خالد بن الوليد نشأ فى بيئة غنية مترفة فلك أن تعلم أيها الأخ الفاضل أن والد خالدهو الوليد بن المغيرة الذى كان أغنى أبناء زمانه بلا نزاع فهو الذى توعده الله فىقرآنه بسورة المدثر بقوله: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُمَالًا مَّمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّيَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} (11 ، 17) سورة المدثرإلى أخر الآيات من هذاالرجل إنه والد خالد بن الوليد، الوليد بن المغيرة فى هذه البيئة الغنية نشأ خالدلكنه راض وعود نفسه على الرجولة والفروسية والخشونة والبطولة، فكان يترك هذهالبيئة، ليركب فرسه وجواده ليشق به الوديان وليصعد به الجبال والقمم حتى صار فارساًلا يشق له غبار إلا أنه فى الوقت ذاته ورث الكره الشديد للإسلام عن أبيه فخالد هوقائد الميمنة فى غزوة أحد هو الذى باغت الرماة الذين خالفوا أمر رسول الله مباغتةأذهلتهم بل وأذهلت المسلمين بل وتشتت الجمع والشمل وتحول النصر إلى هزيمة حتى جرحالمصطفى وشق وجهه وكسرت رباعيته ودخلت حلقات المغفر فى وجهه الشريف .
جديداً مع المصطفى وأصحابه فى المدينة وانظر إلى فضل الله على خالد بعدثلاثة أشهر فقط، أو أقل يخرج خالد بن الوليد للمرة الأولى جندياً فى كتائب التوحيدوالإيمان بعد أن كان من ثلاثة اشهر فقط قائداً من قواد جيش الشرك والضلال إلى أينلمناطحة الصخور الصماء.. أين فى بلاد الشام فى غزوة مؤتة لمقابلة الروم الى يغبرونمن آن لآخر على حدود الدولة الإسلامية.
وأمر سيد البشرية الجيش أن يذهب إلىهناك ليؤدب الروم والقبائل التى والت الروم، وقام المصطفى بنفسه ليختار قواد الجيشالإسلامى كما فى صحيح البخارى فى كتاب المغازى من حديث ابن عمر أن النبى أمر علىالجيش فى غزوة مؤته زيد بن حارثة.
أسمع للمصطفى حين قال: "إن قتل زيد فجعفربن أبى طالب".. ما ينطق عن الهوى .. " فإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة"([2]) وانطلق الجيش وحينما وصل الجيش الإسلامى الذى لا يزيد على ثلاثة آلافمقاتلحينما وصل الجيش الإسلامى إلىأرض المعركة.
وجد الجيش نفسه أمام جيشجراز يزيد على مائة ألف مقاتل فتردد الصحابة فى القتال. فقال الشهيد الطيار صاحبالسرير الذهبى الشاعر الشهيد عبد الله بن رواحة القائد الثالث لما رأى الصحابة قدترددوا لهذه الكثرة المرعبة فى جيش الروم، فقال كلمات حركت القلوب ماذا قال عبدالله بن رواحه قال: يا قوم والله إن التى تكرهون التى خرجتم تطلبون – إنها الشهادةوما نقاتل عدونا بعتاد وعدد، وإنما نقاتل عدونا بهذا الدين الذى أكرمنا الله به،فانطلقوا فإنها إحدى الحسنيين إما نصر وإما شهادة.
فانطلق الجيش وتلاحم الجيشالإسلامى مع جيش جرار رهيب يزيد على مائة ألف فارس، ودارت معركة رهيبة وتتابع سقوطالشهداء، وقتل القائد الأول كما أخبر الصادق الذى لا ينطق عن الهوى قتل زيد بنحارثة، وقبل ان يسقط اللواء التقطه جعفر بن أبى طالب، ولكن الروم كثرة فقطع الروميمين جعفر فالتقط اللواء بشماله، فقطعوا شماله فالتقط اللواء وضمه بعضديه حتى لايسقط فطعنوه فى صدره، فسقط اللواء وسقط خيار الشهداء.
