16/09/2004, 10:42 AM
|
عضو سابق باللجنه الإعلاميه | | تاريخ التسجيل: 26/08/2001 المكان: السعودية "الــخــبـــر"
مشاركات: 13,852
| |
أحاديث شعبانية غير صحيحة منتشرة في بعض المنتديات
عباس رحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين و على آله و صحبه أجمعين
1 ) حديث : (( اللهم بارك لنا في رجب و شعبان و بلغنا رمضان ))
انظر : كتاب الأذكار للنووي و كتاب ميزان الاعتدال للذهبي 3 / 96 طبعة دار الكتب العلمية لعام 1995 و كتاب مجمع الزوائد للهيثمي 2 / 165 طبعة دار الريان لعام 1407هـ و كتاب ضعيف الجامع للألباني حديث رقم 4395
2 ) حديث : (( فضل شهر شعبان كفضلي على سائر الأنبياء )) قال ابن حجر : إنه موضوع كما في كتابه تبين العجب
انظر : كتاب كشف الخفاء 2 / 110 للعجلوني طبعة مؤسسة الرسالة لعام 1405هـ و كتاب المصنوع لعلي بن سلطان القاري 1 / 128 طبعة مكتبة الرشد لعام 1404هـ
3 ) حديث تخصيص صيام نهار ليلة النصف من شعبان و قيام ليلها : (( إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها ))
أنظر : كتاب العلل المتناهية لأبن الجوزي 2 / 562 طبعة دار الكتب العلمية لعام 1403هـ و كتاب مصباح الزجاجة للكناني 2 / 10 طبعة دار العربية لعام 1403هـ و كتاب الفوائد المجموعة للشوكاني ص 51 و كتاب تحفة الأحوذي للمباركفوري 3 / 366 طبعة دار الكتب العلمية و كتاب سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني حديث رقم 2132
4 ) حديث : (( خمس ليال لا ترد فيهن الدعوة: أول ليلة من رجب، و ليلة النصف من شعبان، وليلة الجمعة، و ليلة الفطر، و ليلة النحر ))
أنظر : كتاب سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني حديث رقم 1452
5 ) حديث : (( أتاني جبريل عليه السلام فقال لي هذه ليلة النصف من شعبان و لله فيها عتقاء من النار بعدد شعر غنم كلب ))
أنظر : كتاب السنن للترمذي 3 / 116 طبعة دار إحياء التراث و كتاب العلل المتناهية لأبن الجوزي 2 / 556 طبعة دار الكتب العلمية لعام 1403هـ و كتاب ضعيف ابن ماجه للألباني حديث رقم 295
6 ) حديث : (( يا علي من صلى ليلة النصف من شعبان مئة ركعة بألف قل هو الله أحد قضى الله له كل حاجة طلبها تلك الليلة ))
أنظر : كتاب المنار المنيف لأبي عبد الله محمد الحنبلي طبعة دار المطبوعات الإسلامية لعام 1403هـ و كتاب كشف الخفاء للعجلوني 2 / 566 طبعة الرسالة لعام 1405هـ و كتاب الفوائد المجموعة للشوكاني ص 50 و كتاب نقد المنقول لزرعي 1 / 85 طبعة دار القادري لعام 1411هـ
7 ) حديث : (( من قرأ ليلة النصف من شعبان ألف مرة قل هو الله أحد بعث الله إليه مئة ألف ملك يبشرونه ))
أنظر : كتاب لسان الميزان لأبن حجر 5 / 271 طبعة مؤسسة الأعلمي لعام 1405هـ و كتاب المنار المنيف لأبي عبد الله محمد الحنبلي طبعة دار المطبوعات الإسلامية لعام 1403هـ و كتاب نقد المنقول لزرعي 1 / 85 طبعة دار القادري لعام 1411هـ
8 ) حديث : (( من صلى ليلة النصف من شعبان ثلاث مئة ركعة ( في لفظ ثنتي عشر ركعة ) يقرأ في كل ركعة ثلاثين مرة قل هو الله أحد شفع في عشرة قد استوجبوا النار ))
أنظر : كتاب كشف الخفاء للعجلوني 2 / 566 طبعة الرسالة لعام 1405هـ و كتاب المنار المنيف لأبي عبد الله محمد الحنبلي طبعة دار المطبوعات الإسلامية لعام 1403هـ و كتاب نقد المنقول لزرعي 1 / 85 طبعة دار القادري لعام 1411هـ
9 ) حديث : (( شعبان شهري ))
أنظر : كتاب كشف الخفاء 2 / 13 طبعة الرسالة لعام 1405هـ و كتاب سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني حديث رقم 4400 و كتاب الفوائد المجموعة للشوكاني ص 100
10 ) حديث : (( من أحيا ليلتي العيد وليلة النصف من شعبان لم يمت قلبه يوم تموت القلوب ))
أنظر : كتاب ميزان الاعتدال للذهبي 5 / 372 طبعة دار الكتب العلمية لعام 1405هـ و كتاب الإصابة لأبن حجر 5 / 580 طبعة دار الجيل 1412هـ و كتاب العلل المتناهية لأبن الجوزي 2 / 562 طبعة دار الكتب العلمية لعام 1403هـ
11 ) حديث : (( من أحيا الليالي الخمس ؛ وجبت له الجنة: ليلة التروية، وليلة عرفة، وليلة النحر، وليلة الفطر، وليلة النصف من شعبان ))
أنظر : كتاب ضعيف الترغيب للألباني حديث رقم 667
فائدة : أعلم رحمك الله تعالى أنه ليس هناك حديث صحيح في تخصيص صيام النصف من شعبان أو قيامه و عليه فإن تخصيصه بصيام أو صلاة بدعة منكرة لا دليل لها
* كل الأحاديث المذكورة أعلاه بهذه الألفاظ غير صحيحة
و الله أعلم و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين و على آله و صحبه أجمعين
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
==========================================================
هل السنة أن أصوم شعبان كله ؟
السؤال:
هل السنة أن أصوم شعبان كله ؟.
الجواب:
الحمد لله
يستحب إكثار الصيام في شهر شعبان .
وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله .
روى أحمد (26022) , وأبو داود (2336) والنسائي (2175) وابن ماجه (1648) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلا أَنَّهُ كَانَ يَصِلُ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ .
ولفظ أبي داود : ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنْ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا إِلا شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود (2048) .
فظاهر هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شهر شعبان كله .
لكن ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان إلا قليلاً .
روى مسلم (1156) عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ صَامَ ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ أَفْطَرَ ، وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيلا .
فاختلف العلماء في التوفيق بين هذين الحديثين :
فذهب بعضهم إلى أن هذا كان باختلاف الأوقات ، ففي بعض السنين صام النبي صلى الله عليه وسلم شعبان كاملاً ، وفي بعضها صامه النبي صلى الله عليه وسلم إلا قليلاً . وهو اختيار الشيخ ابن باز رحمه الله .
انظر : مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (15/416) .
