مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 01/12/2009, 03:58 AM
سامي صعب يتكرر سامي صعب يتكرر غير متواجد حالياً
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 28/03/2008
مشاركات: 809
Lightbulb تفسير سورة الانبياء (7)

[‏74 - 75‏]‏ ‏{‏وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ‏}‏
هذا ثناء من الله على رسوله ‏(‏لوط‏]‏ عليه السلام بالعلم الشرعي، والحكم بين الناس، بالصواب والسداد، وأن الله أرسله إلى قومه، يدعوهم إلى عبادة الله، وينهاهم عما هم عليه من الفواحش، فلبث يدعوهم، فلم يستجيبوا له، فقلب الله عليهم ديارهم وعذبهم عن آخرهم لأنهم ‏{‏قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ‏}‏ كذبوا الداعي، وتوعدوه بالإخراج، ونجى الله لوطا وأهله، فأمره أن يسري بهم ليلا، ليبعدوا عن القرية، فسروا ونجوا، من فضل الله عليهم ومنته‏.‏
‏{‏وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا‏}‏ التي من دخلها، كان من الآمنين، من جميع المخاوف، النائلين كل خير وسعادة، وبر، وسرور، وثناء، وذلك لأنه من الصالحين، الذين صلحت أعمالهم وزكت أحوالهم، وأصلح الله فاسدهم، والصلاح هو السبب لدخول العبد برحمة الله، كما أن الفساد، سبب لحرمانه الرحمة والخير، وأعظم الناس صلاحا، الأنبياء عليهم السلام ولهذا يصفهم بالصلاح، وقال سليمان عليه السلام‏:‏ ‏{‏وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ‏}‏
‏[‏76 - 77‏]‏ ‏{‏وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ‏}‏
أي‏:‏ واذكر عبدنا ورسولنا، نوحا عليه السلام، مثنيا مادحا، حين أرسله الله إلى قومه، فلبث فيهم ألف سنة، إلا خمسين عاما، يدعوهم إلى عبادة الله، وينهاهم عن الشرك به، ويبدي فيهم ويعيد، ويدعوهم سرا وجهارا، وليلا ونهارا، فلما رآهم لا ينجع فيهم الوعظ، ولا يفيد لديهم الزجر، نادى ربه وقال‏:‏ ‏{‏رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا* إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا‏}‏ فاستجاب الله له، فأغرقهم، ولم يبق منهم أحدا، ونجى الله نوحا وأهله، ومن معه من المؤمنين، في الفلك المشحون، وجعل ذريته هم الباقين، ونصرهم الله على قومه المستهزئين‏.‏
‏[‏78 - 82‏]‏ ‏{‏وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ * وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ * وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ * وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ‏}‏
أي‏:‏ واذكر هذين النبيين الكريمين ‏"‏ داود ‏"‏ و ‏"‏ سليمان ‏"‏ مثنيا مبجلا، إذ آتاهما الله العلم الواسع والحكم بين العباد، بدليل قوله‏:‏ ‏{‏إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ‏}‏ أي‏:‏ إذ تحاكم إليهما صاحب حرث، نفشت فيه غنم القوم الآخرين، أي‏:‏ رعت ليلا، فأكلت ما في أشجاره، ورعت زرعه، فقضى فيه داود عليه السلام، بأن الغنم تكون لصاحب الحرث، نظرا إلى تفريط أصحابها، فعاقبهم بهذه العقوبة، وحكم فيها سليمان بحكم موافق للصواب، بأن أصحاب الغنم يدفعون غنمهم إلى صاحب الحرث فينتفع بدرها وصوفها ويقومون على بستان صاحب الحرث، حتى يعود إلى حاله الأولى، فإذا عاد إلى حاله، ترادا ورجع كل منهما بما له، وكان هذا من كمال فهمه وفطنته عليه السلام ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ‏}‏ أي‏:‏ فهمناه هذه القضية، ولا يدل ذلك، أن داود لم يفهمه الله في غيرها، ولهذا خصها بالذكر بدليل قوله‏:‏ ‏{‏وَكُلَا‏}‏ من داود وسليمان ‏{‏آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا‏}‏ وهذا دليل على أن الحاكم قد يصيب الحق والصواب وقد يخطئ ذلك، وليس بمعلوم إذا أخطأ مع بذل اجتهاده‏.‏
ثم ذكر ما خص به كلا منهما فقال‏:‏ ‏{‏وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ‏}‏ وذلك أنه كان من أعبد الناس وأكثرهم لله ذكرا وتسبيحا وتمجيدا، وكان قد أعطاه ‏[‏الله‏}‏ من حسن الصوت ورقته ورخامته، ما لم يؤته أحدا من الخلق، فكان إذا سبح وأثنى على الله، جاوبته الجبال الصم والطيور البهم، وهذا فضل الله عليه وإحسانه فلهذا قال‏:‏ ‏{‏وَكُنَّا فَاعِلِينَ‏}‏