لكن عبد الله بنرواحة التقط اللواء من على الأرض سريعاً ورفعه عالياً. وراح ليذكر نفسه وإخوانةبالجنة، ولكنه قتل هو الآخر، وسقط اللواء للمرة الثالثة، فأسرع على اللواء صحابىجليل مبارك إنه ثابت بن أقرم وأرضاه، فالتقط اللواء من على الأرض، وظل ينادى: ياأبا سليمان يا أبا سليمان .. من أبو سليمان غنه الفارس العنيد، إنه البطل الرشيدإنه خالد ابن الوليد: يا أبا سليمان خذ اللواء انظروا إلى أدب خالد وتواضعه قال: لا . أنت أحق به منى يا ثابت فأنت أقدم إسلاماً، وقد شهدت بدراً مع رسول الله حتى فىهذه اللحظات يعرف أهل الفضل لذوى الفضل فى ساحة الوغى، وميدان البطولة والشرفوحينما تصمت الألسنة الطويلة وتخطب السيوف والرماح على منابر الرقاب لا ينسى الفضللأهل الفضل ذر الفضل فيقول خالد: لا. أنت أولى به منى يا ثابت، فأنت أكبر سنا منىوأنت ممن شهد بدراً مع رسول الله.
فقالت ثابت بن أقرم: لا ياخالد، والله ماأخذت اللواء إلا لك فأنت أدرى بالقتال منى ثم صرخ ثابت بن أقرم فى الجيش الإسلامىوقال: أيها المسلمون أتقبلون إمرة خالد بن الوليد، فهتف المسلمون جميعاً على لسانوقلب رجل واحد: اللهم نعم لقد رضينا إمرة خالد بن الوليد، فالتقط اللواء خالد بنالوليد واعتلى العبقرى جواده ورفع اللواء بيمينه إلى الإمام كأنما يفتح أبواباًمؤصدة مغلقة آن لها يإذن الله أن تفتح، وفى سرعة خاطفة فى ظلام الليل فعل خالد بنالوليد العجب العجاب.
لقد تولى خالد إمرة الجيش بعدما تحدد مصير المعركةبالفعل قتل القادة الثلاثة وانتهت المعركة يقيناً. وكانت المفاجأة المذهلة والكرامةالكريمة التى تنتظر عظيماً ليحققها هى أن يوقف الخسائر المذهلة فى الجيش الإسلامى،وأن يؤمن انسحاباً لأفراد الجيش بلغة العسكرين هذا قمة النصر.
وفى ظلامالليل اعتلى العبقرى بجواده ربوة عالية وألقى بعينين ثاقبتين كعينى الصقر نظرةفاحصة سريعة على أرض الميدان وعاد ليغير الموقف بأكمله فجعل الميمنة فى الجيش فىالميسرة وجعل الميسرة فى الميمنة وجعل المقدمة فى المؤخرة وقدم الساقة أى: المؤخرةإلى المقدمة، وغير الأعلام وأمر طائفة أخرى من الجيش أن تتأخر فإذا بزغ نور الصباحأمرها أن تثير غباراً وتراباً، ليتصاعد الغبار إلى عنان السماء وأمرهم أن يحدثواصياحاً وجلبة وضجيجاً وصراخاً فلما بدأت المعركة فى الصباح رأى الروم وجوهاً غيرالوجوه وأعلاماً غير الأعلام ورأوا غباراً ملأ السماء يرتفع إلى عنان السماء فظنالروم أن جيشاً ومدداً جديداً قد أتى من المدينة للجيش الإسلامى فقذف الله الرعب فىقلوبهم ففروا من الميدان واستطاع خالد بن الوليد الفارس العنيد أن يفتح ثغرة وسطهذه الكتلة الهائلة منجيش الروم.
لقد روى البخارى أن خالد بن الوليدتحطم فى هذا اليوم فى يده تسعة أسياف، تسعة اسياف تحطموا فى يد خالد واستطاع هذاالعملاق العبقرى أن يفتح ثغرة فى قلب هذا الجيش الرومى الهائل، وأن يؤمن انسحاباًللجيش الإسلامى حتى نجا بفضل الله المؤمنون ثم بعبقرية خالد.
