* الهلال والاتحاد ثم الشباب أفضل الفرق السعودية في العقد الأخير؛ تسيدت المشهد المحلي، لكنها لم تستطع أخذ دور بطولة مطلقة على مسرح المنافسات الآسيوية، ولن يكون لها ذلك، لا هي ولا أي فريق سعودي في القريب المنظور على الأقل.

* ليست نظرة تشاؤمية، لكنها الواقع، الواقع الذي نتجاهله ونظن أننا نستطيع تجاوزه بلغة المكابرة، أو بكلمات التحفيز، أو بإغداق المال.. الواقع يقول إن الكرة السعودية دخلت في (ترند هابط) منذ أن وصلت إلى قمة مجدها في كأس العالم 94، ولو دققنا النظر واسترجعنا الماضي لعرفنا أن ما وصلت إليه الكرة السعودية من نجاحات كانت ثمرة خطط رسمها الراحل الأمير فيصل بن فهد، وحققت مبتغاها، وكان من المنطقي رسم خطة تالية تُبنى على ما سبقها؛ ليستمر النجاح والتطور التراكمي.0

* ما حدث أن الكرة السعودية أُصيبت بحالة توهان مزمن، وبقيت تدور في حلقة مفرغة منذ 94 حتى الآن، تقتات على تركة الماضي، وأمجاد الأيام الخوالي، دون أن تستطيع إظهار ملامحها الحاضرة، أو ترسم لنفسها خارطة طريق إلى المستقبل.

* دول آسيوية تقل عنّا كثيراً في إمكاناتها المادية والبشرية، وخامات لاعبيها، ومع ذلك تجاوزتنا؛ لأنها حوّلت الكرة إلى صناعة تُدار بفكر احترافي حقيقي.

* لهذا فشل الهلال، وفشل الشباب، وقبلهما الاتحاد، وسيظل الفشل ملازماً لكل فرقنا ومنتخباتنا، حتى نقتنع بأن الكرة لم تعد مالاً واجتهادات، ولا غفوات ممتدة وصحوة في الوقت الضائع، بل أصبحت علماً قائماً بذاته، وصناعة حقيقية بكل ما تعنيه الكلمة.

* هذا ما توافر للاعبي "ذوب آهن" الفريق المغمور ذي الإمكانات المحدودة مقارنة بالهلال – مثلاً -، وجعلهم يؤدون مبارياتهم برتم واحد من أول دقيقة حتى آخر دقيقة، طوال مشوارهم في البطولة.

* الشيء الوحيد الذي لا يزال سمة مميزة للكرة السعودية، وهو الذي أبقاها حاضرة في ميدان المنافسة – المنافسة وليس البطولة -، هو إمكانات اللاعب السعودي وخامته المعجونة بالموهبة الفطرية، التي لو عولجت في معامل الصناعة الكروية، وصُهرت في قالب الأداء الجماعي لاكتسحت القارة الصفراء، وتجاوزت بطولاتها التي عزت علينا كل هذه السنين.

* مشكلة أخرى تضرب بجذورها في أعماق الكرة السعودية، مشكلة تتعلق باللاعب السعودي الذي لم يدرك بعد معنى أن يكون لاعباً محترفاً، يعي معنى وقيمة العمل الذي يمتهنه، بما عليه من واجبات وما له من حقوق؛ ما يسوّغ لبعض الجمهور الرياضي نعت بعض لاعبي فريقه بالتخاذل أو انعدام روح الولاء في داخلهم، وربما كان معهم بعض الحق؛ لأن من يشاهد أداء بعض اللاعبين في بعض المناسبات يشك بأنهم نزلوا إلى أرض الملعب لهزيمة فريقهم، لكن لأن بعض الجمهور الرياضي عاطفي ولا يملك الوعي الكافي لمعرفة المشكلة أو الإحاطة بها يُشخِّصها بهذه السطحية!

* مَنْ عاب على لاعبي الهلال والشباب أداءهم في مباريات البطولة الآسيوية، ووصمهم بالتخاذل، وقدح في إخلاصهم فقد جانبه الصواب؛ هؤلاء اللاعبون نتاج ثقافة اجتماعية هشة، وثقافة رياضية مريضة، انعكست على المنظومة التي يسبحون في فلكها؛ لذلك كان نتاجهم ونتائجهم كما رأينا وكما سنرى.. هؤلاء يحبون ناديَيْهم أكثر من لاعب الهلال الروماني رادوي –مثلاً -، لكنه تفوق عليهم أداء وقتالاً لأنه ابن ثقافة تحترم العمل، وتقدر قيمة المهنة، ولن يختلف أداؤه لو لعب لأي فريق في أي مكان؛ لأن صفات التفوق والنجاح والإخلاص والإصرار نابعة من داخله، ولا تخضع للظروف المحيطة.

* الإعلام الرياضي أسهم أيضاً في مفاقمة مشكلة الرياضة السعودية، باتشاحه ألوان الأندية الجماهيرية؛ فتحولت الصحف والصفحات الرياضية إلى أجنحة إعلامية للأندية، ودخلت في صراعات ومناحرات بينها، وحيّدت الصوت الناقد، وتخاذلت عن القيام بالتزاماتها تجاه نشر ثقافة الوعي بين اللاعبين، ومدرجات المشجعين.

* لتدركوا كم هو إعلامنا الرياضي غارق في الميول، مغرق في الطروحات المؤججة لنار التعصب، المنطلقة من "أحادية القطب/ النادي"، ارجعوا وراجعوا بعض الطروحات الإعلامية الغريبة التي تبناها بعض الإعلاميين الهلاليين منذ تداعيات مباراة الغرافة الشهيرة، بل إن بعضهم شنَّ هجوماً عنيفاً على هيئة دوري المحترفين على طريقة سيئ الذكر (بوش الابن) "إنْ لم تكن معي فأنت ضدي"؛ لأنها لم تؤجل لقاء الاتحاد والفتح في دوري زين لتزامنه مع مباراة الهلال والفريق الإيراني!.. جميل أنهم توقفوا عند هذا الحد ولم يطالبوا بـ"تعطيل الحياة" يوم المباراة!
الكاتب ناصر المرشدي