مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 31/01/2009, 09:16 AM
صقر فيصل صقر فيصل غير متواجد حالياً
كاتب مفكر بالمجلس العام
تاريخ التسجيل: 22/11/2005
المكان: في زمنٍ حياديّ
مشاركات: 1,847
ico8 تحيّة للإنسانيّ فيك

بسمِ الله الرحمنِ الرحيم

(( بسبب الطبيعة غير المحدودة للذهن البشري، فالإنسان متى تاه في غياهب الجهل يجعل من ذاته مقياسا للأشياء ))
فيكو

...

سلامٌ من الرحمنِ عليكم موصول بالرحمةِ والبركاتِ

جرَى بيني وبينَ دكتور متخصّص في الإنسانيّاتِ حديثٌ حوْلَ ما تلقاهُ الجالياتُ في جميعِ البلدانِ، ثمّ خصصنَا حديثنَا عن الولاياتِ المتحِدةِ، وتحدّثَ البروفيسور شون عنْ الجاليةِ الآسيويةِ الآتيةِ من الصينِ مثلاً، وقد امتهنَ الكثيرُ من مهاجري الصينِ إلى الولاياتِ المتّحدةِ الأمريكيّة مهنةَ الخدمةِ في البيوتِ، في بيوتِ الأغنياء (فقط)، كانَ البروفيسورُ مستاءً من كونِ هؤلاء ينامونَ تحتَ ظلِّ القانونِ في بيوتِ أصحاب عملِهم، سامحينَ لهم بيومٍ واحدٍ في الأسبوعِ لزيارةِ أهليهم، قال البروفيسور: للأسفِ، القانونُ الأمريكيّ يجيزُ أن يُجرّدَ هؤلاء منْ بشريّتهم !

قلتُ لنفسِي: أحمدُ اللهَ أن لم تأتِ إلى بلادي يا دكتور شون، ففي بلادِي تمنعُ الخادمةِ دونَ بلادِها سنين، في بلادي لا تعرفُ الخادمةُ يومًا في الأسبوع ولا في الشّهر !

...

انطباعاتٌ مبدئيّة


قضيّةُ الخادماتِ أضحتْ مستهلكةً، ولكنّ ما يثيرنِي في هذهِ القضيّة التحذيرُ المستمّرُ من خطرهنّ ما يحملنهُ لنا، دونَ التحذيرِ من أربابِ البيوتِ وربّاته الذينَ أحيوْا في كثيرٍ من الحالاتِ رِقًّا (بثمن بخس) .. حاملينَ الفكرَ المتأصّل: بالفلوسِ هذي يصيرون ملوك في بلادهم !
هذهِ الكلمةُ تقودُ إلى أخرى في اللاوعي: إذنْ نجعلهمْ عبيدًا قبلها !!

أحبّ أن أنظرَ إلى الجانب المضيء من وجود هذه العمالة، حتّى أحاولَ فعلاً ترسيخَ أثرِهم الإيجابيّ :
الطبخ ، نظافة البيوتِ بما في ذلكَ دورات المياه أعزّكم الله ، غسيلُ الملابس ، وحتّى تربية الأطفالِ !

وهُنا أستحضرُ حديثًا للدكتورِ صلاح الراشد يقولُ فيهِ إنّ الدراساتِ أثبتتْ أنّ الطفلَ الخليجيَّ الذي ربا تحتَ أعينِ المربيّة ( أو الخادمةِ ) أكثرُ ثقةً بالنّفسِ منَ الطفلِ الذي نشأ تحتَ رعايةِ والدتهِ، وذلكَ لأنّ الطفلَ الأوّل لا يخضعُ لقوانينَ سببها الخوفُ اللامبرر من الأمّ !

ورغمَ ذلكَ تجدُ الخادماتُ ( والعمالةُ الأجنبيّة عامّةً ) جحودًا بسببِ تصرّفاتٍ شاذةٍ - وغالبيّتها كانتَ ردودَ فعلٍ لتسلّطِ الكفيلِ وإساءةِ ابنِ البلد !

قال عبدُ اللهِ بن عمر رضيَ الله عنْهُما: «جاءَ رجلٌ إلى النبيّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ فقالَ: يَا رسولَ الله! كمْ أعفُو عنِ الخادِم؟ فصمتَ عنهُ رسولُ الله صلى اللهُ عليهِ وسلم. ثمَ قالَ: يَا رسولَ الله! كَمْ أعفُو عنِ الخادِم؟ فقال : كلَّ يومٍ سبعينَ مرة» رواهُ الترمذيّ

...