وذهب آخرون إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يكمل صيام شهر إلا رمضان ، وحملوا حديث أم سلمة على أن المراد أنه صام شعبان إلا قليلاً ، قالوا : وهذا جائز في اللغة إذا صام الرجل أكثر الشهر أن يقال : صام الشهر كله .
قال الحافظ :
إن حديث عائشة [ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ فِي حَدِيث أُمّ سَلَمَة ( أَنَّهُ كَانَ لا يَصُوم مِنْ السَّنَة شَهْرًا تَامًّا إِلا شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَان ) أَيْ : كَانَ يَصُوم مُعْظَمَهُ , وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ اِبْن الْمُبَارَك أَنَّهُ قَالَ : جَائِزٌ فِي كَلام الْعَرَب إِذَا صَامَ أَكْثَرَ الشَّهْرِ أَنْ يَقُولَ صَامَ الشَّهْرَ كُلَّهُ ...
وقال الطِّيبِيُّ : يُحْمَل عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَصُوم شَعْبَان كُلّه تَارَة وَيَصُوم مُعْظَمَهُ أُخْرَى لِئَلا يُتَوَهَّم أَنَّهُ وَاجِب كُلّه كَرَمَضَانَ . .
ثم قال الحافظ : وَالأَوَّل هُوَ الصَّوَاب] اهـ يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم شعبان كاملاً . واستدل له بما رواه مسلم (746) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : وَلا أَعْلَمُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ ، وَلا صَلَّى لَيْلَةً إِلَى الصُّبْحِ ، وَلا صَامَ شَهْرًا كَامِلا غَيْرَ رَمَضَانَ .
وبما رواه البخاري (1971) ومسلم (1157) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : مَا صَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا كَامِلا قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ .
وقال السندي في شرحه لحديث أم سلمة :
( يَصِل شَعْبَان بِرَمَضَان ) أَيْ : فَيَصُومهُمَا جَمِيعًا ، ظَاهِره أَنَّهُ يَصُوم شَعْبَان كُلّه . . . لَكِنْ قَدْ جَاءَ مَا يَدُلّ عَلَى خِلافه ، فَلِذَلِكَ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَصُوم غَالِبه فَكَأَنَّهُ يَصُوم كُلّه وَأَنَّهُ يَصِلهُ بِرَمَضَان اهـ
فإن قيل : ما الحكمة من الإكثار من الصيام في شهر شعبان ؟
فالجواب :
قال الحافظ :
الأَوْلَى فِي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ عَنْ أُسَامَة بْن زَيْدٍ قَالَ : ( قُلْت : يَا رَسُول اللَّه ، لَمْ أَرَك تَصُومُ مِنْ شَهْر مِنْ الشُّهُور مَا تَصُوم مِنْ شَعْبَان , قَالَ : ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاس عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَان , وَهُوَ شَهْر تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَال إِلَى رَبّ الْعَالَمِينَ ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) اهـ حسنه الألباني في صحيح النسائي (2221) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
==========================================================
شهر شعبان
أبو عبدالله المصري
من أبي عبد الله المصري إلى من أحبه في الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد:
فإنه ليترآى لي من بعيد ضيف مبارك ، يا ثواب من أحسن ضيافته.
هذا الضيف لا يود الطائعون مفارقته ؛ لأنه يقربهم من الله بوعظه لهم ، وكسر شوكة شيطانهم عليهم، فأنعم به من ضيف كريم مبارك.
وضيفنا يا أيها الحبيب هو شهر رمضان المبارك ، فمن المستضيف...؟!!! أسأل الله أن يبلغنيه و إياك ، وأن يجعلنا فيه من العتقاء من النار ومن المقبولين،وأن يختم لنا بخير،وأن يجمعنا مع الحبيب محمد –صلى الله عليه وسلم-في دار مقامته، إن الله على كل شئ قدير.
ومن حسن ضيافتنا لهذا الشهر المبارك: الاستعداد له ، وحسن استقبال مقدمة ركائبه، أعني بمقدمة ركائبه : الشهر الذي يغفل عنه كثير من الناس-إلا من رحم الله تعالى-.
ألا وهو شهر شعبان
(شهر القراء كما قال حبيب بن أبي ثابت ،وسلمة بن كهيل وغيرهم -رحمهم الله تعالى-).
أخرج أبو داود والنسائي وغيرهما بسند حسنه الشيخ الألباني-رحم الله الجميع- من حديث أسامة بن زيد-رضي الله عنه- ، قال: قلت يا رسول الله: لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان،قال:" ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان،وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين،فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم".
قال السِّنْدِي-رحمه الله-:قيل وما معنى هذا مع أنه ثبت في الصحيحين أن الله تعالى يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل؟!، قلت(أي السندي):يحتمل أمران:أحدهما:أن أعمال العباد تعرض على الله تعالى كل يوم،ثم تعرض عليه أعمال الجمعة كل اثنين وخميس،ثم تعرض عليه أعمال السنة في شعبان فتعرض عرضا بعد عرض،ولكل عرض حكمة يُطْلِعُ عليها من شاء من خلقه أو يستأثر بها عنده مع أنه تعالى لا يخفى عليه من أعمالهم خافية.
ثانيهما: أن المراد أنها تعرض في اليوم تفصيلا ثم في الجمعة جملة أو بالعكس.
وأخرج البخاري ومسلم-رحمهما الله- في صحيحيهما من حديث عمران بن حصين-رضي الله عنه- أن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال له أو لآخر: "أصمت من سرر شعبان". قال:لا . قال:"فإذا أفطرت فصم يومين".
والسرر هنا كما قال جمهور أهل اللغة-رحمهم الله تعالى-هو آخر الشهر، وهو الصحيح.(وستأتي إن شاء الله مسألة حكم تقدم رمضان بصيام يوم أو يومين).
وهذا الحديث فيه إشارة إلى فضيلة الصوم في شعبان،وأن صوم يوم يعدل صوم يومين في غيره،أخذا من قوله في الحديث:"فصم يومين مكانه" يعني مكان اليوم الذي فوته من صيام شعبان، كما قال الحافظ ابن حجر نقلا عن القرطبي-رحم الله الجميع-.
لذا يستحب أن يكون من عادة الإنسان أن يصوم أواخر كل شهر، فلا يعارضه النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين كما قال الحافظ-رحمه الله- في الفتح،(وستأتي هذه المسألة -بإذن الله تعالى-).
ومن فضائل الصيام في هذا الشهر ما جاء عن أبي داود وغيره
-رحمهم الله- بسند صحيح عن أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها-،قالت: "كان أحب الشهور إليه أن يصوم شعبان ثم يصله برمضان".
وأخرج البخاري ومسلم-رحمهما الله- في صحيحيهما من حديث أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها-قالت:كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول لا يفطر ، ويفطر حتى نقول لا يصـوم ، وما رأيت
رسول الله- صلى الله عليه وسلم-استكمل صيام شهر إلا رمضان ،وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان.
