مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 14/01/2009, 09:56 AM
سامي صعب يتكرر سامي صعب يتكرر غير متواجد حالياً
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 28/03/2008
مشاركات: 809
Lightbulb تفسير سورة فصلت (2)

[‏9 - 12‏]‏ ‏{‏قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ‏}‏
ينكر تعالى ويعجِّب، من كفر الكافرين به، الذين جعلوا معه أندادا يشركونهم معه، ويبذلون لهم ما يشاؤون من عباداتهم، ويسوونهم بالرب العظيم، الملك الكريم، الذي خلق الأرض الكثيفة العظيمة، في يومين، ثم دحاها في يومين، بأن جعل فيها رواسي من فوقها، ترسيها عن الزوال والتزلزل وعدم الاستقرار‏.‏
فكمل خلقها، ودحاها، وأخرج أقواتها، وتوابع ذلك

‏{‏فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ‏}
‏ عن ذلك، فلا ينبئك مثل خبير، فهذا الخبر الصادق الذي لا زيادة فيه ولا نقص‏.‏

‏{‏ثُمَّ‏}
‏ بعد أن خلق الأرض

‏{‏اسْتَوَى‏}‏
أي‏:‏ قصد

‏{‏إِلَى‏}
‏ خلق

‏{‏السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ‏}
‏ قد ثار على وجه الماء، ‏{‏فَقَالَ لَهَا‏}‏ ولما كان هذا التخصيص يوهم الاختصاص، عطف عليه بقوله‏:‏ ‏

{‏وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا‏}
‏ أي‏:‏ انقادا لأمري، طائعتين أو مكرهتين، فلا بد من نفوذه‏.‏ ‏

{‏قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ‏}
‏ ليس لنا إرادة تخالف إرادتك‏.‏

‏{‏فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ‏}
‏ فَتَمَّ خلق السماوات والأرض في ستة أيام، أولها يوم الأحد، وآخرها يوم الجمعة، مع أن قدرة اللّه ومشيئته صالحة لخلق الجميع في لحظة واحدة، ولكن مع أنه قدير، فهو حكيم رفيق، فمن حكمته ورفقه، أن جعل خلقها في هذه المدة المقدرة‏.‏
واعلم أن ظاهر هذه الآية، مع قوله تعالى في النازعات، لما ذكر خلق السماوات قال‏:‏ ‏{‏وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا‏}‏ يظهر منهما التعارض، مع أن كتاب اللّه، لا تعارض فيه ولا اختلاف‏.‏
والجواب عن ذلك، ما قاله كثير من السلف، أن خلق الأرض وصورتها متقدم على خلق السماوات كما هنا، ودحي الأرض بأن ‏{‏أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا‏}‏ متأخر عن خلق السماوات كما في سورة النازعات، ولهذا قال فيها‏:‏ ‏{‏وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا‏}‏ إلى آخره ولم يقل‏:‏ ‏"‏والأرض بعد ذلك خلقها‏"‏
وقوله‏:‏

‏{‏وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا‏}‏
أي‏:‏ الأمر والتدبير اللائق بها، الذي اقتضته حكمة أحكم الحاكمين‏.‏

‏{‏وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ‏}‏
هي‏:‏ النجوم، يستنار، بها، ويهتدى، وتكون زينة وجمالاً للسماء ظاهرًا، وجمالاً لها، باطنًا، بجعلها رجومًا للشياطين، لئلا يسترق السمع فيها‏.‏

‏{‏ذَلِكَ‏}‏
المذكور، من الأرض وما فيها، والسماء وما فيها

‏{‏تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ‏}
‏ الذي عزته، قهر بها الأشياء ودبرها، وخلق بها المخلوقات‏.‏

‏{‏الْعَلِيمِ‏}
‏ الذي أحاط علمه بالمخلوقات، الغائب والشاهد‏.‏
فَتَرْكُ المشركين الإخلاص لهذا الرب العظيم الواحد القهار، الذي انقادت المخلوقات لأمره ونفذ فيها قدره، من أعجب الأشياء، واتخاذهم له أندادًا يسوونهم به، وهم ناقصون في أوصافهم وأفعالهم، أعجب، وأعجب، ولا دواء لهؤلاء، إن استمر إعراضهم، إلا العقوبات الدنيوية والأخروية، فلهذا خوفهم بقوله‏:‏

‏[‏13 - 14‏]‏ ‏{‏فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ * إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ‏}‏
أي‏:‏ فإن أعرض هؤلاء المكذبون بعد ما بين لهم من أوصاف القرآن الحميدة، ومن صفات الإله العظيم

‏{‏فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً‏}‏
أي‏:‏ عذابًا يستأصلكم ويجتاحكم، ‏

{‏مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ‏}
‏ القبيلتين المعروفتين، حيث اجتاحهم العذاب، وحل عليهم، وبيل العقاب، وذلك بظلمهم وكفرهم‏.‏
حيث ‏

{‏جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِم‏}
‏ أي‏:‏ يتبع بعضهم بعضا متوالين، ودعوتهم جميعا واحدة‏.‏

‏{‏أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ‏}‏
أي‏:‏ يأمرونهم بالإخلاص للّه، وينهونهم عن الشرك، فردوا رسالتهم وكذبوهم،

‏{‏قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً‏}‏
أي‏:‏ وأما أنتم فبشر مثلنا

‏{‏فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ‏}
‏ وهذه الشبهة لم تزل متوارثة بين المكذبين، من الأمم وهي من أوهى الشُّبَهِ، فإنه ليس من شرط الإرسال، أن يكون المرسل مَلَكًا، وإنما شرط الرسالة، أن يأتي الرسول بما يدل على صدقه، فَلْيَقْدَحُوا، إن استطاعوا بصدقهم، بقادح عقلي أو شرعي، ولن يستطيعوا إلى ذلك سبيلا‏.‏

‏[‏15 - 16‏]‏ ‏{‏فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ‏}‏
هذا تفصيل لقصة هاتين الأمتين، عاد، وثمود‏.‏ ‏

{‏فَأَمَّا عَادٌ‏}
‏ فكانوا ـ مع كفرهم باللّه، وجحدهم بآيات اللّه، وكفرهم برسلهـ مستكبرين في الأرض، قاهرين لمن حولهم من العباد، ظالمين لهم، قد أعجبتهم قوتهم‏.‏

‏{‏وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً‏}‏
قال تعالى ردًا عليهم، بما يعرفه كل أحد‏:‏

‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً‏}
‏ فلولا خلقه إياهم، لم يوجدوا فلو نظروا إلى هذه الحال نظرًا صحيحًا، لم يغتروا بقوتهم، فعاقبهم اللّه عقوبة، تناسب قوتهم، التي اغتروا بها‏.‏




‏{‏فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا‏}‏
أي‏:‏ ريحًا عظيمة، من قوتها وشدتها، لها صوت مزعج، كالرعد القاصف‏.‏ فسخرها اللّه عليهم ‏{‏سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ‏}‏ ‏{‏نحسات‏}‏ فدمرتهم وأهلكتهم، فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم‏.‏ وقال هنا‏:‏

‏{‏لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏
الذي اختزوا به وافتضحوا بين الخليقة‏.‏

‏{‏وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ‏}
‏ أي‏:‏ لا يمنعون من عذاب اللّه، ولا ينفعون أنفسهم‏.‏

تفسير السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن)

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
اضافة رد مع اقتباس