مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 18/06/2009, 12:25 AM
سامي صعب يتكرر سامي صعب يتكرر غير متواجد حالياً
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 28/03/2008
مشاركات: 809
Lightbulb تفسير سورة لقمان (5)

وذكر تعالى حال الناس، عند ركوبهم البحر، وغشيان الأمواج كالظل فوقهم، أنهم يخلصون الدعاء ‏[‏للّه‏}‏ والعبادة‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ‏}‏ انقسموا فريقين‏:‏
فرقة مقتصدة، أي‏:‏ لم تقم بشكر اللّه على وجه الكمال، بل هم مذنبون ظالمون لأنفسهم‏.‏
وفرقة كافرة بنعمة اللّه، جاحدة لها، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ‏}‏ أي غدار، ومن غدره، أنه عاهد ربه، لئن أنجيتنا من البحر وشدته، لنكونن من الشاكرين، فغدر ولم يف بذلك، ‏{‏كَفُور‏}‏ بنعم اللّه‏.‏ فهل يليق بمن نجاهم اللّه من هذه الشدة، إلا القيام التام بشكر نعم اللّه‏؟‏
‏[‏33‏]‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ‏}‏
يأمر تعالى الناس بتقواه، التي هي امتثال أوامره، وترك زواجره، ويستلفتهم لخشية يوم القيامة، اليوم الشديد، الذي فيه كل أحد لا يهمه إلا نفسه فـ ‏{‏لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا‏}‏ لا يزيد في حسناته ولا ينقص من سيئاته، قد تم على كل عبد عمله، وتحقق عليه جزاؤه‏.‏
فلفت النظر في هذا لهذا اليوم المهيل، مما يقوي العبد ويسهِّل عليه تقوى اللّه، وهذا من رحمة اللّه بالعباد، يأمرهم بتقواه التي فيها سعادتهم، ويعدهم عليها الثواب، ويحذرهم من العقاب، ويزعجهم إليه بالمواعظ والمخوفات، فلك الحمد يا رب العالمين‏.‏
‏{‏إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ‏}‏ فلا تمتروا فيه، ولا تعملوا عمل غير المصدق، فلهذا قال‏:‏ ‏{‏فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا‏}‏ بزينتها وزخارفها وما فيها من الفتن والمحن‏.‏
‏{‏وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ‏}‏ الذي هو الشيطان، الذي ما زال يخدع الإنسان ولا يغفل عنه في جميع الأوقات، فإن للّه على عباده حقا، وقد وعدهم موعدا يجازيهم فيه بأعمالهم، وهل وفوا حقه أم قصروا فيه‏.‏
وهذا أمر يجب الاهتمام به، وأن يجعله العبد نصب عينيه، ورأس مال تجارته، التي يسعى إليها‏.‏
ومن أعظم العوائق عنه والقواطع دونه، الدنيا الفتانة، والشيطان الموسوس الْمُسَوِّل، فنهى تعالى عباده، أن تغرهم الدنيا، أو يغرهم باللّه الغرور ‏{‏يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا‏}‏
‏[‏34‏]‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ‏}‏
قد تقرر أن اللّه تعالى أحاط علمه بالغيب والشهادة، والظواهر والبواطن، وقد يطلع اللّه عباده على كثير من الأمور الغيبية، وهذه ‏[‏الأمور‏}‏ الخمسة، من الأمور التي طوى علمها عن جميع المخلوقات، فلا يعلمها نبي مرسل، ولا ملك مقرب، فضلا عن غيرهما، فقال‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ‏}‏ أي‏:‏ يعلم متى مرساها، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً‏}‏ الآية‏.‏
‏{‏وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ‏}‏ أي‏:‏ هو المنفرد بإنزاله، وعلم وقت نزوله‏.‏
‏{‏وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ‏}‏ فهو الذي أنشأ ما فيها، وعلم ما هو، هل هو ذكر أم أنثى، ولهذا يسأل الملك الموكل بالأرحام ربه‏:‏ هل هو ذكر أم أنثى‏؟‏ فيقضي اللّه ما يشاء‏.‏
‏{‏وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا‏}‏ من كسب دينها ودنياها، ‏{‏وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ‏}‏ بل اللّه تعالى، هو المختص بعلم ذلك جميعه‏.‏
ولما خصص هذه الأشياء، عمم علمه بجميع الأشياء فقال‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ‏}‏ محيط بالظواهر والبواطن، والخفايا والخبايا، والسرائر، ومن حكمته التامة، أن أخفى علم هذه الخمسة عن العباد، لأن في ذلك من المصالح ما لا يخفى على من تدبر ذلك‏.‏


تم تفسير سورة لقمان بفضل اللّه وعونه، والحمد للّه‏.‏


تفسير السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن)


استغفر الله وأتوب اليه
اضافة رد مع اقتباس