وهنالك فىالمدينة قام المصطفى الذى لا ينطق عن الهوى، فلقد أوحى الله عز وجل له ما حدث فوقفالمصطفى فى المسجد وعيناه تذرفان بأبى هو وأمى وروحى ونفسى فقال كما فى صحيحالبخارى من حديث أنس قال:" أخذ الراية زيد بن حارثة فأصيب وأخذها جعفر بن أبى طالبفأصيب وأخذها عبد الله بن رواحة فأصيب ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح اللهعليهم"([3]) .. فسمى المصطفى نصر خالد فتحا
" ثم أخذ الراية سيف من سيوفالله حتى فتح الله عليهم" .. يا لها من منقبة عظيمة كريمة جليلة يا له من نيشانيعلقه المصطفى بيده الشريفة الطاهرةعلى صدر خالد بن الوليد ثم أخذ الراية سيف منسيوف الله حتى فتح الله عليهم.
وعاد خالد، ليحتل هذه المكانة المرموقةبتزكية المصطفى له، وبعد أشهر قليلة يخرج النبى قائداً للجيش الإسلامى ، لفتح مكةليجعل النبى خالد بن الوليد قائد الميمنة كما كان قائد لميمنة قبل ذلك فى جيشالشرك، ولكنه اليوم قائد الميمنة فى جيش التوحيد بقيادة المصطفى .
وتوفىالحبيب ويتولى الخلافة أبو بكر وتهب أعاصير الردة الماكرة المجرمة الخبيثة ويقومالصديق ذلكم الشيخ الجليل الذى ضم فى لحظات قليلة روح الشباب بين إهابه وتحولت محنةالردة بين يديه إلى منحة قام الصديق، ليجيش الجيوش وليعد ألويته بنفسه للقادة لقتالالمرتدين فى أقصى الجزيرة فلقد ظهرت فتنة الردة هنا وهناك وهنالك، وقام الصديقللقضاء عليها وحينما أعطى اللواء لكل قائد أتجه نحو خالد فقط وقال الصديق لخالد: ياخالد إنى سمعت رسول الله يقول: " نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد سيف منسيوف الله سله الله على المشركين المنافقين"([4]) .. والحديث رواه أحمدوقال الهيثمى: رجاله رجال الصحيح ورفع اللواء لخالد وانطلق خالد بنالوليد وبدأت معارك الردة وانطلق خالد من نصر إلى نصر ومن عزة إلى عزة ومن كرامةإلى كرامة حتى اشتعلت نار المعركة الرهيبة ألا وهى معركة اليمامة.
فلقداستطاع الدعى الكذاب مسيلمة أن يهزم عكرمة بن أبى جهل وهو أحد القواد على الجيوشالإسلامية استطاع الكذاب مسيلمة أن يهزم عكرمة بن أبى جهل هزيمة نكراء فأصدرالأوامر خليفة رسول الله لخالد بن الوليد أن يتجه مسرعاً لقتال مسيلمة، وهنالك جمعخالد بن الوليد الجيوش، وتولى القيادة العامة والتقى مع مسيلمة فى معركة فاصلةحاسمة إنها معركة اليمامة، ودار قتال رهيب رهيب وبالفعل تساقط كثير من قراء القرآنالكريم من أصحاب النبى وتتابع سقوط الشهداء، واعتلى العبقرى أيضاً بجواده ربوةعالية ثم عاد إلى أرض المعركة مسرعاً فنظم الصفوف وأعاد الترتيب ثم نادى بأعلى صوتهفى الجيش: امتازوا اليوم لنعلم بلاء كل حى .. امتازوا اليوم لنعلم بلاء كل حى .. يريد أن يكشفهم أمام أنفسهم وأمام إخوانهم ليبلى كل قائد وكل جندى بأقصى ما يملكةلدين الله.
وبالفعل سرعان ما تساقط جند مسيلمة بالمئات فمن لحظاتتساقط المسلمون بالعشرات بل بالمئات كزهور حديقة غناء طوحت بها عاصفة عنيدة شديدةوبعد لحظات بفضل الله ثم بفضل خالد يتساقط جند مسيلمة بالمئات كالذباب الحقير خنقتأنفاسه نفثات مطهر مبيد وحسمت المعركة بفضل الله لخالد، وللمسلمين.
