مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 14/04/2009, 09:57 PM
سامي صعب يتكرر سامي صعب يتكرر غير متواجد حالياً
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 28/03/2008
مشاركات: 809
Lightbulb تفسير سورة سبأ (3)

فلما أصابهم ما أصابهم‏,‏ تفرقوا وتمزقوا‏,‏ بعدما كانوا مجتمعين‏,‏ وجعلهم اللّه أحاديث يتحدث بهم‏,‏ وأسمارًا للناس‏,‏ وكان يضرب بهم المثل فيقال‏:‏ ‏"‏تفرقوا أيدي سبأ‏"‏ فكل أحد يتحدث بما جرى لهم، ولكن لا ينتفع بالعبرة فيهم إلا من قال اللّه‏:‏ ‏{‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ‏}‏ صبار على المكاره والشدائد‏,‏ يتحملها لوجه اللّه‏,‏ ولا يتسخطها بل يصبر عليها‏.‏ شكور لنعمة اللّه تعالى يُقِرُّ بها‏,‏ ويعترف‏,‏ ويثني على من أولاها‏,‏ ويصرفها في طاعته‏.‏ فهذا إذا سمع بقصتهم‏,‏ وما جرى منهم وعليهم‏,‏ عرف بذلك أن تلك العقوبة‏,‏ جزاء لكفرهم نعمة اللّه‏,‏ وأن من فعل مثلهم‏,‏ فُعِلَ به كما فعل بهم، وأن شكر اللّه تعالى‏,‏ حافظ للنعمة‏,‏ دافع للنقمة، وأن رسل اللّه‏,‏ صادقون فيما أخبروا به، وأن الجزاء حق‏,‏ كما رأى أنموذجه في دار الدنيا‏.‏
ثم ذكر أن قوم سبأ من الذين صدَّق عليهم إبليس ظنه‏,‏ حيث قال لربه‏:‏ ‏{‏فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ‏}‏ وهذا ظن من إبليس‏,‏ لا يقين‏,‏ لأنه لا يعلم الغيب‏,‏ ولم يأته خبر من اللّه‏,‏ أنه سيغويهم أجمعين‏,‏ إلا من استثنى، فهؤلاء وأمثالهم‏,‏ ممن صدق عليه إبليس ظنه‏,‏ ودعاهم وأغواهم، ‏{‏فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ممن لم يكفر بنعمة اللّه‏,‏ فإنه لم يدخل تحت ظن إبليس‏.‏
ويحتمل أن قصة سبأ‏,‏ انتهت عند قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ‏}‏
ثم ابتدأ فقال‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ‏}‏ أي‏:‏ على جنس الناس‏,‏ فتكون الآية عامة في كل من اتبعه‏.‏
ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لَهُ‏}‏ أي‏:‏ لإبليس ‏{‏عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ‏}‏ أي‏:‏ تسلط وقهر‏,‏ وقسر على ما يريده منهم‏,‏ ولكن حكمة اللّه تعالى اقتضت تسليطه وتسويله لبني آدم‏.‏

‏{‏لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ‏}‏ أي‏:‏ ليقوم سوق الامتحان‏,‏ ويعلم به الصادق من الكاذب‏,‏ ويعرف من كان إيمانه صحيحا‏,‏ يثبت عند الامتحان والاختبار‏,‏ وإلقاء الشبه الشيطانية‏,‏ ممن إيمانه غير ثابت‏,‏ يتزلزل بأدنى شبهة‏,‏ ويزول بأقل داع يدعوه إلى ضده، فاللّه تعالى جعله امتحانا‏,‏ يمتحن به عباده‏,‏ ويظهر الخبيث من الطيب‏.‏

‏{‏وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ‏}‏ يحفظ العباد‏,‏ ويحفظ عليهم أعمالهم‏,‏ ويحفظ تعالى جزاءها‏,‏ فيوفيهم إياها‏,‏ كاملة موفرة‏.‏

