الثمر المجتنى
مختصر شرح أسماء الله الحسنى
في ضوء الكتاب والسنة
تأليف الفقير إلى الله تعالى
د . سعيد بن علي بن وهف القحطاني
رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله , نحمده , ونستعينه , ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا , وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مٌضلًّ له , ومن يُضللْ فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله , صلى الله عليه وعلى آله , وأصحابه , وسَلَم تسليماً كثيراً ,
أما بعد :
فقد طلب مني يعض المحبين للخير أن أختصر - كتابي «شرح أسماء الله الحسنى» ليستفيد منه عامّة الناس , ويٌقرأ على المصلٍّين بعد الصلوات , فأجبته لذلك , واقتصرت على
شرح أسماء الله الحسنى , ومَن أراد الزيادة , فليرجع إلى الأصل .
ولا شك أن الأسماء الحسنى لا تذخل تحت حصر ولا تُحدٌّ بعددٍ , فإن لله تعالى أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده , لا يعلمها ملك مقرب , ولا نبي مرسل , كما في
الحديث الصحيح «أسألك بكل أسم هو لك , سمّيت به نفسك , أو علَّمته أحداً من خلقك , أو أنزلته في كتابك , أو استأثرت به في علم الغيب عندك» أخرجه أحمد .
فجعل اسماءه ثلاثة أقسام :
• قسم سمّى به نفسه , فأظهره لمن شاء من ملائكته أو غيرهم , ولم ينزل به كتابه .
• وقسم أنزل به كتابه , فتعرف به إلى عباده ,
• وقسم استأثر به في علم غيبه , فلم يطلّع عليه أحد من خلقه , ولهذا قال : «استأترت به» , إي : انفردت بعلمه , وليس المراد انفراده بالتسمي به , لأن هذا الانفراد ثابت في
الأسماء التي أنزل بها كتابه , ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة : «فيفتح عليّ من محامده بما لا أحسنه الآن» وتلك المحامد هي تفي بأسمائه وصفاته
.
ومن قول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا أحصي ثناء عليك , أنت كما أثنيت على نفسك» , وأما قوله صلى الله عليه وسلم : «إن لله تسعة وتسعين اسماً , من أحصاها دخل
الجنة» فالكلام جملة واحدة , وقوله : «من أحصاها دخل الجنة» صفة لا خبر مستقبل , والمعنى له أسماء متعددة من شأنها أن من أحصاها دخل الجنة , وهذا لا ينفي أن يكون
له أسماء غيرها , وهذا كما تقول : لفلان مائة مملوك قد أعدّهم للجهاد , فلا ينفي هذا أن يكون له مماليك سواهم معدّون لغير الجهاد وهذا لا خلاف بين العلماء فيه .
والله أسألُ أن يجعل هذا المختصر خالصاً لوجهه الكريم , وأن ينفعني به في حياتي , وبعد مماتي , وأن ينفع به من انتهى إليه , فإنه تعالى خير مسؤول , وأكرم مأمول , وهو
حسبنا ونعم الوكيل , وصلى الله وسلّم , وبارك على نبيّنا محمد , وعلى آله وأصحابه , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أبو عبد الرحمن
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
حُررَ في يوم الأربعاء الموافق 1427/3/12هـ
قال الله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) سورة الحديد - الآية 3
وهذه الأسماء الأربعة المباركة قد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم تفسيراً جامعاً واضحاً فقال يخاطب ربه : (اللهم أنت ألأول فليس قبلك شيء , وأنت الآخر فليس بعدك شيء , وأنت الظاهر فليس فوقك شيء , وأنت الباطن فليس دونك شيء) الى آخر الحديث , ففسر كل اسم بمعناه العظيم , ونفى عنه ما يضاده وينافيه , فتدبر هذه المعاني الجليلة الداله على تفرد الرب العظيم بالكمال المطلق والإحاطه الزمانية في قوله : «الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ » والمكانيه في قوله : «الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ» .
«فالأول» يدل على أن كل ما سواه حادث كائن بعد أن لم يكن , ويوجب للعبد أن يلحظ فضل ربه في كل نعمة دينية او دنيويه : إذ السبب والمسبب منه تعالى .
«والآخر» يدل على انه هو الغاية , والصمد الذي تصمد اليه المخلوقات بتألهها ورغبتها , ورهبتها , وجميع مطالبها .
«والظاهر» يدل على عظمة صفاته , واضمحلال كل شيء عند عظمته من ذوات وصفات على علوّه .
«والباطن» يدل على اطلاعة على السرائر , والضمائر , والخبايا , والخفايا , ودقائق الأشياء , كما يدل على كمال قربه ودنوه , ولا يتنافى الظاهر والباطن , لأن الله ليس كمثله شيء في كل النعوت .
قال الله تعالى : (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) سورة البقرة - الآية 255
وقال تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) سورة الأعلى - الآية 1
وقال تعالى : ( عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ) سورة الرعد - الآية 9
وذلك دال على أن جميع معاني العلو ثابته لله من كل وجه .
فله علو الذات , فإنه فوق المخلوقات , وعلى العرش استوى : أي علا وارتفع .
وله علو القدر : وهو علو صفاته وعظمتها , فلا يماثله صفة مخلوق , بل لا يقدر الخلائق كلهم أن يحيطوا ببعض معاني صفة واحده من صفاته .