ولميسترح خالد بن الوليد حتى أصدر الخليفة المبارك أبو بكر أوامره لقائدة المبارك أنينطلق بعد حروب الردة انطلاقة أخرى كبيرة إلى أين؟ إلى أعظم إمبراطورية فى الشرقإنها إمبراطورية الفرس بقيادة هرمز البطل المغوار والقائد المعروف المحنك، فبدأخالد بن الوليد معاركه الجديدة فبدأ بالعراق وبدأ المعارك بإرسال الكتب لقادةالألوية الكسروية فى العراق وتوايعها فماذا قال خالد؟اسمع وتدبر أيها الأخالحبيب قال خالد: بسم الله الرحمن الرحيم: من خالد بن الوليد إلى مرازبة فارس سلامعلى من اتبع الهدى وبعد فالحمد لله الذى فض وسلب ملككم، ووهن كيدكم، من صلى صلاتناواستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلكم المسلم له ما لنا وعليه ما علينا، فإما أنتسلموا وإما الجزية، وإما الحرب وإلا فوالله لقد جئتكم برجال يحبون الموت كما تحبونالحياة.
ودب الرعب فى قلوب مرازبة فارس لاسم خالد. ولن أفصل فى المعاركفهذا يحتاج إلى خطب طويلة لكن على الجملة أقول: استطاع خالد بن الوليد فى عام واحدأن ينجز ما عجز الرومان أن ينجزوه مع الفرس فى أجيال سأكرر لمن اراد أن يراجعالتاريخ اقول: استطاع خالد بن الوليد فى عام واحد ان ينجز ما عجز الرومان أن ينجزوهمع الفرس فى أجيال فلقد دخل خالد مع الفرس خمس عشرة موقعة لم يهزم فى موقعة واحدةبفضل الله وكان من أخطر هذه المواقع التى خاضها خالد مع الفرس موقعة ذات السلاسلوسميت بذات السلاسل، لأن الفرس من الأبطال كانوا يقيدون أنفسهم بالسلاسل خشية أنيفروا من الميدان تحت ضربات خالد الساحقة.
وأنتهت الموقعة بفضل الله بنصركبير جديد لخالد وللجيش الإسلامى وبهزيمة منكرة لجيوش كسرى ستعجبون أن الخليفةالراشد أبا بكر وارضاه فى هذا التوقيت الذى أمر فيه خالد بن الوليد أن ينطلق إلىالإمبراطورية الفارسية كان قد أعد جيوشاً أخرى لمقاتلة الإمبراطورية الرومانية فىبلاد الشام لقتال الروم يا له من عجب!
انظروا إلى الرجال الذين ما عاشوا منأجل العروش والكروش والفروج وعاشوا من أجل الكراسى الزائلة والمناصب الفانية بلعاشوا من أجل الله ودين الله يرسل جيوشاً أخرى فى الوقت ذاته، لقتال الروم، لقتالالإمبراطورية الرومانية فى بلاد الشام، وقام الصديق بنفسه أيضاً ليختار قادة هذهالجيوش فاختار أبا عبيدة بن الجراح وجعل القيادة العامة فى يده واختار عكرمة بن أبىجهل، ويزيد بن أبى سفيان وعمرو بن العاص وجعل القيادة العامة لأمين الأمة أبى عبيدةوأرضاه ولكن الجيش المسلم حينما وصل إلى حدود الشام وسمع إمبراطور الشام أنه قدأرسل جيشاً لملاقاته غضب امبراطور الروم غضباً شديداً وقال كلمة خطيرة قال: واللهلأشغلن أبا بكر عن أن يورد بعد ذلك خيله إلى أرضنا .. والله لأشغلن أبا بكر عن أنيورد بعد ذلك خيله إلى أرضنا.
