بسم الله الرحمن الرحيم
بداية تحية مني لأعضاء المجلس الكرام ..من مخضرمين ومستجدين ..حاضرين وغائبين.. قريبين وبعيدين..
وبعد:
يمر الانسان منذ ميلاده بعوالم ثلاث تنبثق الواحدة تلو الاخرى باطراد مع نموه وتطوره في هذه الحياة لتمتزج سويا وتشكل شخصيته وصفاته.
العالم الأول هو عالم الاشياء..فالرضيع بالكاد يتعرف على ثدي امه ثم يستكشف يديه ويتحسس ما حوله..
العالم الثاني هو عالم الآشخاص..فتصبح للوجوه معانيها..وللاشخاص منازلهم..هذا أب وهذه أم..هذا معروف وذاك مجهول
وأخيرا، العالم الثالث، عالم الأفكار ..تواجهه التحديات الجديدة فيجرب ويحاول ويجد الحلول..يصعد على الكرسي ليصل للبعيد..يطيع والديه ليجد الثناء ..يستخدم القلم والورقة ليصنع رموزا معبرة بل ويخترع رموزه الخاصة التي تعبر عن افكاره الصغيرة..
تمتزج هذا العوالم الثلاثة في نفسية الانسان لتكون ما يمكن ان يكون توازنا متكافئا فيما بينها، او ليطغى احداها فيكون هو المهيمن والمسيطر...
من الممكن ان نأخذ هذا التحليل الفردي ونطبقه عل مقياس أوسع، وهو مقياس المجتمع، وان كان بتمايز أقل بينها..
فللمجتمع نفسيته التي تتشكل وتتبدل وتفسر كيف يتصرف ويعيش...وما المجتمع الا نسيج افراده
فكما يبدأ الطفل الرضيع حياته بالولوج في عالم الاشياء..
فكذلك المجتمع البدائي المتخلف ..يطغى ويسود فيه عالم الأشياء على العالمين الاخرين..
ومثال على ذلك مجتمع الجزيرة العربية قبل بعثة الرسول المصطفى صلوات الله وسلامه عليه..
كان المجتمع يدور حول أشياء
الخيمة
السيف
الخيل
الغنائم
الأطلال
البهائم
الصحراء
الأصنام
بل وانك تجد انعكاس ذلك واضحا في شعر ذلك المجتمع وادبياته...
وما احتوت عليه اخلاقه وسماته
ثم اتت رسالة الاسلام بعث بها خير الأنام
فهزت المجتمع واعادت تكوين اساساته
وتمثلت رسالة الهدى في شخص الرسول عليه من ربنا الصلاة والسلام
وفي أشخاص من معه من الصحابة رضي الله عنهم
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة
فمنه تعلموا ..وبسنته اقتدوا...ولافعاله اتبعوا...وبأقواله التزموا
علمهم دينهم..وتمم مكارم أخلاقهم..
وهل تتجسد رسالة الاسلام في انسان كما تجسدت في محمد بن عبدالله عليه افضل الصلاة والسلام؟
ثم أتى الامتحان الصعب..
حاجز الانتقال من عالم الاشخاص الى عالم الافكار..
هل يقفز الصحابة ومن تبعهم هذا الحاجز ويدخلون الى عالم الافكار؟
أم يعلقون في عالم الأشخاص فينتهي عندهم كل شي بوفاة محمد صلى الله عليه وسلم؟
وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ
فثبت الصحابة الكرام
بل وقفوا بشدة في حرب من ارتد ونكص
وواصلوا حمل الرسالة ونشرها في ارجاء الأرض
فإن كان محمد مات..فإن الله حي لا يموت
والا لجعلنا محمدا وثنا يعبد من دون الله
والنبي صلى الله عليه وسلم نبهنا وحذرنا من ذلك
لعن الله اليهود والنصارى إتخذوا قبور أنبيائهم مساجد
ان الغاية هي في الرسالة والفكرة التي يحملها النبي والرسول
وليست في شخصه وجسده واسمه ونسبه
لا شك ان هناك تداخل بين العوالم الثلاثة لا انفكاك لها عن بعضها..
والتفصيل السابق هو للتبسيط
انما في كل مرحلة يطغى احداها على الاخرى وتكون لها الريادة في وعي الأمة..
ومتى ما سارت التحولات على السياق المذكور فهي تغيرات في طريقها الصحيح نحو هدفها المطلوب
ما سبق وان كان مثال خاص بنهوض أمتنا الاسلامية..
فإن قواعده العامة هي سنن كونية تنطبق علينا كما تنطبق على غيرنا
ولو تفحصنا حضارات الدنيا المختلفة....أعتقد اننا سنجد انها في صعودها تسير على نفس الدرب لتصل الى قمة مجدها
ومن ثم تصبح حضارة عالمية تدخل الى صفحات التاريخ لتترك بصمتها
تبقى هناك عدة نقاط قد اتطرق لها في مواضيع او ردود قادمة ان اتيحت الفرصة....ومن ذلك:
كيف تبدأ بعض المجتمعات سلسلة تفاعلاتها التي تجعلها تُقلع من عالم الاشياء الى ما بعده من العوالم؟ وعلى النقيض من ذلك.. تبقى بعض المجتمعات تراوح مكانها سنين متوالية؟
تساؤل آخر:
ماذا بعد أن يصل المجتمع لهيمنة عالم الافكار..هلى يبقى فيها ام هل يتراجع ويبدأ رحلة الهبوط ؟
ثم يا ترى..في أي عالم يعيش مجتمعنا اليوم..
هل نحن عبيد للأشياء..للمادة...للسلعة..حيث يصنع الشيء قيمتنا
ام هل نحن خاضعين للأشخاص .. للبشر..للمخلوقين نتخذهم أربابا من دون الله
ام هل نحن في عالم الافكار..عالم الايمان..عالم المباديء والقيم التي تسود على أي شيء آخر
ختاما، توضيح بسيط لما أظن انه واضح:
ما سبق ليس كليا من بنات افكاري بل هو مشاركة بسيطة مني لكم ببعض ما اطلعت عيه وقرأت لعل يكون فيه فائدة تعم
وثانيا..كما ذكرت في مواضيع سابقة..طرح الموضوع هو لفائدتي أيضا لأتعلم ممن لديه اضافات وممن لديه احاطة اكبر بالموضوع سواء كان اتفاقا او اختلافا..فلا تبخلوا بردودكم
ما اصبت فمن الله وما أخطأت فمن نفسي
دمتم بخير،،،