وكُلَّما فتَّشْتُ عن نفسي وجدتُ
الآخرين. وكُلَّما فتَّشْتُ عَنْهُمْ لم
أَجد فيهم سوى نَفسي الغريبةِ،
هل أَنا الفَرْدُ الحُشُودُ؟

محمود درويش

...

استثناء ..



يخرجُ لي أحدُ أصدقائي - وهوَ من جيزان - عندَ الحديثِ عن التعاملِ مع الآخرِ، بامتعاضٍ شديدٍ لما يجدهُ شخصيًّا من نظرةٍ دونيّةٍ من غيرهِ وهوَ ابنُ هذهِ الدّولةِ ! هوَ يلقى منَ أهلِ المناطقِ الأخرى احتقارًا يتمثّلُ في اللقبِ الشّهيرِ المتثّل في الرقمين، أو في الاستهزاءِ من اللهجةِ، أوْ التأخيرَ في في طابورِ الأفضليّة.. إلخ.

ذلكَ سببُ ما خلّفهُ التفاضلُ المجتمعيّ والذي هو مخالفٌ لما تحملهُ الشريعةُ لنا بمقاصدِها، والمؤسفُ فعلاً أن نجدَ من يبرّرَ لهذَا التفاضلِ من خلالِ الشرِيعةِ ذاتِها، فنجدُ من يلوي عنقَ الآياتِ والأحاديثِ في سبيلِ إرضاءِ شهوةٍ، مدّعينَ أنّ العصبيّةَ والتفاخرَ والحميّة لا بأسَ بها، ويجوزُ العملُ بها حتّى في قضايا خطيرةٍ كالزواجِ والطلاق، واللهُ جلّ في علاه يقول:
« إذْ جعلَ الذينَ كفرُوا في قلُوبِهم الحميّةَ حميّةَ الجاهِليّة فأنزَلَ اللهُ سكينتهُ على رسولِهِ وعلى المؤمِنينَ وألزمَهم كلمةَ التقوَى وكانُوا أحقَّ بها وأهلَها »

مقتَها اللهُ، وشعبُنا يفاخرُ بجدهِ التاسعِ بعدَ المئة، ويمتدُّ بهذا التفاخرِ إلى شئونِ الحياةِ شتّى، وبهِ يحللُ الحرامَ (كالقدحِ في الأنساب) وبهِ يحرّمُ الحلالُ (كالزواجِ لعدمِ تكافئ النسب)

...

محاولات إقصاء



نعيشُ في مجتمعِنا حالتينِ من الإقصاءِ (العنيفِ)، وتقودُها فئتانِ متعصّبتانِ لما تحملانهِ من أفكارٍ: فئةٌ تتمسك بكل ما يحمل الماضي، وأخرى ترفضه تمامًا.

أتعجب من محاولات الإقصاء هذه، محاولة كتم الصوت العنيفة، الرفض المبني على الاعتقاداتِ المسبقة، وأحيانا وضع شروط مختارةٍ للحوارِ، تقوم في مجملها على: الحوار يعني أن تؤمنَ بما أمليه.

لا أعتقد أن هذا منهجٌ واقعيّ، فالاختلاف في المناهج والأفكار كانت عظيمة، على مدى التاريخ ومن هنا أستحضرُ ٣ أقوالٍ لفتت انتباهي، فالأول لعمر بن عبد العزيز وهو القائل: "ما وجدت أن أصحاب محمد اتفقوا" وفي هذا لفتةٌ إلى أن الاختلافَ الفكريّ أمرٌ حاصل ولا مفرّ منه يؤكده موقف الإمام مالك، حينما أراد الخليفة العبّاسيّ أن يفرض الموطأ - وهو كتاب الإمام - على الدولة، فكان جواب الإمام مالك: "إن الناس، اختلفوا، وإن اختلاف الأمة رحمةٌ، فاتركهم"، ثم جاء الإمام أحمد - وهو المعروفُ بعدم دخولهِ في الجدالات المسيئةِ وحفظه لسانهِ عن مخالفيه - وأظهر منهج الفقيه - ومن ورائه المفكّر - وقال: "لا ينبغي للفقيه أن يحملَ النّاس على مذهبه".

عندما بحثت عن الكثير من المذاهبِ الفكريّة، والأصحاب الآراء التي ظهرت على مرّ تاريخنا الإسلامية، تعجبت من أنّ المؤرخينَ اتفقوا على تسمية ظاهرة القول بخلق القرآن فتنة، في حينِ أنّهم لم يسمّوا ظهور الكثير من الفرق كالمعتزلة وأهل الكلام والملاحدة بالفتنة، ووجدت أنّ ظاهرة القول بخلق القرآن كانت مدعومة من الخليفة وبسببِها عُذّب نفرٌ كثيرٌ منهم الإمام أحمد رحمه الله، ولذلك سميّت فتنة دون غيرها.