فجيش جيشاً لملاقاة المسلمين.. تدبر الرقميزيد عدد الجيش الرومى على مائتين وأربعين ألف مقاتل، فلما رأى القادة الموقفالرهيب، والصورة الجديدة أرسلوا رسالة بالبريد السريع ولم يكن هناك ما يعرف الآنبهذه الوسائل إنما البريد السريع هو أن يكلف رجل من الفرسان الذين يجيدون الجرىوالكر فى الطرق والجبال والوديان، ليحمل رسالة مكتوبة من قائد الجيش إلى الخليفةوليرجع بأوامر الخليفة إلى القادة فأرسلوا برسالة سريعة إلى أبى بكر يخبروه بالأمرالجديد وبالجيش المقابل.
اسمع ماذا قال الصديق رداً على قول إمبراطور الرومقال: والله لأشفين وساوسهم بخالد .. والله. لأشفين وساوسهم بخالد .. فأصدر الخليفةالأمر إلى الفارس الرشيد والبطل العنيد خالد بن الوليد أن يترك العراق وينطلقمسرعاً إلى الشام، ليتولى القيادة مكان أبى عبيدة وسأقف وقفة سريعة قبل أن أصل معخالد إلى جبهة الشام فإن خالد عبقرى من طراز فريد ومخلص لله من طراز كريم، حان عليهأول موسم للحج ظن فيه أنه يستطيع أن يؤدى الفريضة وهو فى العراق.
ففى سريةتامة ركب جواده وانطلق بسرعة البرق من أقصى العراق إلى جنوب الجزيرة فأدى فريضةالحج دون أن يعلم الخليفة أبو بكر مع أنه أمير الحج ودون أن يعلم أحد فى الجيشالإسلامى إلا الخاصة من المقربين من قواده، ودون أن يعلم أحد من الأعداء فى أسبوعيناثنين حج خالد وعاد من مكة إلى العراق، ثم أصدر إليه الأمر أن يسير ليتولى قيادةالجيوش فى الشام.
اسمع وتدبر يا شباب الصحوة، أرسل الخليفة المبارك أبو بكررسالة إلى الأمين أبو عبيدة بن الجراح. فقال فيها : بسم الله الرحمن الرحيم من أبىبكر لأبى عبيدة بن الجراح، هكذا من أبى بكر إلى أبى عبيدة بن الجراح. سلام اللهعليك وبعد : فإنى قد وليت خالد بن الوليد القيادة فى بلاد الشام فلا تخالفه واسمعله واطع والله ما وليت خالد القيادة إلا لأنى ظننت أن له فطنة فى الحرب ليست لكوأنت عندى يا أبا عبيدة خير منه أراد الله بنا وبك خيراً والسلام. , أبو بكر.
إنه التجرد إنه رجل الساعة بجدارة هو خالد فيتقدم خالد ليس المهم من يرفعالراية المهم أن تُرفع الراية، ليس المهم من يقول الحق المهم أن يُقال الحق فليرفعالراية خالد وليساعده أبو عبيدة، وليرفع الراية أبو عبيدة وليساعدة خالد ويكتب خالدبن الوليد رسالة رقراقة لطيفة لأخيه الأمين أبو عبيدة فيقول فيهاك بسم الله الرحمنالرحيم من خالد بن الوليد إلى أخيه الأمين أبى عبيدة بن الجراح سلام الله عليكوبعد. فإنى قد تلقيت كتاب خليفة رسول الله يأمرنى بالسير إلى بلاد الشام لتولىجندها والقيام على أمرها ووالله ما طلبت ذلك وما أردته فأنت فى موطنك الذى أنت فيهيا أبا عبيدة لا نستغنى عن مشورتك ولا عن رأيك فأنت سيدنا وسيد المسلمين أراد اللهبنا وبك خيراً والسلام.
