مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 06/01/2009, 09:01 PM
سامي صعب يتكرر سامي صعب يتكرر غير متواجد حالياً
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 28/03/2008
مشاركات: 809
Lightbulb تفسير سورة الشورى(4)

{‏يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا‏}‏
عنادا وتكذيبا، وتعجيزا لربهم‏.‏

‏{‏وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا‏}
‏ أي‏:‏ خائفون، لإيمانهم بها، وعلمهم بما تشتمل عليه من الجزاء بالأعمال، وخوفهم، لمعرفتهم بربهم، أن لا تكون أعمالهم منجية لهم ولا مسعدة، ولهذا قال‏:‏

‏{‏وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ‏}
‏ الذي لا مرية فيه، ولا شك يعتريه

‏{‏أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ‏}
‏ أي‏:‏ بعد ما امتروا فيها، ماروا الرسل وأتباعهم بإثباتها فهم في شقاق بعيد، أي‏:‏ معاندة ومخاصمة غير قريبة من الصواب، بل في غاية البعد عن الحق، وأيُّ بعد أبعد ممن كذب بالدار التي هي الدار على الحقيقة، وهي الدار التي خلقت للبقاء الدائم والخلود السرمد، وهي دار الجزاء التي يظهر الله فيها عدله وفضله وإنما هذه الدار بالنسبة إليها، كراكب قال في ظل شجرة ثم رحل وتركها، وهي دار عبور وممر، لا محل استقرار‏.‏

فصدقوا بالدار المضمحلة الفانية، حيث رأوها وشاهدوها، وكذبوا بالدار الآخرة، التي تواترت بالإخبار عنها الكتب الإلهية، والرسل الكرام وأتباعهم، الذين هم أكمل الخلق عقولا، وأغزرهم علما، وأعظمهم فطنة وفهما‏.‏



‏[‏19ـ 20‏]‏ ‏{‏اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ * مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ‏}‏
يخبر تعالى بلطفه بعباده ليعرفوه ويحبوه، ويتعرضوا للطفه وكرمه، واللطف من أوصافه تعالى معناه‏:‏ الذي يدرك الضمائر والسرائر، الذي يوصل عباده ـ وخصوصا المؤمنينـ إلى ما فيه الخير لهم من حيث لا يعلمون ولا يحتسبون‏.‏
فمن لطفه بعبده المؤمن، أن هداه إلى الخير هداية لا تخطر بباله، بما يسر له من الأسباب الداعية إلى ذلك، من فطرته على محبة الحق والانقياد له وإيزاعه تعالى لملائكته الكرام، أن يثبتوا عباده المؤمنين، ويحثوهم على الخير، ويلقوا في قلوبهم من تزيين الحق ما يكون داعيا لاتباعه‏.‏
ومن لطفه أن أمر المؤمنين، بالعبادات الاجتماعية، التي بها تقوى عزائمهم وتنبعث هممهم، ويحصل منهم التنافس على الخير والرغبة فيه، واقتداء بعضهم ببعض‏.‏
ومن لطفه، أن قيض لعبده كل سبب يعوقه ويحول بينه وبين المعاصي، حتى إنه تعالى إذا علم أن الدنيا والمال والرياسة ونحوها مما يتنافس فيه أهل الدنيا، تقطع عبده عن طاعته، أو تحمله على الغفلة عنه، أو على معصية صرفها عنه، وقدر عليه رزقه، ولهذا قال هنا‏:‏

‏{‏يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ‏}
‏ بحسب اقتضاء حكمته ولطفه

‏{‏وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ‏}
‏ الذي له القوة كلها، فلا حول ولا قوة لأحد من المخلوقين إلا به، الذي دانت له جميع الأشياء‏.‏
ثم قال تعالى‏:‏

‏{‏مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ‏}‏
أي‏:‏ أجرها وثوابها، فآمن بها وصدق، وسعى لها سعيها ‏

{‏نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ‏}‏
بأن نضاعف عمله وجزاءه أضعافا كثيرة، كما قال تعالى‏:‏

