نادي الهلال السعودي - شبكة الزعيم - الموقع الرسمي - مقال جميل ..(طاش ما طاش: ليس "الشعبي" على "النقد" بمحرم!)

السلام عليكم ..

مقال جميل عقلاني للكاتب سليمان الربعي .. وهو موجه لمعارضي انتقاد طاش ما طاش وكأنه شيء مقدس، بيان الأطار الصحيح للنقد بعيدا عن الهجوم الشخصي، فتوى كبار العلماء، سقطات البرنامج في تشخيص المتدينين ومحاربته للقيم والثوابت الدينية ...

http://writers.alriyadh.com.sa/images/r-suleman.jpg

إقتباس:

يوصف البرنامج المحلي "طاش ما طاش" بأنه من أكثر البرامج التلفزيونية التي تستحوذ على اهتمام المشاهدين في رمضان، لكونه يتناول المشكلات والظواهر المتصلة بالمجتمع برؤية نقدية جريئة.. وبغض النظر عن مدى واقعية هذا الوصف من عدمها، فالذي لاشك فيه أن مضامينه لا تزال موضع جدل واسع، وهو جدل لا يعطي - بالضرورة - مؤشراً ما على الوصف الأول، إثباتاً أو نفياً.
فيما عدا بعض الصور التي تخرج عن ضوابط الحوار ومعايير النقاش، يظل النقاش حول هذا البرنامج وأمثاله - في تقديري - أمراً عادياً بل متوقعاً، نظراً لطبيعة بعض موضوعاته الجدلية النقدية من جهة، ولطبيعة المجتمع أيضاً بكونه لم يزل غير معتاد على مناخ النقد والمراجعات، من جهة أخرى.
الذي ليس عادياً ولا متوقعاً، هي الظاهرة المتنامية في أطروحات بعض الكتّاب والمثقفين، متمثلة بمحاولاتهم "تضليل" و"تسفيه" كل نقد يوجّه إلى "طاش"، أيّاً كانت وجهته وغاياته، من خلال وسيلتين: إما "عزله" علمياً، وإما "الشغب" عليه إلى حد الاستعداء.
من نماذج تضليل النقد الموجه لهذا البرنامج بعزله علمياً، الإيحاء بأن الفتوى التي صدرت بشأن البرنامج قبل سنوات، ليست معتبرة ابتداء في حين تبدأ "صور" الشغب والاستعداء بتصنيف النقد الموجّه للبرنامج بأنه يمثل فكراً انغلاقياً يخشى أن يفضح مضامينه المخبوءة التي تصل إلى الاتهام بالغلو وعدم الشعور بالوطنية والحكم على المقاصد!!
وفضلاً عن غرابة مثل هذه الممارسات إذا لاحظنا أنها تنطلق من الدفاع عن برنامج يُفترض أنه يمارس النقد!! فإننا لسنا بحاجة إلى كبير جهد لنلحظ بُعدها عن الموضوعية.. إن الضوابط الموضوعية تقتضي من أصحاب هذا الطرح احترام الفتوى أولاً بحسبانها منتجاً علمياً مستنداً إلى حيثيات وأسباب موضوعية محددة، وأنهم - إن قدروا على حمالة مناقشتها علمياً - أن يتوجهوا إلى مناقشة حيثياتها ومضامينها بدلاً من الجزم غير المدلل بعدم اعتبارها ابتداء على الرغم من كونها صادرة عن اللجنة الدائمة للإفتاء.
وإذا كنا نعد ما تمارسه الفئة الغالية من محاولات التنقص من علمية علمائنا وإسقاط الاعتبار عن الفتوى التي تصدر عنهم، إذا كنا نعد ذلك من وسائلها المكشوفة لإشاعة الضلال، فبأي شيء نصف مثل هذه الممارسة على الطرف المقابل؟! أليست تتقاطع مع غايات تلك الفئة بعدم احترام الفتوى وإحلالها المحل اللائق بها؟! إننا مهما اختلفنا مع الفتوى المعتبرة أو لم نطق تطبيقها، فلا يجوز بحال تسفيهها أو التقليل من شأنها معرفياً.
كما أن الموضوعية تقتضي أن يتعامل أصحاب هذا الطرح مع النقد الموجّه للبرنامج - حتى إن كان ليس موضوعياً - تعاملاً إيجابياً بالمناقشة الهادئة التي من شأنها تكريس الأسس الصحيحة في ثقافة الخلاف والحوار، بدل أساليب التهييج والشغب والاستعداء، وهي أساليب تكشف - فيما تكشف - عن تناقضاتهم باتخاذ موقفين متضادين في النتيجة مع اتفاقهما في المقدمات، كما تكشف وقوعهم فيما ينهون عنه!!
إن ممارسة النقد - في ظني - ازاء الظواهر الاجتماعية باختلاف مجالاتها، واجب شرعي ووطني عميق، لكونه يمثل الشرط الأول لإرادة الإصلاح والمعادل الموضوعي للعمل الحسي في تنمية الحراك الحضاري للمجتمع، بل هو يمثل مقدمته النظرية المفترضة في الوعي للتقييم والتصحيح، شرط استقامته مع مقتضى الحكمة وعزائم الرفق.