وفي رواية عنها-رضي الله عنها-(في الصحيحين أيضا):لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم-يصوم شهرا أكثر من شعبان،وكان يصوم شعبان كله ، وكان يقول: "خذوا من العمل ما تطيقون ........".
وفي رواية عند مسلم-رحمه الله-:كان يصوم شعبان إلا قليلا .
قال ابن رجب-رحمه الله-:"قيل في صوم شعبان أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان ؛ لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة ، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده ، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته ، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط".
وهذا الإكثار من الصيام في شهر شعبان يدل على فضيلة هذه العبادة في هذا الشهر ، والمقصود صيام أكثر الشهر،لا كله ،كما هو ظاهر الروايات ، فقد نقل الترمذي عن ابن المبارك أنه جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقول صام الشهر كله ، ويقال:قام فلان ليلته أجمع ولعله قد تعشى واشتغل ببعض أمره.
والدليل على ذلك ما رواه مسلم-رحمه الله- في صحيحه أن عبد الله بن شقيق-رحمه الله-سأل أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها-:هل كان النبي
-صلى الله عليه وسلم-يصوم شهرا معلوما سوى رمضان؟. قالت: لا والله ،إن صام شهرا معلوما سوى رمضان حتى مضى لوجهه (وفي رواية: حتى مضى لسبيله)ولا أفطره حتى يصيب منه(وفي رواية: ولا أفطره كله حتى يصوم منه)، (وفي رواية: وما رأيته صام شهرا كاملا منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان).
وأخرج البخاري ومسلم-رحمهما الله-في صحيحيهما من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-قال: ما صام رسول الله-صلى الله عليه وسلم-شهرا كاملا قط غير رمضان............الحديث.
ليلة النصف من شعبان
الاحتفال بليلة النصـف من شعبـان ليس له أصـل في سنـة رسـول الله -صلى الله عليه وسلم-،ولا من فعل أحد من أصحابه ، وما يفعله الناس اليوم من صلاة مخصوصة ،وأذكار معروفة ،وما لحق ذلك من أعمال مخالفة للشرع، كل ذلك من البدع المنكرة.
ولكن اشتهر عن بعض السلف أنهم كانوا يجتهدون في العبادة في هذا اليوم كخالد بن معدان ومكحول ، ومن أهل العلم من خص ذلك بالبيــت دون المسجد كالأوزاعي ،ومنهم من أجـــاز الاجتهاد في تلك الليلة في المسجد كابن راهويه-رحم الله الجميع-.
إذا فالحاصل أن الخلاف منحصر في الاجتهاد في هذه الليلة أو عدمه، والذين رأوا تخصيص هذه الليلة بالعبادة ، اختلفوا في مكان ذلك: أهو في المسجد أم في البيت؟.
أما ما يحصل الآن من الصلوات المخصوصة والأذكار المعلومة فليس له أصل في الكتاب أو السنة أو عمل سلف الأمة-رحمهم الله-.
وأما عن فضيلة هذه الليلة :فالصواب –والعلم عند الله تعالى- أنه لم يصح في فضيلتها حديث عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وقد حكم الإمــام العقيلي في الضعفاء، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن العربي في عارضة الأحوذي-رحم الله الجميع-بأن هذه الأحاديث لا يصح منها شئ ،
بل قال ابن العربي-رحمه الله-:وليس في ليلة النصف من شعبان حديث يساوي سماعه.
وقد صحح العلامة الألباني –رحمه الله- الحديث بمجموع طرقه ،حيث قال في الصحيحة (على حديث:" إن الله يطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن"):حديث صحيح روي عن جماعة من الصحابة من طرق مختلفة يشد بعضها بعضا، وهم معاذ بن جبل ،وأبو ثعلبة الخشني،وعبد الله بن عمرو،وأبو موسى الأشعري،وأبو هريرة وأبو بكر الصديق وعوف بن مالك وعائشة.-رضي الله عن الجميع-.
قلت :إن هذه الطرق لا تقوى للاعتضاد لشدة ضعفها ، وسأفردها في أوراق مستقلة قبل مجيء يوم النصف من شعبان إن شاء الله تعالى.
وقد قال المحدث الألباني-رحمه الله- في تحقيقه لكتاب إصلاح المساجد للقاسمي-رحمه الله-:ولا يلزم من ثبوت هذا الحديث اتخاذ هذه الليلة موسما يجتمع الناس فيه.
قلت:وليس معنى أنه لم يثبت حديث في فضلها، أنه لا يستحب صيام يومها،
قال العلامة ابن رجب الحنبلي-رحمه الله-في لطائف المعارف:أما صيام يوم النصف منه فغير منهي عنه؛فإنه من جملة أيام البيض الغر المندوب إلى صيامها من كل شهر.
قلت فإن ثبت ضعف الحديث فلا يحل الصيام من أجل فضل يوم النصف، وإنما يصام على أنه من جملة الأيام البيض،وهذا هو الأورع خروجا من الخلاف -والعلم عند الله تعالى-.
الصيام بعد منتصف شعبان
أخرج الإمام أحمد في مسنده،وأبو داود والترمذي والنسائي في الكبرى بسند صححه الشيخ الألباني-رحم الله الجميع- عن أبي هريرة
-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:"إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى يكون رمضان"، وفي رواية الترمذي-رحمه الله-: "إذا بقي نصف شعبان فلا تصوموا".
قلت وقد اختلف العلماء-رحمهم الله تعالى- في صحة هذا الحديث،فقد صححه الترمذي وابن حبان والحاكم والطحاوي وابن عبد البر-رحم الله الجميع-، وبالرغم من تصحيح الطحاوي-رحمه الله- له فقد قال هو منسوخ،وأكثر العلماء على أنه لا يعمل به.
وقد ضعفه أئمة كبار كأحمد بن حنبل،حيث قال:هو حديث منكر،وكان عبد الرحمن-أي ابن مهدي-لا يحدث به،وحكم بضعف هذا الحديث ابن معين وأبوزرعة والأثرم وأبو داود والخليلي،وقد أشار إلى ضعفه البيهقي -رحم الله الجميع-.
قلت والسند في ظاهره الحسن إلا أن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي-رحمه الله-مختلف فيه من حيث الجملة، وقد خالف حديثه الأحاديث الصحيحة مثل حديث أم المؤمنين عائشة المتقدم:كان يصوم شعبان كله أو إلا قليلا ، وغيره ،لذا لابد أن ننظر في السند والمتن جميعا،فالصواب
-والعلم عند الله تعالى-أن هذا الحديث منكر كما قال الإمام أحمد وغيره -رحمهم الله-.
وعلى قول من قال بصحته فإننا نجمع بين هذه الأحاديث بأن النهي عنه هو أن يكون الرجل مفطرا،فإذا بقي من شعبان شئ أخذ في الصوم،كما نقل الترمذي عن بعض أهل العلم-رحم الله الجميع-، وقيل أن حديث العلاء بن عبد الرحمن –رحمه الله-محمول على من يضعفه الصوم، وقيل النهي من أجل التقوي على صيام رمضان.
