مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 10/10/2009, 01:19 PM
alhawey alhawey غير متواجد حالياً
ناقد اجتماعي
تاريخ التسجيل: 05/12/2001
المكان: نيويورك - الولايات المتحدة الأمريكية
مشاركات: 2,053
لجان البربسةِ والانحدار في حي التقدمِ والازدهار

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،


صبحكم/مساكم الله بالخير



يسكن رجل فاضل يدعى بأبي أحمد مع أبناءه الأربعة في منزل كبير بحي التقدم والازدهار، اعتاد هذا الأب، الذي لا يفارق جناحه في المنزل، على تخصيص جلسة مع أبناءه نهاية كل شهر، يناقشون فيها أوضاع منزلهم، ميزانيته ومتطلباته، سبل صيانته وخطط تجديده وتطويره..

وفي مساء التاسع والعشرين من حزيران كانون الرابع من عام 1430هـ دخل أحمد ــ الابن الأكبر لهذه العائلة ــ المنزل متوجهاً كعادته إلى الصالة ليتسدح فيها ويتبطح ويتفرج على قناة art الليث (نبي نرفع معنوياتهم) حتى يحين موعد النوم، وبينما هو كذلك رأى وميضاً خطف بصره للحظات!، تعجب من هذ!!، فالفصل ليس موسم أمطار، وأقر بنفسه أن ما شاهده ليس برقاً بالتأكيد، تناسى الأمر وعاد ليشاهد تسحيبات شهيل على الطرف الأيمن (2 مره رفع معنويات)، وبعد ثوانٍ معدودة عاد الوميض مجدداً!، فرفع رأسه إلى السقف ليجد أن ما كان وميضاً يشبه البرق ليس إلا (اللمبه) المثبتة على السقف!، ويبدو أنها قد تعرضت لعطل فني (بويبينه) أو أن صلاحيتها قد انتهت..

فكر أحمد بأن يهب لإصلاحها، فأمرها بسيط جداً ولن يأخذ من وقته وجهده الكثير، لكنه تراجع وقال في نفسه: لماذا أفوت على نفسي فرصة الاستمتاع بباص عيون التايب وقلق السعران، ثم لماذا "أنا" من يجب عليه إصلاحها؟؟ فهناك إخواني خالد وعلي وحتى البزر الصغير صالح يمكنهم حل مشكلتها، وإن استعصى عليهم أمرها فسنُطلع والدي بذلك في الغد (وغداً يوافق نهاية الشهر)..

وبالفعل تجاهل أحمد عطل تلك اللمبه، كما حذا خالد وعلي حذو أخيهم ورددوا الكلمات نفسها: لماذا نحن من يجب عليه ذلك، أليس لأنفسنا حق علينا من الوناسة وفلة الحجاج والتبطح والتسدح!!، فلندع الأمر يعرض على والدنا..

أما الأخ الأصغر قصير القامة "صالح"، فبمجرد أن رأى وضع تلك اللمبة المزري!، قرر إصلاحها، لكن ما إن رفع رأسه لينظر إليها إلا واكتشف علو السقف وأيقن بأنه لن يستطيع الوصول إلى اللمبه بدون سُلّم، لكن المنزل الكبير غير مزود بهكذا معدّه!، لذا فإن على صالح أن يذهب لفراشه ويعالج الأمر في الصباح الباكر..

وفي صباح الغد يوم الثلاثين، قرع الأب الأجراس طالباً من أبنائه الجلوس على طاولة الاجتماع، حضر الجميع وكان أولهم حضوراً قصير القامة صالح والذي يُبدي كعادته اهتماماً بالغاً بهذه الجلسات، في حين كان إخوته لا يكترثون لأمرها فهي بنظرهم مجرد اجتماع روتيني!..

بدأ الاجتماع، وبنفس السيناريو البارد الذي يتكرر في كل مناسبة، ثم عرض الابن الأكبر مشكلة اللمبه على والده وكذلك فعل خالد وعلي مقترحين عدداً من الحلول التي كان من بينها بيع المنزل وشراء منزل جديد مماثل أو هدم الصالة وإعادة بناءها مجدداً وفق أحدث طراز، كما اقترح أحمد أن يتم التعاقد مع شركة استشارات ألمانية لتدرس وضع اللمبات في المنزل، ولكونه مشجعاً شبابياً فقد طالب بوضع إضاءةٍ سوداء بجانب البيضاء لتعطي منظراً أجمل!!..


