الكرة الإيطالية تعيش أسوأ كوابيسها
لم يعد مفاجئا "الدخان الأسود" المتصاعد من ميادين كرة القدم الإيطالية على خلفية المشكلات القانونية التي تخبطت بها طوال المواسم الماضية في شكل فاق الحدود والتوقعات وصولا إلى تهديد مسيرة الدوري الإيطالي الذي أضحت تركيباته مرادفة للعمليات "المافيوية" الشهيرة في الأفلام السينمائية.
لقد جرت العادة في المواسم الأخيرة أن تنطلق عجلة الدوري الإيطالي على وقع مطارق القضاة، إذ أضحت الصورة الأولية لكل موسم جديد "نسخة طبق الأصل" عن صورة الموسم الذي سبقه، وتظهيرا للمشكلات المتراكمة والمتنوعة التي تمر بها غالبية الأندية الإيطالية في الدرجات المختلفة.
هذه الأحداث "الكلاسيكية" تقريبا، أوجبت في مناسبات عدة تأخير وضع برنامج البطولات الإيطالية، وهزت أركان القيّمين على النوادي والاتحاد الإيطالي لكرة القدم.
ومن هذه الأحداث، الصراعات المالية بين النوادي والشركات الحاصلة على حقوق نقل وقائع المباريات، ومشكلات العجز المالي التي أرخت بظلالها على نواد عدة وأبرزها فيورنتينا الذي أجبر على التقهقر إلى الدرجات الدنيا.
إلا أن الفضائح المستجدة أسقطت المقولة التقليدية أن "الكالتشيو" يبدأ في المحاكم وينتهي على المستطيل الأخضر، إذ أن الموسم المنتهي بدأ في القاعات العدلية وعاد إليها قبل انطلاق صافرة النهاية.
قضية جنوى
وبالعودة إلى بداية الموسم، كان يفترض انخراط جنوى بين الكبار في دوري الأضواء، بيد أنه واجه المصير المأسوي إثر قرار أصدره قاضي التحقيق الرياضي بإسقاطه إلى الدرجة الثالثة وإحلال نادي تريفيزو مكانه، بعد عملية التلاعب بنتيجة المباراة وفينيسيا (3-2)، والتي كان عرابها رئيسه إنريكو بريزيوسي.
الصحافة تحذر
وكانت غالبية الصحف الإيطالية المتخصصة قد أطلقت صرخة مدوية في اتجاه هذه التركيبات التي أساءت إلى سمعة الدوري المحلي، وكتب أحد الصحفيين الإيطاليين قبل انطلاق الموسم أنه من الأنسب متابعة المباريات الودية، إذ بات في حكم المؤكد أنها ستكون نظيفة وبعيدة كل البعد عن ما يخطط له سلفا !!!.
إلا أن هذه التحذيرات بقيت حبرا على ورق رغم خطورتها ودلالاتها الكثيرة، إذ اتهم كثيرون الصحافة بتضخيم الأمور في الوقت الذي عرف عنها إلمامها بأدق التفاصيل، حتى اشتعل فتيل الأزمة من جديد في شكل لم تعهده الكرة الايطالية لضلوع نواد كبرى في القضية وعلى رأسها يوفنتوس الذي احتفظ مؤخرا بلقبه بطلا للدوري الايطالي.
ومعلوم انه من النادر أن تخترق قصة ما أجواء تحضيرات أهم حدث كروي المتمثل بنهائيات كأس العالم، إلا أن قضية "اليوفي" احتلت العناوين العريضة بالنظر إلى النتائج التي يمكن أن تفرزها كونه أكثر النوادي إحرازا للقب "السكوديتو" (29 مرة) المهددة فعليا بالهبوط إلى الدرجة الثانية في حال إدانته بالتهم الموجهة إليه.
ولطالما اتهمت النوادي المنافسة مسؤولي "السيدة العجوز" بإبقاء أيديهم في جيوب حكام المباريات، وبلغت هذه الاتهامات ذروتها موسم 1997-1998 بعدما صب الظلم التحكيمي في مصلحة يوفنتوس على حساب إنتر ميلان الذي حرم إحراز اللقب للمرة الاولى منذ عام 1989.
