في الحقيقة .. ربما يكون جيريتس هو المدرب الوحيـد الذي خـذل الهـلال "باختيـاره" .. وإلا فإن هذا السينـاريـو يكـاد يكون مشهـدًا متكـررًا مع كل مدربٍ يقـدم إلى الهـلال ويحقق معه النجـاحـات .. فمن مـدربٍ يختـاره المسؤولون في الاتحـاد السعودي لتـدريب المنتخـب في منتصف الموسـم ..! إلى آخر يتم طـرده وإبعـاده عن البـلاد بعد تحقيقه بطولةً مع الفريق لسببٍ مفتعـلٍ ..! ولكن جيريتس هذه المرة أراد أن يكون مختلفـًا ..! ليـس حيـن اختـار بنفسـه الرحيـل وحسـب .. ولكـن لأنـه كذلك حيـن رحـل لم يُبقِ في ذاكرة محبي الهـلال شيئًا يجعلـه ذكـرى طيبـة .. بل على العكس من ذلك تمامًا وعلى الرغـم من كل ما صنعـه جيريتس للهـلال في الموسم الماضي وتغييره شكل الأداء الهلالي تمامـًا .. وعلى الرغم من كل ما صنعه الهلاليون لجيريتس وخصوصًا رئيسهم .. على الرغم من كل ذلك إلا أن خاتمته مع الهـلال كانت سيئـةً للدرجة التي جعلتهم ينسـون كل ما صنعه لهـم في الموسـم المـاضي ..! ولعلها من المـرات النادرة جدًا وربمـا هي المـرة الأولى والوحيـدة التي يهـزم فيها الهلال في ثلاث مبـاريـات متتـاليـة ..!
أدرك أن الهلال ليس بحاجةٍ لمـدرب يصنع الهلال .. بل إن الهـلال نفسه صنـع أسمـاء كثيرٍ من المدربيـن .. الذين ذاقوا طعم البطولات والانتصارات والأمجـاد وحتى الأضواء مع الهـلال .. وحين خرجـوا من الهـلال اختفوا وخفتـت عنهم الأضـواء .. ولكن هذه الطريقة دائمًا ما تصيب استقـرار الهـلال وتفـوقه في مقتـل .. والشـواهـد كثيـرةٌ! فلـن ينسـى الهلاليـون خسـارتهـم كـوزمين مثـلا قبـل موسميـن وخسـارتهم الدوري بعد ذلك وخروجهم من كـاس آسيـا بسبب ذلك أيضًـا ..وهذا "مجـرد" مثـال واحـدٍ فقـط ! ولكنهـا المـرة الأولى التي يخـرج فيهـا المدرب نفسـه بنفسـه من الفـريق ويخـرج ويحـرج معـه الفريـق ..!
عادة الغربييـن أن يكـون عملهـم احترافيـًا بالمعنى الفعـلي للكلمـة على عكـس الشـرقييـن .. فالعمـل شيءٌ والصـداقـة شيءٌ آخـر تمامـًا .. ولكـن السيـد جيـريـتس لم يكـن كذلك .. استغـل صـداقة أعضاء الإدارة الهلاليـة لـه ومارس معهـم تصرفًا لا علاقة له بالاحتـراف .. ولا نستغـرب ولا نضـع اللـوم كله على جيريـتس الذي وقـع للمغـرب وكلـه ثقـةٌ بأنـه لـن يطـوله شيءٌ بل كـان يصـرح بذلـك ..! ومـن أمـن العقـوبة أسـاء الأدب .. وأدرك جيـدًا كذلك قيمـة العمـل الاحتـرافي الكبيـر الذي قامـت به إدارة الهلال متمثلة في شخص الرئيـس المتميـز عبدالرحمـن بن مسـاعـد ونـائبـه نـواف بن سعـد والكـابتـن سـامي الجـابـر .. والذي لا يشـك أحـدٌ في أنه نقـل الهـلال والفكـر الاحتـرافي في المملكـة عمومـا نقلـة نوعيـةً .. ولكـن لا بأس من مناقشـة هذه القشـة التي قصمـت ظهر البعيـر ..لمعالجتهـا وتلافيـها مستقبـلاً .. فالتـدليـل الزائـد والطيبـة الزائـدة والمجـاملـة الزائـدة لا مكـان لهـا في عالـم الاحتـراف .. وما دامت الإدارة تنفـق بسخـاء فمن المنتظـر أن يبذل الجهـاز التـدريبـي واللاعبـون جهـدهم السخـي في خدمـة الفريـق كذلك ..!
