه الى مكتب صديقه إبراهيم .. وهنالك طلب الأذن في مقابلته ولم يطل به الإنتظار طويلا حتى وجد نفسه بين أحضان صديقه الذي قام لأستقباله ودعاه للجلوس واخذا سوية يتبادلان أطراف الحديث .. ثم ان خالد تحدث قائلا : حقيقة يا إبراهيم لقد فكرت طويلا في حديثك ذلك اليوم بارك الله فيك وجزاك الله خير على حرصك وأهتمامك ،،،
إبراهيم معترضا : لا تقول ذلك يا خالد نحن أخوان .. وواجب كل منا اذا ما كان قادر ان يمد يده نحو أخيه أن لا يتأخر بذلك ،،،
خالد وقد تهللت أساريره : لأجل ذلك يا غالي .. أتيت إليك لأخبرك أنني وافقت على العرض الذي تكرمت بمنحي أياه ،،،
إبراهيم وقد فاجأه الخبر وظهر ذلك على تقاسيم وجهه التي بدى عليها الحرج ولكن لم يخفى ذلك على عيني خالد الذي بادر بالحديث : أرجوا أن لا أكون قد أخطأت في أمر ما دون عمد مني ؟!
إبراهيم وهو يحاول أن يتصنع أبتسامة تحد من حالة التوتر التي سادت تصرفه ولكن دون جدوى : أبدا بارك الله فيك .. هل بين الأحبة من خطأ ! ولكن لا أدري حقيقة ما أقول يا خالد .. حقيقة أنني محرج منك .. فأنت قد تأخرت علي جدا .. والوظيفة التي كنت قد عرضتها عليك قد شغرها الآن موظف جديد ،،، مع عدد آخر قريبا أن شاء الله  |