الموضوع: {المولد النبوي}
مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #3  
قديم 24/04/2004, 12:02 PM
sport sport غير متواجد حالياً
عضو سابق باللجنه الإعلاميه
تاريخ التسجيل: 26/08/2001
المكان: السعودية "الــخــبـــر"
مشاركات: 13,852
شبهات وردود عن حكم المولد النبوي



الشيخ عادل بن علي بن أحمد الفريدان


الحمد لله وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وبعد :
هذا رد - متوسط - على أحد الصوفية اليمنيين يقال له الحبيب بن علي الجفري ، ذكر كلاما في آخر شريط له بعنوان ( مقاصد المؤمنة وقدوتها في الحياة ) عن المولد . وذهب إلى مشروعيته وحشد لذلك الأدلة من القرآن والسنة - زعم ذلك - التي لبّس بها على السامع من عامة الناس . فأسأل الله وحده أن ينفع به من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد وصلى الله وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واتبع سنته إلى يوم الدين. والحمد لله رب العالمين .

قاله راقمه
الراجي عفو ربه القدير
عادل بن علي بن أحمد الفريدان
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
آمين


--------------------------------------------------------------------------------

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) سورة آل عمران :102
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا و نساءا واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) سورة النساء :1
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ) سورة الأحزاب :70
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار(1) ، وبعد : فإن الله أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام دينا ، وأمرنا جل ثناؤه بالتمسك بهذا الحديث حتى الممات ، قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) آل عمران :102
وقال تعالى (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) البقرة: 132
وبين الله تعالى الحكمة من خلق الإنس والجن فقال تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) الذاريات :56
وفي ذلك شرف لهم وسعادة لهم في الدارين والفائدة من هذه العبادة إنما هو راجعة لهم ، فمن أبى أن يعبد الله فهو مستكبر ، ومن عبد الله وعبد معه غيره فهو مشرك ، ومن عبد الله وحده بغير ما شرع فهو مبتدع ، ومن عبد الله وحده بما شرع فهو المؤمن الموحد .
ولما كان العباد في ضرورة إلى العبادة ولا يمكن أن يعرفوا بأنفسهم حقيقتها التي ترضى الله سبحانه وتعالى وتوافق دينه لم يكلهم إلى أنفسهم بل أرسل إليهم الرسل وأنزل إليهم الكتب لبيان حقيقة تلك العبادة كما قال تعالى : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) النحل :36
وقال : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) الأنبياء :25
فمن حاد عما بينته الرسل ونزلت به الكتب من عبادة الله ، وعبد الله بما يملي عليه ذوقه وما تهواه نفسه وما زينته له الشياطين الأنس والجن فقد ضل عن سبيل الله ولم تكن عبادته في الحقيقة عبادة الله ، بل هي عبادة هواه ، كما قال تعالى : ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ) القصص : 50
وهذا الجنس كثير في البشر وفي طليعتهم النصارى ، ومن ضل من فرق هذه الأمة ، كالصوفية فإنهم اختطوا لأنفسهم خطة في العبادة مخالفة لما شرعه الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .. ويتضح هذا ببيان حقيقة العبادة التي أمر الله بها وحقيقة ما عليه الصوفية اليوم من انحرافات عن حقيقة تلك العبادة .
فالعبادة التي شرعها الله سبحانه وتعالى تنبني على أصول وأسس ثابته تتلخص في الآتي : ضوابط العبادة الصحيحة :
*أولا : أنها توقيفيه _ بمعنى أنه لا مجال للرأي فيها بل لا بد أن يكون المشرع لها هو الله سبحانه وتعالى ، كما قال تعالى لنبيه : ( فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا ) هود :112
وقال تعالى : ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ) الجاثية :18
وقال عن نبيه ( إن اتبع إلا ما يوحى إلي ) الأحقاف :9
*ثانيا : لا بد أن تكون العبادة خالصة لله تعالى من شوائب الشرك كما قال تعالى : ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) الكهف 110
فإن خالط العبادة شيء من الشرك أبطلها كما قال تعالى : ( ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون )
الأنعام :88 وقال تعالى : ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ، بل الله فاعبد وكن من الشاكرين ) الزمر 65 ، 66
ثالثا : لا بد أن يكون القدوة في العبادة والمبين لها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) الأحزاب :21 وقال تعالى : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) الحشر :7 وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) () وفي رواية من أحدث في أرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) () وقوله صلى الله عليه وسلم ( صلوا كما رأيتموني أصلي )() وقوله صلى الله عليه وسلم : خذوا عني مناسككم ) (4) إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة .
رابعا : أن العبادة محددة بمواقيت ومقادير لا يجوز تعديها وتجاوزها كالصلاة مثلا ، قال تعالى : ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) النساء :103
وكالحج ، قال تعالى : ( الحج أشهر معلومات ) البقرة : 197 وكالصيام ، قال تعالى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ، فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) البقرة : 185
خامسا : لا بد أن تكون العبادة قائمة على محبة الله تعالى والذل له والخوف ورجائه ، قال تعالى : ( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ) الإسراء :57 وقال تعالى عن أنبيائه ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين ) الأنبياء : 90 وقال تعالى : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ، قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين ) آل عمران : 31،32فذكر سبحانه علامات محبة الله وثمراتها _ أما أعلاها فاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وأما ثمراتها فنيل محبة الله سبحانه ومغفرة الذنوب والرحمة منه سبحانه .
سادسا : أن العبادة لا تسقط عن المكلف من بلوغه عاقلا إلى وفاته ، قال تعالى : ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) الحجر : 99 تلكم الأمور الستة هي ضوابط العبادة الصحيحة ()لتي شرعها الله سبحانه وتعالى وأمر بها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يبلغها للناس أجمع وأما حقيقة الصوفية وما هم عليه اليوم من انحرافات عن حقيقة العبادة الصحيحة ... فذكر ذلك يطول جدا وليس مكانه هنا وإنما هو في تلك المؤلفات المطولة التي تصدت لها وكشفت زيغها .
وإنما نحن بصدد وقفات مع من يسمى : بالحبيب علي الجفري ( الصوفي ) الذي تكلم عن المولد النبوي في شريط مسموع في آخره بعنوان ( مقاصد المؤمنة وقدوتها في الحياة ) وقد ذكر عدة مسائل تتعلق بالمولد النبوي انتهى في آخره بأن عمل المولد النبوي وما يحصل فيه إنما هو سنة مؤكدة وليس ببدعة واستدل على قوله هذا بأمور نذكرها إن شاء الله تعالى وسأورد كلامه نصا كما قال بألفاظه وسأقف مع كل مسألة منها مبينا بطلان ما ذهب إليه مستعينا بالله وحده لا شريك له وبنصوص القرآن الكريم وصيح السنة النبوية الشريفة وما أجمع عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان من الأئمة الأعلام ، وأسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يرينا الحق حقا وأن يرزقنا اجتنابه ولا يجعله ملتبسا علينا فنضل . وأن لا يجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا إنه رؤوف رحيم .

قال الجفري [ المولد سنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو سنة مؤكدة ، لا نقول مباح بل سنة مؤكدة ]
ونقول : السنة ما سنه الرسول صلى الله عليه وسلم أو سنه أحد الخلفاء الراشدين لقوله صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ...... الحديث ) المهديين هم : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي _ رضي الله عنهم ، أما ما سوى ذلك فهو من المحدثات التي حذر منها الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبر أنها شر وضلاله . ومن ذلك المولد . فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به ولم يفعله ولم يأمر به أحد من الخلفاء الراشدين ، ولم يفعله أحد من الصحابة _ رضي الله عنهم _ ولا التابعين ولا تابعيهم بإحسان ، وعلى هذا فهو بدعة وضلالة يجب ردها لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) أي مردود على صاحبه كائنا من كان روى ابن حبيب عن ابن الماجشون قال : سمعت مالكا _ رحمه الله _ يقول : ( من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة ، لأن الله تعالى يقول : ( اليوم أكملت لكم دينكم ) المائدة :3 فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا )
ويلزم على القول بأن الاحتفال بالمولد سنة مؤكدة ثلاث لوازم سيئة :
أولا : أن يكون الاحتفال بالمولد الدين الذي أكمله الله لعباده ورضيه لهم . وهذا معلوم البطلان بالضرورة ، لأن الله تعالى لم يأمر عباده بالاحتفال بالمولد ولم يأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ، ولم يفعله أحد الخلفاء الراشدين ، ولا غيرهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان ، بل لم يكن معروفا عند المسلمين إلى أن مضى عليهم نحو ستمائة سنة فحينئذ ابتدعه سلطان إربل وصار له ذكر عند الناس .وعلى هذا فمن زعم أن الاحتفال بالمولد من الدين فقد قال على الله وعلى كتابه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم ، والله تعالى يقول : ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ن وأن تقولوا على الله مالا تعلمون ) الأعراف : 33 وقال صلى الله عليه وسلم : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار )
ثانيا : من اللوازم السيئة أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه رضي الله عنهم ، قد تركوا العمل بسنة مؤكدة ، وهذا مما ينزه عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم
ثالثا: من اللوازم السيئة أن يكون المحتفلون بالمولد قد حصل لهم العمل بسنة مؤكدة لم تحصل للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولا لأصحابه رضي الله عنهم ، وهذا لا يقوله من له أدنى مسكة من عقل ودين
رابعا : ظاهر جدا من كلام الجفري أنه لا يعرف مصطلحات أهل العلم فهو يهرف بما لا يعرف ، فقوله عن المولد سنة مؤكدة ) فالسنة المؤكدة عند أهل العلم هي التي عملها الرسول صلى الله عليه وسلم وداوم عليها ، فهل يقول الجفري وأمثاله أن الرسول صلى الله عليه وسلم عمل المولد وداوم عليه ؟!

