مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #10  
قديم 10/11/2009, 09:55 AM
الصورة الرمزية الخاصة بـ اسطورة العالم
اسطورة العالم اسطورة العالم غير متواجد حالياً
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 03/01/2008
المكان: في رحاب الله الواسعة
مشاركات: 765
**فوق السحاب**

كثير من الأفكار التي لا ننجح في تطبيقها غالبا ما يكون السبب من وراء ذلك هو أننا ألبسناها مشاعرنا وحالتنا النفسية التي كانت خلال فترة التفكير, أذكر أن دكتورا أعرفه تعرض للتوقيف لقطعه إشارة المرور,ففي لحظة ما أمروه بالركوب معهم خطر بباله فكرة معينة, وهي أن يأخذ كتاباً من سيارته ويستثمر فترة توقيفه –وكانت أربع وعشرين ساعة-بإفادة النزلاء الذين سيكون معهم بقراءة هذا الكتاب, فقد كانت الفكرة رائعة خلال التفكير, لأنه ألبسها مشاعره وحالته النفسية حيث كان يتوقع أنهم سيكونون محبي للفائدة واستثمار الوقت, ولكنه فوجئ بخلاف ذلك, ولم يستطع أن يطبق ما فكر به.
وأنا وقعت في هذا الفخ الفكري, حيث أنني قد حملت في حقيبتي اليدوية مجموعة من الكتب لأستفيد منها فترة الانتظار قبل إقلاع الطائرة, فقد كانت هذه الفكرة جداً رائعة يوم ما كنت في منزلي, وأمام جهاز التكييف, مقبلا بوجهي على مكتبتي الخاصة!, ولكنها لم تكن قابلة للتطبيق لحظة الواقع!, فقد كان ذهني على غير ما أحسب من الصفاء والارتياح,فقد كان عامرا بالتشويش والضجيج, لحظات لاهبة انتظر فيها الطائرة, وأتألم لفراق الأهل, وأفكر بالبلد الذي سأصل إليه, والمدة الطويلة التي سأكون فيها بين السماء والأرض, كل هذا لم أحسب له الحساب لحظة حضور هذه الفكرة, ولهذا استبدلتها بجلسات الاسترخاء والعبث بجهاز الجوال كما يصنع باقي المسافرين العرب!.
أخيرا .. صعدت إلى الطائرة وأنا ثقيل الكاهل بثلاثة أحمال, حقيبة الملابس, والجهاز المحمول, والثالثة (حمى) من الحجم العائلي!.
وسط الطائرة لا حضت كثرة الأسر الخليجية وقد ترقبت مشهدا لم يحدث,ذلك الذي ذكره العشماوي في أحدى قصائده, حيث يذكر أنه رأى فتاة خليجية خلعت لباس الحشمة بعدما أقلعت الطائرة إلى بلد غير إسلامي!, وكان من ابياته:
من أين أنتِ ، أأنجبتْك رُبا *** خُضرٌ ، فأنتِ الزَّهر والوردُ ؟
من أينَ أنت، فإنَّ بي شغفاً *** وإليك نفسي – لهفةً – تعدو
قالتْ ، وفي أجفانها كَحَلٌ *** يُغْري ، وفي كلماتها جِدُّ :
عربيةٌ ، حرِّيَّتي جعلتْ *** مني فتاةً مالهانِـدُّ
أغشى بقاعَ الأرض ما سَنَحَتْ *** لي فرصةٌ ، بالنفس أعتـدُّ
عربيّةٌ، فسألتُ : مسلمةٌ ؟*** قالتْ : نعم ، ولخالقي الحمدُ
فسألْتُها ، والنفسُ حائرةٌ *** والنارُ في قلبي لها وَقْدُ :
من أينَ هذا الزِّيُّ ؟ ما عرفَتْ *** أرضُالحجاز ، ولا رأتْ نجدُ
هذا التبذُّلُ ، يا محدِّثتي *** سَهْمٌ من الإلحادِمرتدُّ
فتنمَّرتْ ثم انثنتْ صَلَفاً *** ولسانُها لِسِبَابِهَا عَبْدُ
قالت : أنا بالنَّفسِ واثقةٌ *** حرِّيتي دون الهوى سَـدُّ
فأجبتُها _ والحزن يعصفُ بي - : *** أخشى بأنْ يتناثر العقدُ
ضدَّان يا أختاه ما اجتمعا *** دينُ الهدىوالفسقُ والصَّدُّ
والله ما أَزْرَى بأمَّتنَا *** إلا ازدواجٌ ما لَهُحدُّ
ولكني الحمد لله لم أجد ذلك المشهد!, كانت الطائرة تحمل النقائض بين مشارب البشر, فلقد وجدت الوثنيين, ووجد عصبة من أهل الخير طهروا الطائرة بأريجهم , كانوا قرابة العشر رجال من حملة الدكتوراه من كلية الشريعة وأصول الدين, بتوفيق الله لي كان مقعدي بجوارهم, ودارت بيننا عدد من الأحاديث الممتعة, حتى إذا أتى وقت صلاة الفجر قام أحدهم وأذن, وأمرنا بأن نصلي على شكل جماعات مترادفة لعدم اتساع المكان, قد أقرأ في عيون بعض الشباب أصحاب (الجنز) التحرج من الصلاة جماعة أمام الناس, ولكنهم تشجعوا مع أهل الخير, صلى بنا الإمام وقد قرأ في الركعة الأولى سورة الماعون, وفي الثانية الناس-خففها حتى يتسى الصلاة للذين هم بعدنا-لم أجد في حياتي ذلك الأثر الذي وقع في قلبي في تلك الصلاة, بين السماء والأرض, وإلى بلد لا تعرفه, يالعظم الحاجة إلى رحمة ربي.
كانت تلك الرحلة درساً عملياً لي في أهمية الصحبة الصالحة,
أحب الصالحين ولست منهم ** لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي ** ولو كنا سواء في البضاعة