نادي الهلال السعودي - شبكة الزعيم - الموقع الرسمي

الحمد لله، أما بعد:
فلا شك أن نزول الأمطار بعد انقطاعها له وقعه في النفس، وما التفاعل الذي يراه الإنسان في وسائل التواصل الاجتماعية (الفيس بوك وتويتر وغيرها) إلا دليل واضح على ذلك.
وهذه الخواطر طرأت عليّ منذ أمسِ الاثنين 3/1/1433هـ، حيث انفتحت أبواب السماء بغيث عميم، شمل عامة بلادنا السعودية وبعض بلاد الخليج، فأحببتُ تقييدها على جهة الاختصار؛ لعل الله أن ينفع بها.
1 ـ تأخر نزول المطر، وانقطاعه مظنة قرب الفرج بنزوله، وقد أعجبني في هذا المقام ما روي عن عمر بن الخطاب http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/anho.png أنه قيل له: "أجدبت الأرض وقنط الناس! قال: مطروا إذاً، وقد انتزع ذلك ـ http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/anho.png ـ من قوله تعالى: http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos1.pngوهو الذي يُنّزِلُ الغيثَ من بعد ما قنطوا وينشر رحمتهhttp://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos2.png.
2 ـ نزول الغيث بعد انقطاعه نعمة تحتاج إلى شكر، كغيرها من النعم، لكن يظهر هذا المعنى بشكل أكثر لمن تأمل في سياق الآيات في سورة الشورى، ولذا قال تعالى بعد ذلك: http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos1.pngوَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ... الآياتhttp://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos2.png.
أما النصوص في الحث على الشكر فهي أكثر من أن تحصر، وسيأتي توضيح لهذه الفكرة في رقم 4و 8.
3 ـ نزول الغيث من آثار قدرة الله وملكه، ولهذا اختص الله http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/sbhanh.png به، فلا تنزل قطرة إلا بإذنه، ولو اجتمعت على ذلك كل قوى الدنيا، http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos1.pngوَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ ... الآياتhttp://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos2.png، واختص بعلم وقت نزوله، وعلم كميته، وعدد قطراته، وقد ثبت في الصحيح من حديث ابن عمر http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/anhma.png عن النبي http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/slah.png قال: مفاتيح الغيب خمسٌ لا يعلمهن إلا الله، ثم تلا قوله تعالى: http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos1.pngإِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos2.png [لقمان: 34].
4 ـ صرّح القرآن بالحكمة من تأخر نزول الغيث، أو بسطه، فقال تعالى: http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos1.pngوَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos2.png [الشورى: 27] فتأمل التعليل: http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos1.pngلَبَغَوْا فِي الْأَرْضِhttp://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos2.png بفعل المعاصي، وانتشار المنكرات التي قد تتضاعف مع توافر النعم، فالأرض تروى، وتزهو بحلتها الفاتنة للألباب، وما تخرجه من كنوزها العجيبة، ثم بيّن أثراً من آثار قدرته وحكمته التي قد تخفى على العباد، فقال: http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos1.pngوَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُhttp://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos2.png ثم ختم الآية باسمين كريمين من أسمائه الحسنى اللذين هما في غاية المناسبة: http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos1.pngإِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos2.png [الشورى: 27] فهو http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/galgalalh.png الأعلم بأحوال عباده، فيقدر أرزاقهم وفق مصالحهم، فإذا احتاجوا واضطروا جاءهم الغيث، ولهذا قال بعد هذه الآية مباشرة: http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos1.pngوَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos2.png [الشورى: 28].
5 ـ حياة الأرض بعد موتها مما تمدّح الله به، في مثل قوله تعالى: http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos1.pngوَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos2.png [الحج: 5]، وهي دالةٌ على قدرته على إحياء الموتى، فقال سبحانه: http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos1.pngوَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌhttp://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos2.png [فصلت: 39].
6 ـ خشوع الأرض وطمأنينتها ولينها بعد جفافها وقسوتها ـ بسبب نزول المطر ـ هو المثل الذي ضربه الله للمؤمنين معاتباً لأجلاء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين على عدم خشوعهم الخشوع الحقّ عند سماع آيات الله تعالى، تدبر هذه الآية: http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos1.pngأَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَhttp://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos2.png [الحديد: 16، 17]، وفي صحيح مسلم من حديث ابن مسعود http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/anho.png: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية: http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos1.pngألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر اللهhttp://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos2.png [الحديد: 16] إلا أربع سنين!
