مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 20/10/2009, 09:59 PM
سامي صعب يتكرر سامي صعب يتكرر غير متواجد حالياً
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 28/03/2008
مشاركات: 809
Lightbulb تفسير سورة المؤمنون (7)

[‏47 ـ 50‏]‏ ‏{‏وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ‏}‏‏.‏
يخبر تعالى عن حالة الظالمين، ممن في قلبه مرض وضعف إيمان، أو نفاق وريب وضعف علم، أنهم يقولون بألسنتهم، ويلتزمون الإيمان بالله والطاعة، ثم لا يقومون بما قالوا، ويتولى فريق منهم عن الطاعة توليا عظيما، بدليل قوله‏:‏ ‏{‏وَهُمْ مُعْرِضُونَ‏}‏ فإن المتولي، قد يكون له نية عود ورجوع إلى ما تولى عنه، وهذا المتولي معرض، لا التفات له، ولا نظر لما تولى عنه، وتجد هذه الحالة مطابقة لحال كثير ممن يدعي الإيمان والطاعة لله وهو ضعيف الإيمان، وتجده لا يقوم بكثير من العبادات، خصوصا‏:‏ العبادات التي تشق على كثير من النفوس، كالزكوات، والنفقات الواجبة والمستحبة، والجهاد في سبيل الله، ونحو ذلك‏.‏
‏{‏وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ‏}‏ أي‏:‏ إذا صار بينهم وبين أحد حكومة، ودعوا إلى حكم الله ورسوله ‏{‏إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ‏}‏ يريدون أحكام الجاهلية، ويفضلون أحكام القوانين غير الشرعية على الأحكام الشرعية، لعلمهم أن الحق عليهم، وأن الشرع لا يحكم إلا بما يطابق الواقع، ‏{‏وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ‏}‏ أي‏:‏ إلى حكم الشرع ‏{‏مُذْعِنِينَ‏}‏ وليس ذلك لأجل أنه حكم شرعي، وإنما ذلك لأجل موافقة أهوائهم، فليسوا ممدوحين في هذه الحال، ولو أتوا إليه مذعنين، لأن العبد حقيقة، من يتبع الحق فيما يحب ويكره، وفيما يسره ويحزنه، وأما الذي يتبع الشرع عند موافقة هواه، وينبذه عند مخالفته، ويقدم الهوى على الشرع، فليس بعبد على الحقيقة، قال الله في لومهم على الإعراض عن الحكم الشرعي‏:‏ ‏{‏أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ‏}‏ أي‏:‏ علة، أخرجت القلب عن صحته وأزالت حاسته، فصار بمنزلة المريض، الذي يعرض عما ينفعه، ويقبل على ما يضره،
‏{‏أَمِ ارْتَابُوا‏}‏ أي‏:‏ شكوا، وقلقت قلوبهم من حكم الله ورسوله، واتهموه أنه لا يحكم بالحق، ‏{‏أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ‏}‏ أي‏:‏ يحكم عليهم حكما ظالما جائرا، وإنما هذا وصفهم ‏{‏بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ‏}‏‏.‏
وأما حكم الله ورسوله، ففي غاية العدالة والقسط، وموافقة الحكمة‏.‏ ‏{‏وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ‏}‏ وفي هذه الآيات، دليل على أن الإيمان، ليس هو مجرد القول حتى يقترن به العمل، ولهذا نفى الإيمان عمن تولى عن الطاعة، ووجوب الانقياد لحكم الله ورسوله في كل حال، وأن من ينقد له دل على مرض في قلبه، وريب في إيمانه، وأنه يحرم إساءة الظن بأحكام الشريعة، وأن يظن بها خلاف العدل والحكمة‏.‏
ولما ذكر حالة المعرضين عن الحكم الشرعي، ذكر حالة المؤمنين الممدوحين، فقال‏:‏
‏[‏51 ـ 52‏]‏ ‏{‏إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ‏}‏
أي‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ حقيقة، الذين صدقوا إيمانهم بأعمالهم حين يدعون إلى الله ورسوله ليحكم بينهم، سواء وافق أهواءهم أو خالفها، ‏{‏أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا‏}‏ أي‏:‏ سمعنا حكم الله ورسوله، وأجبنا من دعانا إليه، وأطعنا طاعة تامة، سالمة من الحرج‏.‏
‏{‏وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏ حصر الفلاح فيهم، لأن الفلاح‏:‏ الفوز بالمطلوب، والنجاة من المكروه، ولا يفلح إلا من حكم الله ورسوله، وأطاع الله ورسوله‏.