ـ مع بداية كل موسم رياضي تتداول الصحف الرياضية والمنتديات المتخصصة وكتاب الزوايا أسباب العزوف الجماهيري الواضح الذي تشهده الملاعب السعودية بعد أن كانت تكتظ بالجماهير الرياضية المحتشدة لمساندة فرقها في جميع المباريات والمحافل دون استثناء مع الإشارة إلى وصول هذا الدعم الجماهيري إلى ما وراء الحدود الجغرافية للمملكة في المشاركات الخارجية .

ـ العزوف واضح وبشكل كبير ومخيف ولا ينكر ذلك إلا جاحد لا يعي ما يحدث حوله وما يعزز هذا القول هو أن المباريات الجماهيرية التقليدية التي كان الجمهور ينتظرها بفارغ الصبر منذ بداية الموسم الرياضي كمباراة النصر والهلال لم تعد تشكل تلك الأهمية لهذه الجماهير والأدهى من ذلك أن هذه المباراة التي كان يطلق عليها قمة الكرة السعودية أصبحت تقام وسط غياب جماهيري واضح حتى أن إدراة استاد الملك فهد الدولي قد بدأت في السنوات الأخيرة بإغلاق الطابق الثاني لحصر الجماهير في الطابق السفلي لإيحاء المتابعين بكثرة الجماهير بدلاً من تبعثرهم في وسط هذا الاستادالعملاق.

ـ أسئلة عديدة تدور في مخيلة كل متابع للأحداث الرياضية فهو يتأمل ويتسآءل عن أسباب هذا الانحسار الجماهيري ؟؟ ولماذا حدث ؟؟ ومن هو المسؤول عن ذلك ؟؟ وهل الصحافة الرياضية قامت بدورها الإيجابي في السعي لعودة هذه الجماهير ؟؟ وهل ساهم الاحتراف بشكل أو بآخر في حالة عدم الوفاق الحاصلة بين الجماهير وكرة القدم المحلية ؟؟ وهل القنوات الفضائية المتخصصة أجبرت الجماهير على البقاء خلف شاشات التلفاز ؟؟ أم أن الأمانة العامة في إتحاد كرة القدم مع اللجنة الفنية قد ساهمت في حدوث هذه المشكلة بتنظيمها للمسابقات الرياضية بشكل لا يشجع هذه الجماهير على الحضور ؟؟ والسؤال الأهم هو ما هي الطرق الكفيلة بإعادة هذه الجماهير لأداء دورها الفاعل في المسابقات والمنافسات الرياضية ؟؟



ـ وقبل استعراض الأسباب الرئيسية لهذه الظاهرة علينا أن نناقش دور الشركة الراعية التي قامت بشراء حقوق تذاكر المسابقات السعودية المحلية لكرة القدم وما هو واجبها في الحد من هذا الجفاء ... وإذا استرجعنا الذاكرة لسنتين سابقتين لرأينا أن القائمين على الشركة الراعية حاولوا تسويق التذاكر وحث الجماهير على الحضور بشتى الطرق من خلال طرح الجوائز والسحب على سيارات توضع في المباريات الجماهيرية كطريقة لجذب هذه الجماهير ..... لكنها فشلت في إقناعهم لأن الابتعاد لم يكن إلا إحتجاجاً من هذه الجماهير على الهبوط الفني الحاد في أداء أغلب الأندية السعودية .



ـ وبإتفاق جميع الخبراء الرياضيين فإن متعة كرة القدم لا تكتمل إلا بوجود العنصر الجماهيري الذي يطلق عليه بعض رؤوساء الأندية اللاعب رقم واحد لما له من الدور الفاعل في تغيير مجرى المباريات والشواهد على ذلك كثيرة .