يا له من تجرد ، بهذه القلوب نصر الله الأمة بهذهالقلوب المتجردة، نصر الله الأمة لكن انظروا الآن إلى حب الزعامات وحب الصدارات وحبالقيادات المهم أن أقول أنا أما أنت فلا !!!! المهم أن أتصدر أنا أما أنتفلتتأخر!!! هذا هو الواقع المر الأليم، ويتنازل الأمين أبو عبيدة عن القيادة لأخيهسيف الله المسلول خالد بن الوليد وبسرعة البرق يا إخوة فى أيام لا يصدفها عقل عسكرىفضلاً عن عقل إنسان عادى، يترك خالد العراق تحت قيادة أخيه المبارك المثنى بنحارثة، لينطلق بجيشة إلى الشام فى طريق لا يسير فيه أحد أراد أن يختصر الطريقاختصاراً حتى وصل إلى إخوانه وهنالك التقى بالقادة . بأبى عبيدة وبعمرو بن العاصوبيزيد بن أبى سفيان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها القادة أيها القادة هذا يوممن أيام الله فأخلصوا جهادكم لله عز وجل فإن هذا اليوم له ما بعده فإن رددناهماليوم وهزمناهم لم نزل نردهم ونهزمهم بقية الأيام بإذن الله. وإن هزمونا اليوم لننفلح بعدها أبداً ، فتعالوا بنا لنتبادل الإمارة فليكن أحدنا اليوم أميراً، وليكنأحدنا فى الغد وليكن أحدنا بعد الغد حتى يتأمر الجميع إن شاء الله وأستأذنكم أنتتركوا الإمارة لى فى اليوم الأول فأذنوا له.
وقام العبقرى لينظم الجيوشوبدأ القتال بإشارة خالد الذى اعتلى جواده بعبقرية فذة نادرة وحرك اللواء وصرخ صرخةدوت فى الجيش كله وسرت القوة والحماسة فى عروقهم كسريان التيار الكهربائى فىالأسلاك وهم يسمعون خالد بن الوليد وهو يقول: الله أكبر هبى رياح الجنة .. اللهأكبر هبى رياح الجنة.
وأبلى المسلمون فى هذا اليوم بلاءاً لا يستطيع أديببليغ أن يعبر عن شئ منه فهاهم المسلمون يفعلون الأعاجيب فى هذا اليوم ها هو رجل منالصحابة ينادى فى أرض المعركة على أبى عبيدة بن الجراح ويقول: يا أبا عبيدة يا أباعبيدة فيلتفت إليه أبو عبيدة ويقول: ما حاجتك؟ فيقول الصحابى: بل أنت هل لك حاجةأبلغها لرسول الله ، فإنى عازم اليوم على الشهادة وسألقى رسول الله اليوم فهل لكحاجة لأبلغها لرسول الله؟ فقال أبو عبيدة : نعم أقرئ رسول الله منا السلام وقل له: يا رسول الله إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا.. وهذا عكرمة ابن أبى جهل؟ أجل أبن أبىجهل عكرمة الصحابى المبارك يصرخ فى أرض المعركة وينادى على الصحابة ويقول: يا أصحابرسول الله من يبايع على الموت؟! من يبايع على الموت ؟! فتبايعه كوكبة من الأطهارالأبرار فيقول عكرمة: لطالما حاربت رسول الله قبل أن يهدينى الله للإسلام أأفراليوم من الجهاد فى سبيل الله لا والله من يبايع على الموت؟! فتبايعه كوكبة أخرى .. فانطلقت هذه الكوكبة بقيادة عكرمة، لتبحث عن الشهادة لا عن النصر فصدقوا اللهفصدقهم الله جل وعلا وانتهت الموقعة الحاسمة بنصر مؤزر لخالد بن الوليد وللمسلمينوفى أوج هذه الانتصارات المذهلة يموت خليفة رسول الله ويحمل البريد رسالة منالخليفة الجديد المبارك عمر بن الخطاب إلى أبى عبيدة بن الجراح، ليخبره فيها بموتخليفة رسول الله وليأمره فيها بأن يتولى القيادة من جديد.