‏{‏وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا‏}
‏ ومع ذلك، فنصيبه من الدنيا لا بد أن يأتيه‏.‏

‏{‏وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا‏}
‏ بأن‏:‏ كانت الدنيا هي مقصوده وغاية مطلوبه، فلم يقدم لآخرته، ولا رجا ثوابها، ولم يخش عقابها‏.‏ ‏

{‏نُؤْتِهِ مِنْهَا‏}‏
نصيبه الذي قسم له،

‏{‏وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ‏}
‏ قد حرم الجنة ونعيمها، واستحق النار وجحيمها‏.‏
وهذه الآية، شبيهة بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ‏}‏ إلى آخر الآيات‏.‏


‏[‏21ـ 23‏]‏ ‏{‏أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ‏}‏
يخبر تعالى أن المشركين اتخذوا شركاء يوالونهم ويشتركون هم وإياهم في الكفر وأعماله، من شياطين الإنس، الدعاة إلى الكفر

‏{‏شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ‏}
‏ من الشرك والبدع، وتحريم ما أحل الله، وتحليل ما حرم الله ونحو ذلك مما اقتضته أهواؤهم‏.‏
مع أن الدين لا يكون إلا ما شرعه الله تعالى، ليدين به العباد ويتقربوا به إليه، فالأصل الحجر على كل أحد أن يشرع شيئا ما جاء عن الله وعن رسوله، فكيف بهؤلاء الفسقة المشتركين هم وأباؤهم على الكفر‏.‏

‏{‏وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُم‏}
‏ أي‏:‏ لولا الأجل المسمى الذي ضربه الله فاصلا بين الطوائف المختلفة، وأنه سيؤخرهم إليه، لقضي بينهم في الوقت الحاضر بسعادة المحق وإهلاك المبطل، لأن المقتضي للإهلاك موجود، ولكن أمامهم العذاب الأليم في الآخرة، هؤلاء وكل ظالم‏.‏

وفي ذلك اليوم

‏{‏تَرَى الظَّالِمِينَ‏}‏
أنفسهم بالكفر والمعاصي

‏{‏مُشْفِقِينَ‏}‏
أي‏:‏ خائفين وجلين

‏{‏مِمَّا كَسَبُوا‏}
‏ أن يعاقبوا عليه‏.‏
ولما كان الخائف قد يقع به ما أشفق منه وخافه، وقد لا يقع، أخبر أنه

‏{‏وَاقِعٌ بِهِم‏}
‏ العقاب الذي خافوه، لأنهم أتوا بالسبب التام الموجب للعقاب، من غير معارض، من توبة ولا غيرها، ووصلوا موضعا فات فيه الإنظار والإمهال‏.‏

‏{‏وَالَّذِينَ آمَنُوا‏}‏
بقلوبهم بالله وبكتبه ورسله وما جاءوا به،

‏{‏وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏}
‏ يشمل كل عمل صالح من أعمال القلوب، وأعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات، فهؤلاء

‏{‏فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ‏}‏
أي‏:‏ الروضات المضافة إلى الجنات، والمضاف يكون بحسب المضاف إليه، فلا تسأل عن بهجة تلك الرياض المونقة، وما فيها من الأنهارالمتدفقة، والفياض المعشبة، والمناظر الحسنة، والأشجار المثمرة، والطيور المغردة، والأصوات الشجية المطربة، والاجتماع بكل حبيب، والأخذ من المعاشرة والمنادمة بأكمل نصيب، رياض لا تزداد على طول المدى إلا حسنا وبهاء، ولا يزداد أهلها إلا اشتياقا إلى لذاتها وودادا،

‏{‏لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ‏}
‏ فيها، أي‏:‏ في الجنات، فمهما أرادوا فهو حاصل، ومهما طلبوا حصل، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر‏.‏

‏{‏ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ‏}‏
وهل فوز أكبر من الفوز برضا الله تعالى، والتنعم بقربه في دار كرامته‏؟‏

تفسير السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن)

لاحول ولا قوة الا بالله
اضافة رد مع اقتباس