قال الجفري : [ ما هو المولد ؟ عبارة عن فرح لله ورسوله . ما حكم الفرح في الله ورسوله ؟ قال تعالى : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ) الله أمرنا بالفرح وذكر أهل التفسير فضل الله وفضل رسوله صلى الله عليه وسلم ]
ونقول : تفسير الآية بما فسره به الجفري من قبيل تفسير كلام الله تعالى على ما لم يفسره به السلف الصالح والذي ينبغي أن تفسر به الآية هو ما فسره الأئمة الأعلام قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية ( أي بهذا جاءهم من الله من الهدى ودين الحق ، فليفرحوا فإنه أولى ما يفرحون به ) ولا يوجد في كلام السلف تفسير الآية بما فسربه الجفري
ثانيا : لم يأمر الله تعالى عباده أن يخصوا ليلة المولد بالفرح والاحتفال ، وإنما أمرهم أن يفرحوا بما أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق ، ويدل على ذلك الآية التي قبلها قال تعالى : ( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ) آية 57 ثم قال تعالى ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) سورة يونس : 57،58
وفضل الله هو الإسلام ورحمته القرآن وقيل العكس وكلاهما من فضل الله ورحمته وبهذا فسرها ابن عباس وأبو سعيد الخدري وزيد بن أسلم والضحاك ومجاهد وقتاده
ثالثا : أن رحمة الناس لم تكن بولادة النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما كانت ببعثه وإرساله إليهم قال تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) الأنبياء : 107 ولم تتعرض الآية لولادته صلى الله عليه وسلم . ومن السنة ففي صحيح الإمام مسلم _ رحمه الله _ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إني لم أبعث لعانا ، وإنما بعثت رحمة )
وروى الإمام أحمد وأبو داود بإسناد حسن عن سلمان رضي الله عنه قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال : ( أيما رجل من أمتي سببته سبة أو لعنته لعنة في غضبي فإنما أنا من بني أدم أغضب كما يغضبون ، وإنما بعثني رحمة للعالمين فاجعلها عليهم صلاة يوم القيامة )

قال الجفري [ الاحتفال بمناسبة النبي صلى الله عليه وسلم سنة ، جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم فيما سأل : ماذا تقول عن صوم فلان يوم الاثنين . قال هو يوم ولدت فيه ] اسمع . قبل أن يأتيك كلام المدللين الذين قالوا أن الاحتفال بالصيام ما كان في المولد ]
ونقول : أولا لفظ الحديث كالآتي : عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الاثنين ؟ فقال ( فيه ولدت . وفيه أنزل علي )
ثانيا : يقال إذا كان المراد من إقامة المولد هو شكر الله تعالى على نعمة ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم فيه فإن المعقول والمنقول يحتم أن يكون الشكر من نوع ما شكر الرسول صلى الله عليه وسلم ربه به وهو الصوم ، وعليه فلنصم كما صام صلى الله عليه وسلم . وإذا سئلنا ، قلنا : إنه يوم ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم فنحن نصومه شكرا لله تعالى ، غير أن أرباب الموالد لا يصومونه ، بل الصيام فيه مقاومة للنفس بحرمانها من لذة الطعام والشراب ، وهم لا يريدون ذلك ، فتعارض الغرضان فآثروا ما يحبون على ما يحب الله تعالى
ثالثا : من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصم يوم ولادته وهو اليوم الثاني عشر من ربيع الأول _ إن صح _ وإنما صام يوم الاثنين الذي يتكرر مجيئه كل شهر أربع مرات أو أكثر ، وبناء على هذه فتخصيص يوم الثاني عشر من ربيع الأول بعمل ما دون يوم الاثنين من كل اسبوع يعتبر استدراكا على الشارع ، وتصحيحا لعمله ، وما أقبح هذا _ إن كان - والعياذ بالله تعالى
رابعا : هل النبي صلى الله عليه وسلم لما صام يوم الاثنين شكرا على نعمة الإيجاد ولإمداد وهو تكريمه ببعثته للناس كافة بشيرا ونذيرا إضافة إلى الصيام احتفالا ، كاحتفال أرباب الموالد من تجمعات ، ومدائح وأنغام ، وطعام وشراب ؟ والجواب : لا ، وإنما اكتفى بالصيام فقط ، إذا ألا يكفي الأمة ما كفى نبيها محمد صلى الله عليه وسلم ويسعها ما وسعه صلى الله عليه وسلم ؟ وهل يقدر عاقل أن يقول لا ؟ وإذا فلم الأفتيات على الشارع والتقدم بالزيادة عليه ، والله تعالى يقول : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) الحشر :7 ويقول جل ذكره : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع
عليم ) الحجرات : 1 ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) ويقول عليه الصلاة والسلام : ( إن الله افترض عليكم فرائض فلا تضيعوها ، وحد لكم حدودا فلا تعتدوها ، ونهاكم عن أشياء من غير نسيان فلا تتكلفوها رحمه من ربكم فاقبلوها ) وهذا لفظ الدارقطني في سننه

قال الجفري : [ انتظر ، فكرة المولد مسألة ذات شقين : الشق الأول : فكرة الاحتفال بمولد النبي هل يحتفى بها أولا . هل هي محل استحسان في الشريعة أولا ؟ الشق الثاني : ما يدور داخل المولد .
أولا : الاحتفال بالمولد : الفكرة لها مشروعيتها قال صلى الله عليه وسلم : ( هو يوم ولدت فيه ) ليس فقط نحن نحتفل به ، الكائنات كلها تحتفل بالمولد ]
ونقول : تقدم قريبا للرد على هذا الاستدلال وبينت ما فيه من الخطأ مما يغني عن إعادته مرة أخرى هنا .

ثم قال الجفري : [ الجهلة مطموسي البصيرة يقولون أن مولد النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه ميزة لكن الميزة في بعثته ، هؤلاء لم يفقهوا عن الله ، فأقول لهم : بالله عليكم ملك كسرى سقط في ليلة الولادة أم البعثة ، النار التي اطفأت وكانت تعبد من دون الله أطفأت يوم الولادة أو البعثة ؟ الأصنام التي اكفأت على وجوهها ليلة البعثة أو الولادة ؟ المظاهر في الكون التي اهتزت كلها بعد أن بزغ صلى الله عليه وسلم لم تحصل إلا لتكون لصالح يوم الولادة ]
ونقول : ما ذكره الجفري قد ذكر بعض أهل العلم منهم ابن كثير _ رحمه الله _ في البداية والنهاية وذكره غيره . وحدوث هذه الأمور لا يدل إطلاقا على مشروعية إقامة المولد فلا صلة بينهما ويقال أيضا : هل النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته كانوا عالمين بما حدث عند مولده صلى الله عليه وسلم أم لا ؟ فإن كانوا عالمين _ ولا أظن الجفري _ يقول غير عالمين _ فلماذا لم يقيموا المولد المبدع الذي عليه الجفري واتباعه ، اترى النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عالما بالفضل المترتب على ذلك أم يقال أن الصحابة لم يعرفوا قدر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقيموا له مولدا تكريما له صلى الله عليه وسلم ؟! إن ما دعاه الجفري من الربط بين المولد وتغير بعض الأحوال الكونية والحوادث الأرضية ثم الاستدلال بذلك بمشروعية إقامة المولد لا يصح الاستدلال به أبدا .

قال الجفري : [ وبعد ذلك ، هل بلغت هذه الأمة من التردي والجدوى من الإساءة في معاملتها للنبي صلى الله عليه وسلم أنها تتساءل هل يستحق أن نفرح بولادته صلى الله عليه وسلم أو لا نفرح ، ما هذا التدين الذي وصلت إليه الأمة ، هذه منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا حتى نرى هل يستحق أو لا يستحق أن نفرح بولادته ؟ ماهذا الكلام ؟ ]
ونقول : إن الجفري _ هداه الله _ يريد منا أن نشرع شرعا لم يأمر الله به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم عن طريق تحريك مشاعرنا تجاه النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد تقرر سابقا أن المشرع هو الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لا بالذوق والعاطفة .
ثم إن كنا قد أسأنا كما زعم الجفري للنبي صلى الله عليه وسلم فإن الصحابة والتابعين وتابع التابعين قد أساءوا أيضا للنبي صلى الله عليه وسلم بعدم إقامة المولد ، فهل يقول بذلك الجفري ؟!وكذلك نقول إن الأمة لم تتدنى بسبب تركها لإقامة الموالد وإنما تدنت عندما نشأ فيها من لا يعرف دين الإسلام بالأدلة أمثال الجفري وأتباع الصوفية الذين يشرعون للناس أمورا ما أنزل الله بها من سلطان ويتركون هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم وهدي الخلفاء الراشدين من بعده رضي الله عنهم وحقيقة الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم هو اتهامه صلى الله عليه وسلم بأنه لم يبلغ عن ربه عز وجل شيئا أوحاه إليه بل هذه هي حقيقة نسب الخيانة لجنابه صلى الله عليه وسلم _ وينزه عنها _ إن إحداث شيء في الدين ومنها إقامة الموالد لهو دليل واضح على اتهام الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإذا كان هو لم يقم هذا المولد ولا صحابته من بعده ... حتى جاء الجفري ومن قبله ومن بعده من يقول أن عدم إقامة الموالد إساءة للنبي صلى الله عليه وسلم فأيهما أولى بالإساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم من شرع دينا لم يشرعه الله ورسوله أم من اقتفى أثره واتبع سبيله فلم يحدث شيئا في دين الله .
فإن كان للجفري حجة فليسمعنا إياها ويقول قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقام المولد أو أحد من صحابته ... ، وننظر أينا المسيء لجناب المصطفى صلى الله عليه وسلم
وإن منزلة النبي صلى الله عليه وسلم لدى المسلمين الموحدين في الدنيا وتوقيره وعدم رفعه فوق منزلته التي أنزله الله فيها واتباع سبيله والتأسي به وإقامة سنته صلى الله عليه وسلم وتعليمها للناس ، فما صح عنه صلى الله عليه وسلم عملنا به ودعونا إليه وما لم يصح نفيناه عنه وتركناه وحذرنا منه .

