مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 28/06/2001, 03:57 AM
الشيخ سعد البريك الشيخ سعد البريك غير متواجد حالياً
داعية
تاريخ التسجيل: 11/06/2001
مشاركات: 4
السمر في حياة شبابنا



يسعى كل واحد منا يومياً في مناكب الأرض إعماراً لها طاعةً لله ، وإعمالاً
لمواهبه إنتاجاً وإبداعــاً، والبـعـض يضرب في طلب الرزق أجواء الفضاء،
وآخرون يركبون متون البحار والأنهار يعملون وكلهم يرجون التوفيق للأفضل
والتقدم نحو الأرقى والأنفع في دينه ودنياه .
والأمة التي تجعل العمل من مقـومـــــات وجودها، وهدفاً أساساً لها في الحياة
لن تحصد ـ بفضل الله ثم بعملها ـ إلا مجداً باهـــراً، وازدهاراً ساطعاً،
وحُق لأمة هذا شأنها أن تكون لها سويعات ترفيه ، وأوقات راحة تخلد فيها إلى
الهدوء، أو تركن إلى صحبة تتعاطى معها نشاطاً ذهنياً أو رياضياً يتجدد من
خلالـه نشاطها، وتتنمى عبره مواهب قد لا يتمكن العاملون من إشباعها أوقات
العمل ، وبهذا تكون الحياة السوية سمواً عبر العطاء، ومثاقفة بناءة في ساعات
الترويح والاسترخاء.
هناك فئة مباركة من المسلمين حولوا ساعات العمل إلى زيادة في رصيد حسناتهم
ورفعة لدرجاتهم ، وهؤلاء هم العلماء والدعاة وأهل الخير الذين ليس لهم همٌّ
ولا عمل إلا إرشاد الخلق إلى الحق وتحبيبه إليهم .
كـمـا أنه يوجد من حوّل ساعات الترفيه والاسترخاء إلى وجه آخر من وجوه الحضور
للمسلم المنتمي إلى عصره ومجتمعه انتماء مشاركة وتعاون على البر والتقوى ،
وتفكُّر وتَدبُّر في كـــل دقيقة كيف يملأها بما يكفل له عائداً مُجزياً
ومردوداً مُربِحاً ، يقـضي ساعات راحته مع فئة من الناس تتبسط بغير استهتار،
وتتحادث بغير إسفاف ، لا تسقط الحياء في لهوها، تتهادى الكلمة الطيبة كما
يتهادى الناس أطايب الطعام ، مقتدين في ذلك بسيد الخلق ( حين كان يسمر عند
أبي بكر ( وجلُّ حديثه في مصالح المسلمين وأحوالهم .
إن مثل هذه النـمــاذج الـمـبـاركـــة جعلت من لقاءات الترفيه والسمر مدارس
تبث الكلمة النافعة، وتضخ الخبرة الناضجة لجلسائها، فهمت الترفيه فهماً
حقيقياً ، وجعلت منه محطة استجمام واستعداد لاستئناف العبادة بنفس أقوى
وبنشاط أكبر ، كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول : إن هذه النفوس تحمض أي
تسأم فأسمعونا من أشعار العرب وأخبارهم ، فيتجدد بذلك نشاطه ونشاط طلبته .
وإن المتأمل في أحوال شبابنا فسيُذهله كثرة ما يرى من نماذج أخذت تنحوا منحىً
خاطئاً في السمر والترفيه ، مضيعةً بذلك أعمارها ومهدرةً طاقاتها، مفضلة
العيش في الحـضـيـض ، وإخوانهـم من شياطين الجن والإنس يمدونهم بالغي ثم لا
يقصرون، يوهمونهم أنهم يحسنون صنعـاً، وأنهم في قلب الحياة، والحق أنهم لم
يدخلوها إلا بشهواتهم ، ولم يحضروا إلا في أطرافها النائية ، ارتضوا من
الغنيمة بالإياب ، ومن الحياة بالفتات ، ممثلين بذلك نتاج الثقافة الزائفة
والتربية السيئة .
- فهموا الترفيه على أنه تحررٌ من المسؤولـيـة، وتحللٌ من الفضيلة ، مرددين
مقولة جاهلية ومأثورة شيطانية : "ساعة لك وساعة لربك" ، وغاب عنهم قول الحق
تعالى { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} .