أنا أتساءل: ترى لو قُدّر أن ينزل القرآن من جديد .. فما الآية التي يمكن أن نعاتب بها؟! نسأل الله أن يعفو عنّا.
وهذا الدرس من أعظم الدروس والعبر التي ينبغي الاعتبار بها في مثل هذه المناسبة، فكم في قلوبنا من الغفلة والقسوة!
7 ـ جاء في صحيح مسلم من حديث أنس http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/anho.png أنس: أصابنا ونحن مع رسول الله http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/slah.png مطر، قال: فحسر رسول الله http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/slah.png ثوبه، حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: «لأنه حديث عهد بربه تعالى».
ونصوص القرآن في وصف هذا الماء النازل تدور على وصفين: البركة والطهارة.
8 ـ جاء في سورة الفرقان التنبيه على أثر من آثار قدرة الله تعالى في تصريف نزول المطر، وتوقيته، فقال سبحانه: http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos1.pngوَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًاhttp://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos2.png [الفرقان: 48 - 50] قال ابن عباس: ما عامٌ بأكثر مطراً من عام، ولكن الله يصرفه في الأرضين، ثم تلا: http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos1.pngولقد صرفناه بينهم ليذكرواhttp://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos2.png.
وفي خاتمة الآية الكريمة: http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos1.pngفَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًاhttp://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos2.png تنبيه على ما سبق الإشارة إليه من خطورة التقصير في شكر هذه النعمة، والكفر بها، وعدم استعمالها في غير ما أحلّ الله تعالى.
9 ـ نزول الغيث بعد انقطاعه، هو دليل من أدلةٍ كثيرة على إحياء روح الفأل في النفوس على مستوى الفرد والجماعة، فلا ينبغي أن يستقر اليأس في نفس المؤمن والله ربّه، وهو الذي بيده مقاليد السماوات والأرض، فتأمل معي هذه اللمسات التي تشير إليها آية الشورى: http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos1.pngوَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُhttp://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos2.png فبيما الخلق متشوفون للمطر بعد غيبة الغيث عنهم، واقفون عاجزون عن سبب الحياة الأول: الماء، وأدركهم اليأس والقنوط، فإذا بالغيث ينزل، والمطر يهمي، والربُّ ينشر رحمته، فتحيا به الأرض، ويخضر اليابس، وينبت البذر، ويترعرع النبات، ويلطف الجو، وتنطلق الحياة، ويدب النشاط، وتنفرج الأسارير، وتتفتح القلوب، وينبض الأمل، ويفيض الرجاء، وما بين القنوط والرحمة إلا لحظات. تتفتح فيها أبواب الرحمة، فتتفتح أبواب السماء بالماء.
10 ـ التأمل في نزول المطر، ومادة هذا الماء، وعِلْمِ الله بعدد القطرات التي نزلت، ومتى تكونت في السحاب، وعلمه سبحانه بمواقع القطر، فلا تتجاوز قطرة محلها، وكيف يفتّق الله بهذا المطر حبوباً مدفونة في الأرض، وكيف تمتلئ بها خزائن الأرض، وكم هي المنافع التي ينتفع بها الخلق بهذا الغيث وهي منافع دينية ودنيوية= كل هذا من أسباب زيادة الإيمان، فإن أصول زيادة الإيمان لا تخرج عن ثلاثة أسباب:
1 ـ فعل الطاعات الواجبة والمستحبة.
2 ـ ترك المعاصي.
3 ـ التأمل في آيات الله الكونية، ومن ذلك نزول المطر.
وإلى هذا الأصل الثالث أشارت آية الروم: http://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos1.pngفَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌhttp://www.tafsir.net/vb/images/smilies/qos2.png
هذه وقفات مختصرة أثارها نزول الغيث بعد انقطاع طويل، أسأل الله تعالى أن ينفع ويبارك فيما أنزل، وأن يبارك فيما سُطِرَ ههنا، والحمد لله رب العالمين.

عمر بن عبدالله المقبل
أستاذ مشارك بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية
جامعة القصيم