قال الجفري : [ هذه مقابلة تقابلها من قام على أطراف قدميه لينقذنا من نار جهنم . هذا الذي هو مشغول في قبره بي وبك ؟! يستحق أن نحتفل به أولا ؟ أن نقوم بذكر ولادته أولا ؟! ما هذا الكلام ، ما هذا الهراء الذي نال الأمة ،ما هذا العبث والسفه الذي نال هذه العقول الضيقة . أين معاني الاتصال بمحبته ]
ونقول : كلام الجفري هذا يحتاج منا أن نقف معه وقفات
الأولى : وقوف المصطفى على أطراف قدميه في الصلاة كان كما قال صلى الله عليه وسلم ( أفلا أكون عبدا شكورا ) قام صلى الله عليه وسلم ليعلم اتباعه أ، العبد مهما بلغ من العبادة إلا أنه ينبغي له أن يتذلل لربه وخالقه ولا يأمن مكر الله فيه ، قام صلى الله عليه وسلم على قدميه الشريفتين وليس على أطراف قدميه كما قال الجفري _ شكرا لله عز وجل كما ذكر ذلك لعائشة حينما سألته عن ذلك ن وواجب الأمة بعده الإقتداء به والتأسي به .
لا أن نستدل بذلك على أنفسنا فعمله صلى الله عليه وسلم لنفسه وعمل أتباعه لأنفسهم كما قال تعالى ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) النجم :39 فهل يقول الجفري أن قيام الرسول صلى الله عليه وسلم على قدميه ينفع اتباعه فيزاد من حسناتهم وينجيهم من الحساب والجزاء ؟! لا أظن عاقلا يقول ذلك وأظن أن الجفري واحدا من هؤلاء العقلاء وما أشبه هذه المقولة بمقولة النصارى إن عيسى عليه السلام صلب لينقذ البشرية ويكون فداء لها . ثم قوله : ( لينقذنا من النار ) سبحان الله العظيم ما أجرأ الجفري على الله تعالى حين نسب دخول الجنة والنجاة من النار للرسول صلى الله عليه وسلم ، نعم الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله وبشيرا ونذيرا من عند الله سبحانه وتعالى من أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار . أما أن نقول قام على قدميه لينقذنا من النار .. فهذا غلط عظيم وإلا ترتب على ذلك عدم قيامنا بما أوجب الله علينا من شرائع الدين اعتمادا على قيام الرسول صلى الله عليه وسلم على قدميه . روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه عن أبي هريرة أن إعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ( دلني على عمل ، إذا عملته دخلت الجنة . قال تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضه ، وتصوم رمضان . قال : والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا . فلما ولى . قال النبي صلى الله عليه وسلم : من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا ) هذا كلام الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ، فهل يفهم الجفري وأتباعه حقيقة هذا الدين .؟!
الثانية :قوله ( هذا الذي هو مشغول في قبره بي وبك ) قال تعالى : ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفأن مت فهم الخالدون ) الأنبياء :34 وقال تعالى : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفأن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ) آل عمران : 114 فرسول الله صلى الله عليه وسلم وبقية الأنبياء _ عدا عيسى بن مريم فقد رفع _ قد جرت عليهم سنة الموت كبقية البشر . وأما حديث ( الأنبياء _ صلوات الله وسلامه عليهم _ أحياء في قبورهم ) لا فهو حديث صحيح يدل على حياتهم البرزخية وأرواحهم عند الرفيق الأعلى ولا يفهم منه آن الحياة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن قبله من الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أحياء حياة حقيقية يأكلون ويشربون ...وإنما هي حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا الله سبحانه وتعالى وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( افضل أيامكم يوم الجمعة : فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ، فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي ، قالوا : وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت _ يقولون بليت _ فقال : ( إن الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم السلام )وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام ) فالحديث الأول فيه دلالة على عرض ( الصلاة والسلام ) على نبينا صلى الله عليه وسلم وهذا يدل دلالة واضحة على أن جسده صلى الله عليه وسلم طري مطرا ، وروحه في الرفيق الأعلى في أعلى عليين مع أرواح الأنبياء . والحديث الثاني فيه دلالة على اتصال روحه الشريفة بجسده لرد السلام على من سلم عليه من قبره ومن بعد . فالروح لها اتصال بالبدن في القبر وإشراف عليه ، وتعلق به بحيث يرد سلام من سلم عليه وروحه في الرفيق الأعلى . ولا تنافي بين كونها في الرفيق الأعلى وجسده في الأرض فشأن الأرواح غير شأن الأبدان ، فإذا كان النائم روحه في جسده وهو حي ، وحياته غير حياة المستيقظ ، فإن النوم شقيق الموت ، فهكذا الميت إذا أعيدت إليه روحه إلى جسده كانت له حال متوسطة بين الحي والميت كحال النائم المتوسطة بين الحي والميت . فهذا حاله صلى الله عليه وسلم في قبره وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة في نبيها محمد صلى الله عليه وسلم فأين هذا من قول الجفري ( إنه مشغول بي وبك ) 0
ولا ندري ماذا يقصد الجفري بشغل النبي صلى الله عليه وسلم في قبره فإن كان غير ما ذكر فهو من أبطل الباطل0
الثالثة: وصفه لكل من يمنع إقامة المولد ( بالعقول الضيقة ) 0 يا سبحان الله كيف يزن الجفري الأمور المتعلقة بشرع الله إن الذين يصفهم الجفري بالعقول الضيقة هم من وقفوا عند قول الله تعالى وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا بذلك ولم يزيدوا على شرع الله شيئا من مستحسن العقول ، أما هو وأتباعه -بطريق الأولى- فهم أصحاب العقول الواسعة التي تشرع لأنفسها ولأتباعها كل ما يمليه عليه عقولهم و أهواؤهم الضالة المضلة0 ويكفي في الرد على مثل هذه المقولة ما قدمته لك في مقدمة هذا الرد ففيه الكفاية والبيان0
الرابعة: قوله: ( أين معاني الاتصال بمحبته ) لا ندري ماذا يقصد الجفري بقوله هذا ، هل يقصد اتصال الروح بالروح فهذا مذهب الاتحادية من الصوفية الباطلة ، إن حقيقة محبة الرسول صلى الله عليه وسلم هي: طاعته فيما أمر و اجتناب ما نهى عنه و زجر وأن لا يعبد الله إلا بما شرع0 فمن فعل هذا كانت محبته للرسول صلى الله عليه وسلم متصلة كاملة ومن أخل بها أخل بمحبة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فحقيقة المحبة الطاعة و الإتباع كما قال تعالى ( قل إن كنتم تحبون الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ) 0 [ آل عمران : 31]0
فيها ولادته 0ماهذا الكلام أهذه منزلته ]0
ونقول: ما زال الجفري -هداه الله- يقيس الأمور الشرعية بعقلة القاصر وذوقه الفاسد0
نعم الصحابة قدموا أرواحهم لله رخيصة ولإعلام كلمة التوحيد لا لمقام النبي محمد صلى الله عليه وسلم وآلا كانوا عابدين للرسول صلى الله عليه وسلم وحاشاهم من ذلك0
فإن كان الجفري يتأسف ويستكثر عدم إقامة المولد فإن الواجب عليه أن يتبع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فعلوا فيقف حيث وقفوا ، لا أن يبتدع عبادة من عقله ثم يقول :إذا لم نقدر أن نبذل الأرواح علينا أن نقيم الموالد0

قال الجفري: [ هو الذي يفرج عني وعنك في ذلك اليوم ، هو غياثنا في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة0بعد ذلك نشك في أن نفرح به أو لا نفرح0000]
هذا الكلام له وقفتان : الأولى:
نقول ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يشفع في أمته يوم القيامة _ والشفاعة أنواع _ ولكن هذه الشفاعة مشروطة بشرطين :
1- إذن الله للشافع0 2- رضى الله عن المشفوع له 0
قال تعالى: ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) [سورة البقرة:255]0
فلا أحد يشفع ابتداء إلا بعد أن يأذن الله له في الشفاعة 0
وقال الله تعالى : 0( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) أي لا أحد يشفع له إلا بعد أن يرضى الله قوله وعمله 0 ولا يكون ذلك إلا لأهل الإتباع لا أهل الإبتداع 0فمن غير وبدل وزاد على دين الله وشرع شرعا لم يشرعه الله ورسوله كمن ابتدع الموالد بلا دليل ولا برهان فقد حرم شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم وفي الحديث : ( إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك ) فيردون عن حوضه صلى الله عليه وسلم . فهل من ابتدع في دين الله _ ياجفري _ وزاد عبادة لم يأذن بها الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وادعى علما يعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا صحابته من بعده تصيبه شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ؟!
الثانية : قوله : [ هو غياثنا في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة ] إن قصد الجفري فيما يقدر عليه صلى الله عليه وسلم في حياته فلا اعتراض أما بعد موته صلى الله عليه وسلم فلا ، لأنه تقرر أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم مات كما يموت البشر فلا يستغاث به وإن أراد الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم في الحياة الدنيا كأن يقول : ( بحق نبيك ) يقسم على الله بأحد من مخلوقاته محذورين :
الأول : أنه اقسم بغير الله .
الثاني : اعتقد أن لأحد على الله حقا .
والوجهين باطلين ولقد أحسن القائل :
ما للعباد عليه حق واجب كلا ولا سعي لديه ضائع
إن عذبوا فبعدله أو نعموا فبفضله وهو الكريم الواسع
وأما قوله في البرزخ فهذا على معتقده الفاسد أن النبي صلى الله عليه وسلم يستجيب دعاء من يسأله وأنه يكشف الضر من دون الله وأنه يستغاث به بعد الممات .... إلخ وهذا باطل جدا لأن الله أرشدنا عند طلب القوت أن نطلبه منه سبحانه فقال تعالى ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم ) الأنفال :17 وقال تعالى : ( وهما يستغيثان الله ) الأحقاف :17 وما ورد في القرآن قوله تعالى : ( فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه ) القصص : 15 فهذا فيما يقدر عليه العبد أما مالا يقدر عليه إلا الله فلا يجوز طلبه إلا منه سبحانه وتعالى . وأما طلب الغوث من الرسول بعد موته فممنوع لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك غياثا لأحد بعد الموت . وأما قول الجفري [ ويوم القيامة ] فقد تقدم الرد عليه ضمن الوقفة الأولى مما يغني عن إعادته هنا .

قال الجفري : [ ثانيا : ما يجري داخل المولد : كل ما يحدث سنن ، فالمولد قراءة القرآن ، وصلاة على الحبيب صلى الله عليه وسلم هل يحتاج هذا إلى دليل من القرآن ؟ هل ذكر يا أيها الذين آمنوا كل واحد يصلي لحالوا _ لوحده_ على النبي صلى الله عليه وسلم بصوت منخفض . ولكن ذكر ( صلوا على النبي ) والواو هنا للجماعة والأصل فيه الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم جماعة فالصلاة دافع لهذا الأمر ، فيأتي سفيه العقل ويقول لا يجوز تصلون عليه إلا بالقلب فهذه أصول فتحت للتقرب إلى الله فلماذا نغلقها بهذه الأقوال ؟ ]
ونقول هذا القول يستدعي منا إلى وقفات لبيان باطله : الوقفة الأولى : قوله :[ إن كل ما يجري في المولد سنن ] باطل بل ما يحدث فيه من بدع ومحدثات وتقدم رد ذلك في أول كلامه أن المولد سنة مؤكدة . مما يغني عن إعادته هنا . وأما قوله : قراءة للقرآن وصلاة على الحبيب صلى الله عليه وسلم فنقول : إن قراءة القرآن الكريم مشروعة في كل وقت وهو من أعظم ما ذكر الله به سبحانه وتعالى كلامه جل وعلا وتخصيص ذلك في المولد في زمن معين بدعة في الدين ومن نوى بقراءة القرآن إقامة المولد مستحبا له فلا شك أن الابتداع متوفر فيه فاتخاذ ذلك عادة دائرة بدوران الأوقات مكروه لما فيه من تغيير الشريعة وتشبيه غير المشروع بالمشروع وقل مثل ذلك في الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ليس مخصوص بالمولد فقط بلهو عام ويتأكد في مواطن ذكرها المصطفى صلى الله عليه وسلم ولم يذكر منها المولد المزعوم المبتدع في الدين فمن تلك الأوقات يوم الجمعة كما في حديث ( من أفضل أيامكم يوم الجمعة .. إلى أن قال : فأكثروا علي من الصلاة فيه .... الحديث )وفي كل وقت كما في حديث ( من صلى علي واحدة صلى الله له بها عشرا ) وبعد سماع المؤذن كما في قوله صلى الله عليه وسلم ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ، ثم صلوا علي فإن من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا ) الحديث ، وعند التشهد الأخير من الصلاة ، وفي خطبتي الجمعة والعيدين وفي صلاة الجنازة وعند الدعاء والدخول للمسجد والخروج منه وعند ذكره صلى الله عليه وسلم .
والأحاديث بذلك أكبر شاهد لمن هداه الله وأراد به الخير وليس فيها حديث واحد ولو ضعيف أنه صلى الله عليه وسلم خص الصلاة عليه في هذا المولد المزعوم المبتدع ، فهل يعقل الجفري _ وأتباعه ومن سبقه _ دين الله فلا يقولوا على الله إلا ما يعلمون . أسأل الله تعالى أن يهدي قلوبهم إلى دينه وإلى سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم . آمين
وأما احتجاج الجفري بقوله تعالى ( ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) على مشروعية الصلاة والسلام على النبي محمد صلى الله عليه وسلم جماعة وبصوت مرتفع فهذا باطل وبيان ذلك في الآتي :
أولا :- ليس في الآية إشارة إلى ما ادعاه الجفري فيها إطلاق الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبالصفة التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه
ثانيا:- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى الدعاء له والدعاء من العبادة التي ينبغي أن تكون خفية لا معلنة كما قال تعالى : ( ادعوا ربكم تضرعا وخفية ) الأعراف :55 والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم من جنس ذلك ، هذا من جانب ومن جانب آخر الاجتماع للدعاء بصوت واحد مرتب بدعة لم يرد بها النص .
ثالثا :- لم ينقل عن أحد المفسرين الموثوقين أنهم فسروا هذه الآية بما فسره بها الجفري ، فيكون قوله هذا بدعة من القول لا مستدلة من القرآن ولا من السنة ولا من أقوال سلف هذه الأمة . وقول الجفري : ( فهذه أصول فتحت للتقرب إلى الله ... إلخ كلامه ) والسؤال يطرح نفسه هنا ، ما هذه الأصول ؟ هل هي من كتاب الله وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ؟ ثم من فتحها هل هو الله أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن الذي أغلقها حتى تفتح ؟ ؟!
أعجب كل العجب من رجل كالجفري يهرف بما لا يعرف ! ! يقول الله تبارك وتعالى : ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) الشورى :21 فالآية دالة على أن من ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله ، أو أوجبه بقوله أو فعله ، من غير أن يشرعه الله : فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله . ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذه شريكا لله . شرع له من الدين ما لم يأذن به الله . فهل ما يدعو إليه الجفري من إقامة الموالد أصل من أصول الدين ، فنحن نطالبه بنص من القرآن الكريم أو السنة الصحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم . ودون ذلك ودون ذلك خرط القتاد . وعليه فما بني على باطل فهو باطل .