خذ من وقتك ساعة لقراءة هذا الكتاب

...

الإنسانُ الآخرُ

أذكرُ حديثًا لدكتورِ العقيدةِ بجامعةِ البترول والمعادنِ مفيد أبو عمشة، حينمَا تحدّثَ عمّا يسمّيهِ بأهل فترةٍ آخرينَ في هذا الزمان، فهوَ يقيسُ حالَ الكثيرِ من البشرِ الموجودينِ على سطحِ الكرةِ الأرضيّةِ، ووجدَ تطابقًا في أمرٍ مهمٍّ: عدمِ وصولِ الصورةِ السليمةِ عن الإسلامِ.

وهوَ يرى سببينِ لذلكَ: الإعلامِ الغربِي المشوّه لصورةِ الإسلام، وضعف أساليب المسلمين في إيصال الرسالة للآخرِ ..

يحدثني أحدهم عن امرأةٍ غربيّة قالت له يومًا: أنتم أيها المسلمون تعبدون شيطانًا اسمه محمّد يحثكم على قتل البشر. تعالى الله وصرف عن نبيه صلى الله عليه وسلم الأذى، كانَ من الممكنِ أن يسبها وأن يهينها وأن يردّ لها الصّاع صاعين.. ولكنّ هذا الرجلَ "جادلها بالتي هي أحسن" وعلمَها ما تجهل عن الإسلام، فأين هي اليوم؟

اليوم هذه الأخت داعية إسلامية معروفةً في ولاية بنسيلفينيا بأمريكا!

لماذا لا نعملُ بهذا المنهج؟ لماذا نصطدم كثيرًا مع الغرب ولا نحاول أن نسمعهم الصوت الروحاني الذي أسلم بسببه عمر بن الخطاب رضي الله عنهُ يومًا؟

...

صورة مختلفة

سمعتُ شريطًا للدكتور محمد التكريتي، وكانَ مما فيهِ حديثٌ عن فهمِ النفس وإدراكِ نظرةِ الآخرِ لهَا، خصوصًا عندَ الدخولِ في الجدالاتِ والنقاشاتِ، وأعطى تمرينًا جميلاً .. يقولُ فيه:

عند دخولكَ في جدال عنيف،
ومخالفةٍ شرسة مع شخصٍ ما،
جرب بعد أن تبردَ أعصابكَ،
عندما تخلد إلى نومك

أغمض عينيكَ لبعض الوقت

أعد شريط الجدال
استخدم نفس الألفاظ والتراكيب
نفس الهمز واللمز

في هذه الأثناء

ضع رأسك على كتف من تجادل
عل كتف الذي تسيء إليه
وانظر إلى نفسك

اسمح لنفسكِ التي تنظر من خلاله بطرح نفس ما يدور بفكره:
لماذا ينفعل علي بهذه الطريقة؟
لماذا يسيء إليّ؟
لماذا يلمزني بهذه الكلمات؟


انظر لنفسك جيّدًا وحلل وفسّر نفسكَ من خلال غيرك
هل ستقول: كم كنت عاقلاً في إساءتي؟ كم كنت محترمًا حينَ احتقرته في كلامي؟

افهم نفسكَ كما هم فهموها، ثم أعد التفكيرَ في تصرفاتك
وفي فكرة التصادم مع الآخر

هل آتى تكميم الأفواه أُكله؟



...


(( الإنسان .. إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق ))
الإمام علي كرم الله وجهه

هي دعوةٌ لأنّ ندركَ إنسانيّتنا
وإنسانيّة الآخر
لأن نحترم الرجال وعقولهم وأعراضهم
وأن نحترم النساء وعقولهن وأعراضهن
أن ننظرَ من خلال الآخرينَ إلى أنفسنا
أن نفهمَنا ونفهمهم

وستيفن آر كوفي يقول: "حاول أن تَفهم قبل أن تُفهم"

من يتهاون في القذف - ولو لم يصرح - فهوَ يتهاونُ في موبق من السبع الموبقات
ومن يتهاون في السبّ والشتم فقد تهاون في كبير

فلنقتدِ بسنّة الحبيب صلى الله عليهم وسلم
ولنقل كما يقول أحد الأحبّة:
ماذا لو كان بيننا؟




دمتم في رعاية المولى
اضافة رد مع اقتباس