ـ ولنبدأ في استعراض الأسباب الرئيسية :



ـ السبب الأول : طريقة تطبيق الاحتراف



نحن نعلم عن درجة المنافسة كيف كانت قبل إدخال مفهوم الاحتراف في نظام المسابقات المحلية وكيف كانت شديدة ألبتة بين أندية الاتحاد والهلال والنصر والأهلي والاتفاق والشباب والقادسية والرياض على تحقيق الألقاب واستمر هذا التنافس العنيف حتى مع السنين الخمس الأولى من تطبيق نظام الاحتراف نظراً لعدم استفحال المشاكل المالية التي تعاني منها الأندية حالياً ..... ومع مرور السنين وتفاقم الأزمات المالية انحسرت المنافسة وأصبحت حكراً على الأندية صاحبة النفوذ المالي الكبير حتى تفرد الاتحاد بنصيب الأسد مع منافسة خجولة من فريق الهلال فضلاً عن تحقيق الشباب لبطولة العام الماضي نتيجة للسياسة الحكيمة التي رسمها الأمير خالد بن سعد واستطاع بموجبها تجيير اللقب لفريقه الشاب الذي يستحق اللقب بكل ما تحمله الكلمة من معنى والذي لم يعبأه بجماهيرية وجبروت نادي الاتحاد وانتزع اللقب من أنياب نموره وسط معقلهم في جدة .



ـ وحتى نكون منصفين في تعاملنا مع حيثيات هذه الظاهرة فإن المشكلة لا تكمن في ذات الاحتراف أو مفهومه بل على العكس من ذلك يجب علينا الإقرار بإيجابيات الاحتراف الذي يساهم في رفع قدرات اللاعبين البدنية والمهارية من خلال التركيز الذهني والعقلي المبذول من قبلهم مما ينعكس على الشكل العام للفريق بالتالي على الدوري بشكل إجمالي .



ـ وتجنباً للتشويش الذي قد يصيب ذهن القارىء فإن السلبيات الناتجة من الاحتراف تتركز في جانبين أساسيين :



أولهما : عدم إلمام اللاعب المحلي بمفهوم الاحتراف من الناحية النظرية وعدم إستيعابه للهدف الأساسي الذي من أجله أقيم هذا النظام واللوم هنا يقع على إدرارت الأندية التي لم تحاول عمل الندوات التثقيفية بين الفينة والأخرى من أجل الارتقاء بثقافة اللاعب الاحترافية .



ثانيهما : عدم وضع حلول لإيجاد مصادر دخل ثابتة للأتدية وعلينا أن لا نغفل ما نتج عن الاحتراف من تبعات مالية تراكمت مع مرور الوقت على ميزانيات الأندية مما ترتب عليه تزايد العجز المالي الذي عرقل الكثير من البرامج والسياسات الموضوعة من قبل إدرات الأندية ..... لذلك فإن عملية إدخال نظام الاحتراف دون توفير ما يقابل تلك المصاريف من مداخيل ثابتة ساهم في هذا الهبوط الحاد وبالتالي ابتعاد هذه الجماهير عن المساندة ...... وإدرارات الأندية لا تلام فهي واقعة تحت طائلة الضغوط الكبيرة فهي مطالبة بالمستويات ومطالبة بالنتائج والبطولات ومطالبة بتوفير رواتب المحترفين والعاملين بالنادي ومع ذلك لا يتوفر لها أبسط سبل النجاح ..... والرئاسة العامة لرعاية الشباب بقيادة الأمير سلطان بن فهد ونائبه الأمير نواف بن فيصل تحاول قدر الإمكان بالتنسيق مع وزراة المالية إعادة الأوضاع المالية إلى ما كانت عليه في السابق خصوصاً بعد تخفيض إعانة الاحتراف بمقدار النصف مما زاد الطين بلة على الأندية .



ـ لذلك فالحل الوحيد للقضاء على هذه المعضلة هو تطبيق مفهوم الخصخصة وإعطاء القطاع الخاص الدور الأكبر في إدارة شؤون الأندية والذي سيساهم بدوره في البحث عن الطرق والبدائل التي تساهم في توفير الكثير من مصادرالدخل للأندية وبالتالي إعطاء القائمين على إدارات الأندية سبل النجاح لوضع الخطط والبرامج موضع التنفيذ وهذا ما سينعكس على الوضع المالي للأندية بشكل عام ومن ثم على المستوى الفني و الحضور الجماهيري ..... مع الإشارة إلى الدور الفاعل الذي تلعبه الرئاسة العامة لرعاية الشباب كسلطة تشريعية تسن القوانين والأنظمة المتوافقة مع أنظمة الاتحاد الدولي لكرة القدم .... ثم لماذا نحمل الأندية الكثير من المصاريف بإلقاء الأعباء الاجتماعية والثقافية على كاهلها وهذا ما تطرق له الأخ نببيه ساعاتي في رؤيته التي أعقبت إخفاق المنتخب في كأس آسيا والذي تسآءل أيضاً عن الأسباب التي تمنع بأن يكون لكل نادي لعبة واحدة يتميز بها ويركز جهوده لتطويرها كما هو حاصل في أوروبا مع إلغاء عبارة رياضي ... ثقافي .... إجتماعي تحت اسم النادي