قلت: وما نقله التـرمذي-رحمـه الله-أولى إن صح حديث العــلاء -رحمه الله-لما سيأتي في حديث النهي عن تقدم رمضان بصيام يوم أو يومين-والعلم عند الله تعالى-.
حكم تقدم رمضان بصيام يوم أو يومين
أخرج البخاري-رحمه الله-في صحيحه من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-مرفوعا:"لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم".
قال ابن حجر-رحمه الله-: أي لا يتقدم رمضان بصوم يوم يعد منه بقصد الاحتياط له،فإن صومه مرتبط بالرؤية فلا حاجة إلى التكلف.....قال العلماء: معنى الحديث لا تستقبلوا رمضان بصيام على نية الاحتيـاط لرمضـان،قال الترمذي لما أخرجه: العمل على هذا عند أهل العلم ، كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان......ومعنى الاستثناء:أن من كان له ورد فقد أذن له فيه ؛لأنه اعتاده وألفه،وتركُ المألوفِ شديدٌ، وليس ذلك من استقبال رمضان في شئ، ويلتحق بذلك القضاء والنذر لوجوبهما، قال بعض العلماء يستثنى القضاء والنذر بالأدلة القطعية على وجوب الوفاء بهما فلا يبطل القطعي بالظن.أ.هـ كلامه-رحمه الله-.
وأما حديث عمران بن حصين-رضي الله عنه-المتقدم(حديث سرر شعبان) فقد أجاب عنه الخطابي والمازري وغيرهم-رحمهم الله-، فقالوا:
أن هذا الرجل كان معتاد الصيام آخر الشهر أو نذره فتركه لخوفه من الدخول في النهي عن تقدم رمضان، فبين له النبي-صلى الله عليه وسلم-أن الصوم المعتاد لا يدخل في النهي، وإنما ينتهي عنه غير المعتاد.
وقال الحافظ-رحمه الله-في الفتح(وقد تقدم) : يؤخذ من الحديث(حديث السرر)الندب إلى صيام أواخر كل شهر؛ ليكون عادة للمكلف فلا يعارضه النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين،لقوله فيه:"إلا رجلا كان يصوم يوما فليصمه".
وقال أيضا-رحمه الله- : أشار القرطبي إلى أن الحامل لمن حمل سرر الشهر على غير ظاهره......الفرار من المعارضة؛ لنهيه-صلى الله عليه وسلم-عن تقدم رمضان بيوم أو يومين،وقال:الجمع بين الحديثين ممكن بحمل النهي على من ليست له عادة بذلك،وحمل الأمر على من له عادة حملا للمخاطب بذلك على ملازمة عادة الخير حتى لا تنقطع.
ويندرج تحت هذه المسألة مسألة صيام يم الشك،وسأفردها في أوراق مستقلة –إن شاء الله تعالى-.
إذا يتبقى مما وعدتك به تخريج أحاديث فضيلة ليلة النصف من شعبان، ومسألة صيام يوم الشك،وسأسعى جاهدا لكي أسطرها لك ،أسأل الله أن يجعل رسالتي هذه خالصة لوجهه الكريم ، وألا يجـعل لأحـد فيها شيئـا، وأن يهبني غنمها، ويتجاوز لي برحمته عن غرمها.
أخي الحبيب: هذا جهد المقل قد بذلته ،ونقل للأئمة قد جمعته ،رجاء أن أقدم لك خاصة، وشباب الصحوة عامة ما نشد به من أزر بعضنا للوصول إلى هدي نبينا-صلوات الله وسلامه عليه-؛فإن وفقت فيه فلله الحمد والمنة،وإن كان غير ذلك من خلل أو تقصير فمن نفسي ومن الشيطان،وأستغفر الله من ذلك.
وأختم بقول الحريري في ملحته:
وإن تجد عيبا فسد الخللا..............جل من لا عيب فيه وعلا.
وأستودعك الله يا أخي الحبيب على أن ألقاك بما وعدتك به ، وإلى أن نلتقي لا تنساني من صالح دعائك.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،والحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
==========================================================
((..إن الله ليطلع على عباده في هذه الليلة..؟!!..))
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله ليطلع ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن) [ابن ماجة1390، وابن أبي عاصم، واللالكائي]
هذا الأثر يحوي المسائل التالية:
- المسألة الأولى: معنى اطلاع الله تعالى على عباده ليلة النصف من شعبان.
- المسألة الثانية: الحكمة من تخصيص هذه الليلة بهذا الاطلاع الإلهي، والمغفرة الإلهية لجميع الخلق.
- المسألة الثالثة: سبب استثناء المشرك والمشاحن من المغفرة.
- المسألة الرابعة: كيف نعظم هذه الليلة مستنين لا مبتدعين؟.
--------------------------------------------------------------------------------
- المسألة الأولى: معنى اطلاع الله تعالى عباده ليلة النصف من شعبان.
أخبر الله تعالى في آيات كثيرة أنه مع عباده، مطلع على أحوالهم، صغيرها وكبيرها، فقال تعالى:
- {ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم}.
- {هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير}.
- {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار}.
وجاء في الأثر الصحيح أنه ينزل في كل ليلة إلى السماء ثم ينادي: من يدعوني فأستجيب له؟، من يستغفرني فأغفر له؟، من يسألني فأعطيه؟.. وذلك في الثلث الآخر منها.
فاطلاع الله تعالى على أحوال عباده مبيّن في نصوص متعددة، فأي جديد في حديث النصف من شعبان إذن؟
للإجابة نقول:
بيان علم الله تعالى بأحوال العباد جاء في النصوص بأوجه وصيغ متعددة:
- فتارة بالإخبار بعلمه بكل ما في السموات والأرض، وبما يجترحه العباد،.
- وتارة بالإخبار أنه يراهم ويسمعهم ويعلم ما في ضمائرهم.
- وتارة بالإعلام أنه منهم قريب غير بعيد، وأنه معهم أينما كانوا.
- وتارة يخبرهم أنه مطلع عليهم.
هذا التعدد في التعبير عن الإحاطة الإلهية الشاملة فيه التنبيه والإشارة إلى الحذر من مواقعة ما حذر منه، والجدّ فيما حث عليه، فإذا الإنسان استشعر هذا القرب والمعية والاطلاع والعلم الإلهي بأحوال الخلق فلعله يُحفَّز إلى الخير..
وعندما تتنوع النصوص في هذا المعنى، وتأتي في كل مناسبة بتعبير جديد، فذلك مما يلفت الانتباه ويجدد الهمة والعزيمة للخير، فطبع الإنسان الملل والنسيان، فإذا تجدد أسلوب الخطاب، وتكرر من وقت لآخر، ومكان إلى آخر، أعان على طرد الملل، واستعادة الذاكرة لما نسي من العلم.
