الخصائص القيادية ـ الثمان ـ في سياسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله
[frame="10 90"]يضطلع القادة الكبار بخصائص تمثل البصمة القيادية لكل منهم، وفي شخصية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز خصائص ذات أهمية، لكنها بالاستقراء والتتبع تنحصر في ثمان خصائص:
الأولى: الإفادة من المدارس السياسية بخبراتها وتجاربها، مع تقويم العمل السياسي إيجاباً وسلباً، وكثيراً ما يُلمح ـ يحفظه الله ـ في خطبه وكلماته في عدد من المناسبات الداخلية والخارجية إلى هذا الأمر.
الثانية: اختيار الهدف العالي، وجعل الانطلاقة على أسسه ومبادئه، مع عدم إغفال ما هو مندرج في مشموله، وهذا ملاحظ في اعتزازه بانتمائه الإسلامي، وحرصه على أن يكون أساس التضامن من هذا المنطلق، والمتابع لاهتماماته ـ أيده الله ـ يلحظ كون هذا الهدف هو الهاجسَ والقاعدة التي ينطلق على ضوئها، مع بقاء الانتماء العربي الأصيل مصدر اعتزاز وشرف.
والملك / عبد الله يستصحب في هذا أمرين مهمين:
1ـ كون المملكة العربية السعودية مهبط الوحي، ومهد الإسلام، ومن ثراها الطاهر انتشر إلى أنحاء المعمورة، وفي رحابها سجل التاريخ الإسلامي معالمه المضيئة، فهي منبت رجاله، ومدرج وقائعه، وقبل هذا وبعده احتضانها لأقدس وأطهر بقعتين: الحرمين الشريفين.
2ـ كونها معدن العرب وجزيرتهم، وعلى مسرحها الرحب دارت أحداثهم، ونشأت مفاخرهم، وسجلهم التاريخي، ومعجمهم الأدبي بأمكنته وبقاعه، وسائر مفرداته يفسر تفسيراً حياً على أرضها.
لهذه الأسباب كان الاضطلاع بالمسؤولية والنهوض بواجبها، بعيداً عن أي اعتبارات أخرى، وبمنأى عن المزايدات الإعلامية، والاستقلال بالرأي.
ولذا يسجل للمملكة البعد عن الأساليب الدعائية، وافتعال الوقائع السياسية التي لا تنسجم مع سياسة التوازن، وشرف الغاية.
الثالثة: الابتعاد عن أساليب المراهقة السياسية، والمواقف المتسرعة، التي كثيراً ما تورط أصحابها في تعقيدات وتداعيات تدفع ضريبتها الشعوب المغلوب على أمرها، من أمنها واستقرارها.
الرابعة: وضوح الرؤية، وصدق اللهجة، فليس من سياسته ـ يحفظه الله ـ إيجاد كهنوت سياسي، فمواقف المملكة واضحة، وخطاها متوازنة وثابتة، على أساس منهج معلن، لا يقبل المساومة ولا المزايدة، قاعدته دستورها العظيم: القرآن الكريم والسنة المطهرة ، والجميع يعرف عن الملك عبد الله التلقائية الصادقة ونقاء السريرة.
الخامسة: البعد عن سياسة المصادرة، وفرض الرأي، فهو ـ يحفظه الله ـ من أحفل القادة بالرأي الآخر.
السادسة: ترك المكاسب الآنية لتحصيل مكاسب مستقبلية أوفر حظاً، وبمعنى آخر تفويت بعض الفرص والتنازل عنها لمصلحة أكبر وأهم.
السابعة: البقاء على الأصلح ما دام الوضع يلح به، دون ميل لمبدأ التغيير لذات التغيير، فليس من منهج الملك عبد الله الإكثار من التنقل في القرارات، والتحول في القناعات، والسآمة من الوضع الدائم متى كان جارياً على أصول سليمة، وليس هناك خيار آخر يفضله، وهذا المنهج الذي عرف عنه ـ يحفظه الله ـ يتطلب قدراً كبيراً من الوعي، والثقة بالنفس، ورصيداً من الإمكانات القيادية، وقبل هذا وبعده قدراً كافياً من المراس السياسي، والاستفادة من المشاهد اليومية التي تجري على مسرح الأحداث، والقراءة الواعية للسجل التاريخي، وتحليله بموضوعية متناهية، بعيداً عن استدراج النفس باستنتاجات قد تميل مع الهوى السياسي ورغباته، وتعكس بالتالي واقعاً سلبياً يصعب تداركه.
الثامنة: البعد عن سياسة تسجيل المواقف، والرجوع إلى أرشيفها متى ما سنحت الفرصة، لمقابلة الموقف بموقف مماثل، بل القناعة الأكيدة بالإعراض عن كل من جهل على المملكة، والصفح عنهم، وفتح صفحة جديدة ملؤها التسامح والاحترام المتبادل، وطي صفحة الماضي، على خطى متوازنة، تعتمد رحابة الصدر وعمق الرؤية، والسعي لتحصيل المصالحة بكل قيمها ومعانيها الهادفة، على خطى رشيدة، ونسق معتدل، يعود بالنماء والعطاء على الوطن والمواطن، ويشمل خيره صالح الأمة العربية والإسلامية.
أما أدبياته ـ أيده الله ـ وأخلاقياته، فإنها تتجلى دوماً وتتجلى أكثر في المناسبات، وبين يدي الآن كلمة له ـ يحفظه الله ـ قالها بمناسبة الذكرى العشرينية الميمونة لجلوس خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ حيث خاطبه قائلاً:
" في رسالتي هذه إليكم يا شقيقي، وقرة عيني، ومليكي، تتزاحم جحافل الذاكرة بمناكب الذكريات، والصور المتلاحقة والمواقف المؤثرة، وكلما أردت أن أفسح المجال لإحداها اعترضت الأخرى عليها، ولسان حالها جميعاً تداعيات من النبل، رأيتكم فيها مراراً أباً وأخاً وصديقاً وقائداً.... أنت يا شقيقي وصديقي رمز مؤثر في حركة التاريخ .... لك مني الولاء والطاعة وحب لن ينضب ".
وصدق أحمد حسن الزيات عندما قال:" وللأمم من أسماء حكامها عناوين، منها العريض البارز المتألق الذي يشع من نوره على كل شخص في شعبه، وعلى كل شئ في وطنه، فيمحو كل ظلام، ويستر كل عيب، ويسد كل نقص، فلا يظهر للناس إلا كماله، ولا ينشر في الأرض إلا خيره ". [/frame]