قال الجفري [ أيضا نصلي عليه في الموالد وبعد الصلاة عليه تأتي السيرة النبوية ..... إلخ كلامه ]
ونقول : أولا :- إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة في كل وقت ولا شك في ذلك لكن تخصيصها في المولد بدعة مردودة . وقد تقدم الإشارة لمثل ذلك فيما سبق .
ثانيا : النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أمته بالاحتفال بمولده ولم يأمرهم بذكر مولده وشمائله ومعجزاته وسيرته وخصائله الكريمة في ليلة المولد بخصوصها ، بل هذا من البدع التي أحدثت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ستمائة سنة .
ثالثا :- معرفة مولد النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله ومعجزاته وسيرته وخصاله الكريمة متيسر لمن أراد الاطلاع على هذه الأمور ومعرفتها في أي وقت من الأوقات ، ولا يتقيد ذلك بوقت معين وعلى هيئة اجتماعية مبتدعة ، ومن يفعل ذلك فإنما هو سائر على طريقة سلطان إربل وما أحدثه من الاحتفال بالمولد واتخاذه عيدا يعتادون إقامته في كل عام .
رابعا : - أن الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم والتأسي به لا يتم إلا بتحقيق المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم والتمسك بسنته وتقديم هديه على هدي غيره فالإسلام مبني على أصلين عظيمين : أحدهما :- أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا .
الثاني : أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، لا نعبده بالأهواء والبدع . كما قال تعالى : ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ، إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا ) الجاثية :18،19 فليس لحد أن يعبد الله إلا بما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من واجب ومستحب ولا يعبده بالأمور المبتدعة .

قال الجفري : [ أيضا يحدث في المولد مدح الرسول صلى الله عليه وسلم . فعندما قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تطروني كما اطرت النصارى عيسى بن مريم ) أي لا تنظروا بمنظارهم حيث قالوا : المسيح ابن الله ، ثالث ثلاثة ، المسيح هو الله . أما أن نمدحه فهذا لا شيء فيه بل أجاز ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ، من الذي أعطى كعب بن زهير البردة ؟ أوليس الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال :
إن الرسول نور يستضاء به وصارم من سيوف الله مسلول
فألقى الرسول صلى الله عليه وسلم البردة . ]
ونقول مدح الرسول صلى الله عليه وسلم بما هو أهله لا معارضة فيه فقد قال صلى الله عليه وسلم لمن قال له : أنت سيدنا . فقال السيد الله فقلنا وأفضلنا فضلا ، وأعظمنا طولا ، فقال : قولوا بقولكم ، أو بعض قولكم ، ولا يستجرينكم الشيطان ) رواه أحمد وأبو داود لكن المعارضة في تفسير الجفري لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم فقد جاء بهذا المعنى من عند نفسه ليتخلص مما يفعله وأتباعه في تلك الموالد ومعنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا تطروني ..... الحديث ) الإطراء هو مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه ، فلا يغالى في مدحه كما غلت النصارى في عيسى عليه السلام فادعوا فيه الألهية وإنما يوصف - صلى الله عليه وسلم - بالعبودية كما وصفه ربه تبارك وتعالى فنقول عبد الله ورسوله . لكن أرباب الموالد أبوا ذلك وارتكبوا نهيه صلى الله عليه وسلم فظهر فهم الغلو والشرك في شعرهم ونثرهم ومصنفاتهم ، حتى جوزوا الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم في كل شيء من أمورهم وادعوا له صلى الله عليه وسلم علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله وما قول البوصيري عنا ببعيد فقد قال في بردته :
يا أكرم الخلق من لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
وهذا شرك ظاهر وقال :
إن لم يكن في معادي آخذا بيدي فضلا وإلا فقل يا زلة القدم
وقوله :
فإن من جودك الدنيا وحزتها ومن علومك علم اللوح والقلم
وهذا شرك ظاهر وقول البرعي :
يارسول الله ياذا الفضل يا بهجة في الحشر جاها ومقاما
عد على عبد الرحيم الملتجي بحمى عزك يا غوث اليتامى
وأقلني عثرتي يا سيدي في اكتساب الذنب في خمسين عاما
وهذا شرك ظاهر ، إلى غير ذلك مما فيه خروج عن الشرع في مدح النبي صلى الله عليه وسلم ، فهل بعد هذا الشرك شرك وهل يكف الجفري عن الخديعة والتلبيس على المسلمين في إيراد نصوص يستدل بها على باطله في جواز مدح الرسول صلى الله عليه وسلم بها ، إن حقيقة ما يقصده الجفري في دعوى مدح الرسول صلى الله عليه وسلم هو من جنس ما تقدم من قول البوصيري والبرعي وأشباههما فهل يقول مسلم أن ذلك توحيدا . حاشا وكلا .وأما مدح كعب بن زهير وحسان بن ثابت وغيرهما من شعراء التوحيد الخالص فلا غبار عليهم ولكن الغبار والشنار على من أشرك بالله تعالى ودعى إليه عامة المسلمين . والحاصل أن الشيطان أظهر لأصحاب الموالد هذا المدح الشركي في قالب محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وأظهر لهم التوحيد الإخلاص في قالب تنقصه ، فعكس أصحاب الموالد ما أراده الله ورسوله صلى الله عليه وسلم علما وعملا وارتكبوا ما نهى عنه ورسوله ، فالله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله .

قال الجفري [ وألف الحافظ في كتاب ( منح المدح ) ذكر فيه 119 من الصحابة مدحوا الرسول صلى الله عليه وسلم ومنهم عمه العباس بن عبد المطلب فقد ألف مولدا في القصيدة التي ألقاها فيها عشر أبيات منها الشاهد وهو :
( وأنت يوم ولدت أشرقت الأرض وأضاءت بالنور ]
ونقول : مدح الرسول صلى الله عليه وسلم بما هو أهله لا بأس به ولا معارضة وإنما المعارضة في وصفه بالصفات التي لا تكون إلا لله وحده وقد تقدم مثل ذلك والرد عليه مما يغني عن إعادته هنا . وما أشار إليه الجفري من مدح العباس - رضي الله عنه _ ووصف يوم مولده صلى الله عليه وسلم من إشراق الأرض وإضاءتها بالنور ليس فيه مشروعية إقامة المولد ولا احتجاج به في مشروعيته فكل ما في الأمر أن هذه الأكوان حصل منها ما حصل ، لا دلاله فيه على مشروعية إقامة المولد إلى أن قال الجفري : [ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عاد من غزوة من الغزوات ، جاءته جارية فقالت : إني نذرت أن أضرب الدف على رأسك إن سلمك الله . ومتى يكون الوفاء بالنذر واجب ؟ ! هل إذا كان الأمر معصية ، أم كان مكروها ، أم مباحا ، فلا يجب الوفاء بالنذر إلا إذا كان مندوبا وهنا قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( أوفي بنذرك ) رغم أن الدف مباح لكن لنه اقترن بالفرح لرسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح واجبا الوفاء به ]
ونقول وبالله التوفيق : الدخول في النذر عند جمهور أهل العلم مكروه وقد نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال : إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل ) فإن دخل فيه المسلم كان واجبا عليه الوفاء به ما لم يكن معصية لقوله صلى الله عليه وسلم من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن أن يعصيه فلا يعصه ) فإذا خلي النذر من محرم وكان في طاعة الله تعالى وجب الوفاء به ويمدح من فعله لقوله تعالى : ( يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ) الإنسان :7 ، وأما ما استشهد به الجفري من قصة المرأة الناذرة على إباحة الضرب بالدف أولا ثم جعله واجبا ثابتا لاقترانه بالفرح بالنبي صلى الله عليه وسلم فهو باطل :
أولا : - الكلام في صحة ثبوت هذه القصة قد ضعفها بعض أهل العلم وتكلموا في سندها فهي سندا لا تثبت .
ثانيا : القول بصحة الحديث فقد ورد في الحديث الذي استدل به الجفري _ ثم دخل عمر فألقت الدف تحت أستها ثم قعدت عليه ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم إن الشيطان ليخاف منك يا عمر ، إني كنت جالسا وهي تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب ، ثم دخل علي وهي تضرب ثم دخل عثمان وهي تضرب فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف ) رواه أبو داود فالحديث مع ما فيه مختلف فيه كما ترى . فمنهم من أجاز ومنهم من منع والمانعون من استخدام الدف يخصون مثل ذلك من عموم الأدلة الدالة على الجواز ويقولون أن استعمال الضرب بالدف مأذون فيه في مواطن منها : في العرسات : وهو من قبيل إعلان النكاح لا التلذذ بسماعه ومنها في الأعياد : وهو خاص بالجواري وأن يكن من غير المغنيات ومن ذلك أيضا عند القدوم من الغيبة التي هي محل النقاش هنا . ويقال أيضا : ورد في رواية الترمذي - رحمه الله - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : ( إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا ) فالرسول صلى الله عليه وسلم علق الضرب بالدف بالنذر ، وأهل المولد يضربون بالدف دائما ، ولم نسمع أن أهل المولد كلهم مطبقون على النذر بالضرب بالدف في الموالد ، وكما يلاحظ من نص الحديث كراهية النبي صلى الله عليه وسلم للضرب بالدف في قوله ( وإلا فلا ) أي لا تضربي بالدف فأين أهل المولد من هذا .
ويقال أيضا : الضرب بالدف من الأمور المباحة التي ورد بها النص فهي من قبيل المباحات التي أباحها الشارع .
أما أهل المولد فإنهم يتعبدون الله بالضرب بالدف ويتقربون إلى الله بمثل هذا العمل ، فالأصل في العبادات التوقيف وفي المباحات الحل ما لم يرد نص بالنهي عنه ، والضرب بالدف من هذا القبيل .ثم تهجم الجفري على أئمة الدين في هذا العصر فقال : [ اليوم ينكرون علينا هذا الشيء وهناك مناكر في الأمة لا أحد ينكر عليها ، ملأ الناس الكلام عن المولد ولم نسمع كلام عن الربا ]
ونقول أخطأت يا جفري بزعمك هذا ، فالعلماء ولله الحمد متوافدون بين المسلمين ممن عرف بالدين والعلم والاستقامة على شرع الله الموثوق بهم ، فهذه فتاواهم وأشرطتهم وكتبهم تعلن صراحة بحرمة الربا وتبين للأمة أنه محرم وكبيرة من كبائر الذنوب وأن من فعله فهو محارب لله تعالى ... وأما كون الجفري لم يسمع من ينكره فهذا راجع للجفري وحده لا يجوز له تعميم ذلك على الأمة ، فليس لأحد كائنا من كان أن يجهل علما بين المسلمين ثم يدعي جهل الآخرين له .