إذن، فخبر اطلاع الله تعالى في ليلة النصف من شعبان هو تذكير وتجديد للعلم بمعرفة الله تعالى بما يكون من الإنسان، فهي موعظة توقظ الغافل، وتجدد الهمة، وقد جاء في رواية أنه تعالى ينزل في تلك الليلة، وهذه فيها زيادة على معنى الاطلاع، وفيها الدليل على عظم الرحمة الإلهية بالعباد، فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب) (الترمذي، وابن ماجة، وأحمد].
--------------------------------------------------------------------------------
- المسألة الثانية: الحكمة من تخصيص هذه الليلة بهذا الاطلاع الإلهي، والمغفرة الإلهية لجميع الخلق.
في هذه الليلة فضيلتان:
- الأولى: تخصيصها بالاطلاع الإلهي على أحوال الخلق، ولولا فضل الإنسان وكرامته لما خص بهذا الفعل.
- الثانية: تخصيصها بالمغفرة ابتداء كرما، دون سبب متقدم إلا الإسلام، فمن كان مسلما فله هذا الثواب.
والحكمة من تخصيص هذه الليلة بهذا الفضل:
أنها ليلة من شهر مبارك، عن عائشة رضي الله عنها قالت:
(ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر منه صياما في شعبان) [رواه البخاري ومسلم].
وعن أسامة بن زيد قال: (قلت: يا رسول الله!، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟، قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) [رواه النسائي].
وشهر شعبان مقدم شهر رمضان المبارك، تضاعف فيه الأجور، وتفتح فيه أبواب الرحمة، فكأنه أراد من عباده التحلل من كل ظلم: ظلم النفس بالشرك، وظلم العباد بالتباغض. حتى لا يحرموا تحصيل الأجر الجزيل، كما جاء وصفه في الحديث القدسي:
(كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به).
فلصيام رمضان أجر غير مقدر، تكفل الله تعالى به، ومن رحمته بعباده أنه يريد لهم نيل هذا الثواب العظيم، ولأجله حثهم على التحلل من كل ما يكون سببا في حرمانهم الثواب، فالشرك أعظم الذنوب المحبطة للأعمال الصالحة، والشحناء يفسد الدين، ويضيع ثوابا كبيرا.
--------------------------------------------------------------------------------
- المسألة الثالثة: سبب استثناء المشرك والمشاحن من المغفرة.
في هذا الحديث بيان عموم مغفرة الله تعالى لجميع الخلق إلا من استثني، وهم صنفان: مشرك، ومشاحن.
فأما المشرك فهو الذي عبد غير الله تعالى، بأي نوع من أنواع العبادة: من دعاء، أو نذر، أو ذبح، أو حج، وغير ذلك.. فمن فعل ذلك فقد أشرك، واستحق العقوبة وهي: عدم المغفرة، والخلود في النار، كما قال تعالى:
{إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}.
وقال: {إن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا}.
وأما المشاحن فهو: المباغض، والمخاصم، والمقاطع، والمدابر، والحاقد، والحاسد.
فكل هذه أوصاف للشحناء، وهي مفسدة لذات البين، مقطعة للصلات والأرحام، وقد جاء في الحديث:
( دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد، والبغضاء. وهي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده لاتدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على ما تتحابون به؟، أفشوا السلام بينكم) [الترمذي في القيامة، باب: سوء ذات البين، وقوله: (لا تدخلون) في مسلم].
فالوصف المشترك بين الشرك والشحناء أن كليهما يحلق الدين ويفسده، والفرق أن الشرك يبطل الدين فلا يبقي منه شيئا، أما الشحناء فتهتكه وتتركه بلا روح، وإن لم تجتث أصله..
وذلك أن مبنى العبادات في الإسلام على الاجتماع، فالصلاة في جماعة واجبة، ولا يجوز التخلف عنها إلا لعذر، واتهم المتخلف بغير عذر بالنفاق، فهذا اجتماع اليوم من العبادة، ثم حضور الجمعة واجب، وهو اجتماع الأسبوع، ثم حضور صلاة العيد سنة، وهو اجتماع العام، ويجتمعون للصلاة في النوازل: في الكسوف، والخسوف، والاستسقاء.
وفريضة الحج لا يكون إلا باجتماع..
والصيام الفرض في وقت واحد في شهر واحد للجميع..
والزكاة فريضة اجتماعية..
والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد عمل جماعي..
كل الشعائر شرعت جماعية، لم يخص بها فرد دون آخر، وكلها تؤدى جماعة بأوقات متحدة، وبأحكام واحدة، فلا بد إذن في إيقاعها والقيام بها من اجتماع، وأساسه التآلف والمحبة، فإذا انتفى التآلف تضررت تلك العبادات، بعضها بالنقصان والخلل، وبعضها بالزوال والترك:
فلا تجد المتباغضين يجتمعون للصلاة في صف واحد، جنبا إلى جنب؟.
ولا تجد المتباغضين يعطف بعضهم على بعض بصدقة أو إحسان؟.
ولا تجد المتباغضين يجتمعون على دعوة أو أمر بمعروف ونهي عن منكر أو جهاد؟.
فالشحناء مفسدة للدين، تحلقه، وما دخل الحسد والحقد في القلوب إلا وكان سببا في ضعف الإيمان، وربما انتفائه كلية، كما حصل لإبليس لما حسد وحقد على آدم عليه السلام، ولذا بالغ الشارع في التحذير من الشحناء، وسلكها في سياق التحذير من أعظم الذنوب، وهو الشرك، عن أبي ثعلبة الخشني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إن الله ليطلع على عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه) [رواه الطبراني.. صحيح الجامع 1898، السلسلة الصحيحة1144]
فالشرك مفسد لعلاقة الإنسان بربه، والشحناء مفسدة لعلاقته بإخوانه المؤمنين، وإذا فسدت علاقته بربه وبإخوانه لم يبق له من دينه شيء، فكيف يغفر الله له؟.
وإذا فسدت علاقته بإخوانه هتك دينه وأضر به، لذا حرم فضل تلك الليلة المباركة.
--------------------------------------------------------------------------------
- المسألة الرابعة: كيف نعظم هذه الليلة مستنين لا مبتدعين؟.
اختلف أمر العلماء فيما يتعلق بهذه الليلة من فضيلة، فقد ذهب بعضهم إلى تضعيف كل ما ورد فيها من حديث، وبعضهم صحح طائفة منها، بمجموع الطرق، كالحديث الذي نحن بصدده: (.. فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن) وضعف غيره مما فيه ذكر الصلاة والصيام وغيرهما من أنواع العبادة المخصصة لهذه الليلة..
ولم يرد عن الصحابة في هذا شيء من تخصيص بعبادة أو نحوها، إنما ابتدء الخلاف من لدن عهد التابعين، حيث ذهب بعضهم إلى جواز تخصيصها بالصلاة، وأنكره جمهورهم، وذهب آخرون إلى جواز التخصيص في غير جماعة..