إلا أن النفي القاطع جاء دائما ناحية النادي العريق الذي يستمد قوته المعنوية والمالية من عائلة الراحل جاني آنييلي مالك شركة "فيات" الشهيرة لصناعة السيارات، والذي عرف بلقب "إمبراطور إيطاليا غير المتوج" لشدة ثرائه وجبروته في الأوساط الاجتماعية والسياسية.
السيدة العجوز تنكشف
ووقع يوفنتوس في المحظور بعد نشر وسائل الإعلام مكالمات هاتفية لمدير النادي لوتشيانو موجي وعضو مجلس الإدارة انطونيو جيرودو مع بييرلويجي بايريتو عضو سابق في لجنة الحكام في الاتحاد الايطالي ونائب سابق لرئيس لجنة الحكام في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، طلب فيها الأول تعيين حكام معينين لمباراة يوفنتوس ضد ميسينا وميلان في 2004، إلى بعض المباريات الودية والمباراة أمام ديورغاردنز السويدي ضمن دوري أبطال أوروبا العام عينه.
وبعدما اتسعت دائرة الفضائح أعلن مجلس إدارة يوفنتوس استقالته وحذا حذوه رئيس الاتحاد الايطالي فرانكو كارارو الذي أشير إليه بين المشتبهين الـ41 الذين ذكرهم المدعي العام في نابولي، إلى جانب الحكم ماسيمو دي سانتيس الذي أبعد عن نهائيات المونديال.
وتبدو الاتهامات الموجهة إلى يوفنتوس وموجي الذي كان مطلوبا منذ فترة قصيرة من ريال مدريد الإسباني لحسن تعامله في إتمام الصفقات المستعصية، أكبر مما يتصوره البعض، إذ أشار المحققون إلى إمكانية خلق موجي نظاما خاصا به يحدد حكام مباريات ناديه ولاعبي المنتخب الوطني وحتى أسماء اللاعبين الذين ينالون البطاقات الملونة أثناء المباريات !!!.
كما بدأت التحقيقات في شأن اختطاف موجي وجيرودو لطاقم حكام بعد احتجازه في غرف تبديل الملابس إثر خسارة يوفنتوس أمام ريجينا في تشرين الثاني/نوفمبر 2004، أضف مداهمة الشرطة مقر النادي ومنزلي المهاجم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش والمدافع فابيو كانافارو بعد شكوك في تلاعب موجي وجيرودو بصفقتي انتقالهما إلى الفريق.
وتواصل مسلسل المخالفات مع اتهام الحارس الدولي جيانلويجي بوفون بالمراهنة على المباريات في شكل مخالف، قبل أن يعلو صوت مالك نادي ميلان سيلفيو برلوسكوني المطالب باستعادة اللقبين الأخيرين اللذين أحرزهما "اليوفي"، في الوقت الذي وضع فيه ميلان نفسه ولاتسيو وفيورنتينا تحت مجهر القضاء بسبب مزاعم ضلوعهم بالتلاعب.
وفي ظل انشغال "الماكينات القضائية" المدنية والرياضية بالتحقيقات، حذر البعض من مغبة تأثير الأمر على مسيرة المنتخب الإيطالي الذي يضم خيرة نجوم النوادي المتهمة، خصوصا بعد استدعاء مدرب يوفنتوس السابق والمنتخب الحالي مارتشيلو ليبي للاستماع إلى إفادته.
ولا يمكن استبعاد الخطر المحدق بيوفنتوس الذي اعتاد زيارة المحاكم في الفترة الأخيرة بسبب اتهامه بتنشيط لاعبيه، إذ أنه يفترض إعلان الحكم في شكل سريع قبل انتهاء المهلة القانونية المعطاة من الاتحاد الأوروبي لتحديد ممثلي الكرة الإيطالية في المسابقات الأوروبية للموسم المقبل.
لذا لا يبدو "اليوفي" بمنأى عن مواجهة أسوأ سيناريو بتجريده من لقبه وإسقاطه إلى الدرجة الثانية، وهذه الخطوات اعتادت عليها الكرة الإيطالية منذ أمد بعيد، إذ جرد تورينو من لقبه عام 1927 واسقط إلى الثانية كل من أودينيزي عام 1955 وفيرونا عام 1974، وميلان ولاتسيو عام 1980 في قضية تلاعب متشعبة أوقف على إثرها مهاجم بيروجيا الدولي باولو روسي مدة عامين قبل عودته في مونديال 1982 لقيادة ايطاليا إلى اللقب في موازاة تربعه على عرش الهدافين.