قال الجفري [ أيضا يوجد في الموالد الدعاء ، والقيام فرحا بخير الأنام صلى الله عليه وسلم ، وألف النووي فيه إثبات صحة القيام لأهل الفضل ، ويذكر الناس أن هذا العمل الذي نقوم به بدعة . فلم يقوم الصحابة بمثل هذا العمل من الترتيب ، فنقول : لم يكن الصحابة عندهم حفل تخرج لحفظة القرآن الكريم ، فلم يفعلوا مثل هذه الاحتفالات ، لم يكن عند الصحابة جامعات إسلامية ]
ونقول قول الجفري هذا يحتاج لوقفات :
الأولى :- قوله [ يوجد في المولد الدعاء ] تخصيص الدعاء في المولد من البدع فالله تعالى شرع لعباده الدعاء في كل وقت ولم يحدده بوقت معين قال تعالى : ( وقال ربكم ادعوني استجب لكم ) غافر:60 ، وقال : ( ادعوا ربكم تضرعا وخفيه ) الأعراف :55 وغيرها من الآيات الدالة على عموم دعاء رب العالمين في كل وقت .
الثانية :- قوله ( القيام فرحا لسيد الأنام صلى الله عليه وسلم ) وهذه من المحدثات في الدين الداخلة في عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلاله ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن القيام له وأخبر أن ذلك من فعل الأعاجم قال أبو أمامة الباهلي - رضي الله عنه - خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئا على عصا ، فقمنا إليه فقال : ( لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا وعن أنس - رضي الله عنه - قال : ( ما كان شخص أحب إليهم من النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك ) فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد كره القيام له ونهى عنه وأخبر أنه من فعل الأعاجم فكيف بالقيام عند ذكر ولادته وخروجه من الدنيا ، فهذا أولى بالنهي لجمعه بين البدعة والتشبه بالأعاجم
الثالثة : استدلاله بقول النووي رحمه الله في مسألة القيام وذكر أن النووي صحح القيام لأهل الفضل ... ) ونقول : تفريق النووي بين أهل الفضل والخير وغيرهم في مسألة القيام لا دليل عليه ، وفيما ذكر عن أبي إمامة الباهلي وقول أنس رضي الله عنهما أبلغ رد على من قال بهذا التفريق ، قال اسحاق بن ابراهيم : خرج أبو عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - على قوم في المسجد فقاموا له ، فقال لا تقوموا لأحد فإنه مكروه . وقيل لمالك - رحمه الله - الرجل يقوم للرجل له الفضل والفقه ، قال : أكره ذلك ولا بأس أن يوسع له في مجلسه .وأما قوله صلى الله عليه وسلم ( قوموا إلى سيدكم ) أي سعد بن معاذ رضي الله عنه عندما جاء ليحكم في بني قريضة ، إنما أمرهم بذلك لينزلوه عن الحمار ، لأنه كان مريضا بسبب الجرح الذي أصابه يوم الخندق ويشهد لهذا رواية أبو سعيد : فلما طلع على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( قوموا إلى سيدكم فأنزلوه ) فقال عمر : سيدنا الله عز وجل قال : فأنزلوه ) تخدش في الاستدلال بقصة سعد على مشروعية القيام المتنازع فيه )
الرابعة: قوله: [ لم يكن الصحابة عندهم حفل تخرج لحفظة القرآن000 ولم يكن عند الصحابة جامعات إسلاميه0]
ونقول: هذا الكلام من الجفري رد على من يفعل ذلك من أهل السنة والجماعة أتباع سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين0
فإقامة حفل لحفظة القرآن الكريم إنما هو من أجل تشجيع الحفظة على حفظ كتاب الله تعالى . وأي غضاضة في ذلك فهو لم يقرن بمحرم ولا بدعة زمانية ولا بدعة مكانية فهو من جنس المباحات التي أباحها الله 0ثم ما يحصل في حفل لحفظ كتاب الله مخالف تماما لما يحصل في المولد من البدع والمحدثات التي تقدم بيان شيء منها 0
وأما وجود الجامعات الإسلامية فهذه ليست بدعة فأصلها هو التعليم والرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه في المسجد ووجود المدارس والجامعات إنما هي لتنظيم العملية التعليمية لما يترتب على هذا التعليم من التخرج بعد التخصص والقيام بالأعمال المتنوعة كلا في تخصصه ولا يمكن أن يقول عاقل أن إنشاء الجامعات ابتداع في الدين0
ثم استدل الجفري بقصة على ان أهل المولد هم الدعاة إلى الله تعالى 0وملخص هذه القصة [أن هيئة تنصيرية قامت بتقديم الطعام والشراب لبعض المسلمين في قرية إندونيسية فتنصروا ولما جاء المولد أخذوا الدفوف ومدحوا الرسول صلى الله عليه وسلم .. ثم هددوا بقطع الطعام والشراب عنهم إذا لم ينتهوا عن مدح الرسول صلى الله عليه وسلم فرفضوا وعادوا للإسلام ... ] ونقول يا سبحان الله أمثل هذا يستدل به على أن أهل المولد هم الدعاة للإسلام ، أين العلم ؟ أين القرآن وتفسيره وحملته ؟ أين الحديث ورواته ؟ أين الدعوة غلى الله بالعلم الموروث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... كل هذا ليس له اعتبار عند الجفري إنما الاعتبار عنده في ضرب الدفوف ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم بما هو يتبرأ من صلى الله عليه وسلم . وهل يقال- يا جفري- كل من أجاد الضرب الدفوف وحفظ بعض القصائد الشركية في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم يكون داعية إلى الله ؟ !! لا أظن - حتى الجفري - سيجيب بنعم إلا اللهم من كان ثلاثة وذكر ( عن المجنون حتى يفيق ) فهل يفيق الجفري واتباعه من اتباع هذه البدع والمنكرات والقول على الله بغير علم .
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ولا يجعله متلبسا علينا فنضل .
و صلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحابته ومن اقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين

قاله كاتبه :
عادل بن علي الفريدان


[HR]

الرد على من أجاز الاحتفال بالمولد النبوي



الشيخ حامد بن عبدالله العلي


*** الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :

*** فقد أرسل إلي سائل ، اعتراضا لبعض المتحمسين لبدعة المولد ، على من يحرم هذه البدعة من العلماء المحققين ، وقد تضمن كلام المعترض ، خلطا في المسائل والدلائل ، وخروجا عن موضع النزاع ، واستدلالا بأمور لا يصح الاستدلال بها ، إما بسبب ضعف طريق الثبوت ، أو خطأ في وجه الدلالة ، مع ما في اعتراضه من الخروج عن حدود الأدب ، وادعاء أمور لم يقلها القائلون بأن المولد بدعة ، وهم عامة علماء أهل السنة.
ـــــــــــــــ
*** كما أوهم المعترض أن القائلين بتحريم المولد ، يتهمون من يفعل هذه البدعة ، بأنهم زنادقة ، لان أول من أحدث هذه البدعة هم زنادقة الباطنية الفاطميين .

*** مع أنه ليس ثمة تلازم بين الأمرين ، فكثير من العادات المنتشرة بين المسلمين اليوم ، أصلها من عادات النصارى ، وقد وقع فيها المسلمون ، كما ورد في الحديث قال صلى الله عليه وسلم ( لتتبعن سنن الذين من قبلكم ) متفق عليه من حديث أبى سعيد الخدري رضي الله عنه ، مع أنه لا يحكم على من قلد النصارى في تلك العادات بأنه صار نصرانيا ، فكذلك لا يحكم على من قلد زنادقة الفاطميين في بدعة المولد بأنه زنديق .

*** كما أنه لاتلازم بين وقوع الشخص في البدعة ، وكونه ضالا آثما ، فقد ذكر العلماء أن الفاضل قد يفعل البدعة ، ويكون مأجورا على نيته ، وحسن قصده ، معذورا بتأويله ، والبحث ليس في حكم من يفعل المولد ، وإنما في حكم فعله في حد ذاته ، هل هو موافق لقواعد الشرع ، متفق مع نصوصه ، أم بدعة وإحداث في الدين ، وأما الحكم على فاعله ، فهذا قد يكون مأجورا ، وقد يكون مأزورا ، وقد يكون معذورا بجهله ، وقد يكون رجلا صالحا أخطأ في اجتهاده ، وقد يكون زنديقا ، فليس البحث في هذا أصلا.

*** كما قال شيخ الإسلام ابن تيميه : ( وكذلك ما يحدثه بعض الناس ، إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام ، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيما له ، والله قد يثيبهم على المحبة والاجتهاد ، لا على البدع : من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدا مع اختلاف الناس في مولده ، فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له ، وعدم المانع منه ، ولو كان هذا خيرا محضا ، أو راجحا ، لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا ، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له منا ) اقتضاء الصراط 295

*** ومن عجائب المعترض أنه زعم أن الإمام ابن كثير أثنى على أحد الملوك لعمله المولد ، ثم جعل ثناء ابن كثير عليه ، مناقضا لقول من قال من العلماء إن أول من أحدث الاحتفال بالمولد النبوي هم الزنادقة الفاطميون العبيديون في المائة الرابعة .

