مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 12/06/2009, 02:48 PM
سامي صعب يتكرر سامي صعب يتكرر غير متواجد حالياً
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 28/03/2008
مشاركات: 809
Lightbulb تفسير سورة السجده(3)


‏[‏22‏]‏ ‏{‏وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ‏}‏
أي‏:‏ لا أحد أظلم، وأزيد تعديًا، ممن ذكر بآيات ربه، التي أوصلها إليه ربه، الذي يريد تربيته، وتكميل نعمته على أيدي رسله، تأمره، وتذكره مصالحه الدينية والدنيوية، وتنهاه عن مضاره الدينية والدنيوية، التي تقتضي أن يقابلها بالإيمان والتسليم، والانقياد والشكر، فقابلها هذا الظالم بضد ما ينبغي، فلم يؤمن بها، ولا اتبعها، بل أعرض عنها وتركها وراء ظهره، فهذا من أكبر المجرمين، الذين يستحقون شديد النقمة، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ‏}‏
‏[‏23 ـ 25‏]‏ ‏{‏وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ‏}‏
لما ذكر تعالى، آياته التي ذكر بها عباده، وهو‏:‏ القرآن، الذي أنزله على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذكر أنه ليس ببدع من الكتب، ولا من جاء به، بغريب من الرسل، فقد آتى الله موسى الكتاب الذي هو التوراة المصدقة للقرآن، التي قد صدقها القرآن، فتطابق حقهما، وثبت برهانهما، ‏{‏فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ‏}‏ لأنه قد تواردت أدلة الحق وبيناته، فلم يبق للشك والمرية، محل‏.‏
‏{‏وَجَعَلْنَاهُ‏}‏ أي‏:‏ الكتاب الذي آتيناه موسى ‏{‏هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ‏}‏ يهتدون به في أصول دينهم، وفروعه وشرائعه موافقة لذلك الزمان، في بني إسرائيل‏.‏
وأما هذا القرآن الكريم، فجعله اللّه هداية للناس كلهم، لأنه هداية للخلق، في أمر دينهم ودنياهم، إلى يوم القيامة، وذلك لكماله وعلوه ‏{‏وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ‏}‏
‏{‏وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ‏}‏ أي‏:‏ من بني إسرائيل ‏{‏أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا‏}‏ أي‏:‏ علماء بالشرع، وطرق الهداية، مهتدين في أنفسهم، يهدون غيرهم بذلك الهدى، فالكتاب الذي أنزل إليهم، هدى، والمؤمنون به منهم، على قسمين‏:‏ أئمة يهدون بأمر اللّه، وأتباع مهتدون بهم‏.‏
والقسم الأول أرفع الدرجات بعد درجة النبوة والرسالة، وهي درجة الصديقين، وإنما نالوا هذه الدرجة العالية بالصبر على التعلم والتعليم، والدعوة إلى اللّه، والأذى في سبيله، وكفوا أنفسهم عن جماحها في المعاصي، واسترسالها في الشهوات‏.‏
‏{‏وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ‏}‏ أي‏:‏ وصلوا في الإيمان بآيات اللّه، إلى درجة اليقين، وهو العلم التام، الموجب للعمل، وإنما وصلوا إلى درجة اليقين، لأنهم تعلموا تعلمًا صحيحًا، وأخذوا المسائل عن أدلتها المفيدة لليقين‏.‏
فما زالوا يتعلمون المسائل، ويستدلون عليها بكثرة الدلائل، حتى وصلوا لذاك، فبالصبر واليقين، تُنَالُ الإمامة في الدين‏.‏
وثَمَّ مسائل اختلف فيها بنو إسرائيل، منهم من أصاب فيها الحق، ومنهم من أخطأه خطأ، أو عمدًا، واللّه تعالى ‏{‏يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ‏}‏ وهذا القرآن يقص على بني إسرائيل، بعض الذي يختلفون فيه، فكل خلاف وقع بينهم، ووجد في القرآن تصديق لأحد القولين، فهو الحق، وما عداه مما خالفه، باطل‏.‏