وهنا قالالكذابون المغرضون ما قالوا فى حق عمر فقالوا: إن عمر بن الخطاب قد عزل خالد بنالوليد لضغينة قديمة فى نفس عمر نحو خالد وهذا أمر ورب الكعبة لا يليق بأحادالمؤمنين الصادقين فكيف بمن أجرى الله الحق على لسانه وقلبة بشهادة النبى الأمين؟كيف بعمر الذى بلغ من الصدق والإخلاص والعظمة والنقاء والصفاء ما لم يستطع أديب أوعالم مبارك أن يعبر عن شئ منه؟ كيف والذى شهد بصدق عمر وبأن الله أجرى الحق علىقلبه ولسانه هو المصطفى؟ كيف يقول مغرض عن عمر هذا؟ كيف يقال: بأن عمر عزل خالداًلعداوة قديمة؟تقول كتب التاريخ التى لم تحقق كما فصلت قبل ذلك بأن عمر قدصارع خالد بن الوليد فترة الصبا فصرع خالد عمر فحملها عمر فى نفسه لخالد فلما تولىعمر الخلافة عزل خالد فى تمثيلية سخيفة لا تليق هذه المسرحية الهزلية بآحادالمؤمنين الصادقين فضلاً عن اصحاب سيد المرسلين.
وق خالد بن الوليد موقفاً،ورب الكعبة مع كل ما قدمة خالد لا أرى أعظم وأكرم وأشرف وأكبر وأطهر واجل من موقفههذا من يوم أن أسلم إلى يوم أن مات، نعم .. يدفع أبو عبيدة الكتاب لخالد فيقرأ خالدبن الوليد الكتاب فيؤدى تحية الجندى لقائدة فى التو واللحظة، ليصير خالد بن الوليدجندياً مطيعاً، بعد أن كان بالأمس القريب قائداً كبيراً مطاعاً، إنها العظمة هؤلاءلا يعملون للكراسى ولا يعملون للمناصب وإنما يعملون لله.
وفى صحيح البخارىمن حديث أبى هريرة وفيه أن المصطفى قال (ص)" طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه فى سبيل الله . أشعت الرأس مغبرة قدماه إن كان فى الحراسة كان فى الحراسة وإن كان فى الساقة كانفى الساقة وإن استأذن لا يؤذن له وإن شفع لا يشفع" ([5])
رجل لا يريدمنصباً سياسياً، ولا يريد طبلا أو زمراً إعلامياً إنما هو يريد رب البرية جل جلالهلا يريد بعمله إلا الله، فإن كلف القيادة فهو جندى لله وإن كلف بالجندية فهو جندىلله لا يبتغى الأجر إلا من الله فى علاه فيتنازل خالد عن القيادة لأخيه الأمين،ليصير جندياً مطيعاً بعد أن كان قائداً مطاعا.
ولنرجع إلى عمر لماذا عزلتخالداً يا عمر لماذا؟ أجب أنت فأنت متهم من الكذابين فلماذا عزلت خالد بن الوليدسيف الله المسلول؟ والجواب فى كلمات حاسمة قاطعة كالحق الذى أجرى على قلب ولسان عمريقول: لا أمير على أبى عبيدة.. هذه هى الأولى.. لا أمير على ابى عبيده هذه مكانةأبى عبيد عند عمر فهو أمين الأمة، لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بنالجراح بشهادة رسول الله .
وانظر إلى الكلمة الثانية الأخطر قال عمر: أرسلرسالة إلى الأمصار حينما بث المنافقون هذا القول فى عزل عمر لخالد فأرسل عمر كتاباًإلى الأمصار ليبين سر عزله لخالد بن الوليد فقال بعدما حمد الله وأثنى عليه: إنا لمنعزل خالد ابن الوليد لسخط أو لخيانة وإنما عزلته لأنى قد رأيت الناس قد فتنوا بهوظنوا أن النصر من عنده فأردت أن أعلمهم أن النصر من عند الله وأن الله هو الصانع.. لأنى رأيت الناس بعرض فتنة.