قال المعترض : قال ابن كثير : ("..الملك المظفر أبو سعيد كوكيري، أحد الأجواد والسادات الكبراء والملوك الأمجاد، له آثار حسنة (وانظر إلى قوله آثار حسنة) وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً، وكان مع ذلك شهما ً شجاعاً فاتكاًعاقلاً عالماً عادلاً، رحمه الله وأحسن مثواه.." إلى ان قال "..وكان يصرف في المولد ثلاثمائة ألف دينار" اهـ.
فانظر رحمك الله إلى هذا المدح والثناء عليه من ابن كثير إذ أنه وصفه بأنه
عالم، عادل، شهم ، شجاع، إلى قوله : رحمه الله وأحسن مثواه، ولم يقل: زنديق، فاجر، فاسق، مرتكب الفواحش والموبقات ) انتهى كلام المعترض .

*** والجواب : أن الإمام ابن كثير في كتابه البداية والنهاية ، ينقل التاريخ ، ولايعني نقله لحدث تاريخي ، أنه يقر ما فيه ، وأما ثناؤه على صفات الملك الحميدة ، فلا يتناقض مع كون المولد بدعة ، فالشخص قد يجمع بين الصواب و الخطأ ، والسنة والبدعة .

*** وهذا الملك (كوكبري) كانت لديه بدع أخرى أيضا ، كما قال ابن كثير في المصدر نفسه ( ويعمل للصوفية سماعا من الظهر إلى الفجر يرقص بنفسه معهم ) انتهى ، مع ما له أيضا من الخير والإحسان والبر والجهاد .

*** هذا مع أنه قد يمدح بعض الملوك أو السلاطين لاعمال يقومون بها ، هي مذمومة لو فعلها غيرهم ، والبدعة قد يفعلها جهلة الملوك ، بحسن قصد ، فيثابون على قصدهم الحسن ، وإن كان ما فعلوه بدعة يجب النهي عنها .

*** كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس ، ويكون له فيه أجر عظيم ، لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما قدمت لك أنه يحسن من بعض الناس ، ما يستقبح من المؤمن المسدد ، ولهذا قيل للإمام أحمد عن بعض الأمراء : إنه أنفق على مصحف ألف دينار ، ونحو ذلك فقال دعه ، فهذا أفضل ما أنفق فيه الذهب ، أو كما قال ، مع أن مذهبه : أن زخرفة المصاحف مكروهة ، وقد تأول بعض الأصحاب أنه انفقها في تجديد الورق والخط ) اقتضاء الصراط ص 297

*** فحتى لو فرض أن الإمام ابن كثير أثنى على الملك الذي احتفل بالمولد ، فلما يتضمنه ذلك من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم ومحبته ، وهذا قليل في الملوك ، فحسن من هذا الوجه الثناء به على ذلك الملك ، وإن كان قد يستقبح من المؤمن المسدد ، مع أن هذا لايعني إقرار الإمام ابن كثير بدعة المولد ، بل ثناؤه كان على حسن قصد الملك ، لا على بدعة المولد .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
***هذا وقد اتفق السلف الصالح على ذم البدع ، والنهي عنها والتحذير منها ، وأما ما ورد عن بعض الصحابة أو العلماء من استحسان بعض البدع ، فالمقصود الإطلاق اللغوي ، وليس المعنى الشرعي .

*** وقال ابن رجب ( فكل من أحدث شيئا ونسبه إلى الدين ، ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه ، فهو ضلالة والدين بريء منه ، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة ، وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع ، فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية ، فمن ذلك قول عمر ـ رضي الله عنه ـ لما جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد وخرج ورآهم يصلون كذلك ، فقال : ( نعمت البدعة هذه ) جامع العلوم والحكم ص 252

*** وقال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : ( كل ما لم يشرع من الدين فهو ضلاله ، وما سمي بدعة ، وثبت حسنه ، بأدلة الشرع فأحد الأمرين فيه لازم ، إما أن يقال ليس ببدعة في الدين ، وإن كان يسمى بدعة من حيث اللغة كما قال نعمت البدعة هذه ) مجموع الفتاوى 10/471 ـ 22/
234
*** وقال الشاطبي في معرض رده على المستحسن للبدع بقول عمر رضي الله عنه ، فقال ( إنما سماها بدعة باعتبار ظاهر الحال من حيث تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتفق أن لم تقع في زمان أبي بكر رضي الله عنه ، لأنها بدعة في المعنى ) الاعتصام 1/195

*** وكذلك قصد الشافعي عندما قال ( المحدثات من الأمور ضربان : ما أحدث يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا ، فهذه البدعة ضلالة ، وما أحدث لا خلاف فيه لواحد من هذا ، فهذه محدثة غير مذمومة ـ قد قال عمر رضي الله عنه في قيام رمضان نعمت البدعة هذه ، يعني إنها محدثة لم تكن ، وإن كانت فليس فيها رد لما مضى ) ابن عساكر في تبيين كذب المفتري ص 97

*** يقصد البدعة في اللغة ، وليس الإحداث في الدين ، ويدل على هذا أن الإمام الشافعي نفسه يقول ( وهذا يدل على أنه ليس لاحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول إلا بالاستدلال إلى أن قال : ولا يقول بما استحسن ، فإن القول بما استحسن شيء يحدثه لا على مثال سبق ) الرسالة 504

*** وأما الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله ، الذي قسم البدع إلى خمسة أقسام واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة ، فهو إنما نظر إلى العمل من حيث وجه الإحداث فيه ، وكونه أمرا مبتدأ ، سواء كان عبادة أو غيرها ، ولهذا فقد أدخل المصالح المرسلة في هذا التقسيم .

*** وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( كل بدعة ضلالة ) قاعدة كلية عامة تستغرق ، جميع جزيئات وأفراد البدع ، لان لفظ كل من الفاظ العموم ، وقد ذكر أهل اللغة أن فائدة لفظ كل هو رفع احتمال التخصيص إذا جاء مضافا إلى نكره ، أو جاء للتأكيد.

*** ولان كل عند أهل اللغة والأصول لاتدخل إلا على ذي جزئيات وأجزاء ، ومدلولها في الموضعين الإحاطة بكل فرد من الجزئيات أو الأجزاء .

***ولأنها إذا أضيفت إلى نكره كما في قوله تعالى : ( كل امرئ بما كسب رهين ) و( كل شيء فعلوه في الزبر ) و( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ) و( كل نفس ذائقة الموت ) فإنها تدل على العموم المستغرق لسائر الجزئيات وتكون نصا في كل فرد دلت عليه تلك النكرة ، مفردا كان أو تثنية أو جمعا ، ويكون الاستغراق للجزئيات بمعنى أن الحكم ثابت لكل جزء من جزيئات النكرة ، وإذا طبقنا هذا على حديث ( كل بدعة ضلالة ) فإنه يعني أنه لايمكن أن تخرج أي بدعة عن وصف الضلال ، كما لاتخرج أي نفس عن كونها ذائقة الموت ، وكل إنسان عن كونه طائره في عنقه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
***وأما ما نقله المعترض من أن بعض العلماء قسموا البدع إلى حسنة وسيئة على غير معنى اللغوي بالبدعة ، فلاحجة في قول أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، بل الحجة في كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك احتجاجه بقول من قال بجواز الاحتفال بالمولد ـ مثل الإمام السيوطي وغيره ـ لاحجة فيه ، بل هو مخالف للأدلة ، وما كان عليه الصحابة ، والقرون المفضلة ، ولا يلزم من ذلك الطعن على من أجازه من العلماء ، ورميهم بالبدعة والضلالة ، كما تقدم إيضاح ذلك.
ـــــــــــــــــــ
***والبدع أقســــــــــــــــام :
@ منها بدع اعتقادية : كإنكار القدر وتعطيل الصفات أو تأويلها ، وجعل الإيمان مجرد القول والاعتقاد ونحو ذلك .
@ ومنها بدع قلبيه : كالخوف من صاحب القبر الفلاني ، ورجائه أو الخشية منه ونحو ذلك .
@ ومنها بدع قوليه : كالذكر المبتدع عند الصوفية ودعاء الموتى والاستغاثة بالمقبورين ونحو ذلك .
@ ومنها بدع بدنية : كصلاة الرغائب ، والجثو أو السجود للولي الفلاني ، وقصد المشاهد والمقامات المبتدعة ، وإقامة الموالد ونحو ذلك .
@ ومنها بدع مالية : كإخراج الخمس للإمام عند الرافضة والإسماعيلية والإنفاق على بناء الأضرحة وتشييدها ونحو ذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــــ
*** ومن عجائب ما ذكره المعترض ، أنه قرر أن كل ما له أصل في الشرع ، فلا يكون بدعة بحال من الأحوال ، وهذا يعود بالأبطال على قول النبي صلى الله عليه وسلـــــم ( كل بدعة ضلالة ) لان غالب أصحاب البدع إنما يستدلون بما له أصل في الشرع ، ولكنهم ينزلون النصوص غير منازلها ، كما قال تعالى ( يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ) .
ــــــــــــــــــــــــ
*** ومن الأمثلة على هذا ما أحدثته الطرق الصوفية من الأذكار والصلوات التي ما أنزل الله بها من سلطان ، زاعمين أن أصل ذلك موجود في الشرع ، وهو الآيات والأحاديث التي ندبت إلى ذكر الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .

@ فأحدثوا صلاة احمد البدوي : ( اللهم صل على نور الأنوار، وسر الأسرار ، وترياق الاغيار ) أفضل الصلوات ص 84
@ وصلاة الدسوقي : ( اللهم صل على الذات المحمدية ، اللطيفة الاحدية ، شمس سماء الأسرار ، ومظهر الأنوار ، ومركز مدار الجلال ، وقطب فلك الجمال ) المصدر السابق ص 85
@ وصلاة محي الدين بن عربي : ( اللهم أفض صلة صلواتك ، على أول التعينات المفاضة من العماء الرباني ، وآخر التنزلات المضافة إلى النوع الإنساني ، المهاجر من مكة ، كان الله ولم يكن معه شيء ثاني .... ) المصدر السابق 86
@ وصلاة الشاذلي ، وصلاة البكري ، والصلوات الزاهرة ( اللهم صل على الجمال الأنفس ، والنور الأقدس ، والحبيب من حيث الهوية ، والمراد في اللاهوتية .. ) المصدر السابق ص 131
ــــــــــــــــــــــــــــ
*** وهكذا فتحوا الباب لكل بدعة وبلاء ، فابتدعت كل طائفة المحدثات ، وضيعوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، بين تلك الأهواء .

***وابتدعو لهم طرقا صوفية ، اتخذوا فيها دين الله تعالى هزوا ولعبا ، وصار ذكر الله تعالى ، صياح وزعيق كزعيق المجانين ، مثل الطريقة النقشبدنية التي أحدثت أسرع طريقة ذكر للوصول إلى الجذبة ( أي يجذبه الله تعالى إليه ) وخلاصتها : يدير المريد وجهه إلى اليمين حتى يصبح ذقنه فوق كتفه اليمنى ، ويلفظ كلمة ( لا ) ثم يدير وجهه بسرعة إلى الإمام ويضع ذقنه على صدره ، ويلفظ كلمة إله ، ثم يدير وجهه بسرعة أيضا إلى اليسار ، حتى تكون ذقنه فوق كتفه اليسرى ، ويلفظ كلمة إلا ، ثم يدير وجهه بسرعة دائما ، إلى الإمام ويضع ذقنه فوق صدره ، ويلفظ كلمة الله ، ويعيد الكرة ، ويقولون إن القيام بهذه العملية واحدا وعشرين مرة ، يمكن يوصل إلى الجذبة !!
ـــــــــــــــــــــــــ
***ثم زادوا البدع ، فأحدثوا الذكر مع الرقص ، ولهذا فالصوفية تنقسم إلى قسمين :
@الصوفية الجالسة .
@ والصوفية الراقصة .
***والصوفية الجالسة تنقسم إلى قسمين :
@ الجالسة الصامتة .
@ والجالسة الصائته .