[‏22 ـ 23‏]‏ ‏{‏قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ‏}‏

أي‏:‏ ‏{‏قُلْ‏}‏ يا أيها الرسول‏,‏ للمشركين باللّه غيره من المخلوقات‏,‏ التي لا تنفع ولا تضر‏,‏ ملزما لهم بعجزها‏,‏ ومبينا لهم بطلان عبادتها‏:‏ ‏{‏ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ زعمتموهم شركاء للّه‏,‏ إن كان دعاؤكم ينفع، فإنهم قد توفرت فيهم أسباب العجز‏,‏ وعدم إجابة الدعاء من كل وجه، فإنهم ليس لهم أدنى ملك فـ ‏{‏لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ‏}‏ على وجه الاستقلال‏,‏ ولا على وجه الاشتراك‏,‏ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَمَا لَهُمْ‏}‏ أي‏:‏ لتلك الآلهة الذين زعمتم ‏{‏فِيهِمَا‏}‏ أي‏:‏ في السماوات والأرض، ‏{‏مِنْ شِرْكٍ‏}‏ أي‏:‏ لا شرك قليل ولا كثير‏,‏ فليس لهم ملك‏,‏ ولا شركة ملك‏.‏
بقي أن يقال‏:‏ ومع ذلك‏,‏ فقد يكونون أعوانا للمالك‏,‏ ووزراء له‏,‏ فدعاؤهم يكون نافعا‏,‏ لأنهم ـ بسبب حاجة الملك إليهم ـ يقضون حوائج من تعلق بهم، فنفى تعالى هذه المرتبة فقال‏:‏ ‏{‏وَمَا لَهُ‏}‏ أي‏:‏ للّه تعالى الواحد القهار ‏{‏مِنْهُمْ‏}‏ أي‏:‏ من هؤلاء المعبودين ‏{‏مِنْ ظَهِيرٍ‏}‏ أي‏:‏ معاون ووزير يساعده على الملك والتدبير‏.‏
فلم يبق إلا الشفاعة‏,‏ فنفاها بقوله‏:‏ ‏{‏وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ‏}‏ فهذه أنواع التعلقات‏,‏ التي يتعلق بها المشركون بأندادهم‏,‏ وأوثانهم‏,‏ من البشر‏,‏ والشجر‏,‏ وغيرهم‏,‏ قطعها اللّه وبيَّن بطلانها‏,‏ تبيينا حاسما لمواد الشرك‏,‏ قاطعا لأصوله، لأن المشرك إنما يدعو ويعبد غير اللّه‏,‏ لما يرجو منه من النفع‏,‏ فهذا الرجاء‏,‏ هو الذي أوجب له الشرك، فإذا كان من يدعوه ‏[‏غير اللّه‏}‏‏,‏ لا مالكا للنفع والضر‏,‏ ولا شريكا للمالك‏,‏ ولا عونا وظهيرا للمالك‏,‏ ولا يقدر أن يشفع بدون إذن المالك‏,‏ كان هذا الدعاء‏,‏ وهذه العبادة‏,‏ ضلالا في العقل‏,‏ باطلة في الشرع‏.‏
بل ينعكس على المشرك مطلوبه ومقصوده‏,‏ فإنه يريد منها النفع، فبيَّن اللّه بطلانه وعدمه‏,‏ وبيَّن في آيات أخر‏,‏ ضرره على عابديه وأنه يوم القيامة‏,‏ يكفر بعضهم ببعض‏,‏ ويلعن بعضهم بعضا‏,‏ ومأواهم النار ‏{‏وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ‏}‏
والعجب‏,‏ أن المشرك استكبر عن الانقياد للرسل‏,‏ بزعمه أنهم بشر‏,‏ ورضي أن يعبد ويدعو الشجر‏,‏ والحجر‏,‏ استكبر عن الإخلاص للملك الرحمن الديان‏,‏ ورضي بعبادة من ضره أقرب من نفعه‏,‏ طاعة لأعدى عدو له وهو الشيطان‏.‏