السبب الثاني :

هو الوضع العام للمسابقات المحلية وأولها نظام المربع الذهبي الذي أثبت فشله لحصره الإثارة في المرحلة النهائية بعد تأهل الأربع فرق المتنافسة على حصد اللقب ..... ثم أين العدالة إذا لم يستطع الفريق صاحب المركز الأول في المرحلة التمهيدية من خطف اللقب لأي ظرف ما ..... وبناء عليه فالجماهير تنتظر لحين بدأ منافسات المربع الذهبي حتى تذهب للملاعب وأيضاً لا ننسى الحالة النفسية للاعبين الذين يمنحون أنفسهم الفرصة في اللحاق بركب المقدمة آخذين بعين الاعتبار أن صاحب المركز الرابع قد يصبح البطل بخلاف ما يحدث سابقاً من التنافس العنيف بين الفرق في عدم التفريط بأي نقطة منذ البداية مما ينعكس على درجة الإثارة ومن ثم على الحضور الجماهيري .



السبب الثالث :

اللجنة الفنية والأمانة العامة لكرة القدم ساهمت بدرجة كبيرة في إبتعاد الجماهير نتيجة لحالة عدم الاستقرار في برامج المسابقات المحلية فضلاً عن تداخلها مما يسبب الكثير من التشويش والممل في نفوس المتابعين .



السبب الرابع :

غياب المواهب واللاعب الجماهيري الذي يجبر الجميع على الحضور .



السبب الخامس :

إرتفاع أسعار التذاكر بشكل مبالغ فيه مع أن الغالبية العظمى من نسبة الحضور هم من فئة الطلاب .



السبب السادس :

القنوات الفضائية الرياضية خصوصاً بعد نقل مباريات الدوري الأسباني والإنكليزي والإيطالي وما ترتب على ذلك من قيام الجماهير بعمل المقارنات الغير منطقية بين ما يحدث هناك وما يحدث هنا .



السبب السابع :

عدم تفاني اللاعب في أداء مهامه في أرض الملعب فتجده يكثر من السقوط والتمثيل لأخذ قسط من الراحة مما يفسد متعة اللقاء على المتابعين ولو عملنا إحصائية للوقت الصافي للشوط الذي يحتوي على 45 دقيقة لوجدناه يقل عن 25 دقيقة وأكبر دليل على ذلك هو عدد مرات دخول سيارة إصابات الملاعب وهذا ما لا نجده في اللقاءات الأوروبية التي تشاهد كيف روح التحدي تجبر اللاعب على التحامل على نفسه من أجل تحقيق النصر .



السبب الثامن :

لم تعد كرة القدم المصدر الترفيهي الوحيد بعد دخول التقنية والتكنولوجيا كخدمة الانترنت وألعاب الفيديو .



السبب التاسع :

غياب التصاريح النارية قبل المباريات بحجة القضاء على التعصب مما قضى على الإثارة التي تحث الجمهور على الحضور ..... لذلك نجد كيف أن رؤساء الأندية يتجاوزون بعض الأسئلة بإجابات دبلوماسية لا تعبر عما يدور في داخلهم .... ولا يفهم ما أقول بأنه تحفيز للتعصب وفتح أبواب نحن في غنى عنها .



السبب العاشر :

عدم إهتمام الأندية بروابط المشجعين الذين لهم دور فعال في تأجيج شعور اللاعبين ولنأخذ الاتحاد كخير مثال .

ختاماً : نأمل في عودة الجماهير الرياضية لاستلام دورها الريادي في دفع عجلة الحركة الرياضية بزوال الأسباب الآنفة الذكر .

الله يعطيك العافيه اخوي