قال تعالى : (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا) سورة طه - الآية 110
وبذلك يعلم أنه ليس كمثله شيء في كل نعوته .
وله علو القهر , فإنه الواحد القهار الذي قهر بعزته وعلوه الخلق كلهم , فنواصيهم بيده , وما شاء كان لا يمانعه فيه ممانع , وما لم يشأ لم يكن , فلو اجتمع الخلق على ايجاد ما لم يشأة الله لم يقدروا , ولو اجتمعوا على منع ما حكمت به مشيئته لم يمنعوه , وذلك لكمال اقتداره , ونفوذ مشيئته وشدة افتقار المحلوقات كلها إليه من كل وجه .
قال الله تعالى : (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) سورة البقرة - الآية 255
الله تعالى له كل وصف ومعنى يوجب التعظيم , فلا يقدر مخلوق أن يثني عليه كما ينبغي له , ولا يحصى ثناء عليه , بل هو كما اثنى على نفسة , وفوق ما يثني عليه عباده واعلم أن معاني التعظيم الثابتة لله وحدة نوعان :
النوع الأول : أنه موصوف بكل صفة كمال , وله من ذلك الكمال أكمله , واعظمه , واوسعه , فله العلم المحيط والقدرة النافذة , والكبرياء والعظمة , ومن عظمته أن السموات والأرض في كف الرحمن أصغر من الخردلة كما قال ذلك ابن العباس وغيرة .
وقال تعالى : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) سورة الزمر - الآية 67 ,
وقال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) سورة فاطر - الآية 41 ,
وقال تعالى : ( وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) سورة البقرة - الآية 255 ,
وقال تعالى : (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ) سورة الشورى - الآية 5 ,
وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم : «ان الله يقول : الكبرياء ردائي , والعظمة إزاري , فمن نازعني واحداً منها عذبته » فلله تعالى الكبرياء والعظمة , الوصفان اللذان لا يقدر قدرهما , ولا يبلغ كنههما .
النوع الثاني من معاني عظمته تعالى أنه لا يستحق أحد من الخلق أن يُعظّم كما يُعظّم الله , فيستحق جل جلاله من عباده أن يعظموه بقلوبهم , والسنتهم , وجوارحهم , وذلك ببذل الجهد في معرفته , ومحبته , والذل له , والانكسار له , والخضوع لكبريائه , والخوف منه , واعمال اللسان بالثناء عليه , وقيام الجوارح بشكرة وعبوديته .
ومن تعظيمه أن يُتقى حق تقاته , فيطاع فلا يعصى . ويذكر فلا ينسى , ويُشكر فلا يُكفر .
ومن تعظيمة تعظيم ما حرمه وشرعه من زمان ومكان وأعمال (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) سورة الحج - الآية 32 , وقال تعالى : ( ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ) سورة الحج - الآية 30 , ومن تعظيمه أن لا يُتعرض على شيء مما خلقه أو شرعه .
الذي له المجد العظيم , والمجد هو عظمة الصفات وسعتها .
فكل وصف من أوصافه عظيم شأنه :
فهو العليم الكامل في علمه ,
الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء ,
القديرالذي لا يعجزه شيء ,
الحليم الكامل في حلمه , الحكيم الكامل في حكمته ,
إلى بقية اسمائة وصفاته التي بلغت غاية المجد ,
فليس في شيء منها قصور أو نقصان ,
قال تعالى : (رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ) سورة هود - الآية 73 .
وهو جل جلاله الموصوف بصفات المجد , والكبيرياء , والعظمة , والجلال ,
الذي هو اكبر من كل شيء , واعظم من كل شيء , واجل وأعلى .
وله التعظيم والإجلال , في قلوب اوليائة واصفيائة .
قد مُلئت قلوبهم من تعظيمة , واجلاله , والخضوع له , والتذلل لكبريائة .
قال الله تعالى : ( ذَٰلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ۖ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ۚ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ )
قال الله تعالى : (مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) سورة النساء - الآية 134 ,
وكثيراً ما يقرن الله بين صفة السمع والبصر , فكل من السمع والبصر محيط بجميع متعلقاته الظاهرة , والباطنة , فالسمع الذي احاط سمعه بجميع المسموعات , فكل ما في العالم العلوي والسفلي من الاصوات يسمعها سرها وعلنها وكأنها لديه صوت واحد , لا تختلط عليه الأصوات , ولا تخفى عليه جميع اللغات , والقريب منها والبعيد , والسر والعلانيه عنده سواء (سَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ) سورة الرعد - الآية 10 , (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) سورة المجادلة _ الآية 1 ,
قالت عائشة رضي الله عنها : تبارك الذي وسع سمعة الأصوات , لقد جاءت المجادلة تشتكي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في جانب الحجرة وانه ليخفي علي بعض كلامها , فأنزل الله : (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) .
وسمعه تعالى نوعان :
النوع الأول : سمعه لجميع الأصوات الظاهرة والباطنة , الخفية والجلية , وإحاطته التامه بها .
النوع الثاني : سَمْعُ الإجابه من السائلين والداعين والعابدين فيجيبهم ويثيبهم , ومنه قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ) سورة ابراهيم - الآيه 39 .
وقول المصلي «سمع الله لمن حمدة» أي استجاب .