‏[‏26 ـ 27‏]‏ ‏{‏أَوَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ‏}‏
يعني‏:‏ أولم يتبين لهؤلاء المكذبين للرسول، ويهدهم إلى الصواب‏.‏ ‏{‏كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ‏}‏ الذين سلكوا مسلكهم، ‏{‏يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ‏}‏ فيشاهدونها عيانًا، كقوم هود، وصالح، وقوم لوط‏.‏
‏{‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ‏}‏ يستدل بها، على صدق الرسل، التي جاءتهم، وبطلان ما هم عليه، من الشرك والشر، وعلى أن من فعل مثل فعلهم، فُعِلَ بهم، كما فُعِلَ بأشياعه من قبل‏.‏
وعلى أن اللّه تعالى مجازي العباد، وباعثهم للحشر والتناد‏.‏ ‏{‏أَفَلَا يَسْمَعُونَ‏}‏ آيات اللّه، فيعونها، فينتفعون بها، فلو كان لهم سمع صحيح، وعقل رجيح، لم يقيموا على حالة يجزم بها، بالهلاك‏.‏
‏{‏أَوَ لَمْ يَرَوْا‏}‏ بأبصارهم نعمتنا، وكمال حكمتنا ‏{‏أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ‏}‏ التي لا نبات فيها، فيسوق اللّه المطر، الذي لم يكن قبل موجودًا فيها، فيفرغه فيها، من السحاب، أو من الأنهار‏.‏ ‏{‏فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا‏}‏ أي‏:‏ نباتًا، مختلف الأنواع ‏{‏تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ‏}‏ وهو نبات البهائم ‏{‏وَأَنْفُسهمْ‏}‏ وهو طعام الآدميين‏.‏
‏{‏أَفَلَا يُبْصِرُونَ‏}‏ تلك المنة، التي أحيا اللّه بها البلاد والعباد، فيستبصرون فيهتدون بذلك البصر، وتلك البصيرة، إلى الصراط المستقيم، ولكن غلب عليهم العمى، واستولت عليهم الغفلة، فلم يبصروا في ذلك، بصر الرجال، وإنما نظروا إلى ذلك، نظر الغفلة، ومجرد العادة، فلم يوفقوا للخير‏.‏
‏[‏28 ـ 30‏]‏ ‏{‏وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ‏}‏
أي‏:‏ يستعجل المجرمون بالعذاب، الذي وعدوا به على التكذيب، جهلاً منهم ومعاندة‏.‏
‏{‏وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ‏}‏ الذي يفتح بيننا وبينكم، بتعذيبنا على زعمكم ‏{‏إِنْ كُنْتُمْ‏}‏ أيها الرسل ‏{‏صَادِقِينَ‏}‏ في دعواكم‏.‏
‏{‏قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ‏}‏ الذي يحصل به عقابكم، لا تستفيدون به شيئًا، فلو كان إذا حصل، حصل إمهالكم، لتستدركوا ما فاتكم، حين صار الأمر عندكم يقينًا، لكان لذلك وجه، ولكن إذا جاء يوم الفتح، انقضى الأمر، ولم يبق للمحنة محل فـ ‏{‏لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ‏}‏ لأنه صار إيمان ضرورة، ‏{‏وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ‏}‏ أي‏:‏ يمهلون، فيؤخر عنهم العذاب، فيستدركون أمرهم‏.‏
‏{‏فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ‏}‏ لما وصل خطابهم إلى حالة الجهل، واستعجال العذاب‏.‏ ‏{‏وَانْتَظِرْ‏}‏ الأمر الذي يحل بهم، فإنه لا بد منه، ولكن له أجل، إذا جاء لا يتقدم ولا يتأخر‏.‏ ‏{‏إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ‏}‏ بك ريب المنون، ومتربصون بكم دوائر السوء، والعاقبة للتقوى‏.‏


تم تفسير سورة السجدة ـ بحول اللّه ومنه فله تعالى كمال الحمد والثناء والمجد‏.‏


تفسير السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن)

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
ولاتنسوا قراءة سورة الكهف يوم الجمعه
اضافة رد مع اقتباس