في تلك الأثناء كان الصغير صالح يحاول أخذ الإذن من والده ليطرح وجهة نظره في موضوع اللمبه وأن أمرها بسيط لا يستحق كل هذا العناء، لكن دون جدوى!، فقد انتهى الوقت المخصص للنقاش وطرح الكبار رأيهم فيما دار فيه، وهنا استأذن صالح من والده للخروج قليلاً، ثم جاء وقت صدور القرارات التي تلاها الأب، وكان من بينها ما يخص مشكلة اللمبه، وتقرر بشأنها ما يلي:-

1/ تشكيل لجنة لدراسة هذا الموضوع، يرأسها أحمد وبعضوية كل من خالد وعلي.
2/التعاقد مع الشركة العالمية " MRSOMW (إم آر إس أوو إم دبليو الخبراء الألمان في تصليح اللمبات والمراوح)" لدراسة مشكلة اللمبه وتقديم تقرير مفصل يتضمن النتائج والتوصيات وخطة العمل.
3/تكليف صالح بإعداد وتجهيز بوفيه الشاي والقهوة خلال الأيام التي يقر فيها عقد اجتماعات اللجنة مع مراعاة التالي:
-أحمد، شاهي تلقيمه بدون سكر.
-خالد، شاهي لبتون سكر زيادة أحسن عشان أخشن.
-علي، شاهي بدون شاهي مع نسبة سكر تعادل نصف السكر الممنوح لخالد تقسيم 2 .
-الخبراء الألمان شاهي تلقيمه مخلوط مع بيره هولستن خالية من الكحول.

ثم أنهى الأب الاجتماع وسط تصفيق حار من الجميع بمن فيهم صالح الذي غاب عن الجزء الأخير من الاجتماع ولم يستمع إلى ما خرج به المجتمعون من قرارات، وحين هم الجميع بمغادرة غرفة الاجتماعات طلب صالح من والده أن يسمح له بكلمة أخيرة، فاستجاب الوالد لطلبه شريطة عدم الإطالة والإسهاب، فقال صالح:

شكراً لكم والدي، أردت أن أقول بأني حين استأذنت منكم وغادرت غرفة الاجتماعات، ذهبت إلى جارنا لأستعير منه سلماً استخدمته لأتفحص اللمبه واكتشفت نهاية صلاحيتها، ثم ذهبت للشارع التجاري القريب من المنزل وقمت بشراء لمبه جديدة وتركيبها، والآن اللمبه تعمل وحُلَّت المشكلة، وقد كلفني كل هذا خمسة ريالات هي قيمة اللمبه وكلمة شكر لجارنا العزيز على تعاونه ومساعدته لنا..

قال الأب: جميل جداً أحسنت صنعاً، إذاً في هذه الحالة تبقى القرارات كما هي مع استبدال مفردة "اللمبه" الواردة في الفقرة (2) بمفردة "المروحة"، حيث أن المروحة في جناحي تصدر صفيراً كصفير البلبلِ!!!!!


انتهت القصة. وجدير بالذكر أنه في الرابع عشر من تشرين الأول من العام 1435هـ(أي بعد خمس سنوات) تم بالفعل إصلاح مروحة الأب وبتكلفة إجمالية قدرها خمسة ملايين ومائتان وأربعون ألفاً وستمائة وسبعة وخمسون ريالاً.



الخلاصة

لجنة اللمبات هذه ليست إلا واحدة من بين المئات من اللجان التي تشكلها الوزارات والجهات الحكومية بهدف دراسة المشكلات التي قد تطرأ على القطاعات المعنية بها، الأب هو الوزير، وكبار الأبناء هم كبار المسئولين في الجهة، وصالح هو موظف بسيط يميزه عن غيره أمانته وإخلاصه في العمل وغيرته على وطنه وحبه له كما يميزه عن غيره صغر مقامه وقلة حيلته!، أما موقف الجار فيعكس أهمية تعاون الجهات الحكومية فيما بينها سعياً لهدف واحد هو خدمة المواطن وعز الوطن.


ببساطة، فإن حل المشكلات التي تواجه القطاعات الحكومية والاستجابة لطلبات المواطنين وتوفير الخدمات الجيدة لهم، لا يحتاج إلى اجتماعات ولجان ودراسات، وكل ما هو مطلوب لذلك هو أن تؤدي كل جهة دورها كما هو مدون في دليل مهامها وبكل أمانة وإخلاص، ولكم أن تختاروا أي جهة من الجهات الحكومية وتطلعوا على دليل مهامها لتجدوا أن جل ما نطالب به مدون فيها وأن كل مشكلة طرأت على هذا القطاع ما هي إلا نتاج إهمال واستهتار وعدم جدية في أداء تلك المهام.

في أمان الكريم،،،
اضافة رد مع اقتباس