مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 08/07/2009, 02:41 AM
سامي صعب يتكرر سامي صعب يتكرر غير متواجد حالياً
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 28/03/2008
مشاركات: 809
Lightbulb تفسير سورة القصص (1)

تفسير سورة القصص

وهي مكية
‏[‏1ـ3]‏ ‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {‏طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏}‏ إلى آخر القصة
‏{‏تِلْكَ‏}‏ الآيات المستحقة للتعظيم والتفخيم ‏{‏آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ‏}‏ لكل أمر يحتاج إليه العباد، من معرفة ربهم، ومعرفة حقوقه، ومعرفة أوليائه وأعدائه، ومعرفة وقائعه وأيامه، ومعرفة ثواب الأعمال، وجزاء العمال، فهذا القرآن قد بينها غاية التبيين، وجلَّاها للعباد، ووضحها‏.‏
ومن جملة ما أبان، قصة موسى وفرعون، فإنه أبداها، وأعادها في عدة مواضع، وبسطها في هذا الموضع فقال‏:‏ ‏{‏نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ‏}‏ فإن نبأهما غريب، وخبرهما عجيب‏.‏
‏{‏لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏}‏ فإليهم يساق الخطاب، ويوجه الكلام، حيث إن معهم من الإيمان، ما يقبلون به على تدبُّر ذلك، وتلقِّيه بالقبول والاهتداء بمواقع العبر، ويزدادون به إيمانا ويقينا، وخيرا إلى خيرهم، وأما من عداهم، فلا يستفيدون منه إلا إقامة الحجة عليهم، وصانه اللّه عنهم، وجعل بينهم وبينه حجابا أن يفقهوه‏.‏
فأول هذه القصة ‏{‏إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ‏}‏ في ملكه وسلطانه وجنوده وجبروته، فصار من أهل العلو فيها، لا من الأعلين فيها‏.‏
‏{‏وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا‏}‏ أي‏:‏ طوائف متفرقة، يتصرف فيهم بشهوته، وينفذ فيهم ما أراد من قهره، وسطوته‏.‏
‏{‏يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ‏}‏ وتلك الطائفة، هم بنو إسرائيل، الذين فضلهم اللّه على العالمين، الذين ينبغي له أن يكرمهم ويجلهم، ولكنه استضعفهم، بحيث إنه رأى أنهم لا منعة لهم تمنعهم مما أراده فيهم، فصار لا يبالي بهم، ولا يهتم بشأنهم، وبلغت به الحال إلى أنه ‏{‏يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ‏}‏ خوفا من أن يكثروا، فيغمروه في بلاده، ويصير لهم الملك‏.‏
‏{‏إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ‏}‏ الذين لا قصد لهم في إصلاح الدين، ولا إصلاح الدنيا، وهذا من إفساده في الأرض‏.‏
‏{‏وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ‏}‏ بأن نزيل عنهم مواد الاستضعاف، ونهلك من قاومهم، ونخذل من ناوأهم‏.‏ ‏{‏وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً‏}‏ في الدين، وذلك لا يحصل مع استضعاف، بل لا بد من تمكين في الأرض، وقدرة تامة، ‏{‏وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ‏}‏ للأرض، الذين لهم العاقبة في الدنيا قبل الآخرة‏.‏
‏{‏وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ‏}‏ فهذه الأمور كلها، قد تعلقت بها إرادة اللّه، وجرت بها مشيئته، ‏{‏و‏}‏ كذلك نريد أن ‏{‏نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ‏}‏ وزيره ‏{‏وَجُنُودَهُمَا‏}‏ التي بها صالوا وجالوا، وعلوا وبغوا ‏{‏مِنْهُمْ‏}‏ أي‏:‏ من هذه الطائفة المستضعفة‏.‏ ‏{‏مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ‏}‏ من إخراجهم من ديارهم، ولذلك كانوا يسعون في قمعهم، وكسر شوكتهم، وتقتيل أبنائهم، الذين هم محل ذلك، فكل هذا قد أراده اللّه، وإذا أراد أمرا سهل أسبابه، ونهج طرقه، وهذا الأمر كذلك، فإنه قدر وأجرى من الأسباب ـ التي لم يشعر بها لا أولياؤه ولا أعداؤه ـ ما هو سبب موصل إلى هذا المقصود‏.‏
فأول ذلك، لما أوجد اللّه رسوله موسى، الذي جعل استنقاذ هذا الشعب الإسرائيلي على يديه وبسببه، وكان في وقت تلك المخافة العظيمة، التي يذبحون بها الأبناء، أوحى إلى أمه أن ترضعه، ويمكث عندها‏.‏