ولأن ثقافة الصورة، التي ينتمي إليها برنامج "طاش ما طاش"، جزء من الظواهر الفكرية في المجتمع بوصف الصورة وسيلة التأثير الأولى، فلا يمكن أن يكون بمعزل عن النقد والتقييم.. على أنه إذا كان من حقنا القيام بدور النقد، فإن من الواجب علينا تطبيق أهم شروط المنهج الموضوعي فيه، وهو أن يكون نقداً علمياً، وأن يتوجه إلى مضامين العمل لا إلى شخوص أصحابه، فنحن - من حيث الأصل - لسنا متعبدين بتصنيف أحد إلا من حكم عليه الشارع عيناً، ولأن التصنيف حكم شرعي ذو مناطات لا تتعلق بالآحاد.. ناهيك عن أن الغايات الشرعية المتمثلة بتقييم الأفكار والسلوك ومن ثم تقويمها واقعاً، لا تتحقق بتصنيف الأشخاص، وإنما بنقد الأفكار.
من حيث المضامين، لا جرم أن "طاش" قد أدى دوراً نقدياً اجتماعياً جريئاً، بإلقائه حزماً من الضوء على جوانب فكرية واجتماعية واقتصادية سلبية ربما يصعب تناولها في حيّز غيره.. وقد كانت آخر نماذجه الإيجابية هذا العام، تناوله بالنقد صورة لسلوكيات المفسدين في الأرض والبغي الصادرة عن فكر الغلو الشاذ التي تمثلت بجريمة تفجير مبنى المرور في مدينة الرياض، حيث جاءت المعالجة معبرة ودالة.
وبكل حال، فإذا كنا قدمنا بالجانب الإيجابي، فإن التوازن يتطلب الإشارة إلى الأخطاء التي التبس بها البرنامج.. يمكن رصد أكثر الأخطاء التي وقع فيها "طاش"، على الإطلاق، في إشاعته صورة ذهنية عامة عن بعض الفئات الاجتماعية كالمتدينين، وعن بعض القيم كالحجاب، إذ تتسبب بآثار سلبية كثيرة بدءاً بتضليل الوعي عن إدراك الحقائق ومن ثم إشاعة الرؤى غير الصحيحة، وانتهاء بتزييف الواقع نفسه وتقديم صورة مغلوطة عنه.
أما الصورة الذهنية الخاصة بالتدين، فظهرت في إطار "كاريكاتوري" ساخر يطفح بـ "الأكشنات" الدالة على أن أبرز سمات المتدين: الغفلة، والتبلد، والسذاجة، والكسل، والطمع، والانغلاق الفكري والاجتماعي، والتبرم من الآخرين واعتزالهم، والرؤية الفكرية الأحادية القاصرة.. إلخ.
مؤخراً تحول "طاش" إلى صناعة الذهنية النمطية حول قيم أخرى.. في هذا العام مثلاً، تناول قضية "الحجاب" الذي يمثل في وعي المرأة السعودية قيمة كبرى وعلامة فارقة، تناولاً غير موضوعي في سياق من السخرية الموغلة بالعبث، من خلال تصويره له على أنه سبب لتعرّض المحجبة وأسرتها للابتزاز والاستغلال، كما صوّر الفتاة المحافظة عليه نحو الصورة الذهنية التي أنتجها للمتدين آنفاً، وهو أنها فتاة ساذجة، سطحية، لا تستطيع الانسجام مع زوجها، ولا تحسن الاستقلال الفكري والسلوكي، وأنه يمكن استغلالها بسهولة، وأنها لا تستطيع التأقلم مع الواقع المختلف، ولا التعامل مع الآخرين.. بالمقابل: قدّم الفتاة التي خلعت الحجاب على أنها ذات شخصية قوية، وذات استقلال، ومتقاطعة مع زوجها وعياً واتفاقاً، كما جعل خلعها الحجاب وسيلة للسلامة من المواقف التي تتعرض لها المحجبة وأسرتها!!
هذه الصورة الذهنية قفزت على الحقائق المعرفية التي تؤكد على أنه لا يمكن التلازم بين الوعي وبين لباس ما، كما تقفز على الواقع الذي يشهد بأن الالتزام بالحجاب كان، وما زال، وسيظل بإذن الله، ذريعة إلى الظفر باحترام الآخرين عربياً وعالمياً، حتى في فرنسا ذات القانون!
على أن ما هو أبعد من ذلك كله، هو قفزها على الحقيقة الشرعية في أن الحجاب فريضة تقتضي الامتثال لا الاختيار، وعلى مشاعر نسائنا اللاتي آلمهن - حدّ الأسى - أن يكون الحجاب - إذ هو خيارهن ورمز عفافهن - مجالاً للاستهزاء والسخرية.. والتنكيت "البايخ"!!

ولكم مني أجمل تحية ..