30/01/2009, 11:05 PM
|
زعيــم نشيــط | | تاريخ التسجيل: 28/03/2008
مشاركات: 809
| |
تفسير سورة غافر (6) فخوفهم ـ رضي الله عنه ـ هذا اليوم المهول، وتوجع لهم أن أقاموا على شركهم بذلك، ولهذا قال:
{يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِين}
أي: قد ذهب بكم إلى النار
{مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ}
لا من أنفسكم قوة تدفعون بها عذاب الله، ولا ينصركم من دونه من أحد {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ}
{وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}
لأن الهدى بيد الله تعالى، فإذا منع عبده الهدى لعلمه أنه غير لائق به، لخبثه، فلا سبيل إلى هدايته.
{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ}
بن يعقوب عليهما السلام
{مِنْ قَبْلُ}
إتيان موسى بالبينات الدالة على صدقه، وأمركم بعبادة ربكم وحده لا شريك له،
{فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ}
في حياته
{حَتَّى إِذَا هَلَكَ}
ازداد شككم وشرككم، و
{قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا}
أي: هذا ظنكم الباطل، وحسبانكم الذي لا يليق بالله تعالى، فإنه تعالى لا يترك خلقه سدى، لا يأمرهم وينهاهم، ويرسل إليهم رسله، وظن أن الله لا يرسل رسولا ظن ضلال، ولهذا قال:
{كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ}
وهذا هو وصفهم الحقيقي الذي وصفوا به موسى ظلمًا وعلوا، فهم المسرفون بتجاوزهم الحق وعدولهم عنه إلى الضلال، وهم الكذبة، حيث نسبوا ذلك إلى الله، وكذبوا رسوله.
فالذي وصفه السرف والكذب، لا ينفك عنهما، لا يهديه الله، ولا يوفقه للخير، لأنه رد الحق بعد أن وصل إليه وعرفه، فجزاؤه أن يعاقبه الله، بأن يمنعه الهدى، كما قال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُم} {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
ثم ذكر وصف المسرف الكذاب فقال:
{الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ}
التي بينت الحق من الباطل، وصارت ـ من ظهورهاـ بمنزلة الشمس للبصر، فهم يجادلون فيها على وضوحها، ليدفعوها ويبطلوها
{بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُم}
أي: بغير حجة وبرهان، وهذا وصف لازم لكل من جادل في آيات الله، فإنه من المحال أن يجادل بسلطان، لأن الحق لا يعارضه معارض، فلا يمكن أن يعارض بدليل شرعي أو عقلي أصلا،
{كَبُرَ}
ذلك القول المتضمن لرد الحق بالباطل
{مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا}
فالله أشد بغضًا لصاحبه، لأنه تضمن التكذيب بالحق والتصديق بالباطل ونسبته إليه، وهذه أمور يشتد بغض الله لها ولمن اتصف بها، وكذلك عباده المؤمنون يمقتون على ذلك أشد المقت موافقة لربهم، وهؤلاء خواص خلق الله تعالى، فمقتهم دليل على شناعة من مقتوه،
{كَذَلِكَ}
أي: كما طبع على قلوب آل فرعون
{يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}
متكبر في نفسه على الحق برده وعلى الخلق باحتقارهم، جبار بكثرة ظلمه وعدوانه.
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ}
معارضًا لموسى ومكذبًا له في دعوته إلى الإقرار برب العالمين، الذي على العرش استوى، وعلى الخلق اعتلى:
{يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا}
أي: بناء عظيمًا مرتفعًا، والقصد منه لعلي أطلع
{إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبًا}
في دعواه أن لنا ربًا، وأنه فوق السماوات.
ولكنه يريد أن يحتاط فرعون، ويختبر الأمر بنفسه، قال الله تعالى في بيان الذي حمله على هذا القول:
{وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ}
فزين له العمل السيئ، فلم يزل الشيطان يزينه، وهو يدعو إليه ويحسنه، حتى رآه حسنًا ودعا إليه وناظر مناظرة المحقين، وهو من أعظم المفسدين،
{وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ}
الحق، بسبب الباطل الذي زين له.
{وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ}
الذي أراد أن يكيد به الحق، ويوهم به الناس أنه محق، وأن موسى مبطل
{إِلَّا فِي تَبَابٍ}
أي: خسار وبوار، لا يفيده إلا الشقاء في الدنيا والآخرة.
{وَقَالَ الَّذِي آمَنَ}
معيدًا نصيحته لقومه:
{يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ}
لا كما يقول لكم فرعون، فإنه لا يهديكم إلا طريق الغي والفساد.
{يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ}
يتمتع بها ويتنعم قليلاً، ثم تنقطع وتضمحل، فلا تغرنكم وتخدعنكم عما خلقتم له
{وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ}
التي هي محل الإقامة، ومنزل السكون والاستقرار، فينبغي لكم أن تؤثروها، وتعملوا لها عملا يسعدكم فيها.
{مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً}
من شرك أو فسوق أو عصيان
{فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا}
أي: لا يجازى إلا بما يسوؤه ويحزنه لأن جزاء السيئة السوء.
{وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى}
من أعمال القلوب والجوارح، وأقوال اللسان
{فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ}
أي: يعطون أجرهم بلا حد ولا عد، بل يعطيهم الله ما لا تبلغه أعمالهم.
{وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ}
بما قلت لكم
{وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ}
بترك اتباع نبي الله موسى عليه السلام.
ثم فسر ذلك فقال:
{تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ}
أنه يستحق أن يعبد من دون الله، والقول على الله بلا علم من أكبر الذنوب وأقبحها،
{وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ}
الذي له القوة كلها، وغيره ليس بيده من الأمر شيء.
{الْغَفَّارُ}
الذي يسرف العباد على أنفسهم ويتجرؤون على مساخطه ثم إذا تابوا وأنابوا إليه، كفر عنهم السيئات والذنوب، ودفع موجباتها من العقوبات الدنيوية والأخروية.
{لَا جَرَمَ}
أي: حقًا يقينًا
{أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ}
أي: لا يستحق من الدعوة إليه، والحث على اللجأ إليه، في الدنيا ولا في الآخرة، لعجزه ونقصه، وأنه لا يملك نفعًا ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياة، ولا نشورًا.
{وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ}
تعالى فسيجازي كل عامل بعمله.
{وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ}
وهم الذين أسرفوا على أنفسهم بالتجرؤ على ربهم بمعاصيه والكفر به، دون غيرهم.
فلما نصحهم وحذرهم وأنذرهم ولم يطيعوه ولا وافقوه قال لهم:
{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُم}
من هذه النصيحة، وسترون مغبة عدم قبولها حين يحل بكم العقاب، وتحرمون جزيل الثواب.
{وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ}
أي: ألجأ إليه وأعتصم، وألقي أموري كلها لديه، وأتوكل عليه في مصالحي ودفع الضرر الذي يصيبني منكم أو من غيركم.
{إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}
يعلم أحوالهم وما يستحقون، يعلم حالي وضعفي فيمنعني منكم ويكفيني شركم، ويعلم أحوالكم فلا تتصرفون إلا بإرادته ومشيئته، فإن سلطكم علي،َّ فبحكمة منه تعالى، وعن إرادته ومشيئته صدر ذلك.
تفسير السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن) استغفر الله واتوب اليه |