*** فالصامتة يقرؤون أورادهم جلوسا صامتين ، كالنقشبندية والخوفية ، وقد يجهرون بعض الاحيان ، وقد يقفون حسب توجيه الشيخ .

*** والصائته ، يقرؤون أصواتهم جلوسا مع الجهر بالصوت ، كالتيجانية والنعمتللاهية ، وقد يقفون ويرقصون حسب توجيهات الشيخ .

*** وأما الصوفية الراقصة ، وعليها أكثر الطرق ، وكلها صائته ، فهم يبدؤون الحضرة في اكثر الاحيان جلوسا ، ثم ينهضون للقفز والرقص ، وقد يصاحب قفزهم الطبول والزمور والدفوف .

*** وأحدثت كل طريقة من الطرق ، أساليب مبتكرة للرقص والذكر ، وانتشر الأمر عليهم ، وكثرة الطرق وتفرعت ، وتحولت إلى ضلالات وظلمات بعضها فوق بعض.

*** وكل هذا من شؤم البدع ، وما جلبته على المسلمين من الضلال المبين .
ــــــــــــــــــــــــــ
*** والمقصود أن المعترض زعم أن الصحابة رضي الله عنهم قد زادوا في الدين أمورا ، مستدلا بذلك على أن الزيادة فيه جائزة ، مما يفتح باب كل بدعة وضلالة ، فيزاد في الدين ، وينقص ، ويبدل بغير ضابط ، سوى ظن المبتدع أن فعله راجع إلى أصل شرعي ، وكفى بهذا الصنيع ضلالا مبينا .

*** وقد احتج بأن الصديق رضي الله عنه جمع المصحف ، بأن عثمان رضي الله عنه ، زاد الأذان الثالث يوم الجمعة ، وأن عمر رضي الله عنه أخر مقام إبراهيم ، وأن عليا رضي الله عنه انشأ صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من عند نفسه ، وأن ابن عمر رضي الله عنهما زاد البسملة في التشهد ، وزاد في التلبية ألفاظا ، وأن ابن مسعود رضي الله عنه زاد بعد (ورحمة الله وبركاته) في التشهد ( السلام علينا من ربنا ) .

*** والجواب :
أما جمع الصديق رضي الله عنه للمصحف ، و زيادة عثمان رضي الله عنه لاذان الجمعة وتأخير عمر رضي الله عنه للمقام ، فإن هذه سنة الخلفاء الراشدين المهديين ، الذين أمرنا بالأخذ بسنتهم ، فالأخذ بسنتهم أخذ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فهي مكملة لها ، فرع عليها ، كما قال صلى الله عليه وسلم ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ) رواه أحمد والترمذي وأبو داود من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه .

*** وقد جاء في المدونة ( في قطع شجر الحرم ) كتاب الحج : ( قال مالك : بلغني أن عمر رضي الله عنه لما ولي حج ودخل مكة آخر المقام إلى موضعه ، الذي هو فيه اليوم ، وكان ملتصقا بالبيت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وعهد أبي بكر وقبل ذلك ، وكان قدموه في الجاهلية مخافة أن يذهب به السيل ، فلما ولي عمر أخرج أخيوطه كانت في خزانة الكعبة ، قد كانوا قاسوا بها ما بين موضعه وبين البيت ، إذ قدموه مخافة السيل ، فقاسه عمر ، فأخره إلى موضعه اليوم ، فهذا موضعه الذي كان في الجاهلية وعلى عهد إبراهيم عليه السلام ) انتهى

*** فعلى هذه الرواية يكون عمر رضي الله عنه قد رد المقام إلى ما كان عليه في زمن إبراهيم عليه السلام ، وقد ذكر العلماء أنه أخره رضي الله عنه لئلا يطأه الناس بأقدامهم ، ولتوسعة المكان للطائفين .

*** وأما ما ورد عن ابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما في صيغ التشهد ، فهذا إن صح إسناده ، فهو في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، والعلماء متفقون على أن جواز كل التشهدات التي وردت عن الصحابــــة ، لأنها كلها ـ إن صح الإسناد ـ محمولة على سماعها من النبي صلى الله عليه وسلم ، لان أفعال الصلاة وأقوالها توفيقية ، وما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم في ذلك مع صحة إسناده ، فهو داخل في هذه القاعدة ، وليس هو من الإحداث في الدين .

*** ومعلوم أن الصحابة كانوا أشد الناس حرصا على الائتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل أقواله وأفعاله ، فكيف بالصلاة التي هي أعظم أركان الدين ، فكانوا لا يفعلون شيئا فيها إلا اقتداء به صلى الله عليه وسلم .

*** والعجب من استدلال المعترض بأن الصحابة زادوا على صيغ التشهد ، على جواز الزيادة في الدين ، فهل هو يجيز لكل من يشتهي إضافة صيغة تشهد ، أن يضيفها إلى كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، فتصبح أقوال الصلاة نهبا للأهواء ؟! فهذا مخالف لاجماع العلماء ، ويقتضي بطلان فائدة قول النبي صلى الله عليه وسلم ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) رواه البخاري وغيره من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه .

*** وأما زعمه المعترض أن عليا رضي الله عنه أنشأ صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من عند نفسه ، وعلمها الناس ، فلا يصح ذلك عنه رضي الله عنه ، مع أنه ـ حتى لو صح ـ فإن ما يعلمه الصحابة للتابعين ، في الأمور التي لامدخل للعقل فيها ، هو في حكم الرفع ، أي محمول على سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا أمر متقرر لانزاع فيه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
*** هذا وقد سبق أن أرسل سائل سؤالا قال فيه : لماذا صار الاحتفال بالمولد بدعة لانه لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، مع أن تنقيط المصحف أيضا لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن بدعة ، أرجو بيان الفرق ؟

*** والجواب :
*** من المعلوم أن السنة في تعريف العلماء هي ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو ترك ، وزاد من زاد من العلماء الصفة الخلقية والخلقيه ، وتفصيل ذلك في كتب الأصول ومصطلح الحديث .

*** وهل الترك من الفعل ، فيه خلاف ، وبعض العلماء يجعل الترك من الفعل ، لان الترك لا يكون سنة إلا إذا كان مقصودا ، وهو الكف عن فعل الشيء ، والكف فعل ، لانه امتناع مع قصد ، ولهذا قيل الأصح أن يقال الكف ، لأنه ترك يتضمن قصدا ، وليس مجرد الغفلة عن فعل الشيء.

*** والكف عن فعل شيء ، لا يتحقق إلا بعد وجود الداعي إلى فعله ، فيكف الإنسان عن فعله ، فيدل على أنه تركه عمدا ، قاصدا لتركه .

*** فإذا كان هذا النوع من التروك من النبي صلى الله عليه وسلم ، كان من سنته ، لان سنته هي فعل ما فعل ، وترك ما تركه قاصدا تركه مع قيام الداعي إلى فعله .

*** لكنه إن كان في أمور العادات ، فلا يستدل بالترك على التحريم ، بل على الإباحة ، أما إن كان في شأن العبادة ، فإن الترك يدل على تحريم الفعل ، لان الأصل في العبادات التوقيف ، فقد دلت النصوص على أن الله تعالى لا يعبد إلا بما شرع ، وسيأتي إيضاح هذه النقطة .

هذا إذا تركه مع وجوده في زمن النبوة ، وتوفر الداعي إلى فعله ، أما إن لم يتوفر الداعي إلى فعله ، أو لم يكن موجودا في زمنه صلى الله عليه وسلم ، فلا يكون مجرد تركه صلى الله عليه وسلم سنة .

*** مثل تركه الطواف في الطابق الثاني في الحج ، ومثل تركه مكبرات الصوت للآذان ، فالأول لم يتوفر الداعي إلى فعله ، والثاني لم يكن موجودا في زمنه ، ولهذا لم يكن فعل هذا ، أو ذاك ، بدعة .
ــــــــــــــــــــــ
*** وبهذا يعلم أنه إن كان الفعل الذي تركه صلى الله عليه وسلم ، في شؤون العبادة ، فإن تركه إياه يدل على أنه لم يؤذن له في التعبد لله تعالى به ، وتعبدنا به إذن ، هو البدعة التي قال صلى الله عليه وسلم عنها ( وإياكم ومحدثات الأمور فإن كـــــل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه ، وقال ( من أحدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها .
ـــــــــــــــــــ
*** فالبدعة هي التعبد لله تعالى بما ليس على هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك يكون ـ أعني وقوع التعبد على غير الهدي النبوي ـ بفعل ما تركه النبي قاصدا تركه ، مع قيام الداعي إلى فعله .

*** أوترك ما فعله صلى الله عليه وسلم قاصدا بفعله التقرب إلى الله تعالى وبيان حدود العبادة .

*** فالقسم الأول هو : فعل ما تركه صلى الله عليه وسلم قاصدا مع قيام الداعي إلى فعله في شؤون العبادة .

***والقسم الثاني : ترك ما فعله صلى الله عليه وسلم تقربا إلى الله تعالى مبينا حدود العبادة .

***ومن الأمثلة على الأول إضافة ألفاظ إلى الأذان ، حتى لو كانت أذكارا مستحبة ، كإضافة التسبيح والتحميد ، أو إضافة ( أشهد أن عليا ولي الله ) أ و ( حي على خير العمل ) كما تفعل الرافضة ، أو إضافة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم جهرا مع قول المؤذن ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذلك ، مع وجود الداعي إلى فعله ، ولكنه تركه ، فعلمنا أنه غير متعبد به ، وأن فعله يصدق عليه أنه إحداث في الدين .

***ومن الأمثلة أيضا إحداث أذان لصلاة العيد ، أو لصلاة الكسوف ، ونحو ذلك .

***ومن الأمثلة على الثاني أي ترك ما فعله صلى الله عليه وسلم ، إنقاص الأذان بترك بعض ألفاظه .

***وقد يجتمع في البدعة ، فعل وترك ، وذلك في تغيير هيئة العبادة عما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم .

***مثل ترك الخطبة بعد صلاة العيد ، وفعلها قبل صلاة العيد ، كما فعل مروان بن الحكم ، كما روى أبو داود (أخرج مروان المنبر في يوم عيد فبدأ بالخطبة قبل الصلاة فقام رجل فقال يا مروان خالفت السنة أخرجت المنبر في يوم عيد ولم يكن يخرج فيه وبدأت بالخطبة قبل الصلاة فقال أبو سعيد الخدري من هذا قالوا فلان بن فلان فقال أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رأى منكرا فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) ورواه مسلم ( ‏أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة ‏ ‏مروان ‏ ‏فقام إليه رجل فقال الصلاة قبل الخطبة فقال قد ترك ما هنالك فقال ‏ ‏أبو سعيد ‏ ‏أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) وهو في صحيح البخاري بألفاظ أخرى .