‏ ولما ذكر فضل الطاعة في الحكم خصوصا، ذكر فضلها عموما، في جميع الأحوال، فقال‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ‏}‏ فيصدق خبرهما ويمتثل أمرهما، ‏{‏وَيَخْشَ اللَّهَ‏}‏ أي‏:‏ يخافه خوفا مقرونا بمعرفة، فيترك ما نهى عنه، ويكف نفسه عما تهوى، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَيَتَّقْهِ‏}‏ بترك المحظور، لأن التقوى ـعند الإطلاقـ يدخل فيها، فعل المأمور، وترك المنهي عنه، وعند اقترانها بالبر أو الطاعة ـ كما في هذا الموضع ـ تفسر بتوقي عذاب الله، بترك معاصيه، ‏{‏فَأُولَئِكَ‏}‏ الذين جمعوا بين طاعة الله وطاعة رسوله، وخشية الله وتقواه، ‏{‏هُمُ الْفَائِزُونَ‏}‏ بنجاتهم من العذاب، لتركهم أسبابه، ووصولهم إلى الثواب، لفعلهم أسبابه، فالفوز محصور فيهم، وأما من لم يتصف بوصفهم، فإنه يفوته من الفوز بحسب ما قصر عنه من هذه الأوصاف الحميدة، واشتملت هذه الآية، على الحق المشترك بين الله وبين رسوله، وهو‏:‏ الطاعة المستلزمة للإيمان، والحق المختص بالله، وهو‏:‏ الخشية والتقوى، وبقي الحق الثالث المختص بالرسول، وهو التعزير والتوقير، كما جمع بين الحقوق الثلاثة في سورة الفتح في قوله‏:‏ ‏{‏لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا‏}‏
‏[‏53ـ 54‏]‏ ‏{‏وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ‏}‏
يخبر تعالى عن حالة المتخلفين عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الجهاد من المنافقين، ومن في قلوبهم مرض وضعف إيمان أنهم يقسمون بالله، ‏{‏لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ‏}‏ فيما يستقبل، أو لئن نصصت عليهم حين خرجت ‏{‏لَيَخْرُجُنَّ‏}‏ والمعنى الأول أولى‏.‏ قال الله ـ رادا عليهم ـ‏:‏ ‏{‏قُلْ لَا تُقْسِمُوا‏}‏ أي‏:‏ لا نحتاج إلى إقسامكم ولا إلى أعذاركم، فإن الله قد نبأنا من أخباركم، وطاعتكم معروفة، لا تخفى علينا، قد كنا نعرف منكم التثاقل والكسل من غير عذر، فلا وجه لعذركم وقسمكم، إنما يحتاج إلى ذلك، من كان أمره محتملا، وحاله مشتبهة، فهذا ربما يفيده العذر براءة، وأما أنتم فكلا ولما، وإنما ينتظر بكم ويخاف عليكم حلول بأس الله ونقمته، ولهذا توعدهم بقوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ‏}‏ فيجازيكم عليها أتم الجزاء، هذه حالهم في نفس الأمر، وأما الرسول عليه الصلاة والسلام، فوظيفته أن يأمركم وينهاكم، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ‏}‏ امتثلوا، كان حظكم وسعادتكم وإن ‏{‏تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ‏}‏ من الرسالة، وقد أداها‏.‏
‏{‏وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ‏}‏ من الطاعة، وقد بانت حالكم وظهرت، فبان ضلالكم وغيكم واستحقاقكم العذاب‏.‏ ‏{‏وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا‏}‏ إلى الصراط المستقيم، قولا وعملا، فلا سبيل لكم إلى الهداية إلا بطاعته، وبدون ذلك، لا يمكن، بل هو محال‏.‏
‏{‏وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ‏}‏ أي‏:‏ تبليغكم البين الذي لا يبقي لأحد شكا ولا شبهة، وقد فعل ـ صلى الله عليه وسلم ـ بلغ البلاغ المبين، وإنما الذي يحاسبكم ويجازيكم هو الله تعالى، فالرسول ليس له من الأمر شيء، وقد قام بوظيفته‏.‏
‏[‏55‏]‏ ‏{‏وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ‏}‏‏.‏
هذا من أوعاده الصادقة، التي شوهد تأويلها ومخبرها، فإنه وعد من قام بالإيمان والعمل الصالح من هذه الأمة، أن يستخلفهم في الأرض، يكونون هم الخلفاء فيها، المتصرفين في تدبيرها، وأنه يمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وهو دين الإسلام، الذي فاق الأديان كلها، ارتضاه لهذه الأمة، لفضلها وشرفها ونعمته عليها، بأن يتمكنوا من إقامته، وإقامة شرائعه الظاهرة والباطنة، في أنفسهم وفي غيرهم، لكون غيرهم من أهل الأديان وسائر الكفار مغلوبين ذليلين، وأنه يبدلهم من بعد خوفهم الذي كان الواحد منهم لا يتمكن من إظهار دينه، وما هو عليه إلا بأذى كثير من الكفار، وكون جماعة المسلمين قليلين جدا بالنسبة إلى غيرهم، وقد رماهم أهل الأرض عن قوس واحدة، وبغوا لهم الغوائل‏.‏

فوعدهم الله هذه الأمور وقت نزول الآية، وهي لم تشاهد الاستخلاف في الأرض والتمكين فيها، والتمكين من إقامة الدين الإسلامي، والأمن التام، بحيث يعبدون الله ولا يشركون به شيئا، ولا يخافون أحدا إلا الله، فقام صدر هذه الأمة، من الإيمان والعمل الصالح بما يفوقون على غيرهم، فمكنهم من البلاد والعباد، وفتحت مشارق الأرض ومغاربها، وحصل الأمن التام والتمكين التام، فهذا من آيات الله العجيبة الباهرة، ولا يزال الأمر إلى قيام الساعة، مهما قاموا بالإيمان والعمل الصالح، فلا بد أن يوجد ما وعدهم الله، وإنما يسلط عليهم الكفار والمنافقين، ويديلهم في بعض الأحيان، بسبب إخلال المسلمين بالإيمان والعمل الصالح‏.‏



تفسير السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن)

استغفر الله وأتوب اليه
اضافة رد مع اقتباس