مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 09/01/2009, 07:15 AM
سامي صعب يتكرر سامي صعب يتكرر غير متواجد حالياً
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 28/03/2008
مشاركات: 809
Lightbulb تفسير سورة الشورى (6)

ثم ذكر أن من لطفه بعباده، أنه لا يوسع عليهم الدنيا سعة، تضر بأديانهم فقال‏:‏

‏{‏وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ‏}‏

أي‏:‏ لغفلوا عن طاعة الله، وأقبلوا على التمتع بشهوات الدنيا، فأوجبت لهم الإكباب على ما تشتهيه نفوسهم، ولو كان معصية وظلما‏.‏


‏{‏وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ‏}‏
بحسب ما اقتضاه لطفه وحكمته

‏{‏إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ‏}
‏ كما في بعض الآثار أن الله تعالى يقول‏:‏ ‏"‏إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الغنى، ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الفقر، ولو أغنيته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الصحة، ولو أمرضته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا المرض ولو عافيته لأفسده ذلك، إني أدبر أمر عبادي بعلمي بما في قلوبهم، إني خبير بصير ‏"‏


‏{‏وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ‏}‏
أي‏:‏ المطر الغزير الذي به يغيث البلاد والعباد، ‏

{‏مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا‏}
‏ وانقطع عنهم مدة ظنوا أنه لا يأتيهم، وأيسوا وعملوا لذلك الجدب أعمالا، فينزل الله الغيث

‏{‏وَيَنْشُرُ‏}
‏ به

‏{‏رَحْمَتَهُ‏}‏
من إخراج الأقوات للآدميين وبهائمهم، فيقع عندهم موقعا عظيما، ويستبشرون بذلك ويفرحون‏.‏

‏{‏وَهُوَ الْوَلِيُّ‏}
‏ الذي يتولى عباده بأنواع التدبير، ويتولى القيام بمصالح دينهم ودنياهم‏.‏

‏{‏الْحَمِيدُ‏}
‏ في ولايته وتدبيره، الحميد على ما له من الكمال، وما أوصله إلى خلقه من أنواع الإفضال‏.‏


‏[‏29‏]‏ ‏{‏وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ‏}‏
أي‏:‏ ومن أدلة قدرته العظيمة، وأنه سيحيي الموتى بعد موتهم، ‏

{‏خَلْقُ‏}
‏ هذه

‏{‏السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏}‏
على عظمهما وسعتهما، الدال على قدرته وسعة سلطانه، وما فيهما من الإتقان والإحكام دال على حكمته وما فيهما من المنافع والمصالح دال على رحمته، وذلك يدل على أنه المستحق لأنواع العبادة كلها، وأن إلهية ما سواه باطلة‏.‏


‏{‏وَمَا بَثَّ فِيهِمَا‏}
‏ أي‏:‏ نشر في السماوات والأرض من أصناف الدواب التي جعلها اللّه مصالح ومنافع لعباده‏.‏ ‏

{‏وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِم‏}
‏ أي‏:‏ جمع الخلق بعد موتهم لموقف القيامة

‏{‏إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ‏}
‏ فقدرته ومشيئته صالحان لذلك، ويتوقف وقوعه على وجود الخبر الصادق، وقد علم أنه قد تواترت أخبار المرسلين وكتبهم بوقوعه‏.‏

‏[‏30ـ 31‏]‏ ‏{‏وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ * وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ‏}‏
يخبر تعالى، أنه ما أصاب العباد من مصيبة في أبدانهم وأموالهم وأولادهم وفيما يحبون ويكون عزيزا عليهم، إلا بسبب ما قدمته أيديهم من السيئات، وأن ما يعفو اللّه عنه أكثر، فإن اللّه لا يظلم العباد، ولكن أنفسهم يظلمون

‏{‏وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ‏}‏
وليس إهمالا منه تعالى تأخير العقوبات ولا عجزا‏.‏