جاء في كتاب (تحفة الإخوان، في قراءة الميعاد في رجب وشعبان ورمضان) لشهاب الدين أحمد بن حجازي الفشني [ص90] قال:
"وقد كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول يجتهدون ليلة النصف من شعبان في العبادة، وعنهم أخذ الناس تعظيمها، فلما اشتهر ذلك عنهم اختلف الناس فيه، فمنهم من قبله ومنهم من أنكره، وقد أنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز منهم عطاء وابن أبي مليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم قالوا: ذلك كله بدعة.
واختلف علماء الشام في صفة إحيائها على قولين: أحدهما: أنه يستحب إحياؤها جماعة في المسجد، وكان خالد بن معدان ولقمان بن عامر يلبسان فيها أحسن ثيابهما ويتبختران ويكتحلان ويقومان في المسجد ليلتهما تلك، ووافقهما على ذلك إسحاق بن راهوية، وقال: قيامها في المسجد جماعة ليس ببدعة.
نقله عنه حرب الكرماني في مسألة، والثاني يكره الاجتماع لها في المساجد للصلاة، ولا يكره أن يصلي الرجل لخاصة نفسه، وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم".
وجاء في كتاب (الحوادث والبدع لأبي بكر الطرطوشي ص263-264) و كتاب (الباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة ص125) أن ابن وضاح روى عن زيد بن أسلم قال:
"ما أدركنا أحدا من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى النصف من شعبان، ولا يلتفتون إلى حديث مكحول، ولا يرون لها فضلا على ما سواها.
وقيل لابن أبي مليكة: إن زيادا النميري يقول: إن أجر ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر، فقال: لو سمعته وبيدي عصا لضربته"، وكان زياد قاصا".
فعامة التابعين على إنكار تخصيص هذه الليلة بعبادة، وقد ذكر الطرطوشي ابتداءها فقال: "وأخبرني أبو محمد المقدسي قال: لم تكن عندنا ببيت المقدس قط صلاة الرغائب، هذه التي تصلى في رجب وشعبان، وأول ما حدثت عندنا في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، قدم علينا في بيت المقدس رجل من أهل نابلس يعرف بابن أبي الحمراء، وكان حسن التلاوة، فقام فصلى في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان فأحرم خلفه رجل ثم انضاف إليهما ثالث ورابع، فما ختمها إلا وهم في جماعة كثيرة، ثم جاء في العام القابل فصلى معه خلق كثير وشاعت في المسجد الأقصى وبيوت الناس ومنازلهم، ثم استقرت كأنها سنة إلى يومنا هذا.
فقلت له: أنا رأيتك تصليها في جماعة!، قال: نعم، وأستغفر الله منها". [الحوادث والبدع ص266-267]
وقد ألحقت بهذه الليلة فضائل لم تثبت، مثل ما روي في قوله تعالى: {إنا أنزلنا في ليلة مباركة} قال عكرمة مولى ابن عباس:
"هي ليلة النصف من شعبان، يبرم فيها أمر السنة، وينسخ فيها الأحياء من الأموات، ويكتب الحاج، فلا يزاد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد".
وقال قتادة وابن زيد ومجاهد والحسن وأبو عبد الرحمن السلمي وأكثر علماء العراق: "هي ليلة القدر، أنزل الله تعالى القرآن في ليلة القدر من أم الكتاب إلى السماء الدنيا، ثم أنزله على نبيه في الليالي والأيام".
ذكر ذلك أبو بكر الطرطوشي، وقال: "وعلى هذا القول علماء المسلمين" [كتاب الحوادث والبدع ص262]
فهذه الفضيلة، وهي نزول القرآن، لم تثبت لليلة النصف من شعبان، إنما هي ثابتة لليلة القدر بنص القرآن، قال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}، ففي الأولى أبهم وفي هذه صرح بأنها ليلة القدر، وفي الأولى وصفها بأنها مباركة، وفي هذه قال: {ليلة القدر خير من ألف شهر}، فبركتها لكونها خير من ألف شهر.
ومثل ما رواه ابن ماجة: (إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلتها، وصوموا يومها، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا، فيقول: ألا مستغفر فأغفر له؟، ألا مسترزق فأرزقه؟، ألا مبتلى فأعافيه؟، ألا سائل فأعطيه؟، ألا كذا، ألا كذا؟، حتى يطلع الفجر)، فهذا الحديث موضوع [انظر: ضعيف الجامع 652].
وتتبع أبو شامة في كتابه (الباعث عن إنكار البدع والحوادث) كثيرا من الآثار الواردة في تخصيص هذه الليلة بأنواع من العبادات وبين ما فيها من بطلان وضعف. [انظر: ص124-137]
وقد أنكر ما أحدث فيها من بدعة الصلاة كثير من العلماء سوى من ذكرنا، منهم النووي في المجموع، وابن الجوزي في الموضوعات، والقرطبي في التفسير، وابن القيم في المنار المنيف، والفيروز آبادي في خاتمة سفر السعادة [انظر: الباعث على إنكار البدع والحوادث ص126 حاشية (3)، ص127 حاشية (2)]
--------------------------------------------------------------------------------
فإذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تخصيصه هذه الليلة بعبادة، وكان عامة ما ورد فيها إما موضوع أو ضعيف، ولم يثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم شيء في هذا، وإنما جاء عن بعض التابعين، مع مخالفة الأكثر لهم، فلا وجه إذن لاتخاذ ليلة النصف شعبان شعيرة للعبادة تضاهي أيام الجمعة والأعياد وصلاة التراويح، فما صح غاية ما فيه الحث على الإقلاع عن كبيرتين من كبائر الذنوب هما: الشرك، والشحناء.
فمن كان حريصا على بلوغ أجر هذه الليلة فعليه العمل بموجب ما ثبت من الأثر، وما جاء الحث عليه، أما اختراع عبادة وطاعة لم تثبت، ولم يدل عليه حديث صحيح، فليس إلا بعد عن السنة والعمل الصالح، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) [البخاري].
==========================================================
أحاديث ضعيفة واردة في شهر شعبان
أبو عبدالله المصري
من أبي عبد الله المصري إلى حبيبه في الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،وبعد:
كنت قد وعدتك أن أنقل لك بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة حول شهر شعبان، فها أنا ذا أوف بوعدي لك ؛ إظهارا لمحبتي لك.
وقبل الشروع في المقصود، أحب أن أبين لك أن نسبة قولٍ إلى غير قائله تعد جريمة في عصرنا ، فما بالك بنسبة قول إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم-لم يقله.
والحبيب محمد-صلى الله عليه وسلم-يقول:"من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار" .
وقال أيضا:"من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب ،فهو أحد الكَاذِبِيْنَ" .
وغير ذلك من الأحاديث.
ومن هنا يتبين وجوب الحرص على سنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وتمييز صحيحها من ضعيفها، وعدم العمل بسنة إلا إذا تبين صحتها من ضعفها.