‏{‏وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ علم الله داود عليه السلام، صنعة الدروع، فهو أول من صنعها وعلمها وسرت صناعته إلى من بعده، فألان الله له الحديد، وعلمه كيف يسردها والفائدة فيها كبيرة، ‏{‏لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ‏}‏ أي‏:‏ هي وقاية لكم، وحفظ عند الحرب، واشتداد البأس‏.‏
‏{‏فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ‏}‏ نعمة الله عليكم، حيث أجراها على يد عبده داود، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ‏}‏
يحتمل أن تعليم الله لداود صنعة الدروع وإلانتها أمر خارق للعادة، وأن يكون ـ كما قاله المفسرون ـ‏:‏ إن الله ألان له الحديد، حتى كان يعمله كالعجين والطين، من دون إذابة له على النار، ويحتمل أن تعليم الله له، على جاري العادة، وأن إلانة الحديد له، بما علمه الله من الأسباب المعروفة الآن، لإذابتها، وهذا هو الظاهر، لأن الله امتن بذلك على العباد وأمرهم بشكرها، ولولا أن صنعته من الأمور التي جعلها الله مقدورة للعباد، لم يمتن عليهم بذلك، ويذكر فائدتها، لأن الدروع التي صنع داود عليه السلام، متعذر أن يكون المراد أعيانها، وإنما المنة بالجنس، والاحتمال الذي ذكره المفسرون، لا دليل عليه إلا قوله‏:‏ ‏{‏وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ‏}‏ وليس فيه أن الإلانة من دون سبب، والله أعلم بذلك‏.‏
‏{‏وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ‏}‏ أي‏:‏ سخرناها ‏{‏عَاصِفَةً‏}‏ أي‏:‏ سريعة في مرورها، ‏{‏تَجْرِي بِأَمْرِهِ‏}‏ حيث دبرت امتثلت أمره، غدوها شهر ورواحها شهر ‏{‏إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا‏}‏ وهي أرض الشام، حيث كان مقره، فيذهب على الريح شرقا وغربا، ويكون مأواها ورجوعها إلى الأرض المباركة، ‏{‏وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ‏}‏ قد أحاط علمنا بجميع الأشياء، وعلمنا من داود وسليمان، ما أوصلناهما به إلى ما ذكرنا‏.‏
‏{‏وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ‏}‏ وهذا أيضا من خصائص سليمان عليه السلام، أن الله سخر له الشياطين والعفاريت، وسلطه على تسخيرهم في الأعمال، التي لا يقدر على كثير منها غيرهم، فكان منهم من يغوص له في البحر، ويستخرج الدر، واللؤلؤ، وغير ذلك، ومنهم من يعمل له ‏{‏مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ‏}‏ وسخر طائفة منهم، لبناء بيت المقدس، ومات، وهم على عمله، وبقوا بعده سنة، حتى علموا موته، كما سيأتي إن شاء الله تعالى‏.‏
‏{‏وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ‏}‏ أي‏:‏ لا يقدرون على الامتناع منه وعصيانه، بل حفظهم الله له، بقوته وعزته، وسلطانه‏.‏
‏[‏83 - 84‏]‏ ‏{‏وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ‏}‏
أي‏:‏ واذكر عبدنا ورسولنا، أيوب ـ مثنيا معظما له، رافعا لقدره ـ حين ابتلاه، ببلاء شديد، فوجده صابرا راضيا عنه، وذلك أن الشيطان سلط على جسده، ابتلاء من الله، وامتحانا فنفخ في جسده، فتقرح قروحا عظيمة ومكث مدة طويلة، واشتد به البلاء، ومات أهله، وذهب ماله، فنادى ربه‏:‏ رب ‏{‏أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ‏}‏ فتوسل إلى الله بالإخبار عن حال نفسه، وأنه بلغ الضر منه كل مبلغ، وبرحمة ربه الواسعة العامة فاستجاب الله له، وقال له‏:‏ ‏{‏ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ‏}‏ فركض برجله فخرجت من ركضته عين ماء باردة فاغتسل منها وشرب، فأذهب الله عنه ما به من الأذى، ‏{‏وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ‏}‏ أي‏:‏ رددنا عليه أهله وماله‏.‏
‏{‏وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ‏}‏ بأن منحه الله العافية من الأهل والمال شيئا كثيرا، ‏{‏رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا‏}‏ به، حيث صبر ورضي، فأثابه الله ثوابا عاجلا قبل ثواب الآخرة‏.‏
‏{‏وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ‏}‏ أي‏:‏ جعلناه عبرة للعابدين، الذين ينتفعون بالعبر، فإذا رأوا ما أصابه من البلاء، ثم ما أثابه الله بعد زواله، ونظروا السبب، وجدوه الصبر، ولهذا أثنى الله عليه به في قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ‏}‏ فجعلوه أسوة وقدوة عندما يصيبهم الضر‏.


تفسير السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن)

استغفر الله وأتوب اليه
اضافة رد مع اقتباس