***ففي هذه المثال ، فعلت بدعتان ، بدعة ترك ، وبدعة فعل ، بدعة ترك الخطبة بعد صلاة العيد ، وبدعة فعلها قبل صلاة العيد .

***ولهذا قال من قال من العلماء إنه ما من بدعة إلا وتميت سنة ، لأنها تثمر ترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم أيضا .

***والحاصل أن ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود الداعي إلى فعله في زمنه ، في شؤون العبادة ، فإنما تركه لبيان حدود العبادة ، وهو من تمام بيانه الذي ذكره الله تعالى في قوله (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إلا لتبين لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) ، وحينئذ فلا يجوز فعله ، وهو من معنى الإحداث في الدين .

***أما ما تركه لانه لم يكن ثمة داع إلى فعله ، أو كان من قبيل الوسائل التي لا تقصد بذاتها ، فلا يكون فعله من باب الإحداث في الدين .

***ومثال الأول ترك النبي صلى الله عليه و سلم جمع القرآن مكتوبا في الصحف ، لانه لم يكن ثمة حاجة إليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد كان الحفاظ متوافرين ، والقرآن محفوظ في صدورهم .

***وإنما جاءت الحاجة في زمن الصديق ، كما روى البخاري :

***أن ‏ ‏زيد بن ثابت ‏ ‏رضي الله عنه ‏‏ أرسل إلي ‏ ‏أبو بكر ، ‏ ‏مقتل ‏ ‏أهل ‏ ‏اليمامة ‏، ‏فإذا ‏ ‏عمر بن الخطاب ‏ ‏عنده ، قال ‏ ‏أبو بكر ‏ ‏رضي الله عنه ، ‏ ‏إن ‏ ‏عمر ‏ ‏أتاني فقال إن القتل قد ‏ ‏استحر ‏ ‏يوم ‏ ‏اليمامة ‏ ‏بقراء القرآن، وإني أخشى أن ‏ ‏يستحر ‏ ‏القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن ، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن ، قلت ‏ ‏لعمر ‏ ‏كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏، ‏قال ‏ ‏عمر ‏ ‏هذا والله خير فلم يزل ‏ ‏عمر ‏، ‏يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ، ورأيت في ذلك الذي رأى ‏ ‏عمر ، ‏ ‏قال ‏ ‏زيد ‏ ‏قال ‏ ‏أبو بكر ‏ ‏إنك رجل شاب عاقل ، لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏، ‏فتتبع القرآن فاجمعه فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن قلت كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏، ‏قال هو والله خير فلم يزل ‏ ‏أبو بكر ‏ ‏يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر ‏ ‏أبي بكر ‏ ‏وعمر ‏ ‏رضي الله عنهما ‏، ‏فتتبعت القرآن أجمعه من ‏ ‏العسب ‏ ‏واللخاف ‏ ‏وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع ‏ ‏أبي خزيمة الأنصاري ، ‏ ‏لم أجدها مع أحد غيره ‏( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم ) حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند ‏ ‏أبي بكر ‏ ‏حتى توفاه الله ثم عند ‏ ‏عمر ‏ ‏حياته ثم عند ‏ ‏حفصة بنت عمر ‏ ‏رضي الله عنه .

***وإنما لم يكن جمع القرآن في الصحف بدعة، لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يتركه كفا عن فعله قاصدا التعبد لله تعالى بذلك ، وإنما تركه لانه لم يكن ثمة داع لفعله في زمنه صلى الله عليه وسلم ، فلم يكن فعله بعد النبي صلى الله عليه وسلم بدعة إذن .

***قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : ( البدعة في الدين هي مالم يشرعه الله ورسوله ، وهو مالم يأمر به أمر إيجاب ولا استحباب ، فأما ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب وعلم الأمر بالأدلة الشرعية ، فهو من الدين الذي شرعه الله ـ إلى أن قال ـ سواء كان هذا مفعولا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو لم يكن ) مجموع الفتاوى 4/107ـ 108

***وقال أيضا : ( السنة هي ما قام الدليل الشرعي عليه بأنه طاعة لله ورسوله ، سواء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فعل على زمانه ، أو لم يفعله ولم يفعل على زمانه ، لعدم المقتضي حينئذ لفعله أو وجود المانع منه ، ...... فما سنه الخلفاء الراشدون ليس بدعة شرعية ينهى عنها ، وإن كان يسمى في اللغة بدعة فكونه ابتدئ ) مجموع الفتاوى 21/317ـ 319

***ومثل هذا تنقيط المصحف ، فإن القرآن كان محفوظا في الصدور في زمن النبوة ، وكان يقرؤه العرب الفصحاء بسليقتهم لا يحتاجون إلى تنقيط ، ولم يكن ثمة داع لتنقيطه ، لانه لم يكن مجموعا في صحف أصلا ، وإنما احتيج إلى تنقيط المصحف بعد ذلك ، عندما انتشرت العجمة ، وقل في الناس حفظ القرآن في الصدور ، ولهذا فإن تنقيطه عند قيام الحاجة إلى ذلك ، لا يكون بدعة .

***وأيضا فإنه وسيلة لتصحيح القراءة ، وباب الوسائل غير توقيفي ، فيجوز استعمال الوسائل التي تحقق مقاصد الشريعة ، حتى لو لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، مثل مكبرات الصوت للآذان والصلاة ، ومثل نقل العلوم الشريعة بوسائل الاتصال الحديثة ، ومثل استعمال لغة الإشارة لتفهيم الصم تعاليم الإسلام ، ونحو ذلك من الوسائل الكثيرة التي لا تحصى ، والتي لا يقصد بها التعبد بذاتها على أنها عبادة ، وإنما تتخذ وسائل فحسب ، وكلما طرأت وسيلة أفضل منها تركت سابقتها ، مما يدل على أنه لا يقصد التعبد بها لذاتها ، فمثل هذا لا يدخل في باب الابتداع في الدين .
ــــــــــــــــــــــــ
***وهذا بخلاف الاحتفال بالمولد ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم تركه مع إمكان فعله في زمنه ، ووجود الداعي إلى ذلك ، فلم يكن أحد يحب النبي صلى الله عليه وسلم كما يحب الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك لم يشرع لهم الاحتفال بمولده ، فدل على أنه قصد هذا الترك ، وأن فعله بدعة .

***وقد شرع لهم التعبد لله تعالى بتعظيم عيد الأضحى والفطر ويوم الجمعة ، كما شرع لهم أيضا ترك التعبد بتعظيم يوم الثاني عشر من ربيع الأول ، أو تخصيصه بشيء من العبادات ، فالواجب اتباع هديه في الأمرين ، في الفعل والترك .

***وهذا مــــــن تمام الائتساء به ، كما قال تعالى ( ولكم في رسول الله أسوة حسنة ) وقال تعالى ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) .

*** مع أنه تكرر عليه يوم مولده منذ بعثته ، ثلاث وعشرون مرة ، في ثلاث وعشرين سنة ، مدة رسالته صلى الله عليه وسلم ، غير أنه لم يحتفل ولا مرة واحدة بمولده صلى الله عليه وسلم .

***ثم جاء الخلفاء الراشدون ، فتركوا أيضا الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم ، ومضى على هذا الترك القرون المفضلة ، حتى جاء الفاطميون الباطنيون الرافضة فأحدثوا هذه البدعة ، فهم أول من أحدث بدعة الاحتفال بالمولد النبوي ، فكيف تقاس هذه البدعة ، على مسألة تنقيط المصحف ، وما بينهما كما بين المشرقين .

***وكيف ندع ـ ليت شعري ـ هدي النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ، وصحابته الكرام ، ونستبدله ببدعة أحدثتها أضل فرقة ، فحق للعقلاء إن فعلنا ذلك ، أن يتمثلوا فينا بقول الشاعر :

نزلوا بمكة في قبائل هاشم *** ونزلت بالبيداء أبعد منزل

***والخلاصة : أن بدعة الاحتفال بالمولد النبوي ، محدثة على غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما تنقيط المصحف فوسيلة لتعليم القراءة الصحيحة ، ولم تفعل في زمنه صلى الله عليه وسلم لعدم الحاجة إليها ، وليس لان النبي صلى الله عليه وسلم قد تركها قاصدا ذلك ، تعبدا لله تعالى بتركها .

***وأخيرا نختم بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، وقد بين فيه أن دين الإسلام ، قائم على أصلين .

قال :
فَصْلٌ : الْعِبَادَاتُ مَبْنَاهَا عَلَى الشَّرْعِ وَالاتِّبَاعِ لا عَلَى الْهَوَى وَالابْتِدَاعِ
فَإِنَّ الإسلام مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ .
وَالثَّانِي : أَنْ نَعْبُدَهُ بِمَا شَرَعَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا نَعْبُدَهُ بالأهواء وَالْبِدَعِ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمر فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُون ، إنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ...الآية )
وَقَالَ تَعَالَى : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه )
. فَلَيْسَ لاحَدِ أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ إلا بما شَرَعَهُ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَاجِبٍ وَمُسْتَحَبٍّ لا يَعْبُدُهُ بالأمور الْمُبْتَدَعَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ العرباض بْنِ سَارِيَةَ " قَالَ " التِّرْمِذِيُّ " : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ . وَفِي مُسْلِمٍ " أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ : ) خَيْرُ الْكَلامِ كَلامُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرُّ الأمور مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ (انتهى كلام شيخ الإسلام .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

المصدر موقع الشيخ حامد العلى حفظه الله تعالى

[HR]

الرد على شبهات من أجاز الاحتفال بالمولد



أبو معاذ


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ،
أما بعد :
فإن من البدع المنتشرة بين أوساط كثير من الناس ؛ ما يمسى بالاحتفال بالمولد النبوي ، وقد كتب كثير من أهل العلم قديما وحديثاً عدة كتب ورسائل وفتاوى في التحذير من هذه البدعة ؛ فجزاهم الله خير الجزاء على ما بينوا ونصحوا .
ولقد وفقني الله عزوجل ـ وله الحمد والمنة ـ في جمع بعض الفوائد التي وقفت عليها والمتعلقة بالرد على الشبهات التي يثيرها من يقول بجواز الاحتفال بالمولد.
فأحببت نشر ما قمت بجمعه ، لعل يكون في ذلك فائدة لي ولمن يطلع عليه .
سائلاً الله أن يجعل أعمالي خالصة لوجهه الكريم ، موافقه لسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
وأرجو ممن كان عنده ملاحظة أو فائدة ألا يبخل بها على أخيه وجزاكم الله خيراً.
وصلى الله على نبينا وقدوتنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

للحصول على البحث
صيد الفوائد.
اضافة رد مع اقتباس