‏{‏فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ‏}‏ بأن أحسست أحدا تخافين عليه منه أن يوصله إليهم، ‏{‏فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ‏}‏ أي نيل مصر، في وسط تابوت مغلق، ‏{‏وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ‏}‏ فبشرها بأنه سيرده عليها، وأنه سيكبر ويسلم من كيدهم، ويجعله اللّه رسولا‏.‏
وهذا من أعظم البشائر الجليلة، وتقديم هذه البشارة لأم موسى، ليطمئن قلبها، ويسكن روعها، فإنها خافت عليه، وفعلت ما أمرت به، ألقته في اليم، فساقه اللّه تعالى‏.‏
‏{‏فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ‏}‏ فصار من لقطهم، وهم الذين باشروا وجدانه، ‏{‏لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا‏}‏ أي‏:‏ لتكون العاقبة والمآل من هذا الالتقاط، أن يكون عدوا لهم وحزنا يحزنهم، بسبب أن الحذر لا ينفع من القدر، وأن الذي خافوا منه من بني إسرائيل، قيض اللّه أن يكون زعيمهم، يتربى تحت أيديهم، وعلى نظرهم، وبكفالتهم‏.‏
وعند التدبر والتأمل، تجد في طي ذلك من المصالح لبني إسرائيل، ودفع كثير من الأمور الفادحة بهم، ومنع كثير من التعديات قبل رسالته، بحيث إنه صار من كبار المملكة‏.‏
وبالطبع، إنه لا بد أن يحصل منه مدافعة عن حقوق شعبه هذا، وهو هو ذو الهمة العالية والغيرة المتوقدة، ولهذا وصلت الحال بذلك الشعب المستضعف ـ الذي بلغ بهم الذل والإهانة إلى ما قص اللّه علينا بعضه ـ أن صار بعض أفراده، ينازع ذلك الشعب القاهر العالي في الأرض، كما سيأتي بيانه‏.‏
وهذا مقدمة للظهور، فإن اللّه تعالى من سنته الجارية، أن جعل الأمور تمشي على التدريج شيئا فشيئا، ولا تأتي دفعة واحدة‏.‏
وقوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ‏}‏ أي‏:‏ فأردنا أن نعاقبهم على خطئهم ونكيد هم، جزاء على مكرهم وكيدهم‏.‏
فلما التقطه آل فرعون، حنَّن اللّه عليه امرأة فرعون الفاضلة الجليلة المؤمنة ‏"‏ آسية ‏"‏ بنت مزاحم ‏"‏ وَقَالَتِ ‏"‏ هذا الولد ‏{‏قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ‏}‏ أي‏:‏ أبقه لنا، لِتقرَّ به أعيننا، ونستر به في حياتنا‏.‏
‏{‏عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا‏}‏ أي‏:‏ لا يخلو، إما أن يكون بمنزلة الخدم، الذين يسعون في نفعنا وخدمتنا، أو نرقيه منزلة أعلى من ذلك، نجعله ولدا لنا، ونكرمه، ونجله‏.‏
فقدَّر اللّه تعالى، أنه نفع امرأة فرعون، التي قالت تلك المقالة، فإنه لما صار قرة عين لها، وأحبته حبا شديدا، فلم يزل لها بمنزلة الولد الشفيق حتى كبر ونبأه اللّه وأرسله، فبادرت إلى الإسلام والإيمان به، رضي اللّه عنها وأرضاها‏.‏
قال اللّه تعالى هذه المراجعات ‏[‏والمقاولات‏}‏ في شأن موسى‏:‏ ‏{‏وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ‏}‏ ما جرى به القلم، ومضى به القدر، من وصوله إلى ما وصل إليه، وهذا من لطفه تعالى، فإنهم لو شعروا، لكان لهم وله، شأن آخر‏.‏
ولما فقدت موسى أمه، حزنت حزنا شديدا، وأصبح فؤادها فارغا من القلق الذي أزعجها، على مقتضى الحالة البشرية، مع أن اللّه تعالى نهاها عن الحزن والخوف، ووعدها برده‏.‏
‏{‏إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ‏}‏ أي‏:‏ بما في قلبها ‏{‏لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا‏}‏ فثبتناها، فصبرت، ولم تبد به‏.‏ ‏{‏لِتَكُونَ‏}‏ بذلك الصبر والثبات ‏{‏مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ فإن العبد إذا أصابته مصيبة فصبر وثبت، ازداد بذلك إيمانه، ودل ذلك، على أن استمرار الجزع مع العبد، دليل على ضعف إيمانه‏.‏
‏{‏وَقَالَتِ‏}‏ أم موسى ‏{‏لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ‏}‏ أي‏:‏ اذهبي ‏[‏فقصي الأثر عن أخيك وابحثي عنه من غير أن يحس بك أحد أو يشعروا بمقصودك فذهبت تقصه‏}‏ ‏{‏فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ‏}‏ أي‏:‏ أبصرته على وجه، كأنها مارة لا قصد لها فيه‏.‏

وهذا من تمام الحزم والحذر، فإنها لو أبصرته، وجاءت إليهم قاصدة، لظنوا بها أنها هي التي ألقته، فربما عزموا على ذبحه، عقوبة لأهله‏.


تفسير السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن)

اللهم يامقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
اضافة رد مع اقتباس