كلمات فى عقيدة التوحيد حاسمة عمر طبيب للقلوبومن عاش منكم مع خالد ورأى نصره المتتالى لشعر بكلمات عمر لقد ترددت الكلمات بالفعلوفتن كثير من الناس بخالد وبسيف خالد وظنوا أن النصر فى سيف خالد وبسيف خالد لا منعند رب خالد الذى يوفق خالد بن الوليد فصار الناس بعرض فتنه خطيرة على القلوب فأرادمن أجرى الله الحق على قلبه ولسانه أن يربط قلوبهم بالملك {وَمَا جَعَلَهُ اللّهُإِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّمِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (126) سورة آل عمران وها هو خالد ينامعلى فراش الموت فماذا قال خالد وماذا قيل عنهفيا أيها الأحبة الكرام أرجو أنتركزوا معى فى هذه اللحظات الحاسمة الأخيرة من حياة عبقرى الإسلام والمسلمين خالدبن الوليد وارضاه وصلى الله على أستاذه ومعلمه، ها هو خالد ينام على فراش الموتبعيداً عن ساحة الوغى وميدان البطولة والشرف يا إلهى سبحانك فيقول خالد: والله لقدشهدت كذا وكذا زحفاً وما فى جسدى موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم او طعنةبرمح وها أنا ذا أموت على فراشى رغم أنفى كما يموت البعير فلا نامت أعينالجبناء..
لم يقدر رب الأرض والسماء لقائد الميادين أن يموت فى الميدان بلقدر له أن يموت على فراشه، ليعلم الله جل وعلا الجبناء ممن يحرصون على الحياة بأىثمن ولو كان على حساب الدين والعقيدة، ليعلم الله جل وعلا الذين يحرصون على الحياةبأى ثمن، ولو كان على حساب الدين والعقيدة ليعلم الله جل وعلا الذين يحرصون علىالحياة التافهة الرخيصة من حياة الشهوات والشبهات ولو على حساب دين رب الأرضوالسماوات أن الموت إن حان موعده لا يؤجل ولا يقدم كما قال الله تعالى: {وَلِكُلِّأُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَيَسْتَقْدِمُونَ} (34) سورة الأعراف أينما كنت وحيثما كنت ولو كنتم فى بروج مشيدةفإن ملك الموت لا يستأذن أحداً إذا جاءه الأمر من الله نفذ لا يرهب سلطاناً ولاحاكماً ولا مالكاً يموت خالد على فراشه ويبكى وهو يردد هذه الكلمات ثم يردد كلمةالتوحيد: لا إله إلا الله لا إله إلا الله وتفيض روحه الكريمة إلى خالقها وبارئهاجل فى علاه ويموت عبقرى الإسلام ويموت البطل العنيد ويموت الفارس الرشيد يموت سيفمن سيوف الله سله الله على المشركين والمنافقين.
يموت خالد بنالوليد. إيه يا بطل غيه يا بطل كل نصر إيه يا فخر كل ليلة ها أنت ذا قد أتممت مسراكفلسيرتك المجد أبا سليمان ولذكراك الخلد يا خالد وتعالى لنودعك بهذه الكلمات الرطابالعذاب لعمر بن الخطاب الذى قال حينما سمع بموت خالد قال: والله ما عند الله لخالدخير له مما قدم ومما كان فيه ثم قال عمر: لقد عاش حميداً ومات سعيداً.. بل وما نسيهعمر وهو على فراش الموت فقيل لعمر وهو على فراش الموت، ألم تعهد .. يعنى ألمتستخلف.
فقال عمر: والله لو أدركت أبا عبيدة بن الجراح لوليته خلافةالمسلمين فإن قدمت على ربى وسألنى: لم وليت أبا عبيدة لقلت لربى: سمعت خليلى رسولالله يقول:" لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح". ([6]) .
اسمع ولو أدركت خالد بن الوليد لوليته فإن قدمت على ربى وسألنى : لم وليتخالد بن الوليد؟ لقلت: سمعت رسول الله يقول:" خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سلهالله على المشركين والمنافقين". ([7])
وأثر عمر أثر صحيح رواتهكلهم ثقات إلا أبا العجماء من باب الأمانة العلمية وأبو العجماء مختلف فيه وثقة ابنمعين وابن حبان والدارقطنى.
وهكذا يموت قائد المجاهدين وعلم فنالقتال وإدارة الحروب ولميادين أرجو الله عز وجل أن أكون بسيرته قد قدمت شيئاً منالعبرة والعظة وقد قدمت قدوة جليلة كريمة طيبة وأرجو الله بهذه الكلمات أن يحيىسبحانه روح الجهاد فى أمتنا بعد أن تصحح إيمانها وعقيدتها بربها إنه ولى ذلكوالقادر عليه..