الحالة الأولى: أن يهجم العدو على بلاد المسلمين، والأعداء اليوم يهاجمون بلدان المسلمين، بل يحتلون أرضهم، ويسفكون دماءهم، ويخربون بيوتهم، في مناطق كثيرة من الأرض.
وفي الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح: ( لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا ). [أخرجه الإمام البخاري كما في الفتح (6/37) ومسلم (3/1487)].
وقال الحافظ في الفتح:
"وفيه وجوب تعيين الخروج في الغزو على من عينه الإمام". [انظر الفتح: (6/36)].
وقال الكاساني رحمه الله:
"فإذا عم النفير لا يتحقق القيام به إلا بالكل، فبقي فرضاً على الكل عينا بمنزلة الصوم والصلاة ". [بدائع الصنائع (9/4301)].
الحالة الثالثة: أن يلتقي الصفان: صف المسلمين وصف الكافرين للقتال، فإنه يحرم على المسلمين الفرار في هذه الحالة، لأنه من تولية المسلمين الكافرين الأدبار، وقد نهى الله تعالى المسلمين عن ذلك، وتوعد عليه بالغضب وجعله من كبائر الذنوب.
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( اجتنبوا السبع الموبقات ) قالوا: يا رسول الله وما هن؟
قال صلى الله عليه وسلم: ( الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المؤمنات المحصنات الغافلات ). [رواه البخاري، وهو في الفتح (5/393) ومسلم (1/92)].
لكن في الآية الكريمة – آية الأنفال – استثناء حالتين، إذا فعلهما المؤمن لا يأثم، وإن كان ظاهرهما أنه ولى العدو ظهره:
الحالة الأولى التحرف للقتال: وهو أن ينتقل المجاهد من موقع في القتال، إلى موقع آخر، احتيالاً على العدو، كأن يدير ظهره موهماً له أنه هارب، ثم يكر عليه.
الحالة الثانية التحيز إلى فئة: وذلك أن يعلم المجاهدون أن لا طاقة لهم بقتال العدو، إما لكثرته وقلة عدد المسلمين، وإما لقوة عدة العدو، وضعف عدة المسلمين، ضعفاً لا يقدرون معه على الوقوف أمامه، فينحازون إلى طائفة من جيشهم لمناصرتهم، سواء كانت هذه الطائفة قريبة أم بعيدة، فالتحيز بهذه النية ليس حراماً ولا إثم فيه.
وقد لخص ابن قدامة رحمه الله المواضع التي يتعين فيها الجهاد، فقال:
"ويتعين الجهاد في ثلاثة مواضع:
أحدها: إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان، حرم على من حضر الانصراف وتعين المقام..