وحان الآن وقت الشروع في المقصود، فأقول مستعينا بالله:
الحديث الأول: "كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يصوم ثلاثة أيام من كل شهر فربما أخرَّ ذلك حتى يجتمعَ عليه صوم السنة فيصوم شعبان".
وهذا الحديث ضعيف أخرجه الطبراني في الأوسط عن عائشة-رضي الله عنها- ، قال الحافظ في الفتح:فيه ابن أبي ليلى ضعيف.
الحديث الثاني: "كان إذا دخل رجب، قال: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان ، وبلغنا رمضان".
والحديث رواه البزار ،والطبراني في الأوسط ، والبيهقي في فضائل الأوقات ، عن أنس-رضي الله عنه- ، وقد ضعفه الحافظ في تبين العجب ، وقال: فيه زائدة بن أبي الرُّقَاد ، قال فيه أبو حاتم يحدث عن زياد النُّمَيْرِي ، عن أنس بأحاديث مرفوعة منكرة ، فلا يُدرى منه أو من زياد ، وقال فيه البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي في السنن لا أدري من هو، وقال ابن حبان لا يُحتج بخبره.
الحديث الثالث: عن أبي هريرة-رضي الله عنه- أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-لم يصم بعد رمضان إلا رجب وشعبان.
وقد حكم عليه الحافظ ابن حجر-رحمه الله-في تبين العجب بالنكارة من أجل يوسف بن عطية ، فإنه ضعيف جدا.
الحديث الرابع: رجب شهر الله ، وشعبان شهري ، ورمضان شهر أمتي.
وهذا الحديث باطل موضوع، قال فيه الحافظ-رحمه الله- في تبين العجب رواه أبو بكر النقاش المفسر ، وسنده مركب ، ولا يعرف لعلقمة سماع من أبي سعيد ، والكسائي المذكور في السند لا يُدرى من هو ، والعهدة في هذا الإسناد على النقاش ، وأبو بكر النقاش ضعيف متروك الحديث قاله الذهبي في الميزان.
قلت وقد جاء هذا اللفظ ضمن حديث طويل في فضل رجب ، وفي حديث صلاة الرغائب حكم عليهما الحافظ-رحمه الله- بالوضع في تبين العجب ، وجاء من طريق آخر بلفظشعبان شهري ، ورمضان شهر الله) عند الديلمي في مسند الفردوس عن عائشة-رضي الله عنها-،وفيه الحسن بن يحي الخشني ، قال الذهبي تركه الدارقطني ، وقد ضعف الحديث السيوطي والألباني-رحم الله الجميع-.
الحديث الخامس: خيرة الله من الشهور ، وهو شهر الله ، من عظم شهر رجب ، فقد عظم أمر الله ، أدخله جنات النعيم ، وأوجب له رضوانه الأكبر، وشعبان شهري ، فمن عظم شهر شعبان فقد عظم أمري، ومن عظم أمري كنت له فرطا وذخرا يوم القيامة ، وشهر رمضان شهر أمتي ، فمن عظم شهر رمضان وعظم حرمته ولم ينتهكه وصام نهاره وقام ليله وحفظ جوارحه خرج من رمضان وليس عليه ذنب يطالبه الله تعالى به.
حكم الحافظ-رحمه الله- في تبين العجب بالوضع ، وقال: قال البيهقي: هذا حديث منكر بمرة ، قلت (أي الحافظ-رحمه الله-):بل هو موضوع ظاهر الوضع ، بل هو من وضع نوح الجامع وهو أبو عصمة الدين ، قال عنه ابن المبارك لما ذكره لوكيع: عندنا شيخ يقال له أبو عصمة ، كان يضع الحديث ، وهو الذي كانوا يقولون فيه: نوح الجامع جمع كل شئ إلا الصدق وقال الخليلي: أجمعوا على ضعفه.
الحديث السادس: فضل رجب على سائر الشهور كفضل القرآن على سائر الأذكار ، وفضل شعبان على سائر الشهور كفضل محمد على سائر الأنبياء ، وفضل رمضان على سائر الشهور كفضل الله على عباده.
وحكم الحافظ-رحمه الله- على الحديث بالوضع ،وقال: السقطي هو الآفة ، وكان مشهورا بوضع الحديث ، وتركيب الأسانيد.
الحديث السابع: تدرون لم سمي شعبان ؛ لأنه يُتَشَعَّبُ فيه لرمضان خير كثير ، وإنما سمي رمضان ؛ لأنه يرمض الذنوب أي يذيبها من الحر.
حكم السيوطي-رحمه الله- على هذا الحديث بالوضع ، والحديث رواه أبو الشيخ من حديث أنس ، وفيه زياد بن ميمون وقد اعترف بالكذب.
الحديث الثامن: أفضل الصوم بعد رمضان شعبان لتعظيم رمضان ، وأفضل الصدقة صدقة في رمضان.
والحديث رواه الترمذي والبيهقي في الشعب ، عن أنس-رضي الله عنه- ، وقال الترمذي: غريب ، وضعفه السيوطي والألباني-رحم الله الجميع-
والحديث فيه صدقة بن موسى ، قال الذهبي في المهذب صدقة ضعفوه ، ويزاد على هذا أن في متنه نكارة ؛ لمخالفته ما جاء في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- مرفوعا:"أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم.........الحديث".
الحديث التاسع: عن عائشة ، قالت: كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم ، وكان أكثر صيامه في شعبان ، فقلت يا رسول الله: مالي أرى أكثر صيامك في شعبان ، فقال:
يا عائشة إنه شهر ينسخ لملك الموت من يقبض ، فأحب أن لا ينسخ اسمي إلا وأنا صائم.
قال ابن أبي حاتم في علل الحديث: سألت أبي عن حديث............. (وذكر الحديث) قال أبي: هذا حديث منكر.
قلت وأول الحديث ( كان.....إلى...لا يصوم) قد جاء في الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها-، وقولها-رضي الله عنها- (وكان أكثر صيامه في شعبان) جاء بمعناه في هذا الحديث ، ويقصد
أبو حاتم-رحمه الله- بالنكارة الجزء الأخير من الحديث (فقلت...إلى آخره).
هذا وأسأل الله أن ينفعني وإياك ، وأن يجعل أعمالنا كلها في ميزان حسناتنا ، إن الله على كل شئ قدير.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد و على آله وصحبه وسلم ،
والحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
==========================================================
حكم صيام يوم الشك
أبو عبدالله المصري
من أبي عبد الله المصري إلى أخيه الحبيب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
فقد اشتقت إليك كثيرا، فمن حين وضعنا رحالنا من التجول في بستان الحديث عن شهر شعبان، ومنذ أن فَارَقَتْ يدي الأوراقَ ، فكأني بها تَئِنُّ ، وتُتَمْتِمُ بكلمات مَفَادُهَا ألاَّ أُفَرِّقَ بينها وبين حبيبتها الأوراق ،وإني لأعلم متى يزيد حبها للأوراق........
