السعادة الحقيقية أين توجد فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام" "الأنعام 125" أفادنا عبدالله ابن مسعود أن الرسول عليه الصلاة والسلام تلا هذه الآية فقالوا له "يا رسول الله ما هذا الشرح؟ قال: "نور يقذف به في القلب" قالوا: يا رسول الله فهل لك من أمارة تعرف؟ قال: نعم قالوا: وما هي؟ قال: "الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والإستعداد للموت قبل الموت". أخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير وذكره ابن كثير. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا دخل الإيمان القلب انفسح له القلب وانشرح" وهناك روايات عديدة في هذا.
والإنابة الرجوع إلى الله بالتوبة، وفي التنزيل "منيبين إليه" " الروم 31" أي راجعين إلى ما أمر به، غير خارجين عن شيء من أمره وقوله عزّ وجلّ "وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له" " الزمر 54" أي توبوا إليه وارجعوا، وقيل إنها نزلت في قوم فتنوا في دينهم الإسلام فأعلم الله عز وجل أنهم إن تابوا وأسلموا غفر لهم.
يلفت النبي صلى الله عليه وسلم نظرنا إلى مصدر السعادة الحقيقية التي تصاحب الإنسان في حال حياته وبعد مماته إلى أن يستقر به المقام في مقام أمين حين يقال له ولمن معه "سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار" "الرعد 24".
فالسعادة في اللغة ضد الشقاوة، وعند أهل التربية هي الشعور المستمر بالغبطة، والطمأنينة، والأريحية، والبهجة؛ هو شعور نتيجة الإحساس الدائم بخيرية الذات، وخيرية الحياة، وخيرية المصير. ففي حديث أحمد وغيره قول الله "إن عبدي المؤمن عندي بمنزلة كل خير، يحمدني وأنا أنزع نفسه من بين جنبيه". فهل من توضيح يكشف الغطاء عن مدلول السعادة وأنواعها؟
"يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد" "هود 105" وفي هذا اليوم يسعد السعيد بخلوده في الجنة. وقد قيل "السعادة دائما محسودة، أما الشقاء فليس له حاسد" وقال "نيتشه" "لو أن هناك كثيرين يريدون السعادة لأنفسهم أكثر مما يريدون التعاسة للغير لأقمنا في سنوات قلائل الجنة على الأرض"، ولهذا قالوا "ما معنى السعادة إذا لم تكن هناك عدالة؟".
لقد حصرها بعضهم في قوله "السعادة في سبعة أشياء: حسن الصورة، وصحة الجسم، وطول العمر، وسعة الرزق، وطيب الذكر، والتمكن من الصديق، والعدو" سئل أبو عثمان النيسابوري: ما علامة السعادة والشقاوة؟ فقال: علامة السعادة أن تطيع الله، وتخاف أن تكون مردودا، وعلامة الشقاوة أن تعصي الله وترجو أن تكون مقبولا. والسعادة أنواع: سعادة وهمية، وسعادة حقيقية وهاهو توضيح ذلك بالتفصيل ومزيد التشخيص.
السعادة الوهمية: هي التي يبحث عنها الإنسان بعيدا عن منهج الله، وهي أصناف:
أولا، جمع المال على أساس أنه مصدر كل خير به تكشف الكروب، وتزول الهموم؛ وعاقبته "كسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفّاه حسابه والله سريع الحساب" "النور 39" وقارئ التاريخ يشاهد أن من أصيب بأمراض موجعة، وأحزنه الهم وهمّه السقم، وأذابه المرض، يتمنى الموت. قال الله تعالى "وما يغني عنه ماله إذا تردّى" "الليل 11" والله درّ من قال:
ولست أرى السعادة جمع مال ٭٭ ولكن التقي هو السـعيد
ثانيا : المناصب: يكفي أن أستشهد بهارون الرشيد لما حضرته الوفاة، قال لم حوله "احملوني إلى قبري أنظر إليه" فحملوه، فلما رآه ونظر إلى ضيقه بكى وعلا بكاؤه وقال "ما أغنى عني ماليه، هلك عني سلطانيه" "الحاقة 28- 29" ثم قال "يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه".
ثالثا: الشهرة: يتوهم كثير من الناس أن سعادتهم في شهرتهم فيبدلون في سبيل ذلك شرفهم، وعرضهم للوصول إلى غرض خبيث، ففي الحديث الصحيح "من سمّع، سمّع الله به ومن راءى راءى لله به" راه أحمد ومسلم عن ابن عباس. أي من نوّه بعلمه وشهر ليراه الناس ويمدحوه شهره الله بين أهل العرصات وفضحه على رؤوس الأشهاد، قال النووي من راءى بعلمه وسمعه للناس ليكرموه ويعظموه فقد سمع الله به الناس وفضحه يوم القيامة لكونه فعله رياء وسمعة لا لأجل الله. وقيل معناه من سمع بعيوب الناس أظهر الله عيوبه إلى غير ذلك..
السعادة الحقيقية: تتشخص في من يعيش في ظل إسلامه وهي أصناف:
أولا، الإيمان والعمل الصالح: إذا دخل الإيمان القلب انفسح وانشرح، قال الله تعالى "والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفّر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم" "محمد 2".
ثانيا: إقام الصلاة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول "جعلت قرّة عيني في الصلاة" وقال تعالى "وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" "العنكبوت 45".
ثالثا: تلاوة القرآن: "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون" "يونس 58" قال ابن عباس "فضل الله القرآن، ورحمته الإسلام"، "فرحين بما آتاهم الله من فضله" "آل عمران 170" وهاهنا قال تعالى "فبذلك فليفرحوا" أي بالقرآن والإسلام فليفرحوا كما جاء في تفسير القرطبي.
رابعا: ذكر الله: "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب" "الرعد 28".
خامسا: الايمان بالقضاء والقدر: قال رسول الله صلى عليه وسلم "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، وإن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له".
سادسا: الإحسان إلى الناس: "وقولوا للناس حسنا" "البقرة 83"، "ووصينا الإنسان بوالديه حسنا" "العنكبوت 8".
سابعا: التجافي عن دار الغرور: "فلا تغرنّكم الحياة الدنيا" "فاطر 5" "فلا يغررك تقلبهم في البلاد" "غافر 4".
ثامنا: الإنابة إلى دار الخلود: "الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب" "الشورى 13".
تاسعا: الزوجة الصالحة والزوج الصالح: "ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى هو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا" "النساء 124".
عاشرا: هجر المعاصي: "ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا" "الأحزاب 36" لأن "المعصبة تورث الذل" رب اهدنا إلى صراطك المستقيم، وأصلح بالنا، ولا تضل أعمالنا لنسعد سعادة حقيقية.
-------------------------------------------------------------------------------- |