‏{‏وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ‏}
‏ أي‏:‏ معجزين قدرة اللّه عليكم، بل أنتم عاجزون في الأرض، ليس عندكم امتناع عما ينفذه اللّه فيكم‏.‏ ‏

{‏وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ‏}
‏ يتولاكم، فيحصل لكم المنافع ‏{‏وَلَا نَصِيرٍ‏}‏ يدفع عنكم المضار‏.‏

‏[‏32ـ 35‏]‏ ‏{‏وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ * إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ * وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ‏}‏
أي‏:‏ ومن أدلة رحمته وعنايته بعباده

‏{‏الْجَوَار فِي الْبَحْرِ‏}‏
من السفن، والمراكب النارية والشراعية، التي من عظمها

‏{‏كَالْأَعْلَامِ‏}
‏ وهي الجبال الكبار، التي سخر لها البحر العجاج، وحفظها من التطام الأمواج، وجعلها تحملكم وتحمل أمتعتكم الكثيرة إلى البلدان والأقطار البعيدة، وسخر لها من الأسباب ما كان معونة على ذلك‏.‏
ثم نبه على هذه الأسباب بقوله‏:‏

‏{‏إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ‏}‏
التي جعلها الله سببا لمشيها،

‏{‏فَيَظْلَلْنَ‏}‏
أي‏:‏ الجوار

‏{‏رَوَاكِدَ‏}
‏ على ظهر البحر، لا تتقدم ولا تتأخر، ولا ينتقض هذا بالمراكب النارية، فإن من شرط مشيها وجود الريح‏.‏
وإن شاء الله تعالى أوبق الجوار بما كسب أهلها، أي‏:‏ أغرقها في البحر وأتلفها، ولكنه يحلم ويعفو عن كثير‏.‏


‏{‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ‏}
‏ أي‏:‏ كثير الصبر على ما تكرهه نفسه ويشق عليها، فيكرهها عليه، من مشقة طاعة، أو ردع داع إلى معصية، أو ردع نفسه عند المصائب عن التسخط،

‏{‏شَكُورٍ‏)
في الرخاء وعند النعم، يعترف بنعمة ربه ويخضع له، ويصرفها في مرضاته، فهذا الذي ينتفع بآيات الله‏.‏
وأما الذي لا صبر عنده، ولا شكر له على نعم الله، فإنه معرض أو معاند لا ينتفع بالآيات‏.‏
ثم قال تعالى‏:‏

‏{‏وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا‏}
‏ ليبطلوها بباطلهم‏.‏

‏{‏مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ‏}
‏ أي‏:‏ لا ينقذهم منقذ مما حل بهم من العقوبة‏.‏

‏[‏36ـ 39‏]‏ ‏{‏فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ‏}‏
هذا تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة، وذكر الأعمال الموصلة إليها فقال‏:‏

‏{‏فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ‏}
‏ من ملك ورياسة، وأموال وبنين، وصحة وعافية بدنية‏.‏

‏{‏فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}
‏ لذة منغصة منقطعة‏.‏

‏{‏وَمَا عِنْدَ اللَّهِ‏}‏
من الثواب الجزيل، والأجر الجليل، والنعيم المقيم

‏{‏خَيْرٌ‏}‏
من لذات الدنيا، خيرية لا نسبة بينهما

‏{‏وَأَبْقَى‏}‏


لأنه نعيم لا منغص فيه ولا كدر، ولا انتقال‏.‏
ثم ذكر لمن هذا الثواب فقال‏:‏




‏{‏لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ‏}
‏ أي‏:‏ جمعوا بين الإيمان الصحيح، المستلزم لأعمال الإيمان الظاهرة والباطنة، وبين التوكل الذي هو الآلة لكل عمل، فكل عمل لا يصحبه التوكل فغير تام، وهو الاعتماد بالقلب على الله في جلب ما يحبه العبد، ودفع ما يكرهه مع الثقة به تعالى‏.‏


تفسير السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن)


استغفر الله واتوب اليه
اضافة رد مع اقتباس