وقوله‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ‏}‏ يحتمل أن الضمير في هذا الموضع‏,‏ يعود إلى المشركين‏,‏ لأنهم مذكورون في اللفظ، والقاعدة في الضمائر‏,‏ أن تعود إلى أقرب مذكور، ويكون المعنى‏:‏ إذا كان يوم القيامة‏,‏ وفزع عن قلوب المشركين‏,‏ أي‏:‏ زال الفزع‏,‏ وسئلوا حين رجعت إليهم عقولهم‏,‏ عن حالهم في الدنيا‏,‏ وتكذيبهم للحق الذي جاءت به الرسل‏,‏ أنهم يقرون‏,‏ أن ما هم عليه من الكفر والشرك‏,‏ باطل‏,‏ وأن ما قال اللّه‏,‏ وأخبرت به عنه رسله‏,‏ هو الحق فبدا لهم ما كانوا يخفون من قبل وعلموا أن الحق للّه‏,‏ واعترفوا بذنوبهم‏.‏
‏{‏وَهُوَ الْعَلِيُّ‏}‏ بذاته‏,‏ فوق جميع مخلوقاته وقهره لهم‏,‏ وعلو قدره‏,‏ بما له من الصفات العظيمة‏,‏ جليلة المقدار ‏{‏الْكَبِيرُ‏}‏ في ذاته وصفاته‏.‏
ومن علوه‏,‏ أن حكمه تعالى‏,‏ يعلو‏,‏ وتذعن له النفوس‏,‏ حتى نفوس المتكبرين والمشركين‏.‏
وهذا المعنى أظهر‏,‏ وهو الذي يدل عليه السياق، ويحتمل أن الضمير يعود إلى الملائكة‏,‏ وذلك أن اللّه تعالى إذا تكلم بالوحي‏,‏ سمعته الملائكة‏,‏ فصعقوا‏,‏ وخروا للّه سجدا، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل‏,‏ فيكلمه اللّه من وحيه بما أراد، وإذا زال الصعق عن قلوب الملائكة‏,‏ وزال الفزع‏,‏ فيسأل بعضهم بعضا عن ذلك الكلام الذي صعقوا منه‏:‏ ماذا قال ربكم‏؟‏ فيقول بعضهم لبعض‏:‏ قال الحق‏,‏ إما إجمالا‏,‏ لعلمهم أنه لا يقول إلا حقا، وإما أن يقولوا‏:‏ قال كذا وكذا‏,‏ للكلام الذي سمعوه منه‏,‏ وذلك من الحق‏.‏
فيكون المعنى على هذا‏:‏ أن المشركين الذين عبدوا مع اللّه تلك الآلهة‏,‏ التي وصفنا لكم عجزها ونقصها‏,‏ وعدم نفعها بوجه من الوجوه‏,‏ كيف صدفوا وصرفوا عن إخلاص العبادة للرب العظيم‏,‏ العلي الكبير‏,‏ الذي ـ من عظمته وجلاله ـ أن الملائكة الكرام‏,‏ والمقربين من الخلق‏,‏ يبلغ بهم الخضوع والصعق‏,‏ عند سماع كلامه هذا المبلغ‏,‏ ويقرون كلهم للّه‏,‏ أنه لا يقول إلا الحق‏.‏
فما بال هؤلاء المشركين‏,‏ استكبروا عن عبادة من هذا شأنه‏,‏ وعظمة ملكه وسلطانه‏.‏ فتعالى العلي الكبير‏,‏ عن شرك المشركين‏,‏ وإفكهم‏,‏ وكذبهم‏.‏

‏[‏24 ـ 27‏]‏ ‏{‏قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ * قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏}‏
يأمر تعالى‏,‏ نبيه محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يقول لمن أشرك باللّه ويسأله عن حجة شركه‏:‏ ‏{‏مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏}‏ فإنهم لا بد أن يقروا أنه اللّه، ولئن لم يقروا فـ ‏{‏قُلِ اللَّهُ‏}‏ فإنك لا تجد من يدفع هذا القول، فإذا تبين أن اللّه وحده الذي يرزقكم من السماوات والأرض‏,‏ وينزل ‏[‏لكم‏}‏ المطر‏,‏ وينبت لكم النبات‏,‏ ويفجر لكم الأنهار‏,‏ ويطلع لكم من ثمار الأشجار‏,‏ وجعل لكم الحيوانات جميعها‏,‏ لنفعكم ورزقكم‏,‏ فلم تعبدون معه من لا يرزقكم شيئا‏,‏ ولا يفيدكم نفعا‏؟‏‏.‏




تفسير السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن)



سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر
اضافة رد مع اقتباس