عمومًا هي صفحةٌ وطويت .. ولكن تبقى منها استخـلاص الدروس والعبـر .. وأحسنت إدارة الهـلال في وضع عينها على المـدرب الجيـد مارتن أونيل .. والذي أتمنى أن يأتي فعلاً للهلال .. حتى لو لم يحقق مع الزعيـم أي بطولةٍ هذا الموسـم وإنما عمل على تحضيـر الفريـق للمستقبـل والموسم المقبـل .. وهذا هو عين التفكيـر الاحترافي .. ومع كامل احترامي لبعد نظر وخبرة الكابتـن سامي الجابـر إلا أني لا أوافقه إطلاقًا في رأيه حول كالديرون .. هـذا المدرب سيكون - والله أعلم - غلطةً جديدةً وخسارةً جديدةً فيما لو حضر للهـلال .. فالتحضيـر الاحتـرافي لا يعنـى بالنتائـج الوقتيـة .. هذا إذا كان كالديرون قادرًا فعلاً على إحراز شيءٍ للزعيـم ..!
أشيـاء أخـرى ..:
* ديـربي الهـلال والنصـر أصبـح تمامـًا مثل ديـربي تورينـو بين اليـوفي وتورينـو ..! يسمـى ديـربي "تجـاوزًا" .. وللتاريخ فقـط ..!
* لن يكون مستغربًا البتـة فيـمـا لو سمعنـا لاحقًـا أن هنـاك من منـح أفـراد فريقـه مكـافـأة فـوزٍ لأن الهـلال خـرج من إحدى البطـولات ..! حقـًا .. يعيـش المنطـق ..!
* هـل تعـلم أن هنـاك أعضـاء إدارةً يجتمـعون لمنـاقشـة مشـاكل الهـلال وليحتفلوا ويتهكموا على خـروجـه من البطـولات للدرجـة التي تجعلهم يغفلون منـاقشـة مشـاكل فريقهـم التي يبـدو أن لا حل لهـا ؟؟!
* إن من المدهـش حقًا أن ينتظـر أولئـك من الهـلال أن يحقـق كل البطـولات التي يلعبهـا .. ذلك يـدل ضمنيًا على ثقتهم الكبيـرة في إمكانيـات وقوة الزعيـم !
* يستطيع المتابع لكرة القدم أن يلحظ بوضوح أن لكل فريق من الفرق العالميـة ثقافةً معينـةً تميـزه عن غيره الفرق الأخرى وتجعل ذلك الفريـق يظهـر فعلاً كمدرسةٍ كرويـةٍ لها سماتها الخاصـة وملامحها البارزة التي تظهر حتى على شكل أداء الفريـق .. فثقافة المدرسة البرشلونية تختلف تمامًا عنها في المانشستر أو الميلان أو البايرن .. وتشترك كل هذه الثقافات من الفرق العالميـة بكونهـا جميلـة .. أعتقـد أن الهـلال يملك شيئًا كهـذا .. لديه ثقـافةٌ جميـلة .. وهذا يدل على أنه يسير في الطريق الصحيح .. في الوقت الذي تحترف فيه فرقٌ أخرى ثقافاتٍ باليةً وسطحيةً ومشـوهةً ولا تمـت إلى الجمـال بصلـةٍ ..! الغريب حقًا أن أصحـاب هذه الثقافـات والعقليـات يعتقدون دومًا أنهم يسيـرون في الطريـق الصحيـح !
* مـاجـد المرشـدي .. أعتقـد أنه ليـس المدافـع الذي عرفنـاه أيـام كوزمين ..! أعتقـد أن ناصر الأحمد قال كلمةً دقيقةً بحق المرشـدي وحدد بالضبط مشكلـة المرشـدي حين قال : إن ثقتـه بنفسـه أكبـر من إمكانيـاته ..! يجب أن يراجـع نفسـه لئـلا يخسره الهـلال ويخسـر نفسـه ..!
* مشكلـة كثيـرٍ من لاعبي الهـلال أنهم لا يمكن التنبؤ بما سيفعلون في كل مبـاراةٍ ..! فمحمد نامي والفريدي والعابـد وحتى نيفيز وويلي مثلاً .. من الممكن أن يتألق أحدهم ويتسبب في ترجيح كفة الهلال بوضوحٍ في مباراةٍ ما .. وفي المباراة التي تليها يتراجع أداؤه بشكلٍ محيـرٍ يصعـب تفسيـره ولا يوحي بأنه هو نفسـه اللاعـب الذي تـألق في المبـاراة السـابقـة ..!
* يـاسـر .. لا يحتـاج من يقسـو عليـه ويشكك في انتمائه وولائه لناديه .. ولا يحتـاج كذلك إلى من يعمي نظـره ويصم أذنيـه عن التراجع الكبيـر في مستوى النجـم الكبيـر .. يـاسر يحتـاج فقط إلى من يـذكـره بأنـه محــترف ويتعامل معه كمحتـرف .. لا شك أن ياسر نجـم مرحلـة .. ولكي يحافـظ على تلـك النجوميـة يجب أن يتذكـر دومًا بأنه محتـرفٌ .. ويتعامل مع موهبتـه ويراجـع حساباته على هـذا الأسـاس .. أراهـن أنه ما زال لديه كثيرٌ ليقدمـه .. ولكـن يجـب أولاً أن يرتـاح قليـلاً من كل الضغـوط .. ثم يبـدأ في منافسـة نفسـه من جـديـدٍ ..!
أطيب تحيـةٍ لكل من يمـر ..
الوضع الشجري