- فهموا الترفيه على أنه التجاءٌ إلى رفقة سوءٍ رأت فـي الحـيــاة عـبءاً،
والـعمـر هماً جاثماً على الصدر، فتفننت في التخلص منهما، والتحلل من
مستلزماتهما ، ونسوا قول أشفق الخلق عليهم :" لن تزول قدما عبد يوم القيامة
حتى يُسأل عن أربع : عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه وعن ماله من أين
اكتسبه وفيم أنفقه وعن علمه ماذا عمل به " .
- فهموا الترفيه على أنه عكوفٌ بين يدي متحدث عليم اللسان ، فارغ الجنان ،
اختزل الـحـيـــاة بساقط النكات والقهقهة العابثة التي رأت في سخف القول
والعمل سقفاً للعيش ، ومضماراً للهو والطيش ، وفي هذا يقول النبي ( :" ويل
للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ، ويل له ويل له " . رواه أحمد وأبو داود .
- فـهـموا الترفـيه على أنه هروب من الأسرة وحقها وتحلل من مسؤولياتها ، لا
يصغي سمعاً لأفـكـار ورؤى أبنائــــــه وبناته ، بل يتركهم والكلمات محتبسة
في صدورهم ، والأسئلة تدور في عقولهم ، يغيب عنهم وعـــن زوجته ليحل محله يأس
طاغ ، أو رفيق سوء باغ ، أو جلوس إلى قنوات فضائية تتسمَّر أعـيـنـهـم فـي
صورها، يلتهمون سمها الزعاف وفكرها القاتل ، وقد تناسى هذا الأب أنَّ رعاية
الأسرة مسؤولية يسأل عنها يوم القيامة ، قال ( :" كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن
رعيته ، فالرجل راعٍ ومسؤول عن رعيته .. " متفق عليه .
- فهموا الترفيه على أنه استقالة من معالي الأمور، وانتحارٌ بطيئٌ وغير مباشر
من تبعات الحياة ، حـتـى صــــاروا يفضلون الاستراحة على البيت ، ويقدمون
روادها على الأسرة ، ويرون الحياة الفارغة من كــل التزام أولى من الحياة
الجادة التي تتحقق بها سعادة البشرية ، حتى إن بعضهم يعيش بلا دور سوى حضور
باهت على هامش الحياة معطلاً فيه عقله ، معلقـاً رجولته بخيوط العجز
واللامبالاة، مؤكداً حضوره بتثاؤب مكدود، عيناه باتتا موانئ للذباب ، وروحه
ملاعب لجيوش اليأس والإحباط ، يحسب أنما خُلق عبثاُ بلا غاية ولا حكمة !!
{ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون ؟ فتعالى الله الملك
الحق }.
- فهموا الترفيه على أنه مرتع للسخـريــة اللاذعة من الإصلاح والمصلحين،
والجد والجادين، لم يروا فيه فرصاً لرفـعـــــةٍ إلى مستويات الجد من خلال
الاهتمام بشؤون المسلمين ، أو من خلال جمع بعض المال لفك أزمة مأزوم ، أو
بالتداول في طرائق النصح لمنحرف ضل الطريق ، ولو أنهم فعلوا ذلك لكـانـت
أوقـــات الـتـرفـيـه استمراراً لأوقات الجد واستكمالاً لساعات العمل .
إذا كان الناس يتداعون لشهود صلاة الجنازة على ميت مات ، فما هو العمل إزاء
شريحة كبيرة مـن أفــــراد الأمـــــة ماتوا وهم أحياء وأصبحوا حاضرين
غائبين، همَّشوا أنفسهم وهمَّشتهم ثقافة الإقصاء التي تجرعوها عبر القنوات
المضللة والكتابات الفاسدة التي لا هدف لها سوى تخريب عقولهم وتغييب حضورهم
وتدمير طاقاتهم .
فلا بد لهؤلاء أن ينتفضوا انتفاضة نفسية وعقلية لمواجهة النزف والهدر في
أوقاتهم وطاقاتهم ، والانقياد للحق لأن الأمة لن تقدر على نهضة جادة وفي
خواصرها جروحٌ نازفـــةٌ يـأســـاً، راعفةٌ إحباطاً، هاذرةٌ في الملمات ،
هائمةٌ في وقت الحاجة الماسة إلى التركيز .
اضافة رد مع اقتباس