أظنك تحب أن تعرف، أليس كذلك؟!..
حبيبي في الله : إن يدي مني تحب من أحب ، وتعادي من أكره، ولما أن علمت ما أكنه لك من حب فياض، وعلمت أن الكتابة بالرسائل أحد وسائل إظهار المحبة، إذا بها تقع في غرام الأوراق التي تعينها على إسعادي.
أخي الحبيب: إن كان لشعراء الجاهلية في مقدمة قصائدهم كلام عن الخمر
وما إلى ذلك ، فإني أضع الجاهلية تحت قدمي ، وأظهر في مطلع حـديثي
إليك سنة من سنن الحبيب محمـد-صلى الله عليه وسلم- بأن أعلمــــك
أني أحبك في الله
وأسأل الله أن يجمعني وإياك تحت ظل عرش الرحمن ، يوم لا ظل إلا ظله.
ووفاء بوعدي ، وإظهارا لحبي لك ، فإليك مسألة حكم صيام يوم الشك.
فأقول وبالله التوفيق والسداد:
أولا : ما المراد بيوم الشك،(لأن الحكم على الشئ فرع عن تصوره)
من أهل العلم من قال يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان ؛ إذا كانت ليلته صافية ليس فيها غيم، ولم يتراء الناس الهلال، أو شهد برؤيته من لا تقبل شهادته ،وأصحاب هذا القول لم يعتبروا يوم الغيم شكا.
ومنهم من قال أن يوم الغيم هو يوم الشك ، ومنهم من يقول العبرة باختلاف الناس، فإذا اختلفوا هل هذا اليوم من رمضان أو من شعبان ، فهذا هو يوم الشك ، وإلا فلا .
والأظهر-والعلم عند الله تعالى- أن العبرة باختلاف الناس ، فإذا اختلفوا سواء كان اليوم صحوا أو غيما: فهذا يوم الشك.
ثانيا: حكمه : وقد اختلفوا فيه على أقوال:
فباعتبار الغيم والصحو،قال بعض أهل العلم : يصام يوم الغيم ولا يصام يوم الصحو.
وبالاعتبار الراجح ، قال بعضهم أنه يجب صيامه، وقال آخرون وهم الجمهور: إن كان يوم الشك عن رمضان(أي من باب الاحتياط) فيحرم صيامه ، واختلفوا فيما بينهم إن كان من شعبان ، فمنع صيامه(من الجمهور)الشافعيُّ–رحمه الله- بشرط ألا يوافق ذلك اليوم يوما كان يصومه.
ومن أهل العلم من قال بتحريم صيامه مطلقا، وثمة أقوال أخرى هذه أشهرها.
وإليك-رحمك الله-ما استدلوا به مختصرا،فالمسألة طويلة جدا:
الذين قالوا بالوجوب أعملوا بعض الأدلة ، وأهملوا الأخرى،فقد استدلوا بحديث عمران بن حصين-رضي الله عنه- الذي في الصحيحين،وقد تقدم معنا،وفيه: أما صمت من سرر هذا الشهر، والراجح أن السرر كما تقدم هو آخر الشهر، فيلزم من ذلك وجوب صيام يوم الشك؛ لأنه آخر الشهر، واستدلوا بأدلة أخرى كحديث أم سلمة وعائشة-رضي الله عنهما-أن النبي-صلى الله عليه وسلم-كان يصل شعبان برمضان،وقد صححه العلامة الألباني-رحمه الله-، وغير ذلك من الأدلة النقلية والعقلية.
وأما الذين منعوا من الصيام عن رمضان ، فاستدلوا بأدلة منها:
حديث أبي هريرة الذي في الصحيحين:"لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم"
وحديث أبي هريرة-رضي الله عنه- عند البخاري-رحمه الله-:"صوموا لرؤيته،وأفطروا لرؤيته،فإن غُبِّيَ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين".
وأثر عمار بن ياسر-رضي الله عنه- عند البخاري تعليقا(وقد تكلم فيه بعض أهل العلم) وهذا الأثر له حكم الرفع كما قال الحافظ-رخمه الله-.
وثمة أدلة أخرى استدل بها هذا الفريق من أهل العلم-رخمهم الله-، والصواب –والعلم عند الله تعالى- إعمال الأدلة كلها، دون إهمال أي منها،ويجمع بينها بأنه لا يجوز صيام يوم الشك ، إلا إذا كانت عادته صيام أواخر كل شهر، أو وافق يوم الشك يوم الاثنين أو الخميس كان من عادته صيامهما ، فيستحب صيامه، بلا كراهة، ونقول إن كان يقضي صوما ، وضاق به الوقت، أو كان يقضي نذرا معينا قضاه على نفسه في هذا اليوم ، أو كفارة يشترط فيها التتابع كالظهار ونحوه، فإنه يجوز له الصيام من باب أولى.
أخي الحبيب هذه هي المسألة باختصار، وإن رمت الزيادة فارجع إلى كلام النووي-رحمه الله- في المجموع(6/408-435)وقد أتى في هذه الصفحات بزبدة المسألة، وجمع بين جزء القاضي أبو يعلى، الذي انتصر فيه لقول من قال بالوجوب، وجزء الخطيب البغدادي في المنع من صيام هذا اليوم، فراجعها-غير مأمور-ففيها نفع كبير.
وقبل أن أختم، أريد أن أشير إلى أمرين ، الأول: أن البعض ينسب القول بالوجوب ،للإمام أحمد ، والبعض ينسبه إلى أصحابه-رحم الله الجميع-، فأقول قد أنكر شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-نسبة القول بالوجوب لأحمد أو لأحد أصحابه-رحم الله الجميع-،وإنما يرى الإمام-رحمه الله-استحباب صيام يوم الغيم ، تبعا لاجتهاد ابن عمر-رضي الله عنه-.
قلت ولعل شيخ الإسلام-رحمه الله- يقصد بأصحاب الإمام، الملازمين له ،لا من جاء بعدهم كأبي يعلى-رحمه الله- المتوفى458هـ.
الأمر الثاني أن الترمذي-رحمه الله- نقل عن أكثر أهل العلم أن من صام يوم الشك، وظهر أنه من رمضان أنه يقضي يوما مكانه.
قلت وذلك لأنه لم يجزم بنية رمضان-والعلم عند الله تعالى-.
وقبل أن أفارقك أخي الحبيب ألزم نفسي بأن أنقل بعض الأحاديث التي ضعفها بعض الأئمة في فضائل شهر شعبان وصيامه، والتي قد تكون منتشرة بين الناس.
وإلى أن ألقاك،لا تنساني بدعوة بظهر الغيب، وأسأل الله أن يجعل أعمالنا كلها خالصة لوجهه الكريم،إنه سبحانه على كل شئ قدير، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وصلى الله على نبينا محمد،وآله وصحبه وسلم ، والحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
==========================================================
الملف العلمي لشهر شعبان http://alminbar.net/malafilmy/shabaan/malaf1.htm
========================================================== |