هل كانت أمتنا الإسلامية في حاجة إلى أن يقضي بعض شيوخنا سنوات من عمره يبحث في الكتب والمجلدات والمخطوطات ليأتي للأمة بفتوى تبيح لها الغناء والموسيقى؟؟


لقد نذر بعض الفاتحين الجدد أنفسهم وبذلوا أعمارهم وأوقاتهم لإثبات مشروعية الغناء والمعازف، وتحمَّلوا في سبيل ذلك الكثير من الجهد، وعرَّضوا أنفسهم للكثير من النقد. فهم يرون أن الأمة ليست في حاجة إلى شيء من الدنيا مثل حاجتها في هذا الوقت الشديد إلى الغناء.


فها هي أمتنا الإسلامية قد جاوزت الحد في زهدها، وبالغت في جدها واجتهادها، فلا تكاد تذهب إلى جزء أو مكان من هذه الأمة إلا وتجد أبناءها وكأن على رؤوسهم الطير من الخشية، أو كأنهم قد علموا أن القيامة تقوم غداً؛ فلبسوا لبس الزهاد، وقاموا كما يقوم العباد، وقضوا أوقاتهم في المساجد، فهم ما بين قائم أو ساجد.. قد نبذوا اللهو وتركوه، وعلت بهم هممهم نحو المجد حتى أدركوه!! فكان لا بد من فاتح جديد يعيد إلى الأمة بعضاً من المرح وشيئاً من اللهو المستباح!!


لقد نظر هؤلاء الفاتحون الجدد إلى حال الأمة فوجدوها محرومة من كل وسائل اللهو والمرح, فلا غناء ولا رقص ولا مسارح ولا مهرجانات غنائية تضج بها المدن الإسلامية في كل وقت وفي كل حين.. ونظروا إلى حال أبنائها فوجدوهم قد اشتغلوا بكتاب الله تلاوة وحفظاً وتفقهاً، ولم تلههم تلك المخترعات القادمة من بلاد اللهو والعبث عن مجدهم الذي يطلبونه؛ فنبذوا وسائل اللهو الماجن وراء ظهورهم حفاظاً على أخلاقهم وحرصاً على مبادئهم؛ فكان لا بد من فاتح يخفف عنهم وطأة العبادة, ويهديهم إلى الترويح عن أنفسهم (ساعة وساعة)!!


لقد قضى هؤلاء الفاتحون الجدد سنين وأعواماً من أعمارهم يغوصون بين المؤلَّفات، ويبحثون حتى في كتب التاريخ والأدب، فسألوا الأصمعي، واستفتوا الأصفهاني، ولم ينسوا أن يمروا على كتب الجاحظ وفكاهاته بحثاً عن مخرج لهذه الأمة لكي تنال ولو شيئاً يسيراً من اللهو والمرح..


لقد أشفق هؤلاء الفاتحون على حال أمتنا الزاهدة في الدنيا ونعيمها، إلى درجة أنك لن تجد في سماء هذه الأمة الإسلامية ولا في أرضها أي قناة فضائية تعرض المغنيات العاريات والراقصات المبتذلات والمغنين الذين يسوّقون للفاحشة ويدغدغون مشاعر المراهقين والمراهقات على مدار الساعة.


شكراً أيها الفاتحون الجدد، فكم هي أمتنا بحاجة إلى جهودكم العظيمة في الدعوة إلى الطرب والغناء! فها هم أبناء أمتنا ومن قبل فتوحاتكم العظيمة يسيرون في الشوارع وقد انكشفت مؤخراتهم بأيديهم لا بأيدي غيرهم, وهؤلاء بنات أمتنا يسرن في الأسواق وقد تخصرن حتى غدت عوراتهن ومؤخراتهن كالكاسيات العاريات..


شكراً أيها الفاتحون الجدد على سنوات الضياع التي قضيتموها في البحث والتنقيب عن دليل يفتح للأمة باب الأمل نحو عصر جديد وفتوحات جديدة؛ لترقص الأمة على جراحها، وتغني على مآسيها، فليس هناك أشد سخرية من أن تغني الأمة وتحمل العود والطنبور وعدوها يدكها بالرشاش والجنزير، وشيخ قابع في مكتبته يبحث عن دليل يبيح لهذه الأمة الغناء، وآخر يقضي من عمره عشر سنوات ليكتشف بعدها أن صلاة الجماعة ليست واجبة، وأن الاختلاط بين الجنسين حلال لا ريبة فيه!!


شكراً أيها الفاتحون الجدد، فلم يتبق من مشاهد العبث بمشاعر الأمة إلا أن نسمع عن سفينة تحمل بين جنباتها المئات من المغنين والمغنيات والراقصين والراقصات وآلات اللهو والطرب تتجه نحو غزة الأبيّة؛ ليختلط النصر بالهزيمة والصمود بالعبث وأصوات رجال الانتفاضة الشريفة بأصوات التميع وعبارات الرذيلة، ولعلها تكون السفينة الأولى والوحيدة التي ستسمح لها إسرائيل بالوصول إلى شواطئ غزة بل إلى قلب غزة الجريح دون قيد أو شرط.

الله يجزاااك خيرااا
0000000000000