عساف .. هل هو خائن .. هل هو ضحية ؟
الوطنية ، هذا الكائن الهلامي التعريف رغم أننا نردده كثيرا ، بل هي من أكثر المصطلحات تداولا ، لكنها أيضا من أكثرها غموضا وتلونا ، فلا يمكن إيجاد تعريف جامع وشامل لها ، أذكر أني قرأت أحد أعداد مجلة (المعرفة) والتي تصدر عن إدارة التعليم لدينا ، وكان موضوعها الرئيسي عن الوطنية ، وأكدوا أنه كائن هلامي مخاتل ومخادع وعصي عن التفسير ، المدهش أنه تم إقرار هذه المادة في المدارس ، وحين تسأل أي معلم عن هذه المادة وكيف يمكن تعليمها ، تصاب بدهشة ؛ لأنه مثلك لا يملك تعريفا واضحا ، فكيف يعلمها ؟
كل هذا مر برأسي هذا الأسبوع بعد قضية حارس منتخب الشباب وفريق الوحدة عساف القرني ، والهجوم الذي صب عليه ، والمقالات التي تطالب بإيقافه مدى الحياة ، وأنه يجب أن يكون عبرة لمن لا يعتبر .
وكل من هاجم اللاعب كان ينطلق من أن الأمر يتعلق (بالوطنية) ، لكنك لو سألته ما معنى هذه الكلمة ، لن يجد تفسيرا واضحا لها سوى أنها نقيض (الخيانة) .. فهل خان عساف القرني منتخب الوطن ؟
عني لا أحب أن نحول هذا المصطلح (الوطنية) إلى رداء نلبسه من نريد ، ونخلعه عمن نريد ، فكل شخص ولد من أبوين أو من أحدهما هو مواطن وليس من حق أحد أن يجرده ثوب الوطن ، حتى من يقطن في السجون هو مواطن أرتكب خطأ ما جعله يسكن السجن .. من هذا المنظور يصبح ما قام به (القرني) خطأ ، ولكن الخطأ هو نتيجة ، لأمور جعلت هذا الخطأ يحدث ؛ فما هي هذه الأمور أو الأسباب ؟
إن السبب الأول والأكثر وضوحا هو اختيار اللاعب الخطأ ، ليس معنى هذا أني أحمل الجهاز الفني أو الإداري المسئولية ؛ بقدر ما هو الأمر مرتبط بآلية قديمة يتم بها استدعاء اللاعب ، دون أن يسأل هذا اللاعب ما رأيه بالذهاب .
دون أن يحاوره أي مسئول (فني أو إداري) ؛ ليرى هل هذا اللاعب لديه طموح ، هل هناك دافع يحرك اللاعب لممارسة الرياضة ، وما هو طموح هذا اللاعب ، أيحلم بأن يكون الأفضل ، أم أن الأمر مرتبط بالتسلية ، والمتعة ، ولا يحمل طموحا أكثر من إضاعة وقت فراغه بأمور مسلية ، والتسلية ضد الالتزام ؟
إن هذه الآلية ، هي من جعلتنا نهدر وقتا ومالا على بعض لاعبين ليس لديهم أي طموح في تطوير ذاتهم ؛ لأنهم ينطلقون من فكرة التسلية لإضاعة الوقت ، وأن طموحهم في اتجاه آخر ، أو هم بلا طموح وهذا أمر آخر مسئول عنه طريقة تفكيرنا ومنهج التعليم ربما نناقشه في يوم ما ، وأكمل مع هذه الآلية .
هذه الآلية التي تضع اللاعب بين خيارين ، إما أن يذهب أو تلصق به تهمة (الخائن) ، وبين هذا الخيارين ، لا يستطيع اللاعب سوى الخضوع ، والذهاب وإن كان لا يريد أو بلا طموح .
بل إن البعض حين شاهد تذبذب مستوى لاعب بين ناديه والمنتخب ، أوجد تفسيرا سريعا وساذجا ، قائلا : (هناك لاعب نادي ولاعب منتخب) ، فيما الأمر مرتبط بالطموح والتسلية ، والمنتخب يأخذه بمعسكر طويل وتمارين صباحية ومسائية ، وابتعاد عن أسرته وأصدقائه فيصاب بالملل ، والملل يجعله يفكر بالعودة ؛ لهذا يغيب ذهنه في الملعب ، ومع هذا مضينا نردد تلك الجملة .
بقي أن أقول : حين نتأمل لوائح العقوبات في اتحاد كرة القدم ، لا تدلنا على أي عقوبة يستحقها اللاعب ، هذا يعني أنه يجب استصدار لائحة تنص على عقوبة من يفعل هذا ، أي أن اللاعب بالرغم خطئه لا يمكن أن نوقع عليه عقوبة ؛ فالقانون لا يحاكم الناس بأثر رجعي ، هذا إن كنا نحترم القانون .
يقول أحد الحكماء : إن الوطنية هي أشبه بعلاقة حب بين طرفين ، إن كف أحدهما عن الحب ، خانه الآخر .
[ALIGN=CENTER]
[email protected][/ALIGN]